صلحي الوادي

صلحي الوادي

نجم الأسبوع

الأحد، ٤ فبراير ٢٠١٨

سوسن صيداوي
 
صرامة في العقلية وقسوة في التعامل صاحبها تمكن من أن يثلج القلوب ويفرحها بعد أن علّمها حسن الالتزام وأهمية الزمن والدقة فيه. العصبية والتذمر والتسلّط، صفات فظّة اجتمعت بإنسان ترقّى عن كونه بشرياً، وتسامى إلى الإنسانية في الدرجة. تلك الصفات السلبية تمسّكوا بها وتناسوا قدرته على تحقيق كلّ الأحلام الشبابية والطفولية، منطلقاً من أول نوتة، وخاتما بسمفونيات عالمية، استطاع هذا الرجل أن يفعل ما يفعله السوري النهضوي الحق إنه الموسيقار صلحي الوادي الذي عاش في سورية- فبلده الأصلي العراق العربي- وزرع في تربته غرساً غضاً، لكنه كان يراه بعد عشرين عاماً شباباً يحمل الموسيقا إلى بُعد العالمية. صلحي الوادي لم يقبل وساطة بل كان مطواعاً لكل أذن ترقّ سمعاً وتستعذب ذوقاً موسيقياً، هذا الأمر إضافة إلى الكثير من الأمور جعله شخصاً محارباً، لكنّ عناده وإيمانه الأكبر بحلمه الموسيقي مكّنه من تشكيل الفرقة السيمفونية الوطنية السورية، فأعضاؤها- وهم تلامذته- مازالوا حتى اليوم يتذكرون قسوته المبطنة بلين يحلم أن يراهم في الكِبر مثل الجبال. وقفوا في المركز الوطني للفنون البصرية في كلية الفنون الجميلة في دمشق، كي يوقعوا ببصمتهم الصوتية على كتاب سيرته المعطاءة التوثيقي الذي حمل عنوان: «صلحي الوادي الموسيقار والإنسان». احتوى الكتاب ضمن صفحاته الـ228 الآراء والشهادات التي توثّق مسيرة الراحل وأصحابها بالتتالي:همسة الوادي، صادق فرعون، عماد مصطفى، أنجيلو غوارانيا، رعد خلف، طاهر ماميللي، أيمن هلال، ناديا خوست، سعد القاسم، بشار العظمة، صميم الشريف.
بين الصفحات يمكن للقارئ أن يجد فصلاً من أرشيف عائلة المايسترو الوادي حيث تضمن أقواله في الفن، وبعضاً من رسائله، وما كُتب عنه في الصحف المحلية والعربية والعالمية، ومقتطفات من كتاب قطاف المعارف لأيمن هلال، وفي نهاية الكتاب سيجد كلّ مهتم عنوان: اللحظات الأخيرة في حياة المايسترو صلحي الوادي. كل ما سبق ذكره من عناوين تجدونها موثقة بصور نُشرت للمرة الأولى.
 
إنسان يحمل مشروعاً دائماً
 
جاء في مقدمة الكتاب وبقلم الأستاذ غياث الأخرس مدير المركز الوطني للفنون البصرية وتحت عنوان صلحي تلك القامة: «إنه شخصية استثنائية بامتياز، قامة جامعة، صلحي لم يكن موسيقاراً ومايسترو فقط، كان إنساناً مثقفاً ثقافة عالية، عرف كيف يستفيد من عمق الحياة الموسيقية والثقافية في إنكلترا ليخلق رؤى ويحلم بمشروعات أرادها لمستقبل الموسيقا في بلده». متابعا مدير المركز: «الموسيقا كانت تسكنه لأعمق حدود الروح. صلحي إنسان يحمل مشروعاً دائماً، كان دائماً صاحب مشروع جديد». وختم المقدمة بالعبارة: «ليس كل إنسان يمكن أن يكون صاحب مشروع خلاق، صلحي كان كذلك». هذا وخلال توقيع الكتاب تقدم الأخرس في الحديث عن صلحي الوادي معتبرا الأمر ليس سهلاً «وذلك لعدة أسباب أولها أن شخصيته مميزة جداً، ومثقفة جداً، وشخصيته متطلبة جداً وخاصة أنه كان رجلاً طامحاً إلى الجودة. كان صلحي رجلاً مؤسساً، فهو صاحب مشروع، وهذه أول قيمة له، فمن عنده انطلق الموسيقيون السوريون المبدعون، وشخصية مثل شخصية صلحي الوادي هي شخصية استثنائية ومن الصعب أن تتكرر. ومن جانب آخر كان يجمع في منزله مع زوجته السيدة (سينثيا) الموسيقيين التشكيليين والأدباء والشعراء والمثقفين. وبالنسبة للكتاب لقد بذلنا جهدا كبيراً كي يصدر بهذا الشكل. وما أريد الإشارة إليه أننا في هذا الزمن الحرج هناك ما يمكنني أن أسميه بـ(اللخبطة الموسيقية)، وكنت أظن بأن الجانب التشكيلي تجتاحه الصعوبات والمشكلات، والعمل في مجاله أمر معقد، ولكن الذي اكتشفته ومن خلال كتاب صلحي الوادي والتعامل مع الموسيقيين، بأن هناك الكثير من الأمور المعقدة التي تعوق تحقيق ما يمكننا قوله بمشروع موسيقي، وخاصة أننا نفتقر في هذا الزمن إلى النقد والرأي السديدين. وبالنسبة إلى المناسبة التي تجمعنا أشير إلى الإهمال الذي تسبّب به زملاء صلحي وطلابه، وللأسف المنافسة حاضرة وعلينا ألا نختبئ وراء إصبعنا ونقول: إن السبب في عدم التعاون بين الزملاء هو الحرب وتغيّر المواقف، وما أشدد عليه نحن من نخلق ثقافة وننشرها- لا وزارة الثقافة- ومن موقعه كل قائد مثقف وأكاديمي هو قادر على خلق الثقافة ونشرها، ولهذا نلحظ المطبات التي تقع فيها ثقافتنا السورية وخاصة أننا نفتقر إلى ما سميته أعلاه بمشروع، وأريد أن أختم حديثي بأننا بطريقة تفكيرنا مختلفون عن الآخرين وللأسف الشديد نحن كسوريين لا نرى في بعضنا إلا ما هو سلبي، ونتمسك به في تعاملنا مع الآخرين، وهذا الأمر يخفف من الأنانية الفردية عند اكتشاف ما يملكه السوري الآخر من ثقل معرفي وثقافي- وبالطبع أنا هنا لا أدافع عن شخصية صلحي الوادي- وهذه الحالة نلغي من خلالها الآخر، إذاً علينا أن نناقش الخطأ، لا أن نلغي الآخر».
 
أطفال شاهدهم موسيقيين عمالقة
 
من جهته تحدث أندريه معلولي عميد المعهد العالي للموسيقا عن أسلوب صلحي في التعامل مع طلبته: «لقد ألهمني عنوان الكتاب بما سأتكلم في صلحي الوادي، كما جاء العنوان «صلحي الوادي الموسيقار والإنسان»، الكتاب يغطي شقين مهمين كان عاشهما الموسيقار، الذي استطاع أن ينشر فكراً موسيقياً ويحقق هدفاً كان مقدرا له أن يكون هو المخطط له والساعي للتنفيذ من خلال رسالته الموسيقية. وهذا الإنسان- والذي أنا أحد أبنائه- تعلمت منه كيف يكون الإصرار على تحقيق الحلم، وهنا لابد من التذكير بأن صلحي الوادي عندما جاء إلى سورية بدأ بتعليم الصغار موسيقياً، لكنه كان يراهم موسيقيين كباراً بعد عشرين عاماً. وبالعودة إلى عنوان الكتاب، صلحي الوادي الإنسان، لأنه آمن بالأرض السورية وجاء إليها كي يزرع فيها، لأنه مؤمن بأن في سورية تربة خصبة، وهو إنسان لأنه ربى أجيالاً على قيم ومثل أخلاقية مترّفعة. إنه رجل يقدّر الوقت كثيراً، وأتذكر قسوته لتحقيق الهدف المنشود، وهنا أحب أن أذكر حادثة، كانت بروفات الأوركسترا تبدأ في الساعة الثامنة صباحاً، وفي مرة تأخر أحد الموسيقيين عن البروفا خمس دقائق، وقتها حطم له الساعة- بالطبع لم ننطق بحرف- ولكن في المساء كان لدينا بروفا، فجاء أستاذنا صلحي ومعه ساعة للموسيقي وهي أفضل من ساعته التي كان حطمها له، وقال له حينها: (البس هذه الساعة لأنها دقيقة ولن تقصّر أو تزيد في الوقت). ومن هنا أعطانا درساً كنا نجده قاسياً واليوم نحن ممنونون لهذه التصرفات لأننا عرفنا قيمتها. وبالعودة للكتاب فلقد جمع الصفات الإنسانية والموسيقية لصلحي الوادي والتي استطاع من خلالها تأسيس مشروعه وتحقيق رسالته في نقل الثقافة السورية إلى العالمية».
 
من دون موسيقا لن يكون سعيداً
 
على حين ركز ميساك باغبودريان مايسترو الفرقة السمفونية الوطنية، لو أن توقيع الكتاب تمّ وسط حفل موسيقي «احتفلت الفرقة السيمفونية الوطنية بمؤسسها الموسيقار صلحي الوادي من خلال الحفل الذي أقيم بمناسبة مرور خمسة وعشرين عاماً على تأسيس الفرقة السمفونية الوطنية بدار الأوبرا، أتخيل أننا استطعنا خلال الحفل تقديم أمور كانت غائبة عن الجمهور. وفي هذه المناسبة وددت لو أننا احتفلنا بصدور الكتاب عبر حفل موسيقي، لأن صلحي الوادي من دون موسيقا لن يكون سعيداً أبداً».
 
نخبوي لا يحب أنصاف الحلول
 
من جانبه تحدث المايسترو حسام بريمو قائد جوقة الفرح عن حادثة حصلت بينه وبين الموسيقار صلحي: «في مرة كنت مسافراً وتأخرت عن البروفا دقيقة واحدة، فلم يسمح لي بالدخول، شعرت بظلم شديد. اليوم وأنا أقوم بتدريب الأطفال، ولم أسمح لهم أبداً بالتأخر حتى لثوان، أشعر بأن ما حصل لي ليس ظلماً، وخاصة عندما نقارن ما هو دارج الحديث عنه بين التربية الصارمة والتربية اللينة، وبالنسبة لصلحي الوادي اكتشفنا بأن الصرامة تمنع الاسترخاء ومن دون الصرامة لا يمكن للمرء أن يكون فاعلاً، فهو لا يحب أنصاف الحلول، نخبوي، عنده لا يوجد تسامح في قضايا الفن أو إعداده، ولقد استطاع أن يحقق دمجاً في طلابه- وأنا واحد منهم-بأن يكونوا موسيقيين وإنسانيين».
 
يرفض الوساطات
 
على حين كان للسيدة سعاد قوادري عقيلة الأديب الراحل عبد الرحمن منيف حديث وخاصة عن الموسيقار الراحل: «أريد أن أكون صريحة في كلمتي، فعلى الرغم مما عاشه صلحي من نقد ومحاربة ومعاندة في مسيرته، إلا أنه تابع وفق قناعاته ووفق إيمانه هدفه في الموسيقا وفي تحقيق حلمه، وهنا أحب أن أشير إلى نقطة مهمة في الموسيقار الراحل، بأنّ أياً كان يريد أن يتقدم لتعلّم الموسيقا، عليه أن يمتلك أذناً موسيقية وقدرة على تذوقها بغض النظر عن انتمائه العائلي، ولأنه كان يواجه الوساطات، جعله يصطدم بالكثيرين. هذا الرجل كان سعيداً بما أسسه في سورية، فما قدمه لسورية لم يقدمه لبلده العراق الذي كان يزوره بين وقت وآخر. وأخيراً أحب أن أقول: إنه عاش حياته الاجتماعية محاطاً بالأصدقاء، وبأنه كان يحب رحلات الصيد ويقوم بها مع أصدقائه، وأحب حياته مع زوجته (سينثيا) التي كانت له كل شيء واستطاعت احتواءه واستيعابه بشكل لا يمكن لشخص القدرة عليه».
 
الرائد للتعليم الموسيقي أكاديمياً
 
على حين بيّن الفنان التشكيلي والناقد د. سعد القاسم في مداخلته أمراً مهماً حول صلحي الوادي: «تكمن أهمية الكتاب من أهمية صلحي الوادي، فلولا صلحي الوادي لم يكن هناك موسيقا في سورية، فهو المؤسس لفكرة تعليم الموسيقا أكاديمياً، كما استطاع أن يؤسس بشكل متواز جمهوراً وموسيقيين». وبالنسبة لاستقدام صلحي الوادي خبراء أجانب أشار القاسم إلى أن «صلحي الوادي كان يعتبر الموسيقا علماً، فلم تكن بالنسبة له انتماء سياسياً شرقياً أو غربياً، وعلى هذا الأساس استحضر خبراء موسيقيين من أذربيجان لتعليم الموسيقا الشرقية على آلتي العود والقانون، لتعليم الطلاب الموسيقا على أسس علمية».