بيوت بلاستيكية لم تعد تطعم خبزاً ومزارعون “فقدوا الثقة” ويفكرون بالعزوف!!

بيوت بلاستيكية لم تعد تطعم خبزاً ومزارعون “فقدوا الثقة” ويفكرون بالعزوف!!

أخبار سورية

السبت، ٣٠ مايو ٢٠٢٠

أغلب المستهلكين لا يعرفون إلا المنظر الخارجي للبيوت البلاستيكية، ومعظمهم لا يعنيه سوى توافر المادة في غير مواسمها، أما ظروف عمل أصحاب هذه البيوت ومدى المعاناة التي يعيشونها مع كل فصل، فلا يعلم بها إلا من يعيشها، فالبيوت البلاستيكية تحتاج – كي تنتج وتثمر – إلى عناية تشبه رعاية طفل صغير، فعندما تتساقط الثلوج أو تنخفض درجات الحرارة يجب على أصحاب البيوت البلاستيكية أن يمضوا لياليهم سهارى يشعلون النار لتخفيف صقيع البرد عن النباتات المزروعة في الداخل، وإذا تحركت رياح قوية – كما حصل مؤخراً – سيتابعون مشاهد “شلخ” النايلون، عاجزين عن فعل أي شيء، وما عليهم سوى الدفع لترميم الأعطال، كي يستمر الموسم. وعندما يصل الموسم إلى مرحلة الإنتاج تبدأ مشاكل التسويق.
بغصة وحزن شديدين، يقول مزارع من الزبداني: زراعة البيوت البلاستكية لم تعد تطعم خبزاً.. تعب وشقاء وسهر طويل والمردود بالقروش.. هذه الزراعة باتت اليوم عبئاً! ويتابع: مع بداية كل موسم، يتم تسخير كل الطاقات لزراعة صالات الزراعة المحمية التي بدأ العمل فيها منذ عقدين من الزمن، وفي كل موسم يأمل المزارع أن تعوض هذه الزراعة جزءاً بسيطاً من الأتعاب، ولكنها في نهاية كل موسم تبوء الآمال بالفشل.
أمل مفقود 
يوضح مزارع آخر إنه عندما بدأ بالزراعة كانت الأمور أفضل من اليوم، ولكن حالياً تضاعفت أسعار مستلزمات هذه الزراعة بشكل يفوق عوائدها، يضاف إلى ذلك عدم وجود أسواق لتصريف الإنتاج، وكذلك السماح باستيراد البندورة في ذروة الإنتاج من الدول المجاورة.. وكل هذا يوقع المزارعين بخسائر محققة وكبيرة. وعلى الرغم من المطالب الكثيرة والمتكررة عن طريق اتحاد الفلاحين والوحدات الإرشادية لإنفاذ مزارعي البيوت المحمية وإنصافهم من خلال إيجاد أسواق لتصريف الإنتاج بالسعر الذي ينصفه، إلا أنه لا حياة لمن تنادي.
مزارع من سرغايا يقول إنه يعمل، هو وأسرته، في زراعة البيوت البلاستيكية منذ سنوات، وهي تشكل مصدر رزقه الوحيد، ويرى أن الأمور إلى أسوأ. وخلال السنوات القادمة، وبعد الارتفاع الجنوني لأسعار مستلزمات الإنتاج، يعتقد بأن الكثير من المزارعين لم يستطيعوا متابعة الزراعة، وبالتالي خرج عدد كبير من المزارعي من الخطة الزراعية، وهذا يعني خسارة كبيرة في الزراعة المحمية التي تعد السلة الغذائية الأساسية في سهل سرغايا.
المزارع والصقيع
يستنفر مزارعو الزراعات المحمية لاستقبال فصل الشتاء الذي يشكل لهم حالة قلق كبير لجهلهم بما سيؤول إليه الحال، خاصة في حال تعرض محصولهم لأي كارثة طبيعية. وقد تعود خده “على اللطم”  – كما قال المزارع السرغاني – من صقيع مفاجئ أو رطوبة، وما إلى ذلك، فهو يصل ليله بنهاره يسهر على محصوله يداريه، فهذا المحصول مصدر عيشه لسنة كاملة؛ لذلك يرصد المتنبئ الجوي بعناية، وعند انخفاض درجات الحرارة فإن أول عمل يقوم به هو السهر طوال الليل ووضع برنامج مناوبات مع أهل بيته، فالمحصول بخطر.
هنا يضيف عمر سلوم من سكان بلدة سرغايا (موظف ويعمل بالزراعة المحمية) أنه منذ الثمانينيات، وفي الأيام الباردة والعاصفة، أول ما يأمله هو عدم انقطاع التيار الكهربائي، لأن انقطاعه في يوم صقيع يمثل كارثة حقيقية، لأنها ستؤدي إلى تلف كامل للمحصول. ولأن أسباب انقطاع الكهرباء كثيرة فهم يضعون كافة الاحتمالات، فقد تنقطع الكهرباء بسبب عطل أو ضغط على الشبكة، فلا بد من البحث عن مولدة لدعم البئر الارتوازي، ونبدأ قبل أن تنخفض درجة الحرارة بتشغيل الري بالرذاذ على البيت البلاستيكي من الخارج لكي تتشكل طبقة من الجليد، وبالتالي تشكل طبقة عازلة تحمي المحصول داخل البيت، إضافة إلى مهمة ثانية، وهي صعبة للغاية، وتكمن في الكشف عن “الفالات” التي تسرب المياه، أي أن على المزارع الصعود إلى أعلى البيت البلاستيكي المغطى بالجليد، وفي هذا خطورة كبيرة، فأي حركة خاطئة تؤدي إلى وقوعه وإصابته بكسور، وهو ما يحدث بشكل متكرر، إضافة إلى المعاناة الكبيرة من مياه الآبار الارتوازية غير النقية، فهي مملوءة بالشوائب، وبعض الآبار ملوثة بسبب عدم وجود شبكات للصرف الصحي في البلدة حتى اليوم، وهذا تحد كبير أمام المزارع.
غير منصف
يتابع مزارعون بأنهم قد يتعرضون لرياح تقلع البيت والشتول من جذورها، إضافة إلى ما يتعرض له المحصول من عفونة نتيجة الرطوبة الزائدة على مدى أكثر من شهرين، ما يؤدي إلى زيادة أمراض النبات، وبالتالي انخفاض الإنتاج بشكل كبير. أما الرياح الشرقية فهي الأكثر خطراً، لأنها تضرب النايلون وتمزقه، وتسبب خسائر كبيرة تضاف إلى قائمة الخسائر التي يتعرض لها المزارع من كوارث يقف المزارعون عاجزين أمامها، ويرون أن تدخل صندوق التعويض عن الأضرار والكوارث في وزارة الزراعة غير منصف بالنسبة لمزارعي البلاستيك بسبب الشروط الموضوعة والتي لا تدعم المزارع ولا تحميه، وهي تحتاج إلى إعادة دراسة وتعديل لأن الآلية المطبقة حالياً يمكن وصفها بالخاطئة – كما يقولون. ويتساءل المزارع: لماذا تغيب الدولة عن تأمين مستلزمات الإنتاج للمزارعين لحمايتهم من التجار الذين يحسبون ويبيعون بالدولار، كما أن أغلب التجار يبيعون بسعر عال بحجة أنهم اشتروا المستلزمات بسعر غال لأن سعر الدولار مرتفع!!؟
مشاكل إضافية
يضاف إلى ما سبق من صعوبات، يقف في وجه استمرار الزراعة المحمية امتناع الكثير من الصيدليات الزراعية عن تمويل المزارع، وذلك منذ بدء الأزمة وحتى اليوم، وهو ما ساهم في ترك الكثيرين للعمل في هذه الزراعة، إضافة إلى ارتباط العديد من المزارعين بالسماسرة الذين يمولونهم، ولكن بالمقابل يأخذون الموسم بالسعر الذي يفرضونه ولا يعطون بدل الموسم، إلا بعد أشهر وأغلبهم توقف عن التمويل، إضافة إلى أن المزارع فقد الثقة بالجهات المعنية التي تقف موقف المتفرج في كل موسم، وتجري الدراسات والزيارات الميدانية ولا نتائج على أرض الواقع.
وتساءل مزارعون: أين مؤسسة إكثار البذار؟ ولماذا لا تعمل على إنتاج بذار خاص بالزراعة المحمية ذي نوعية جيدة؟ وما هو دور البحوث العلمية في هذا المجال؟ ولماذا يستطيع التاجر مواكبة المزارع وتأمين احتياجاته، ولكن بأسعار مضاعفة، وبذار غير مضمون النتائج!!؟ وكذلك تساءل البعض الآخر عن الرقابة الغائبة، وعن أسباب ترك المزارع لقمة في يد التجار، حيث يشتري من السوق السوداء وخاصة مستلزمات الإنتاج، وأين الرقابة على المنتج والمصدر وأسواق الهال والصيدليات الزراعية؟! كما طالبوا بفتح أسواق داخلية وخارجية أسوة بمواد أخرى، لأن استمرار كل هذه الظروف المحيطة بمزارعي الزراعات المحمية والخسائر المتلاحقة ستدفعهم إلى هجرة هذه الزراعة، في وقت يجب أن تشكل الزراعة العصب الأساسي للوصول إلى عملية التصنيع الزراعي، وكل هذا سيشكل رافعة للاقتصاد الوطني، إلا أن مزارعين أكدوا أنهم ملوا الوعود والكلام، وأنه عندما تقع الكارثة يسارع المسؤولون مع الكاميرات لالتقاط الصور وإعطاء التصريحات والوعود، وبعدها ينتهي كل شيء، ويبقى المزارع ينتظر النتائج، و”على الوعد يا كمون!”.
متابعة
بالعموم يعزو المختصون خروج بعض المزارعين من هذه الزراعة إلى كشف قسم من هذه البيوت المحمية، وبقائها دون غطاء وزراعتها بمحاصيل وخضروات مكشوفة. وبالمقارنة، نجد انخفاضا بعدد البيوت خلال العام 2018 و2019، وقد أكد المزارعون أن الوضع سوف يتفاقم ما لم تتدخل وزارة الزراعة في إيجاد حل للارتفاع الكبير لمستلزمات الإنتاج الزراعي.
وبين رئيس مكتب الشؤون الزراعية في اتحاد فلاحي دمشق، المهندس عماد سعادات، أن التعويض على الإنتاج الزراعي المتضرر نتيجة الكوارث الطبيعية والجفاف، وأضرار لا يمكن تفاديها، أو منع حدوثها، يتم وفق الأنظمة والقوانين التي تضبط آلية العمل، والتي تتضمن أن تزيد المساحة المتضررة لمحصول ما في الوحدة الإدارية عن 5%، وأن يزيد حجم الضرر عند المزارع المرخص أو المنظم زراعياً على 50% من الإنتاج المباشر، وبالدرجة الأولى يجب أن يتقدم بطلب قانوني إلى وحدته الإرشادية أو لجنة المنطقة الخاصة بتحديد حجم الضرر من الكوارث الطبيعية على الإنتاج الزراعي، وذلك خلال 15 يوما من تاريخ حدوث الضرر، وقبل زوال أثره، ويوثق كل ذلك بالثبوتيات الرسمية المطلوبة والصور والفيديو للأضرار، وأن يكون حائزا على التنظيم الزراعي أو كشف حسي بتاريخ سابق لتاريخ حدوث الضرر.. وضمن هذه الأسس القانونية يتم التعويض على المزارعين المتضررين المحققين لشروط التعويض المطلوبة.
عبد الرحمن جاويش