من يستطيع وقف جنون الأسعار…؟ الأسعار الملتهبة في الأسواق ألهبت جيوب المواطنين.. و”حماية المستهلك” تدعي المراقبة والملاحقة..!

من يستطيع وقف جنون الأسعار…؟ الأسعار الملتهبة في الأسواق ألهبت جيوب المواطنين.. و”حماية المستهلك” تدعي المراقبة والملاحقة..!

أخبار سورية

الخميس، ٤ يوليو ٢٠١٩

سؤال مطروح ومتداول على كافة المستويات لأنه مشروع، ورغم مشروعيته وإباحة تداوله دون خوف أو فزع، ورغم قناعة وإيمان المعبرين عن استيائهم الشديد من غلو الأسعار وتفاقمها بأنهم لن يتعرضوا لأية مسألة أو عقاب، فإن أصواتهم بدأت تتلاشى في فضاءات التذبذبات حول من هو المسؤول عن فوران وغليان الأسعار..! هل هو فعلاً الدولار..؟
رغم ذلك كله فإننا نجد أن مشكلة جنون الأسعار تأبى بشدة أن تتراجع ببطء، وترفض بعنف أن تراوح في مكانها، وتصر بقوة وإلحاح على المضي بخطى متسارعة نحو الأمام، حتى إنها أصبحت تتسابق مع الزمن ومع القطار السريع الذي فقد فرامله في المنحدرات الشديدة، ولم يعد طاقمه قادراً على التحكم بمساره، فتحول إلى أداة قاتلة تدهس وتسحق كل من يعترض طريقه..! عندما نأتي بمثل هذا التشبيه لا نبالغ ونهول من أجل تضخيم المشكلة، وإنما نسعى لأن نضع المشكلة في إطارها الدقيق..!
 
اتهامات متبادلة
أن جميع من يناقش مسألة ارتفاع الأسعار يلقي بالملامة على الطرف الآخر ويحمله المسؤولية وحده، ومثالنا على ذلك أن السلطة التنفيذية تتهم المصنعين والتجار وبائعي المفرق والوسطاء وتحملهم مسؤولية ارتفاع الأسعار وتهددهم بأشد العقوبات… والمصنعون والتجار والوسطاء وبائعو المفرق بدورهم وبردودهم يحملون السلطتين التشريعية والتنفيذية مسؤولية ارتفاع الأسعار بسبب الضرائب المباشرة وغير المباشرة المفروضة على المواد الأولية المستوردة لصالح التصنيع، بالإضافة إلى الضرائب المفروضة على الأرباح التجارية في السوق المحلية؛ الأمر الذي يفقدهم قدرتهم على المنافسة الخارجية والداخلية على حد زعمهم..!
وبين هذين الاتهامين المتبادلين بين السلطة وقطاع الإنتاج تضيع “الطاسة”..! والمواطنون بدورهم يتهمون السلطتين التشريعية والتنفيذية والمصنعين والتجار والوسطاء وبائعي المفرق وحتى المزارعين في بعض الحالات، ويحملونهم جميعاً مجتمعين ومنفردين مسؤولية ارتفاع الأسعار..!
 
إضاءة إعلامية
الصحافة تقوم بواجبها بكل تأكيد في كشف الأخطاء والتجاوزات، وغالباً ما تضع النقاط على الحروف، وتشير في بعض الحالات بأصابع الاتهام إلى مصادر الخطأ، حتى أنها في بعض الأحيان تتجرأ وتضع الحلول الممكنة أمام المسؤولين، ولكن على ما يبدو أن مدادها غير واضح، وقد يشابه الحبر السري، والغريب أن أصحاب الشأن المسؤولين عن ارتفاع الأسعار غير قادرين على فك طلاسم مثل هذا . أما وسائل الإعلام المسموعة والمرئية فإن الوقت الذي تخصصه لمناقشة ارتفاع الأسعار فهو أقل بكثير – إن لم نقل معدوماً- من الوقت الذي تخصصه للحوار مع كاتب قصصي أو ناقد سينمائي أو رياضي أو فنان من أجل التعريف بنشأته ومسار حياته وإنجازاته في مجال اختصاصه، إذاً نستطيع أن نقول ونؤكد أن المشكلة قائمة وموجودة، وأن وراء الستار من يدير هذه المشكلة لمصلحته أفراداً أم جماعات، ويسعى دائماً لأن يضعها في مسارات خاطئة ومتاهات مقصودة يصعب معها التوصل إلى إيجاد الحلول، ويسهل معها تشتيت المسؤولية لكي تبقى المشكلة عائمة وغائمة، وبهذا تنجو رقاب المدلسين والغشاشين ومن يدعمهم ويتستر عليهم من المساءلة والعقاب. ولكي نضع الأمور في موازينها الحقيقية قبل أن نتهم بالتجني على أحد نشير إلى ما تصدره مديريات التجارة الداخلية من دليل حول أسعار مواد البناء –على سبيل المثال لا الحصر- والتي يتبين من خلال المقارنة بين الأسعار الواردة بهذا الدليل والأسعار الرائجة في الأسواق، وأسعار القطع الأجنبي ورواتب الموظفين والعمال لنفس الفترة أن ثمة فجوة واسعة بين هذه الأسعار، إذ إن هناك زيادة بأسعار مواد البناء تراوح ما بين 100 ضعف وحتى 190 ضعفاً، بينما أسعار الأبنية ارتفعت بنسبة 400 ضعف، وفي بعض المناطق تجاوزت هذا الحد، في الوقت الذي نرى أن أسعار القطع الأجنبي تباينت ارتفاعه ما بين 13,5 حتى 30 ضعفاً..!
 
كيف ومزاج
ارتفاعات يومية، وكل يوم سعر جديد، ولم يستطيع المواطن حتى الآن من الوقوف على الأسباب الحقيقية والمقنعة للارتفاعات الجنونية للأسعار، فالموظف ذو الدخل المحدود لم يستطيع أن يتسوق كافة احتياجاته المطلوبة لمنزله، فهو لا يشتري سوى المضطر إليه..!
وفي محاولتنا الوقوف على هذه الظاهرة وتسليط الضوء على مكامن الخلل، والأسباب الموجبة لجنون الأسعار غير المعقول، ومعرفة الجهة المسببة برفع الأسعار نجد أن أغلب أصحاب محلات بيع المفرق يتهمون تاجر الجملة، ويعتبرونه المتسبب الأول، كونه يتحكم بالأسعار وفق مزاجه، فيصبح هناك سعر في الصباح وآخر في المساء، وهذا ما لا يتحمله المستهلك.
“البعث” أجرت استطلاعاً ميدانياً مع عدد من المتسوقين الذين أكدوا تسوقهم للأساسيات المعيشية اليومية فقط، وعدم تلبية احتياجات منازلهم الأخرى في ظل هذا الغلاء، فالأسعار مشتعلة تكوي الجباه وتفرغ الجيوب..!
هؤلاء هم ضحية تجار الأزمات الذين يتحكمون بالأسعار وفق مزاجهم، والبائع يضطر للبيع بسعر يناسبه ويناسب ربحه، فكثيراً من المتسوقين قالوا: إنهم يعيشون أزمة مفتعلة ولا يرحمهم أحد، وما يحدث في الأسواق جشع وربح غير مشروع، والدليل على ذلك توفر كافة المواد، وكثرتها وعلى اختلاف أنواعها وأصنافها ومواصفاتها، وفي هذا السياق اعتبر أحد المتسوقين أن الأسعار تتجدد دون قرار أو تعليمات تموينية، ويجد آخر أن الباعة لا يتوانون يومياً عن افتعال ذريعة يسوغون من خلالها أرباحهم غير المشروعة ولاسيما في ظل الغياب الواضح للرقابة..!
ويتوقع بعض المراقبين أنه إذا ما استمر الحال على ما هو عليه فإن ذلك سيؤدي بنهاية المطاف إلى عزوف المستهلك عن الشراء، وضعف حركة الأسواق، وبالتالي كارثة على ذوي الدخل المحدود..! لكن في خضم هذا الواقع المرير لم يخفِ بعض المتسوقين الذين التقيناهم أملهم باجتياز فورة الأسعار ومحاسبة كل متورط بها.
 
هل هي مقنعة..؟
بالمقابل تؤكد مديرة الأسعار في التجارة الداخلية وحماية المستهلك المهندسة ميس البيتموني أن الأسرة التموينية تتابع الوضع المعيشي في الأسواق، وذلك من خلال جولاتها الميدانية على الأسواق والمحلات التجارية، ويتم الاطلاع على أسعار المواد الغذائية وخاصة التي لها تماس مباشر مع المستهلكين، وتقوم مديريات التجارة وبشكل يومي بتزويد المراكز الاستهلاكية في كافة المناطق المأهولة والأكثر احتياجاً بكميات إضافية من المواد التموينية وبأسعار مناسبة، والاطلاع على برنامج الرقابة التموينية للحد من حالات الاحتكار ورفع الأسعار، إضافة إلى الدور الذي يؤديه فروع المؤسسة السورية للتجارة من تأمين مختلف المواد للمواطنين و بأسعار أقل من سعر السوق، ولفتت البيتموني إلى أن تفاوت أسعار بعض المواد والسلع المحررة من نسب هوامش الأرباح تخضع لعوامل العرض والطلب والمنافسة وتتجاوز نسبتها 80% من مجمل المواد و السلع المطروحة في الأسواق، مشيرة إلى أن المواد والسلع غير المحررة هي التي تنتج أو تستورد من القطاع الخاص، وتخضع لنسب وهوامش الأرباح، مؤكدة استمرار مراقبة مديريات التجارة لحركة الأسواق يومياً من خلال خطة وضعتها وزارة التجارة لضبط الأسعار على مدار الساعة لكبح ارتفاعها غير المبرر وملاحقة تجار الأزمات..!
البعث