ما مستقبل المحاصيل الاستراتيجية بعدما نالت نصيبها من الحرب؟

ما مستقبل المحاصيل الاستراتيجية بعدما نالت نصيبها من الحرب؟

أخبار سورية

الأربعاء، ٢٠ نوفمبر ٢٠١٩

القمح، القطن، الشوندر السكري، ثلاثة محاصيل استراتيجية لم تكن في أفضل حالاتها قبل الحرب، ولكنها كانت تؤمن حاجة البلاد من تلك المواد، كما هو المخطط من زراعتها، وجاءت الحرب لتحول سورية إلى مستورد للقمح بعدما توقفت عن ذلك منذ أكثر من 25 عاماً، كانت الصوامع تفيض بوافر القمح المنتج محلياً، كما كان القطن يؤمن حاجة المعامل الصناعية الغذائية، وكذلك الحال مع الشوندر السكري الذي تحول خلال العامين الأخيرين إلى علف للحيوانات بعدما تراجعت الكميات المنتجة إلى أقل من إمكانية تشغيل معمل واحد بقي من بين المعامل الستة المخصصة لتصنيع الشوندر المنتج محلياً!
التراجع الكبير في زراعة المحاصيل الاستراتيجية ليس بالأمر العادي، لأن سورية بلد زراعي ويشغل هذا القطاع الكثير من اليد العاملة، إضافة إلى تحقيق الاستقرار والأمن الغذائي للكثير من المحاصيل التي لا غنى عنها في أي بلد، ولاسيما مع توافر الكثير من المقومات الزراعية المطلوبة من أراض زراعية خصبة، وموارد مائية والأهم اليد العاملة الخبيرة. في هذا الملف سنستعرض واقع كل من المحاصيل سابقة الذكر على حدة، مع التعرض للمقترحات والخطط البديلة التي أعدتها وزارة الزراعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
 
صعوبة نقل القمح
مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الزراعة- المهندس هيثم حيدر يؤكد تأثيرات الحرب السلبية في محصول القمح الذي يلعب الدور الأبرز في تحقيق الأمن الغذائي وتحسين دخل المزارعين عبر سياسة التسعير لكونه محصولاً استراتيجياً تتولى الحكومة تسويقه وتصنيعه وتصديره، ولكنه تأثر سلباً بالحرب الإرهابية على سورية، إضافة لموجات الجفاف المتعاقبة، حيث تراجعت مساحة وإنتاج القمح بسبب الظروف الاستثنائية التي مرت فيها سورية ولاسيما أن محافظات (الحسكة ودير الزور والرقة وحلب وإدلب ومنطقة الغاب) تشكل نسبة 82%من المساحة المزروعة بالقمح، إضافة لصعوبة نقل الإنتاج من المحافظات المنتجة إلى المحافظات الداخلية.. فخلال هذا العام لم تستلم مؤسسات الدولة أكثر من مليون طن بسبب المنع الذي فرضته التنظيمات المسلحة على نقل القمح إلى المناطق الداخلية.
لا بذار
أضاف حيدر: إن ما أصاب القطاع الزراعي بشكل عام ومحصول القمح بشكل خاص نتيجة تعرض معظم منشآت المؤسسة العامة لإكثار البذار للتدمير والتخريب الممنهج، التي تم بناؤها على مدى عشرات السنين بقصد إنتاج البذار من الأصناف ذات الإنتاجية العالية، لكن تم تدمير (11) مركز غربلة ثابتاً من أصل (13) مركزاً، إضافة إلى الصعوبات التي واجهت الإنتاج كعدم توافر المساحات الكافية وخروج المساحات الرئيسة في بعض المحافظات من الاستثمار، وكذلك إنتاج بذار المراحل الأولية، وصعوبة تأمين البذار المكاثر والمراد توزيعه بجودة عالية وبالمواصفات المطلوبة بسبب قلة عدد المخابر المجهزة للعمل وخروج معظمها من الخدمة، كل هذا نتج عنه تراجع في إنتاج القمح من حوالي 3 ملايين طن سنوياً خلال الأعوام (2011 ــ 2013) ليصل إلى (1.7) مليون طن في عام 2016.
يضيف حيدر: إن المؤسسة لم تتوقف عن العمل، بل استمرت في تشغيل مركزي الغربلة المتبقيين بطاقتهما القصوى بالرغم من قدمهما (حيث يتم العمل على مدار 24ساعة)، وتأمين /4/ وحدات غربلة وتعقيم متنقلة بطاقة 5/أطنان في الساعة لفروع المؤسسة في محافظات (حلب ــ حماة ـــ حمص ــ السويداء)، إضافة إلى التعاقد مع القطاع الخاص لتأمين وحدتي غربلة متنقلتين في محافظتي (حلب ــ حماة) و/5/ فرازات في محافظة الحسكة، واستئجار المستودعات الضرورية، إضافة إلى البدء بإعادة تأهيل منشآت المؤسسة العامة لإكثار البذار، حيث تمت المباشرة ببناء مركز غربلة ثابت لزيادة الطاقة الإنتاجية، وأكد حيدر أن المؤسسة تبذل جهوداً كبيرة وتعمل بشكل متواصل وبكل ما تملك من إمكانات لتأمين حاجة الفلاحين من البذار ولاسيما في ظل الإقبال الكبير على طلب البذار بسبب تحسن الظروف الأمنية وموسم الأمطار الجيد حيث ارتفع الإنتاج خلال الموسم الزراعي (2018 ـــ 2019) ليصل إلى (3.085) ملايين طن.
خطة الإنقاذ
يقول مدير التخطيط في وزارة الزراعة إن الوزارة تعمل بالتعاون مع الجهات المعنية لإعادة النهوض بمحصول القمح، ولتحقيق ذلك وضعت مصفوفة تنفيذية على مدى خمس سنوات تتضمن البرامج المادية والزمنية لتطوير هذا المحصول وفق مايلي:
و يحدد حيدر أهداف استراتيجية تطوير محصول القمح بعدة محاور منها:
• زيادة مساحة وإنتاج محصول القمح خلال الفترة 2019ـــ 2025
• تحسين مؤشر الاكتفاء الذاتي، وخفض مؤشر التبعية للواردات وزيادة نسبة تغطية الإنتاج المحلي إلى 95%.
• تحسين الميزان التجاري لمحصول القمح من خلال تأمين كميات كافية للتصدير.
• خفض الفاقد ولاسيما في مرحلة ما بعد الحصاد بنسبة 50%.
• تأمين مخزون استراتيجي للموازنة بين حجم الطلب والعرض
• تطوير الممارسات الزراعية التي تضمن معالجة التغيرات المناخية وتتمشى مع مفهوم الزراعة الذكية مناخياً، والتي تكفل أنظمة إنتاج مستدامة، وزيادة تبني الزراعة الحافظة.
أما النتائج المتوقعة من مشاريع الاستراتيجية فتلخصها الزراعة بزيادة مساحة محصول القمح إلى 1.8مليون هكتار، والوصول بإنتاج محصول القمح في عام 2025 إلى ما يقارب 5 ملايين طن، وخفض حجم الواردات بنسبة 95%.
الشراء ارتفع
إذا كانت الزراعة معنية بخطط زراعة القمح ومدى تنفيذها، فإن مؤسسة الحبوب هي من يشتري المحصول، مدير عام مؤسسة / «السورية» للحبوب/- يوسف قاسم أكدّ أن المؤسسة اشترت هذا العام مليون طن قمح من الفلاحين، بينما في العام الماضي اشترت 300 ألف طن فقط، أي إن شراء القمح ازداد ثلاثة أضعاف عن السنة الماضية، أما رقم الإنتاج فهو ما تضعه الزراعة، كما يشير قاسم ربما في إشارة إلى التعارض بين الأرقام التي تعلن عنها وزارة الزراعة والكميات التي يتم استلامها.
وأشار قاسم إلى أنه يمنع تداول مادة القمح المحلي إلا بوثائق رسمية صادرة عن مؤسسة الحبوب، وتالياً أي سيارة تتحرك تتم مصادرتها وإرجاعها إلى المؤسسة.
وأوضح قاسم أن عملية استيراد القمح لم يتوقفوا عنها، لأن وجود سورية في السوق العالمي لمادة القمح أمر مهم جداً، لأن الأقماح السورية غير مخصصة عملياً لإنتاج رغيف الخبز التمويني، إذ تغلب عليها الأنواع القاسية / ديورم / وهذه تصلح لإنتاج المعكرونة ذات الجودة الفاخرة، أما إنتاج رغيف الخبز التمويني فيحتاج أقماحاً طرية، كما أن تكلفة إنتاج الخبز من القمح القاسي أعلى من تكلفة إنتاجه من القمح الطري وأقل جودة منه، موضحاً أنه من الممكن العمل على تحسين المواصفات بخلطة كأن نخلط نسبة معينة من القمح القاسي مع الطري المستورد وحسب المتاح، لكن في النهاية ننتج الخبز من إنتاجنا أو مما هو متوافر لدينا وبجودة مقبولة.
مناصفة
ولفت قاسم إلى أنه إذا تقيدنا بزراعة معينة لإنتاج أصناف صافية من أقماح «الديورم» السورية ستحقق أسعاراً عالية يتم من خلالها التصدير واستيراد الأقماح الطرية الأقل سعراً التي تصلح لإنتاج الخبز بأقل تكلفة، فلدينا في سورية زراعة قمح طري وقمح قاس لكن إنتاجنا من القمح القاسي حوالي 50% مناصفة مع الطري.
وعن كمية مستوردات القمح هذا العام بين قاسم أنها وصلت إلى مليون طن، منوهاً بأن أولوية الاستيراد من روسيا بحكم العلاقات الجيدة بين البلدين حتى إنّ الحكومة الروسية تقدم مساعدات مجانية في مجال استيراد القمح، فقد منحت سورية مساعدات مرتين كل مرة 100 ألف طن، في عامي 2015- 2016 وحالياً تم توقيع اتفاقية معها لمنحنا 100 ألف طن من القمح كمساعدات إنسانية، علماً أنّ الأقماح الروسية مناسبة لرغيف الخبز التمويني وبأسعار جيدة.
وأوضح قاسم أن سورية تعتمد على المخازين الاستراتيجية التي تم استنزاف جزء كبير منها خلال الحرب، وحالياً يتم العمل على ترميم الإنتاج الأساسي مع المخازين الاستراتيجية حتى تعود كما كانت، لأن المخازين الاستراتيجية حمت البلد خلال الحرب، فالخبز كمادة أساسية لم تفقد على مستوى الجغرافيا السورية رغم كل الظروف.
مدير «السورية» للحبوب أكدّ أن المخازين جيدة وقد تجاوزنا المرحلة الصعبة وتجاوزنا فيها كل الخطوط الحمراء فيما يخص المخزون من دون أي معوقات، مخازيننا عادت بشكل جيد، وحالياً لدينا مخزون استراتيجي جيد ومازلنا مستمرين في هذا الموضوع متوقعاً أن الموسم القادم ستكون الأمور أفضل بكثير وأن الفلاحين سيعودون لزراعة القمح بشكل أوسع من الشعير، لأن الدولة لم تستلم كامل إنتاج الشعير الموسم الفائت، لذلك من الممكن أن يكون إنتاج الموسم القادم من القمح أفضل ولاسيما إذا كانت الأمطار كثيرة، فالزراعة في سورية تعتمد بشكل أساس على الأمطار.
في المقدمة
يأتي محصول القطن في مقدمة الإنتاج الزراعي من حيث الأهمية الاقتصادية، حيث يمد معامل الحلج والغزل والنسيج ومعامل الزيوت النباتية والأعلاف بالمادة الأولية، ويعمل في إنتاجه (زراعةً وصناعةً وتجارةً ونقلاً) أكثر من 20% من السكان، وتتميز سورية بوجود كامل سلسلة إنتاج الصناعات النسيجية فيها بدءاً من المادة الخام وحتى المنتج النهائي.
يضيف مدير مكتب القطن في وزارة الزراعة- وضاح القاضي أن سورية تربعت ولعقود ماضية المرتبة الثانية عالمياً في مردود وحدة المساحة، فقد تطور المردود من 1625 كغ/هـ عام 1970 إلى حوالي 4000كغ/هـ في السنوات الأخيرة قبل الأزمة.
وتمت تلبية حاجة السوق المحلية والعالمية من مختلف أنواع الغزل والنسيج، إضافة للسمعة والجودة الجيدة للأقطان السورية في الأسواق العالمية، لهذا يعد محصول القطن محصولاً اجتماعياً واقتصادياً (زراعياً وصناعياً) من خلال عدد العاملين فيه وسياسة التسعيرة الجديدة، وتولي الحكومة شراء وتسويق وتصدير هذا المحصول بمختلف أشكاله داخلياً وخارجياً.
يضيف القاضي أن هذا المحصول تأثر سلباً من جراء الأزمة الراهنة والتغيرات المناخية المختلفة، حيث تراجعت مساحات الزراعة والإنتاج بشكل كبير من حوالي 431 ألف طن في عام 2010 إلى ما يقارب 34 ألف طن في عام 2017 نتيجة:
خروج قسم من المحالج من العملية الإنتاجية وصعوبة توفير مستلزمات الإنتاج وتسويق المنتج في بعض المناطق، وصعوبة تقديم الخدمات اللازمة بسبب الظروف الأمنية في بعضها الآخر ــــ كذلك قلة الأيدي العاملة وارتفاع أجورها ــــ وعدم الانتهاء من إعادة تأهيل شبكات الري الحكومية ـــ عدم قدرة المزارعين على التواجد في أراضيهم وتقديم الخدمات اللازمة بسبب الظروف الأمنية في بعض المناطق.
في السنوات ما قبل الأزمة حرصت الحكومة على إنتاج كميات من القطن المحبوب سنوياً بحدود (750 ـــــ900) ألف طن تعطي حوالي (250 ــــــــ 300) ألف طن من القطن الشعر بما يلبي الحاجات التصنيعية المحلية، وحوالي (500 ــــــ 600) ألف طن من البذور الصناعية لإنتاج الزيوت الكافية لسد حاجة معاملنا من القطاع العام والخاص والمشترك.
ولإعادة إحياء زراعة هذا المحصول من جديد لابد من تحقيق كفاءة إنتاجية كبيرة من خلال زيادة المساحات المخصصة لهذا المحصول، وزيادة مردودية وحدة المساحة وتحقيق تنمية للموارد الزراعية المتاحة حالياً وتطويرها مستقبلاً من خلال التحول للري الحديث، واستنباط أصناف جديدة ذات إنتاجية عالية ومواصفات تكنولوجية ونوعية جيدة متلائمة مع التغيرات المناخية ومتحملة للإجهاد البيئي المختلف.
للعودة مجدداً
يؤكد القاضي تراجع مساحة وإنتاج محصول القطن خلال الفترة من 2011 وحتى 2018، من حيث المساحة المزروعة من أكثر من 175 ألف هكتار إلى 49.6 ألف هكتار، ومن حيث الإنتاج المسوق من 638.5 ألف طن إلى أقل من 51 ألف طن على التوالي.
لذلك لابد من تضافر الجهود للوصول إلى مراحل الوفر والاستقرار وتصدير إنتاج القطن كمنتجات مصنعة، وعودتها لمكانتها الجيدة في الأسواق العالمية، لاعتبار القطن السوري أحد المكونات الأساسية لخلطات القطن في المغازل العالمية.
العلاج
يقول القاضي إن وزارة الزراعة بالتعاون مع الجهات المعنية وضعت مصفوفة تنفيذية على مدى خمس سنوات تتضمن البرامج المادية والزمنية لتطوير هذا المحصول وتحقيق أهداف استراتيجية:
• كزيادة مساحات زراعة القطن لتصل إلى حوالي 180 ألف هكتار.
• زيادة إنتاج القطن المحبوب إلى حوالي (600) ألف طن وتأمين حاجة معامل الحلج والغزل والنسيج والزيوت والأعلاف من المادة الأولية والتي تقدر بحوالي 200 ألف طن قطن شعر، وحوالي 400 ألف طن بذوراً صناعية.
• زيادة المردود في وحدة المساحة ليصل إلى 4200 كغ/هـ.
• تأمين حاجة القطر من البذار الزراعي لكل الأصناف المعتمدة زراعتها حسب المحافظات والتي تقدر بحوالي 15 ألف طن.
• التحول إلى أساليب الري الحديث المناسب لهذا المحصول لتقليل هدر المياه وخفض المساحات.
• إدخال أساليب المكننة المتكاملة لتقليل التكاليف.
تطوير أساليب المعاملات الزراعية عن طريق نقل التقانات الحديثة ونتائج البحوث العلمية الزراعية.
• تحسين الميزان التجاري لهذا المحصول داخلياً وخارجياً وتأمين قيم مضافة عبر مراحل التصنيع والتسويق المختلفة.
ويحدد مدير مكتب القطن النتائج المتوقعة لهذه الاستراتيجية:
• تأمين الكميات المطلوبة من البذار الزراعي لكل مناطق زراعة القطن في المحافظات المنتجة للقطن التي تقدر بحوالي 15 ألف طن.
• الوصول لإنتاج ما يقارب 600 ألف طن قطن محبوب في عام 2025 تعطي حوالي 200 ألف طن قطن شعر بما يغطي الاحتياج المحلي.
• زيادة مردود وحدة المساحة إلى ما يقارب 4200 كغ/هـ.
• زيادة المساحات المزروعة إلى ما يقارب 180 ألف هكتار، وفي حال التحول للري الحديث توفير حوالي مليار م3مياه ري وتخفيض المساحات المزروعة إلى 130 ألف هكتار وبكميات الإنتاج المطلوبة نفسها.
• تحقيق عائد اقتصادي (قيمة مضافة) من خلال تصنيع كامل الإنتاج القطني ماعدا قيمة العوادم والزيت والكسبة الناتجة.
نصف العمالة الزراعية
عن أهمية هذا المحصول يقول المهندس وضاح القاضي: إن له أهمية كبيرة حيث يعمل به نحو 50% من القوى العاملة إضافة لموقعه المهم والمميز في الاقتصاد الوطني، وإن القيادة السياسية أولته الاهتمام الكبير في كافة مجالاته لتزويد السوق والمواطنين بالغذاء والكساء والمادة الأولية اللازمة لتشغيل المعامل، وأضاف: إن محصول القطن يأتي في مقدمة الإنتاج الزراعي من حيث الأهمية الاقتصادية، حيث يمد معامل الحلج والغزل والنسيج ومعامل الزيوت النباتية والأعلاف بالمادة الأولية، لذا يعد سلعة رئيسة تسيطر على اقتصاديات دول عديدة، وزراعته منتشرة في دول كثيرة في العالم لذا يعد القطن مركزاً مهماً في التجارة العالمية.
تزرع مساحات القطن في سورية بحوالي (20- 22%) من مساحة الأراضي المروية المزروعة، ويعمل في إنتاجه (زراعته- صناعة وتجارة ونقلاً) أكثر من20% من السكان وتتميز سورية بوجود كامل حلقات سلسلة إنتاجه من الزراعة إلى الحلج والغزل والنسيج والصباغة والتحضير وصولاً إلى المنتج النهائي، الألبسة المختلفة الأنواع وكلها بخبرات وطنية، ويعد القطاع النسيجي من أهم القطاعات الصناعية لمساهمته بنسبة 27% من صافي الناتج الصناعي غير النفطي، وبحوالي 45% من الصادرات غير النفطية، حيث بلغت قيمة الإنتاج من الصناعات النسيجية في سنوات قبل الحرب حوالي 2200 مليون دولار، وازدادت خلال هذه الفترة نسبة مساهمة القطاع الخاص، ووصلت نسبة استهلاك إنتاج القطن محلياً في عام 2007 إلى نحو 90% وذلك لإنشاء العديد من مصانع الغزل والنسيج المتطورة وحرصاً على عدم تصدير القطن الشعر وإعطائه الفرصة لتصنيعه عبر معامل الغزل والنسيج وإنتاج الألبسة القطنية المختلفة وتشغيل عدد كبير من العمال في المجالات المختلفة وتأمين قيمة مضافة دعماً للاقتصاد الوطني، إضافة لقيمة البذار الزراعي والصناعي ونواتج معامل الزيوت المختلفة.
الثانية عالمياً
احتلت سورية ولعقود ماضية المرتبة الثانية عالمياً من حيث مردود وحدة المساحة، وتالياً تطور المردود من 1625كغ / للهكتار عام 1970 إلى حوالي 4000 كغ / للهكتار في السنوات الأخيرة قبل الحرب، وتلبية حاجة السوق المحلية والعالمية من مختلف أنواع الغزول والنسيج، إضافة للسمعة الجيدة للأقطان السورية في الأسواق العالمية، لكن هذا المحصول تأثر سلباً من جراء الحرب حيث تراجعت مساحات الزراعة والإنتاج بشكل كبير أدى إلى توقف بعض معامل الحلج والغزل والنسيج والزيوت وتأثر الفلاحين اقتصادياً من عدم زراعته، حيث بلغ إنتاج القطن أعوام 2013 حتى عام 2018 حوالي 8.34 آلاف طن مقارنة مع متوسط أعوام 2005- 2011 التي بلغت أكثر من 667 ألف طن، كما بلغ متوسط المساحات المزروعة بالقطن أعوام 2013 – 2018 أكثر من 42 ألف هكتار، مقارنة مع متوسط أعوام 2005 – 2011 البالغة أكثر من 190، 5 آلاف هكتار، ما أدى إلى توقف بعض معامل الحلج والغزل والنسيج والزيوت وتأثر الفلاحين اقتصادياً لعدم زراعته.
وإذا أخذنا في الحسبان ما وصلت إليه حاجة السوق المحلية من ألياف القطن والمقدرة بنحو 215 ألف طن في عام 2009 أي ما يعادل 650 ألف طن من القطن المحبوب لأدركنا حجم الفجوة الكبيرة الحاصلة بين المطلوب والمتاح حالياً، والعمل على ضرورة تأمين الكميات المطلوبة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من هذا المحصول.
والخلاصة أن هناك تراجعاً في المساحات المزروعة، ومردود وحدة المساحة وتالياً الإنتاجية على مستوى القطر، وذلك للأسباب التالية:
– خروج مساحات مروية من الاستثمار بسبب تخريب شبكات الري الحكومية والآبار، إضافة لخروج مساحات واسعة من الزراعة مثل محافظة إدلب.
– هجرة الفلاحين وترك أراضيهم بسبب الوضع الأمني آنذاك وتالياً قلة اليد العاملة.
– صعوبة توفير مستلزمات الإنتاج ونقلها وارتفاع أسعارها.
– تدمير مراكز ومختبرات ومعامل إنتاج الأعداء الحيوية بسبب الإرهاب.
– غزو عشبة الباذنجان البري لمساحات كبيرة من الأراضي الزراعية بسبب عدم مكافحتها سنوات الحرب.
– سرقة البذار الزراعي للأصناف المعتمدة من العصابات الإرهابية المسلحة.
– أدى هذا إلى خسائر اقتصادية كبيرة في القطاعين الزراعي والصناعي وتالياً انخفاض قيمة الصادرات من المنتجات القطنية.
إجراءات حكومية
ولهذا تم العمل على إزالة هذه الصعوبات السابقة من خلال عدة إجراءات قدمتها الحكومة من خلال الوزارات المعنية وهي:
– إعداد مصفوفة استراتيجية لتطوير زراعة القطن بين أعوام 2019 – 2025 وإعادة محصول القطن لمكانته الطبيعية.
– تشكيل مجموعة عمل مهمتها إعداد خطة استراتيجية لتطوير قطاع الصناعات النسيجية بترابطاته الخلفية والأمامية بما يضمن استدامة نمو هذا القطاع وجدواه الاقتصادية والاجتماعية.
– ترميم وإصلاح ما خربه الإرهاب من قنوات ري حكومية ومحطات ضخ المياه والآبار.
– تأمين كل مستلزمات الإنتاج لهذا المحصول.
– إعطاء أسعار تشجيعية لمزارعي القطن التي بلغت هذا العام 360 ليرة لكل كيلو غرام قطن محبوب، وإعطاء مزارعي بعض مراحل إنتاج البذار الزراعي مكافأة تشجيعية قدرها 10% من سعر الكيلو غرام الواحد للقطن المحبوب.
– رصد مبلغ مليار ليرة لإنشاء معامل لإنتاج الأعداء الحيوية وتوزيعها بشكل مجاني على المزارعين.
– توزيع المبيدات المناسبة بشكل مجاني لمكافحة عشبة الباذنجان البري.
– ترميم وإصلاح بعض محالج القطن التي دمرها الإرهاب ووضعها في الخدمة وأخيراً يجب علينا تشجيع المصانع الوطنية على الاستمرار، ومعاودة الإنتاج وخفض مستوى البطالة والحد من آثارها السلبية وسد حاجة السوق الداخلية وخفض الاستيراد والأسعار وتنشيط التصدير وتوفير القطع الأجنبي وتحسين قيمة الليرة وتحريك الأسواق وتنشيط القطاعات الاقتصادية والخدمية الأخرى والدخول في مرحلة التعافي وتجاوز ما خربه الارهاب.
الشوندر السكري
كانت المصائب التي ألمت بهذا المحصول وزارعيه هي الأكبر، إذ إن كامل إنتاجه مؤخراً ذهب علفاً للحيوانات بعد مشادات بين وزارتي الزراعة التي تنفذ الخطة وتنتج محصولاً استراتيجياً، وبين الصناعة التي تؤكد أن الإنتاج لا يكفي لتشغيل المعمل.
مدير التخطيط في وزارة الزراعة- هيثم حيدر يؤكد أن الحكومة أولت اهتماماً خاصاً بزراعة محصول الشوندر السكري الذي تعد من المحاصيل المهمة التي تساهم في دعم القطاع الزراعي والصناعي إضافة إلى توفير العديد من فرص العمل.
وتشير الأرقام إلى أن عدد شركات السكر التابعة للمؤسسة العامة للسكر/6/ شركات منها /4/ لتصنيع الشوندر السكري في (دير الزور – الرقة – مسكنة – تل سلحب) وشركة ثنائية الغرض للتصنيع وتكرير السكر في منطقة الغاب وشركة لتكرير السكر فقط في محافظة حمص.
حسب الحاجة
يتم التخطيط لزراعة الشوندر السكري حسب حاجات شركات السكر وطاقاتها التصنيعية والبالغة حوالي /17/ألف طن يومياً خلال دورة تصنيع تستمر /106/ أيام.
وبلغت أعلى نسبة للتنفيذ في عام 2011 (103%) للمساحة، و(144%) للإنتاج، لكن
نتيجة الحرب الإرهابية على سورية وما تعرض له القطاع الزراعي خلال السنوات الأخيرة انخفضت المساحات المنفذة بالرغم من الاهتمام الذي حظي به المحصول عن المحاصيل الأخرى والتسهيلات المقدمة للمزارعين والمتمثلة بما يلي:
• تنفيذ عقود مسبقة مع الفلاحين من قبل الشركة العامة للسكر.
• تمويل محصول الشوندر السكري وفق نظام عمليات المصرف الزراعي التعاوني.
• تحديد سعر مجز قبل موعد الزراعة وهو 25 ل.س/كغ.
• توافر مستلزمات الإنتاج.
• منح سلفة نقدية تقدر بـــ (10000) ليرة سورية من قبل المصرف الزراعي التعاوني لتنفيذ العمليات الزراعية (فلاحة، زراعة، خدمة زراعية…….).
معمل وحيد
يساهم الشوندر السكري في تأمين 16-20% من الاحتياج الكلي لمادة السكر والبالغ /700/ألف طن أي ما يعادل كمية /130/ ألف طن من السكر وسطياً بما فيها الكمية الناتجة عن تكرير السكر، وغالباً ما يتم بيع كامل كمية السكر المنتج محلياً وجزء من واردات القطاع العام من مادة السكر للمواطنين بأسعار مدعومة.
وعن واقعه الحالي وأهم الصعوبات التي أدت إلى تراجع المساحات المنفذة لمحصول الشوندر السكري تحدد وزارة الزراعة العوامل الآتية:
• خروج جميع المعامل من الخدمة عدا معمل سكر تل سلحب.
• خروج المناطق الرئيسة لزراعة المحصول في كل من محافظات الرقة ودير الزور وحلب، التي كانت تشكل مراكز الثقل في زراعته، واقتصار زراعته على محافظة حماة، واقتصار التصنيع على شركة سكر تل سلحب في محافظة حماة بعد خروج بقية الشركات من الخدمة، وكمية الشوندر السكري المطلوبة للشركة للإقلاع بالعمل /266/ ألف طن شوندر، ويمكن زيادتها لتصبح /308/ آلاف طن وفق طاقة الشركة المتاحة حالياً.
• صعوبة تأمين الموارد المائية اللازمة (المحصول يحتاج /12/ رية في العام بمعدل 1600م3/دونمٍ).
• الوضع المائي الراهن في محافظة حماة (منطقة الغاب) بسبب الانخفاض الكبير في تدفق نهر العاصي وعدم الاستفادة من السدود المائية في منطقة الغاب بسبب وجودها في المناطق غير الآمنة (سد زيزون، سد قسطون، سد العشارنة).
• عزوف المزارعين عن الزراعة لصعوبة الوجود في أراضيهم وتقديم الخدمات اللازمة بسبب الظروف الأمنية، إضافة إلى طبيعة المحصول الذي يتميز بعمره الزمني الطويل وحاجته إلى الخدمات الكثيرة، الأمر الذي دفع معظم المزارعين للتوجه لزراعات أخرى أقل عمراً وخدمة وتكاليف وأكثر ريعية بما يتناسب والظروف الراهنة.
وبناءً على ما سبق وللأسباب الواردة أعلاه فقد درست لجنة الخطة الإنتاجية الزراعية المركزية خلال اجتماعها المنعقد بتاريخ 7/8/2019 لمناقشة الخطة الإنتاجية الزراعية للموسم الزراعي 2019 -2020 خطة زراعة محصول الشوندر والأسباب التي أدت إلى انخفاض نسبة التنفيذ وأهمها (تدمير وتضرر جميع المعامل عدا معمل سكر تل سلحب، خروج المناطق الرئيسة لزراعة المحصول، صعوبة تأمين الموارد المائية اللازمة).
واقترحت اللجنة 1- إيقاف زراعة محصول الشوندر مؤقتاً ريثما تتم إعادة تهيئة الأرضية المناسبة ومتطلبات العملية الزراعية والصناعية الإنتاجية بالتنسيق مع وزارتي الصناعة والموارد المائية، وتأهيل مستلزمات الزراعة والصناعة وتأمين المياه اللازمة بالتنسيق مع وزارتي الصناعة والموارد المائية، واستبداله بمحصول مناسب يحتاج خدمة أقل بشكل أساسي محصول (القمح ـــــ البطاطا ــــــ الخضرـــــ النباتات العطرية).
وعن أسباب اختيار هذه المحاصيل ذكر حيدر:
• الأهمية الاستراتيجية لمحصولي القمح والشعير ورغبة الفلاحين في زراعتها.
• تعد هذه المحاصيل ذات تكاليف إنتاجية منخفضة واحتياج مائي أقل ولا تتطلب خدمات زراعية كثيرة.
• زيادة مساحة المحاصيل البقولية العلفية لأهميتها في الدورة الزراعية وتحسين مواصفات التربة وزيادة إنتاجيتها ومساهمتها في تأمين الأعلاف لقطاع الثروة الحيوانية.