استهلاك الشخص الواحد من لحومها دون الكغ سنوياً.. 80 مليون دولار خسائر قطاع الثروة السمكية في سورية

استهلاك الشخص الواحد من لحومها دون الكغ سنوياً.. 80 مليون دولار خسائر قطاع الثروة السمكية في سورية

أخبار سورية

الاثنين، ١٨ نوفمبر ٢٠١٩

شخّصت دراسة صادرة عن المركز الوطني للسياسات الزراعية أهم مشكلات ومعوقات قطاع الثروة السمكية في سورية، وتحديداً التي تعيق الارتقاء بهذا القطاع الذي يستحق وقفة متأنية ومراجعة لإعادة النظر بكل ما هو متوفر على أرض الواقع في سبيل أن يلقى هذا القطاع ما يستحقه من اهتمام، ومحاولة جذب استثمارات في هذا المجال الحيوي، ومطالبة وزارة الزراعة بحماية الثروة السمكية وتطويرها، أسوة بكل ما تتبعه في حماية الغابات والمراعي والحيوانات البرية والطيور.
صيد جائر
وبيّنت الدراسة التي حملت عنوان “واقع قطاع الأسماك في سورية خلال العقد الحالي وفرص تطويره”، أن الصيد الجائر واستخدام وسائل صيد غير مشروعة (كهرباء، متفجرات، شباك غير نظامية) تتصدّر قائمة المشكلات والصعوبات، كونها أدت إلى اقتراب بعض الأنواع السمكية من الانقراض، يضاف إليها حدوث جفاف وانخفاض المخزون المائي لبعض المسطحات المائية وخروجها من الاستثمار السمكي، إلى جانب الآثار الناتجة عن الملوثات المختلفة وما لها من مخاطر بيئية على الثروة السمكية، وقلة الاستثمارات الموظفة في تربية الأسماك، وخاصة في إنشاء المزارع الشاطئية وعزوف بعض المربين عن تربية الأسماك بسبب ارتفاع تكاليف التربية (ضخ مياه- غلاء المواد الأولية المكونة للأعلاف– صعوبة تأمين الزريعة)، وغياب عوامل الردع الفعالة بحق بحق المخالفين حيث إن القانون المعمول به حالياً هو قانون الأحياء المائية رقم 30 لعام 1964 والذي لا يتناسب مع الواقع الراهن حالياً.
صعوبات
ومن الصعوبات أيضاً –التي اطلعت عليها “البعث”- التداخلات الحاصلة بين عمل الهيئة العامة للثروة السمكية والمديرية العامة للموانئ وتبعية المسطحات المائية لوزارة الري التي تحدّ من الاستثمار السمكي، وعدم توفر معامل أعلاف متخصّصة في إنتاج علف جاهز للأسماك، وغياب دور مؤسسة الأعلاف في تأمين الأعلاف الجاهزة والمناسبة لتربية الأسماك بمختلف مراحلها.
وكذلك ثمّة تحديات تتعلق بانتشار أمراض الأسماك وحدوث انجراف وانعزالات وراثية تؤدي إلى تدهور السلالات الموجودة، وعدم توفر أدوية بيطرية متخصّصة في علاج أمراض الأسماك، وغياب دور المصارف الزراعية في تمويل المشاريع السمكية ومنح القروض للمربين أو الراغبين في الاستزراع السمكي أو الصيد، إضافة إلى عدم وجود الوعي بين المواطنين والصيادين وعدم التزامهم بالقوانين والأنظمة وغياب الكادر الفني والإرشادي لتوعية المواطنين، وغياب الثقافة التسويقية لدى المربين، حيث يتمّ غالباً تسويق الإنتاج في نهاية موسم التسمين الذي يكون عادة في نهاية الصيف، ويتم طرح الإنتاج في وقت قصير وبالتالي زيادة العرض في وقت معيّن واختفائه في أوقات أخرى من السنة، وتكون أسعار الأسماك مختلفة بشكل كبير بين فترة وأخرى، وقلة الأبحاث العلمية والمختصين في مجال تربية الأسماك في سورية.
نتائج
وخلصت الدراسة إلى نتائج رئيسية مفادها أن سورية تعاني من تناقص مستمر في مجال الصيد البحري بمعدل نمو سنوي قدره 6.2% خلال السلسلة الزمنية المدروسة 2007– 2016 ليبلغ في عام 2016 كمية قدرها 1904 أطنان، فالمخزنات السمكية معرضة لخطر محدق نتيجة سوء استغلال الموارد من خلال فقدان الموائل الطبيعية والصيد الجائر، مشيرة إلى أن القطاع الخاص يسيطر إجمالاً على الصيد البحري.
غياب عن الموائد
ومن النتائج أيضاً أن المعلومات المتوفرة من منظمة الزراعة والغذاء “الفاو” تشير إلى أن القيمة الإجمالية للأضرار والخسائر التي تعرّض لها قطاع الثروة السمكية في سورية خلال الحرب تعادل نحو 80 مليون دولار أمريكي، ومن أكثر المحافظات التي عانت من الخسائر في هذا القطاع هي إدلب وحماة والرقة، وأن الكمية الإجمالية المتاحة من الأسماك الطازجة والمبردة رغم الاستيراد منخفضة مقارنة مع الاحتياجات الغذائية اليومية للإنسان خاصة من مادة البروتين الحيواني، وهذا ما يؤكد على أهمية النهوض بقطاع الثروة السمكية بهدف زيادة الإنتاج السمكي المتاح والحفاظ على النقد الأجنبي من خلال تقليل قيمة المستوردات، كما أن السمك يغيب عن موائد أغلبية الأسر السورية رغم فوائده حتى في المحافظات البحرية، فاستهلاك الشخص الواحد في سورية من لحوم الأسماك لا يزال متدنياً جداً إلى ما دون الكيلو غرام سنوياً، وهذا يشكل نسبة قليلة مقارنة بحدود المعدلات الدنيا المقبولة المتعارف عليها عالمياً (17 كغ سنوياً).
مقترحات
وأفضت الدراسة إلى جملة من المقترحات والتوصيات الكفيلة بزيادة الناتج السمكي في سورية والتوسع الرأسي والأفقي في تربية الأسماك في المزارع، منها استغلال واستثمار موارد البحر والمياه العذبة في تربية الأسماك المحلية والأجنبية باتباع طريقة الأقفاص العائمة وتشجيع هذه الطريقة لدى القطاع الخاص، وتشجيع المستثمرين لإقامة معامل أعلاف خاصة بإنتاج أعلاف مخصصة للأسماك وتحويل الأعلاف إلى جاهز أسماك، ومنح قروض لمربي الأسماك بفوائد بسيطة وبأقساط طويلة، وأخرى لشراء قوارب كبيرة للعمل في المياه الدولية، وتأمين تدريب عدد من الفنيين العاملين بالثروة السمكية في الدول الصديقة ذات الإنتاج العالمي من الأسماك، وعدم ترخيص المزارع الني تعتمد في تأمين المياه على الآبار والمياه الجوفية، وعقد اتفاقيات بين سورية والدول التي تتوفر فيها أسماك بكميات بالسماح للقوارب الكبيرة بالصيد فيها، واستقدام أنواع سمكية من منطقة دول البحر المتوسط وأقلمتها محلياً والتوسع في إنتاجها، والتركيز على الأنواع السمكية الآخذة بالانقراض وتفريخها وإكثارها والحفاظ على التنوع الحيوي.
ومن المقترحات أيضاً تنسيب الصيادين والعاملين في القطاع السمكي إلى جمعيات واتحادات نوعية فاعلة لتطوير نشاطهم وتوجيههم، ووضع خطة استثمارية تستند إلى إستراتيجية منهجية توضح الأسس الفنية والبيولوجية والاجتماعية والاقتصادية لاستخدام المصادر المائية في سورية، وتحديد نوع الاستثمارات المطلوبة وحجمها في تربية الأسماك. وأشارت التوصيات إلى أن حالة المياه العذبة وتعدّد مجالات استخدامها تفرض البحث عن صيغة مناسبة للتكامل بين نظم الري والأنشطة الزراعية الأخرى والإنتاج السمكي، من خلال استغلال الأراضي المتاحة ومياه الصرف الناتجة عن الزراعة في الاستزراع السمكي والاستفادة أيضاً من مخلفات تربية الماشية والدواجن في تسميد الأحواض السمكية، وكذلك الاستفادة من مياه الصرف الصحي المعالجة.
تسويق
وعرجت الدراسة على التسويق المحلي مبينة أنه يتمّ تسويق الأسماك في الأسواق الرئيسية (دمشق– حلب– حمص– حماة)، وعادة ما يقوم مربو الأسماك في المزارع الصغيرة ببيع معظم الإنتاج في القرى المجاورة، أما المزارع الأكبر حجماً فتبيع إنتاجها عن طريق العقود، إذ تبدأ سلسلة التسويق المحلية من المتعهد إلى بائع الجملة الذي يقوم بنقل الأسماك إلى بائعي جملة محليين آخرين في مناطق الطلب، ولا تمنع هذه السلسلة الاتصالات المباشرة بين المنتجين وبائعي التجزئة، أو حتى المستهلكين.
وأشارت الدراسة إلى أن عملية التسويق تتم بطريقة عشوائية وغير منظمة تفتقر لفواتير البيع، ولا يوجد منافذ بيع حكومية خاصة بالأسماك، كما أنه لا توجد صادرات للأسماك الطازجة أو المبردة لأن الإنتاج المحلي من السمك متدنٍ ولا يلبي السوق المحلية، وبالتالي يتم اللجوء إلى الاستيراد لتغطية الطلب المحلي من دول عدة مثل لبنان وإيران وفيتنام وتايلاند وغيرها.
حسن النابلسي-البعث