مكتباتنا المدرسية.. لماذا لا تنفض عنها الغبار وتتحول إلى مراكز للتعلّم؟

مكتباتنا المدرسية.. لماذا لا تنفض عنها الغبار وتتحول إلى مراكز للتعلّم؟

أخبار سورية

الثلاثاء، ٢٦ نوفمبر ٢٠١٩

إلهام العطار:   
أمام الواقع التقليدي الذي ارتسم في أذهان الكثير من الطلبة في مختلف المراحل الدراسية من أن المكتبة المدرسية هي مستودع للكتب القديمة أو مخزن لوسائل الإيضاح، وأن من يدير ذلك المكان هو مدرس أو مدرسة على أبواب التقاعد أو من يشكو من وضع صحي معين، يكثر الحديث اليوم عن تحويل ذلك الواقع المنسي والمترهل لتلك الغرف في المدارس إلى مراكز مصادر التعلم، على اعتبار أن المكتبات المدرسية تؤدي دوراً مهماً بوصفها جزءاً لا يتجزأ من العملية التعليمية، كما أنها- كما أوضحت إيمان نحيلي العاملة في المكتبة المركزية في وزارة التربية من خلال بحثها الذي حمل عنوان «نحو فلسفة جديدة للمكتبات المدرسية الحكومية»- تعد أحد مظاهر التقدم التي تتميز بها المدرسة في عالمنا المعاصر، وهي تخدم حاجات المناهج وتسد النقص الحاصل في المقررات المدرسية، ومما لا يخفى على أحد أن هذه المكتبات تؤدي دورها في العملية التعليمية والتربوية، وهو ما يجب أن تحققه لخلق جيل واع قادر على مواصلة التقدم، مضيفة: ولتحقيق هذا الهدف لابد من أن تسير هذه المكتبات على خطا فلسفة جديدة متطورة تساعدها على النهوض من واقعها المرير، وتفعيلها من خلال العمل عليها إدارياً وفنياً، فما هو مفهوم مركز مصادر التعلم، وما متطلباته، كيف تطورت المكتبات المدرسية عالمياً، وعلى المستوى المحلي كيف يتبلور التصور المقترح لتحويل المكتبات المدرسية الرسمية التقليدية إلى مراكز مصادر تعلم؟
اكتساب للخبرات عن طريق التعلم الذاتي
تقول نحيلي: يمكن تعريف مركز مصادر التعلم بأنه بيئة تعليمية تحوي أنواعاً متعددة من مصادر المعلومات، يتعامل معها المعلم والطالب، وتتيح له فرص اكتساب الخبرات وإثراء معارفه عن طريق التعلم الذاتي والجماعي، وتعزز لديهم مهارات البحث والاستكشاف، وتمكن المعلم من اتباع أساليب حديثة في تصميم المادة الدراسية وتطويرها وتنفيذها وتقويمها، وقد استمر تطوير المكتبات المدرسية وتكاملها مع طرائق التعلم ووسائله حتى أصبحت في التسعينيات تستخدم كوسيلة تعليمية، وهو وظيفتها الأساسية، وبهذا تبلورت مهمة اختصاصي مركز مصادر التعلم الحديث الذي هو شريك للمعلم في العملية التعليمية، وفي أيامنا هذه يمكن القول: إن مراكز مصادر التعلم وصلت إلى مرحلة تكامل المفهوم والتطبيق معاً، وقد أصدرت الجمعيات المهنية المتخصصة المعايير والسياسات التي تنظم أهداف تلك المراكز ومهامها ونشاطاتها وخدماتها.
طرح مشروع تجريبي في دمشق
وبالنسبة للتصور الذي يتلاءم مع واقعنا المحلي توضّح نحيلي: بعد الاطلاع على واقع المكتبات المدرسية الحكومية السورية من خلال الكثير من الدراسات السابقة التي تناولت واقعها، وكذلك الاطلاع على المراجع والمصادر ونتيجة العمل في المكتبة المركزية في وزارة التربية والاحتكاك مع العديد من أمناء المكتبات ورؤساء شعب المكتبات في مديريات التربية والحصول على ملاحظات من خلال المقابلات الشخصية معهم، تمكنت من وضع تصور نظري مقترح لتحويل المكتبات المدرسية الحكومية التقليدية إلى مراكز مصادر تعلّم تتضمن إحداث دائرة للمكتبات المدرسية في الإدارة المركزية يكون الهدف منها إيجاد مرجعية موحدة للمكتبات المدرسية وشعبها في سورية، والعمل على وضع دليل عمل موحد للمكتبات المدرسية في سورية، والقيام بزيارات ميدانية مكثفة للمدارس لتقييم واقع المكتبات المدرسية الحالي، وفهم الاحتياجات الخاصة لكل مدرسة فيما يتعلق بتطوير مراكز مصادر تعلّم، أضف إلى طرح مشروع تجريبي لتحويل المكتبات المدرسية التقليدية إلى مراكز مصادر التعلم في مدينة دمشق يتضمن خمسة مجمعات تربوية، وتخصيص ميزانية له تساعد على التطوير بشكل أسرع وتحديد المدة الزمنية له، وفي حال نجاحه يتم تعميمه على بقية المحافظات السورية، والحرص على تدريب اختصاصي المكتبات والمعلومات في المكتبات المدرسية على المهارات اللغوية وتطوير الوعي المعلوماتي، إضافة إلى إخضاعهم لدورات تدريبية حديثة في المجال، وتطوير المرافق والمعدات من خلال تجهيزها بالتصاميم المناسبة، وتزويدها بأثاث مريح وأجهزة تلفاز بشاشات مسطحة وأجهزة عرض بيانات وماسحات ضوئية وآلات نسخ مستندات وطابعات وإتاحة الاتصال بالإنترنت، وتوفير كتب ومصادر حديثة باللغتين العربية والإنكليزية وإتاحة الاشتراك بالمجلات والدوريات العلمية، وتجهيز المراكز بأجهزة حاسوب للبحث عبر الإنترنت وإتاحة استخدام الوسائط المتعددة، وتزويدها بعدد من أصناف المواد التعليمية كحد أدنى مثل: تسجيلات صوتية، كاسيت، شفافية لكل مبحث، أقراص مدمجة، خريطة تاريخية أو جغرافية، كتب متنوعة لكل طالب، مجلات، موسوعات، فيديو، برمجيات حاسوب تعليمية، حقائب تعليمية، موسوعات، دوريات، كتالوجات، صورفوتوغرافية مطبوعة، ومسرح للعرائس لطلاب مرحلة رياض الأطفال وطلاب الحلقة الأولى، وغيرها من تجهيزات أماكن القراءة الذاتية التي تناسب المراحل الدراسية الأخرى، وفي حال تم اعتماد الخطة المقترحة يمكن أن نصل بمكتباتنا المدرسية إلى النور.
تساهم في محو الأمية المعلوماتية
وعن أهمية وجود هذه المراكز في يوميات الطلاب لفتت نحيلي من خلال نتائج البحث إلى أن وجود مراكز مصادر تعلّم تساعد في تخريج طلاب يتمتعون بقدرات تحليلية، مؤهلين لمواجهة التحديات العالمية مع إدراكهم ضرورة الاحتفاظ بتراثهم الثقافي، وعليه تدعم خطة تطوير المكتبات المدرسية التقليدية المقترحة هذه الأهداف التعليمية، وتطورها جنباً إلى جنب مع عملية تطوير المناهج الدراسية، وذلك بغرس حب القراءة والتعلُّم في نفوس الطلاب، ومساعدتهم من قبل المتخصصين فيها على تنمية المهارات اللازمة باستخدام المصادر الموجودة في مراكز مصادر التعلُّم بأقصى حد ممكن، كما أن هذه المراكز مع الوقت تصبح ملاذاً للطلاب، يصلون من خلاله إلى شتى أنواع المصادر المطبوعة وغير المطبوعة أو الإلكترونية، وبالطبع لا يخفى على أحد أن من شأن مراكز المصادر المجهزة والمصممة على أعلى مستوى دعم العملية التعليمية عبر قنوات نقل المعلومات بهدف تعليم الطلاب كيفية الانخراط في أساليب التعلم المختلفة والمساهمة في محو الأمية المعلوماتية التي تحسن قدرات الطلاب على البحث والاكتشاف والتحليل والتقييم والاستخدام والإنتاج ومعرفة مصادر المعلومات المتنوعة والمختلفة.
وضع دليل للمكتبات المدرسية
ولتحقيق ذلك رأت نحيلي ضرورة عقد مؤتمرات محلية لاختصاصي المكتبات والمعلومات في سورية، والمشاركة في مؤتمرات عربية ودولية في مجال المكتبات والمعلومات، وتشكيل لجنة علمية متخصصة للبدء في العمل على تطوير المكتبات المدرسية الحكومية، وتحويلها إلى مراكز مصادر تعلم، ووضع دليل للمكتبات المدرسية السورية ينظم عمل المكتبات المدرسية إدارياً وفنياً، والسعي إلى إعادة التوصيف الوظيفي لاختصاصي المكتبات والمعلومات من خلال تحويله من عمل إداري إلى عمل تربوي ليصبح اسمه المعلم المكتبي، والعمل على إيجاد تخصص إدارة مراكز مصادر التعلم في الجامعات السورية ليصبح لدينا كوادر مؤهلة أكاديمياً، إضافة إلى توفير الميزانيات والمخصصات المالية الكافية لشراء الأجهزة والمعدات والمواد التعليمية وبأعداد مناسبة، وتوفير الكوادر البشرية المؤهلة والمتخصصة في مجال إجراء الأبحاث وتقويم المناهج وتطويرها في مراكز مصادر التعلم.
لتختم نحيلي بالتأكيد على ضرورة التسويق لمفهوم مراكز مصادر التعلم (الوجه الجديد للمكتبات المدرسية) بشكل أوسع، ورد اعتبار أمناء المكتبات وإعطائهم حقهم الكامل في المجتمع كاختصاص مهم وضروري.
تشرين