أعمال الفنان التشكيلي جبرعلوان : أطياف من الغمام لا يطالها الليل

أعمال الفنان التشكيلي جبرعلوان : أطياف من الغمام لا يطالها الليل

نجم الأسبوع

الأحد، ١٥ نوفمبر ٢٠٠٩

لون الهمس.. همس وموسيقى..غروب.. ضجيج ومُعَسَّل.. فضاء مزدحم.. عناوين للوحات الفنان التشكيلي جبر علوان في معرضه الأخير في صالة الآرت هاوس بدمشق حيث قدم /30/ لوحة مشغولة بألوان الأكريليك وبحجوم وقياسات مختلفة تتمحور مواضيعها حول مفهوم (المقهى).. هذا المكان الذي يعتبر كمنتدى ثقافي يجذب إليه الناس من كافة الطبقات والألوان والأجناس من أدباء وشعراء وفنانين ومثقفين، بصفة يومية وعلى مدار العام، حيث تجد زواره يقضون سهراتهم فيه يتبادلون الأحاديث في مختلف المجالات الاجتماعية السياسية، الاقتصادية والثقافية.

من هنا يحضر إلى الذاكرة حديث الأديب الراحل نجيب محفوظ عن علاقته بالمقهى والنرجيلة التي كان يفضل تدخينها فيه بمفرده أو بصحبة عدد من أصدقائه، وهو وصْف يعبر إلى حد كبير عن أهمية المقهى لدى المجتمع قائلاً: (أجلس فأدخن الشيشة، ومن خلال تصاعد دخانها تتراءى أمام عيني شخوص رواياتي وتفاصيل سلوكها).

في المقهى يقوم الفنان جبر على تشكيل لوحته رغم الضجيج بحالات إنسانية مختلفة (حزن.. فرح.. قلق.. تأمل..) من خلال رؤيته اللونية فيوشح سطح اللوحة بلون الضباب الرمادي حيث تزدحم اللوحة بشخصيات مسرحية وتبقى الوجوه غائمة حالمة وهائمة غامضة كأطياف متحركة ضبابية اللون، مع وجود لمسة حمراء أو زرقاء تدعم تداخلات النور والظل، تروي للمتلقي قصصاً من الحنين وهواجس الغربة والوحدة، كل ذلك يدل على دقة في الرسم وخيال خصب مبدع يستند إلى تراكم ثقافي في التجربة.

الفنان جبر علوان أحد كبار الفنانين التشكيليين العراقيين، ولد جبر علوان عام /1948/ في قرية قرب مدينة بابل العراقية، وفي عام /1970/ تخرج من معهد الفنون الجميلة ببغداد، وعمل مدرساً للرسم في مدينة كربلاء في نهاية عام /1972/ ومن ثم رحل علوان إلى روما ليواصل دراسته الأكاديمية، يسجل للفنان علوان تأثر تكوينه الفني بالفنون البصرية الإيطالية من عصر النهضة إلى المستقبلية والفن الفقير والمدارس الفنية في الستينيات والسبعينيات، ويخص السينما الإيطالية وبخاصة أفلام / فيلليني / بقسط كبير من الإعجاب والتأثر، أقام علوان عددا ً كبيراً من المعارض الفردية لأعماله، كما شارك في العديد من المعارض الجماعية في البلاد العربية والأجنبية، وصدر في إيطاليا كتاب عن أعماله باللغتين الإيطالية والإنكليزية، مقيم حالياً في روما.

*الأزمنة التقته وسألته في البداية عن الغموض الواضح في أعماله فقال :

- أعتقد أن فكرة الغموض في لوحاتي تداعب خيال المتلقي فالإنسان بطبيعته مجموعة من المشاعر والأحاسيس والعواطف فهو يشاهد ويقرأ يومياً آلاف الصور من الواقع فيحزن ويفرح في عقله في اللاوعي، ومن ثم يبحث.. يفكر.. يتأمل.. ويحاور.

*أما عن مدينة دمشق فقال :

- دمشق من المدن التاريخية العريقة، تلاحظ فيها تكثيف الزمان تدهشك حين تراها للمرة الأولى، وهي متحف في الهواء الطلق يستطيع الفنان التشكيلي أن يستلهم منها ويطور عمله.

أما عن حضور المرأة في أعماله فيجيب جبر: المرأة في مجتمعنا أراها منكسرة، حزينة ابتداءً من والدتي.. أخواتي.. إلى النساء المحيطين بي، وأنا نصير المرأة الشرقية بكل حالتها التعبيرية.

عن أعماله قال الراحل الكبير الكاتب المسرحي سعد الله ونوس: (حفنة من الألوان القزحية وحفنة من الأضواء السرية، وموهبة سحرية قادرة على أن تبدع بدءاً من هذه المواد المتقشفة.. لوحات هي كالرؤى تغير كيمياء الجسد، وتغير حالته المزاجية).

أخيراً : إن تجربة الفنان التشكيلي جبر علوان تجربة إبداعية غنية وهامة تعتمد على صياغة المفردة اليومية، وتحولها إلى مفردة واقعية تشكيلية ذات شحنة درامية على درجة عالية من الشفافية، والتأثير المباشر والحيوي في النفس البشرية دون استئذان.

 

ريم الحمش