القانون يحمي الجميع.. حتى المغفلين.. الداية: تعيين محامٍ بالمجان للمتداعين الفقراء

القانون يحمي الجميع.. حتى المغفلين.. الداية: تعيين محامٍ بالمجان للمتداعين الفقراء

أخبار سورية

السبت، ١١ مايو ٢٠١٩

فراس القاضي:
مئات الآلاف من القضايا التي تزدحم بها أدراج محاكمنا، وعشرات السنين من الانتظار والصبر والمصاريف التي يفوق بعضها قيمة ما يراد الحصول عليه، هذا غير الكثير من المظالم التي لا تصل أصلاً إلى المحاكم بسبب يأس أصحابها من الحصول على حقوقهم لانعدام الإثباتات المطلوبة، أو تجنباً للوقوع في دوامة يخسرون فيها أكثر مما يربحون.
وعلى المقلب الآخر، كم من قليلي الضمير والأخلاق يستغلون بساطة وجهل الكثير من الناس بالقوانين ليسلبوهم أموالهم وأملاكهم وشقاء العمر وبكل سهولة؟ وكم حولنا من الأشخاص الذين يتحدثون عن سرقة ميراثهم من قبل عم أو خال أو أخ؟
كم عدد القضايا التي كانت تُغني عنها معرفة بقوانين بسيطة وحقوق أبسط؟ ولماذا لا يتم التعريف بالقوانين التي على كل مواطن التسلح بها لضمان حقوقه؟ ولماذا لا يعرف الكثير من الناس عن القانون سوى جملة: القانون لا يحمي المغفلين؟ وما ردة فعلهم لو علموا أنه حتى هذه الجملة خاطئة، وأنه يحمي المغفلين؟
(تشرين) اضطلعت بمهمة تعريف المواطن بأهم حقوقه، وأقرب القوانين لحياته اليومية ومشكلاته المحتملة، وذلك عبر لقاء مع المحامي عبد الفتاح الداية، الذي أجاب بداية عن سؤالنا عن سبب جهل المواطن بالقانون، إن لم يكن مهتماً به بشكل شخصي ، فقال: هذا الموضوع يحتاج إلى جهد حكومي وجهد من المختصين، الجهد الحكومي يتجلى في تخصيص زوايا قانونية في الإعلام وفي اللوحات الإعلانية، وخاصة في وقت المناسبات التي تستدعي معرفة المواطن ببعض الحقوق، مثل الانتخابات، إن كانت لمجلس الشعب أو للإدارة المحلية، أو تعديل دستور أو غيره، فالمواطن في الفترات المذكورة يكون متلقياً جيداً للقوانين لأن الحدث يشغله فترة غير قليلة.
كذلك أشار الداية إلى ضرورة التوجه إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت إعلام اليوم، موضحاً أن على المختصين تخصيص فقرة على صفحاتهم الشخصية أو على صفحات اختصاصية يتم إنشاؤها لهذه الغاية بالذات، كما على المواطن أيضاً أن يبذل جهداً في التعرف على القوانين التي يعيش وفقها، والتي تحميه من أي اعتداء محتمل.
 
التقاضي وسيادة القانون
أفرد الدستور السوري الفصل الثاني منه كاملاً، ومن المادة الخمسين إلى المادة الرابعة والخمسين، لمسألة سيادة القانون وحق التقاضي، حيث كفل الدستور حق التقاضي للجميع بموجب المادة الحادية والخمسين فجاءت المادة على الشكل الآتي:
1- العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة، إلا بقانون.
2- كل متهم بريء حتى يدان بحكم قضائي مبرم في محاكمة عادلة.
3- حق التقاضي وسلوك سبل الطعن والمراجعة والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون، وتكفل الدولة المساعدة القضائية لغير القادرين وفقاً للقانون.
4- يحظرُ النصُ في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء.
وحرص الإعلان العالمي لحقوق الانسان على حق التقاضي والمحاكمة العادلة فجاء في المادة العاشرة منه:
(لكل إنسان – على قدم المساواة التامة مع الآخرين – الحق في أن تنظر في قضيته محكمة مستقلة ومحايدة، نظراً منصفاً وعلنياً، للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أي تهمة جزائية توجه إليه).
وأكد الداية أن التقاضي من حيث المبدأ حق مكفول للجميع، يملك كل شخص على أراضي الجمهورية العربية السورية اللجوء إليه، وهو ما يرتب على الدولة وعن طريق سياساتها وإجراءاتها والمؤسسات المختصة تسهيل هذه العملية وضمان وصول المواطن الى أروقة المحكمة والعمل ما أمكن على مجانية التقاضي والحفاظ عليها وتأمين القاضي النزيه والعادل وتهيئة كل الظروف المناسبة، فلا يمكن الاكتفاء فقط بالقول: إن التقاضي حق للجميع من دون أن يُستتبع ذلك بإجراءات تنفيذية وواقعية تحقق الهدف المنشود.
وتأتي أهمية تضمين الدستور هذه المواد لكونه الخط العريض والقاعدة الأساسية للقوانين، فمادام الدستور يحتوي على هذه المواد فالقوانين بعده يجب أن تطبقها وتُكتب على أساسها وتحقق أهدافها وتحولها لواقع ملموس.
المعونة القضائية
يوضح المحامي الداية أننا قد نكون أمام متضرر أو صاحب حق لا يملك مالاً من أجل السير بعملية التقاضي وتحصيل حقه، ولا يمكنه أن يتكلف مصاريف الدعوى وأتعاب المحاماة، ولاسيما أن القانون ألزم المدعي بتوكيل محام في بعض الدعاوى بشكل إلزامي، حيث لا يمكن للمدعي السير بها وحده، من هنا ظهرت فكرة المعونة القضائية، التي تعد إلى حد ما تطبيقاً لمبدأ مجانية التقاضي إعمالاً بمبدأ مجانية القضاء، فالمعونة القضائية تعني إعفاء المتداعين من تعجيل نفقات الدعوى وتسخير محام يعينهم في خصومتهم مجاناً، وذلك بعد التحقق من فقر حال المدعي عن طريق عدة إجراءات وبيانات من المالية وغيرها، وحتى طلب المعونة هذا معفى من الطوابع والرسوم، وتشمل المعونة بالطبع كل المحاكم والمعاملات، ومع ذلك هناك بعض الآراء من المختصين تطالب بإعادة النظر بالرسوم القضائية لتخفيف الضغط عن المتداعين.
الجؤوا للقانون
وبيّن الداية أنه من الملاحظ بنسبة لا بأس بها، عزوف الناس عن اللجوء للقانون وإن كان ليس بنسبة كبيرة، وأحياناً يكون سبب العزوف تجربة سابقة شخصية، أو مع أحد المعارف، ولكن هذه التجربة يجب ألا تعمم، فلكل قضية ظروفها وأدلتها، والقانون موجود ويجب اللجوء إليه بصرف النظر عن بعض الملاحظات عليه، ثم إن القانون يطلب اللجوء إليه لأنه لا يمكنه أن يذهب هو للأشخاص!
على سبيل المثال يمكن لمن تعرض للتهديد تقديم معروض للنيابة العامة يشتكي فيه على من هدده، وممكن من تعرض لسرقة أيضاً أن يقدم معروضاً للنيابة العامة وهي تتصرف فيما بعد، وبالطبع توجد طرق أخرى لتحصيل الحق ولكن إجراء تقديم المعروض للنيابة العامة يؤخذ به كمثال صالح بعض الشيء عن تسهيل الإجراءات وإمكانية اللجوء للقانون بطريق سهلة وتكلفة بسيطة، فالنيابة تتولى فيما بعد بقية الإجراءات التي يمكن لكثير من الأشخاص من غير أهل الاختصاص جهلها، فلا بد من الذهاب للقانون والدوائر المختصة لتحصيل الحقوق بصرف النظر عن تجارب البعض غير الناجحة.
فاليوم تحاول الوزارات والجهات الحكومية تبسيط الإجراءات وتسهيل الشكوى، حماية المستهلك تملك حساباً على «فيسبوك» وتطبيق على أجهزة الموبايل، ولن يتكلف الشاكي سوى الذهاب لهذه الصفحة وهو في منزله وتحصيل حقه من بائع قرر رفع السعر عليه، ومع ذلك لا يشتكي! ومثل حماية المستهلك، قامت وزارة السياحة التي تتبع لها المطاعم والمقاهي، وأتاحت تقديم الشكاوى عبر تطبيق (واتس أب)، ومع ذلك، وحتى اللحظة، يُظلم الزبون في أحد المطاعم ولا يشتكي! من هنا نقول بضرورة إشاعة ثقافة الاحتماء بالقانون والذهاب إليه، أما وقد وصلنا إلى أن القانون بات يأتي عبر تطبيق الموبايل و لبيتنا ولا نشتكي فهذه طامة كبرى في الحقيقة، ولا يلام بعدها إلا الشخص ذاته، ففي هذه الحالات لا يكون القصور في النص القانوني ولا في مبدأ المجانية المطبق بهذه الحالة بنسبة مئة بالمئة.
وثمة حالات أخرى أيضاً لعزوف الناس عن اللجوء للقانون فأحياناً يكون بسبب بساطة المخالفة أو العقوبة، وأحياناً بسبب قلة المبلغ في موضوع السرقة مثلاً، وجميع هذه الأسباب لا تبرر التنازل عن الحق، فبعض القوانين جيدة والجزاء فيها مقبول وعادل، وبعض النصوص الأخرى تتعدل تباعاً، ومن هنا يجب اللجوء للقانون بصرف النظر عن قصور بعض المواد القانونية أو بساطة المخالفة، فتحصيل الحق واجب على المرء تجاه نفسه والعدالة وحتى مجتمعه، وفي تحصيل الحق مهما قل انتصار لكرامة الشاكي ووضع حجر في وجه من يريد إشاعة الفوضى والجريمة في المجتمع، ومن ثم يجب ألا يعتقد الشاكي أنه سيظلم المشكو منه، لأنه حينما ظلمه أو اعتدى على حقه كان على دراية بفعله، والشكاوى والعقوبات المترتبة عليها منصوص عليها بنصوص قانونية عامة.
مراجعة المحامي كمراجعة الطبيب
قد يرى البعض أن هذه النصيحة، ولاسيما أنها مقدمة من محام، تحمل شيئاً من استجداء الرزق، وهذا في الحقيقة غير صحيح، فالمحامي رجل قانون، ومُلم بتفاصيله، فهو أقدر على حفظ حقوق الشخص من الشخص نفسه، فعلى سبيل المثال وفي موضوع شراء عقار يعتقد الشاري أن المسألة بسيطة ولا تحتاج كثير عناء أو مراجعة محام لتنظيم الأمر، فيبرم العقد وحده، بينما لو راجع محام واستشاره لنبهه لضرورة استخراج قيد عقاري حديث التاريخ، ولضرورة الانتباه إلى الإشارات الموضوعة على العقار فيما لو وجدت، وأنه في حال كان البائع وكيلاً عن المالك فيجب أن يتأكد الشاري من صحة الوكالة، ولنصحه بتقسيم الثمن على دفعات حتى تمام الإجراءات، ومن الحالات الموجودة على أرض الواقع أن يكون الدفع بـ«الشيك» مثلاً، وفي هذه الحالة، ومع وجود محام، سيقوم بتنبيهك إلى ضرورة الكشف عن هذا الشيك وحقيقته… وفي هذا المجال الأمثلة كثيرة، مثل عقود البيع والشراء، عقود الشراكة مثلاً، فتنظيمها أيضاً من قبل محام فيه ضمانة أكثر لحقوق الطرفين، خاصة حينما تحمل الشراكة الكثير من التفاصيل، وكمثال شديد الارتباط بالحرب، فإن عقود إيجار العقارات مثلاً لو يتم فيها استشارة محام قبل إبرامها، لوفرت الكثير من العناء على مالك العقار في حال كان المستأجر من الأشخاص الاستغلاليين، فلو راجع مالك العقار محامياً لنصحه بتسجيل عقد الإيجار في الوحدات الإدارية، أي المحافظة والبلديات، هذا التفصيل الصغير سيحمي المالك في حال قرر المستأجر البقاء في المنزل بغير وجه حق بعد انتهاء المهلة، ولن يحتاج المالك سوى وضع هذا العقد بالتنفيذ ليصار لإخلاء المستأجر فوراً من دون مشكلات ولا وقت إضافياً، فتسجيل العقد في الوحدات الإدارية جعل منه سنداً تنفيذياً.
ثم إننا دائماً ما نمتدح الدول الأوروبية لسيادة القانون فيها، وهنا لا بد من التذكير بأن اللجوء للقانون عندهم أمر مقدس، وأي معاملة مهما كانت صغيرة لا تتم من دون وجود الشخص المختص وهو المحامي، فإذا كنا نمني النفس بسيادة عامة وكاملة للقانون ونتطلع لتعديل بعض النصوص ومعالجة بعض المشكلات في القضاء، فالأولى أن نبدأ بالموجود حالياً ونشيع ثقافة اللجوء للقانون واستشارة الشخص للمختص ومراجعته دائماً.
هل يحمي القانون المغفلين؟
عبارة (القانون لا يحمي المغفلين) عبارة شائعة بين عوام الناس، ويبنون عليها قرارهم بعدم اللجوء للمحاكم، وهي في الحقيقة ليس لها أي أساس قانوني، وهناك التباس حول هذا الأمر، فقانون العقوبات تحدث عن أن الجهل بالقانون لا يعفي من العقوبة، فالمقصود أن من ارتكب جريمة لا يمكن أن يقول إنه على غير دراية بها فلا جهل في القانون، وهنا كان الخلط عند الناس بين عبارة «لا جهل في القانون»، وبين ما أشيع بيننا بأن «القانون لا يحمي المغفلين»، وأما القانون في حقيقته فقد وضع لحماية الفرد والمجتمع، ومن الخطأ القول أنه يستثني هذه الحالة أو تلك، فالقاعدة القانونية لا تكون قاعدة قانونية حتى تكون عامة ومجردة، والقانون وجد لتنظيم المعاملات وإحقاق الحق، ويوجد الكثير من النصوص القانونية التي حمت الأشخاص في حالات كثيرة مثل نقص الأهلية والحجر وغيرها، وهؤلاء ضعفاء في الواقع وبحكم المغفلين كما يراهم أنصار عبارة (القانون لا يحمي المغفلين) التي لا أساس لها من الصحة، ونعتقد بضرورة التوعية حولها لأنها بالفعل غدت أساساً لعزوف الناس عن اللجوء للقانون والاحتماء به، فأحياناً يعتقد أنه السبب، وأحياناً أخرى يعتقد أنه قد تأخر، وغير ذلك من الأسباب التي تجعله يعتقد نفسه مغفلاً مطروداً من حماية القانون.
تركيز على حقوق المرأة والطفل
ولمتابعة التعرف على بعض القوانين المهمة، وعلى الفئات التي ركزت عليها تلك القوانين، التقت (تشرين) المحامي محمد الصياد الذي أوضح أن التذكير بهذه المواد وغيرها يأتي من أهميتها والتصاقها بيوميات الناس، وفي محاولة للتبيين بأن القانون قام بحماية الجميع، ولكنه كان شديد الانتباه للمرأة والطفل والطرف الأضعف بشكل عام، وهذه من بدهيات ومن ألف باء أهدافه.
فمثلاً، هناك اعتقاد سائد بأنه لا يمكن للمرأة تحصيل حقوقها، وأن أمر طلاقها خاضع لإرادة ومزاجية الرجل، يتحكم به وبها كيف شاء، وهذا أمر غير صحيح، فالقانون كفل للزوجة اللجوء للقانون في حال العلل، وغياب الزوج، وعدم الإنفاق، والشقاق واستحالة استمرار الحياة الزوجية، وحماها من الطلاق التعسفي الذي من الممكن أن يوقعه الزوج ويحرمها من إرثه، وأعطاها القانون حق طلب النفقة من تاريخ امتناع الزوج عن الإنفاق، وأوصل المدة لإمكانية الحكم بالنفقة لسنتين سابقة للادعاء، ومكَّنها من فرض شروطها الخاصة في عقد الزواج، كل ما عليها فعله هو قراءة القانون والتعرف عليه، وإن تعثر عليها ذلك أو صعب عليه فهمه، فما عليها إلا مراجعة محام مختص، وإن واجهت مشكلة بعد الزواج، كل ما عليها أيضاً هو اللجوء للقانون، والجدير ذكره أن القانون لم يلزم الزوجة بتوكيل محام إلا في بعض الحالات في القضايا الشرعية، أما أكثر الحالات فيمكنها مراجعة المحكمة بنفسها، وإن كنا نؤكد أهمية توكيل محام كما أسلفنا.
ومن المواد المهمة أيضاً في القانون، إعفاؤه معاملات الزواج وتثبيته إدارياً وقضائياً وتحصيل الرسم من أي مهر، وعدّ مهر المرأة ديناً ممتازاً لا يمكن للزوج تجاهله ويمكنها بموجبه حبسه.
الأدلة ليست كتابية فقط
يتابع المحامي الصيّاد، أنه في القانون المدني، يمكن مثلاً لمن لا يملك دليلاً مكتوباً، إثبات دعواه بأدلة أخرى، ففي واقع التطبيق العملي، يظهر العديد من المشكلات اللاحقة لعمليات البيع والشراء، إن كان بعدم الفراغ بعد البيع أو عدم تكملة الثمن أو ما شابه ذلك، هنا يُطلب من المدعي دليل فماذا لو كان لا يملك دليلاً كتابياً؟ هل يصبح مغفلاً لا يحميه القانون كما يظن بعض الناس؟ بالتأكيد لا، ففي حال غياب الدليل الكتابي مثلاً، أجاز القانون اللجوء للأدلة الأخرى لإثبات دعواه ولم يعده مغفلاً ويتركه لمصيره.
حقوق العامل كثيرة
قانون العمل مثلاً من القوانين التي يمكن وصفها بالمميزة إلى حد ما، وفيها بعض المواد المتطورة، والتي تقف إلى جانب العامل وهو الحلقة الأضعف كما يُفترض، ويجب السعي لضمان حقوقه، فتمييز صاحب العمل بين العمال لغير أسباب المؤهلات يقع باطلاً، كما أن القانون أعفى كل طلبات العمال وشكواهم من كل الرسوم مهما كان نوعها، وأجاز في حال كان العامل يعمل في منشأة من دون عقد، أن يثبت حقه ودوامه بها بجميع طرق الإثبات الأخرى، كما حمى القانون العامل في حال قرر صاحب العمل إنهاء العقد قبل انتهاء المدة المحددة فيه، بأن يدفع كامل مستحقات العامل وكأنه أتم المدة كاملة، ومن المواد الجميلة أنه إذا تم نقل مكان العمل أو المنشأة إلى مكان آخر لا يبعد أكثر من 50 كم عن مركز العمل الأصلي، سواء كان ذلك بناءً على إرادة صاحب العمل أو لأسباب خارجة عن إرادته، فيجب على العامل الانتقال إلى مكان العمل الجديد شرط أن يؤمن صاحب العمل مجاناً وسائل النقل المناسبة إلى هذا المكان ذهاباً وإياباً، أو أن يؤدي إلى العامل البدل النقدي المناسب، كل ما على العامل هو اللجوء للقانون وتفهم العقد قبل توقيعه واللجوء للمحاكم في حال إخلال صاحب العمل ببعض بنوده، ولاسيما أن الغالب على أصحاب المنشآت من ذوي النفوس الضعيفة أنهم يحاولون الالتفاف على قانون العمل والتأمينات والتهرب منها بطرق ملتوية وعديدة، ومع ذلك، ومع هذا الواقع المؤسف، فالقانون يدعو العامل للجوء إليه بعد أن قرر حمايته بموجب نص ملزم للجميع.
قانون العقوبات لم يغفل شيئاً
وبيّن الصياد أن قانون العقوبات من القوانين المهمة، فعلى مبدأ من أَمِنَ العقاب أساء الأدب، تأتي أهمية قانون العقوبات الذي تندرج فيه العقوبات من الغرامات مهما قلّت، فكل موظف أوقف أو حبس شخصاً في غير الحالات التي نص عليها القانون عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة لأنه تعدى على الحرية، وفي مادة أخرى عاقب من يحقر الموظف، كما عاقب على الذم والقدح، ومن الجميل واللافت في قانون العقوبات مثلاً، أنه أفرد الباب السادس منه للجرائم التي تمس الدين والأسرة، فعاقب على سبِّ الدين من شهرين لسنتين، و حمى الجثث والأموات، وعاقب من يسرقها أو يتلفها بالحبس من شهر لسنة، وضمن للمشتري الذي تعرض للغش مراجعة القضاء المختص، وعاقب البائع بالحبس مع التشغيل والغرامة، حتى إنه عاقب من يرمي الأوساخ في الطرقات بالغرامات.
يتبين لنا من الأمثلة المختصرة السابقة – ويوجد غيرها الكثير لا يتسع المقام لذكرها – أن القانون بشكل عام، وقانون العقوبات بشكل خاص، سعى لحماية المجتمع، وحاول ما أمكن إرساء الأمان فيه، ولكن القانون كاليد الواحدة التي لا تصفق وحدها، ولا بد من مبادرة الشخص للجوء إليه، وتحريك الأمر لوضع هذه النصوص موضع التنفيذ والتطبيق.
التوعية
وأشار المحامي عبد الفتاح الداية إلى أن الحديث عن المشكلات الحالية في القضاء، وعن المقترحات وعن الواجب فعله حديث يطول، ولكن المجتمع مدعو لنشر التوعية القانونية، ليس المطلوب من المواطن العادي الإلمام بتفاصيل القانون كمحام، ولكن المطلوب توعيته بأنه لا بد من أن هناك نصاً يحميه ويحمي حقوقه، أو يعيدها إليه، ولكنه لا يعلم ذلك، ولا بد من إشاعة وسنِّ مراجعة المحامي كمختص عند التعرض لطارئ قانوني معين، وعند إجراء أي معاملات، هذا على صعيد الجهات والأشخاص، أما على صعيد المشرع، فيجب – في اعتقادنا – القيام بمراجعة كاملة للنصوص القانونية بهدوء، فقد تكون هذه النصوص غير قاصرة، أو لا تحوي أي نقص حينما وضعت، لكن تغير الزمان سيصيبها بالقصور حتماً، وهنا من الجيد الحديث عن تعديل قانون الأحوال الشخصية بموجب القانون رقم 4 لعام 2019 القاضي بتعديل بعض مواد قانون الأحوال الشخصية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 59 لعام 1953 وتعديلاته، فكثير من المواد طرأ عليها تغيير ناتج عن تغير الزمان والمحيط، وكانت تجربة جيدة وعصرية، وحبذا لو تعمم على كل القوانين الأخرى قريباً.
وختم قائلاً: في معرض إضاءتنا على بعض المواد القانونية، وعلى ضرورة اللجوء للقانون، لا نقصد تجميل ما يحتاج منها للمراجعة، ولا أن نقول إننا في مدينة فاضلة، كل ما في الأمر أننا نريد أن نؤكد أن القانون سيقوم بحمايتك إن لجأت إليه، وأن المشرع حاول ما أمكن أن يحيط بكل شيء، وكل شيء في يومياتك ينظمه قانون أو يعاقب عليه، جهلنا بوجود النص لا يعني عدم وجوده، وعزوفنا عن اللجوء للقانون، لا يعني أن القانون سيىء أو أن المشرع مُقصر.