بعضها استثنائي مرده تداعيات الأزمة.. التجاوزات الحالية عقبات مستقبلية وتحديات إضافية للبرامج الإصلاحية

بعضها استثنائي مرده تداعيات الأزمة.. التجاوزات الحالية عقبات مستقبلية وتحديات إضافية للبرامج الإصلاحية

أخبار سورية

الاثنين، ٨ يوليو ٢٠١٩

لن نغوص بتدهور الوضع المعيشي، وما آلت إليه أحوال السوريين تحت ضغط ارتفاع الأسعار، وارتفاع بدلات الإيجارات، وتدني مستوى الخدمات المقدمة للمواطن.. إلخ، لكن ليسمح لنا أصحاب القرار أن نسأل عن ماهية الخطط – على الأقل الإسعافية منها – التي اعتمدوها لمواجهة ما يعترضنا من تحديات، ويحول دون ارتكاب تجاوزات بدأت تزداد وتيرتها يوماً بعد يوم!.
ومع تحفظنا المطلق على أي تجاوز مهما كان نوعه، وعدم إنكارنا أن معظم مرتكبي التجاوزات، لا يدركون جسامة الظروف الراهنة، ويستغلونها لتحقيق مطامعهم إن صح التعبير، إلا أننا – وللإنصاف – ربما نلتمس لهؤلاء بعض المبررات في ظل التقصير الحكومي بحقهم، فالبطالة هي من دفعت ببائعي البسطات إلى الخروج إلى الأرصفة، وبيع ما في جعبتهم من مواد وسلع المطابقة منها للمواصفة وغير المطابقة، مستغلين تراخي الجهات المعنية عن ضبط حركة الأسواق، وافتقار الحكومة لآلية واضحة لضبط الأسعار هو ما دفعت المواطن للتوجه إلى منتجات اقتصاد الظل المفتقرة لأدنى مواصفات ومعايير الجودة، ما أنعش بالنتيجة ورش الأقبية غير المرخصة، وغيرها من المسائل الكثيرة ذات العلاقة المباشرة مع حياة المواطن – التي لا مجال لذكرها في هذه العجالة – نضعها في عهدة الحكومة وأصحاب القرار.
ولدى الحديث عن اقتصاد الظل نجد، وفي خضم ما يعيشه المستهلك من ضغط معيشي قوامه تدني مستوى الدخل نتيجة انخفاض سعر صرف الليرة إثر تراجع عجلة الإنتاج، أن ما تنتجه الورش العاملة بالظل باتت متنفساً حقيقياً للمستهلك للحصول على أدنى مستلزمات عيشه اليومية، ولعل ما أعطى اقتصاد الظل المبرر القانوني غير المعلن لانتشاره الواسع هو أنه يندرج تحت ما يسمى في أغلب دول العالم بـ” الاقتصاد الشريف”، كونه لا يمت بصلة للمتاجرة بالممنوعات كالمخدرات وما شابه، إضافة إلى أنه يلعب دوراً مهماً بتقليص نسبة البطالة وتأمين مستلزمات وحاجيات أسر كثيرة، ويرفد بعض قطاعات الاقتصاد الوطني بالدرجة الثانية.
هذا الواقع يضع الجهات المعنية على محك العمل الفعلي لتبسيط إجراءات تنظيمه، ووضع شروط تشجيعية تدفع القائمين عليه للمبادرة، والإقبال على العمل برعاية وظل القانون، حتى لا يستغل بعض ضعاف النفوس عملهم بالخفاء، ويتاجروا بمنتجات تتنافى مع صحة المواطن، فطالما أكد بعض أصحاب الورش والفعاليات الاقتصادية الصغيرة والمتناهية في الصغر أن عملهم خارج الإطار القانوني يقيهم شر زيارات موظفي الدوائر الحكومية، خاصة المالية والبلدية منهم – على حد تعبيرهم – وبالتالي يتخلصون من ابتزازهم شبه اليومي بحجة تطبيق القانون، إلى جانب الروتين المقيت المرافق لعملية الترخيص، وما يكتنفها من إجراءات وشروط صعبة لا تناسب البعض منهم، ناهيك عن أن الضرائب والرسوم الواجب تسديدها تشكّل عبئاً إضافياً على تكاليف إنتاجهم، لذلك فإن منتجاتهم غالباً ما تكون منافسة من ناحية السعر للمنتجات الأخرى.
وعلى اعتبار أن السوق بشكل عام، وسوق اقتصاد الظل بشكل خاص، يدرس العرض والطلب بآلية تجارية بحتة، فعلى الدولة أن تنظر بعين مسؤول وراع لهذه السوق التي تعمل حالياً وفق مبدأ “دعه يعمل دعه يمر”، وأن تراقب هذا الأمر، وتعي حيثياته، والاجتهاد باتجاه تنظيمه من ألفه إلى يائه نظراً لكونه يخفض الضغط عنها.
فمثل هذه العمل يُسيّر بلا شك تدفقات المال بين طرفي الدورة الاقتصادية (الإنتاج والاستهلاك)، لكن الخشية الأكبر التي تعتري مثل هذه العملية تكمن في تسريب تدفقات المستهلك السوري خارج القنوات الاقتصادية التي تفيد وتغذي الاقتصاد السوري، بمعنى الخشية من تجميع تدفقات المستهلكين السوريين ثم تحويلها إلى عملة أجنبية، والهرب بها خارج الحدود!.
ففي وقت لا ننكر أن الأزمة شرعنت بشكل كبير مسألة اقتصاد الظل، وما ينتجه من مواد وسلع أساسية استهلاكية، كون الطلب عليها زاد بشكل كبير على كمية المتوفر منها في السوق، في ظل خروج كثير من المنشآت المنتجة المرخصة نظامياً، وعجز ما تبقى منها عن تلبية الطلب المتزايد لها، ومع تفهمنا لهذا الأمر إلى حدٍ ما، إلا أن السؤال المشروع هنا: ما هي تداعيات هذا الأمر في حال استمراره، وتأثيرها على اقتصادنا الوطني؟.
ما نود التركيز والتأكيد عليه هو أن التجاوزات التي تزداد وتيرتها هذه الأيام ليست إلا عقبات مستقبلية وتحديات إضافية تضاف على البرامج الإصلاحية الحكومية، وربما تعوق بشكل كبير الإصلاح المنشود، ما ينعكس بالضرورة سلباً على المواطن، وهو من يطلب الإصلاح. فعلى سبيل المثال من يتورط بحفر بئر ماء مخالف واستثماره في ري المزروعات بشكل عشوائي غير منظم يساهم بشكل أو بآخر بنفاد المخزون الجوفي من هذه الثروة الوطنية!.
ح. ن