2015-06-11 15:15:06 | الأرشيف
![]() الأمير عبد القادر الجزائري |
|||||||||||||
![]() مقدمةوُلِدَ نجمٌ، وحطَّ ترحالُه في سماء دمشق حيث تألّقَ نوره، كقوس قزح الذي خيَّمَ فوق مدينتنا الغالِيَة، وكانت أطيافه في علم الدين، والشعر، والتصوف، والفلسفة، والسياسة، والجهاد، قد تجمّعَت كلها في ذاته، كالنور الذي يتألف من سبعة أطياف.سيرتهولادتهوُلِدَ في 6 أيلول (سبتمبر) عام 1808 في قرية القيطنة بوادي الحمام من منطقة معسكر المغرب الأوسط في الجزائر، ثم انتقل والده إلى مدينة وهران. نسبه يعود نسبُ هذا البيت العربي المسلِم إلى الحسن بن علي بن أبي طالب من أهل المدينة المنوّرَة. كان جدُّهُم الأول إدريس الحَسَنِي إلى جانِب ابن الزبير في مكة المكرمة، ثم هاجر مع أسرته الشريفة إلى مصر، ثم إلى المغرب العربي، واستقروا في قبيلة صنهاجة البربرية المسلمة، المنتشِرَة على امتداد المغرب العربي، حيث اُستُقبِلَ بما يليق بمنزلة أهل بيت رسول الله. تزوج الجد من ابنة رئيس القبيلة وتدعى كنزه، وعظُمَت منزلته ليؤسّسَ لأبنائه ملكاً في المغرب (الإدريسيون أو الأدارسة). والداهوالِده الأمير محي الدين، ووالِدته واسمها لالا خيرة من آل أبي طالب. تابع الابن محي الدين الحسني سيرة أبيه العطرة في الزاوية، وكان رجلاً محبوباً طيّبَ القلب، وعليه إجماع القلوب، وله أتباع ومريدون كثر. على زمنه دخل الفرنسيون العاصِمَة الجزائر الواقعة تحت سيطرة العثمانيين الذين استسلموا سريعاً ثم سَقَطَت المدن الجزائرية الساحلية تباعاً وبسهولة. دراستهتلقى الشاب عبد القادر مجموعة من العلوم فدرس الفلسفة (رسائل أخوان الصفا، وأرسطوطاليس، وفيثاغورس)، ودرس الفقه والحديث (صحيح البخاري ومسلم) وقام بتدريسهما، كما تلقّى الألفية في النحو، والسنوسية، والعقائد النسفية في التوحيد، وإيساغوجي في المنطق، والإتقان في علوم القرآن. رحلاته والبَرَكات التي نالهاسافر الأمير عبد القادر بصحبة والده في جولة علمية إلى الديار الحجازية ودمشق وبغداد حيث لقِيَ الشيوخ والعلماء، فنال البرَكَة الشاذلية في مكة المكرمة، والبركة النقشبندية على طريق الحج. أقام في ضيافة الشيخ محمد زكريا قاضي تدمر عدة أشهر، في طريقه إلى بغداد. سلك الطريقة القادرية، ولقِيَ الشيوخ فيها والعلماء، وعاد مع والده إلى الجزائر يحمل علوم المشارقة وآدابهم. جهاد الأمير عبد القادركان الأمير عبد القادر شاباً في أول عشرينياته، ويرافق والده، وبعد مرور سنتين اعتذر الأمير محي الدين عن إمارة الجهاد لكِبَر سنه، وطلَبَ أن يُعَيّنَ بديلٌ عنه تُجْمِع عليه الناس ليعود هو مجاهداً. قرّرَ قادة المجاهدين وشيوخ العشائر تولية ابنه المجاهد الأمير عبد القادر أميراً للجهاد خَلَفاً لوالِدِه. وبويِعَ الأمير الشاب في عمر الخامسة والعشرين أميراً للجهاد، وكان أول المبايعين والده تحت شجرة اللبلاب التي لا تزال إلى يومنا هذا، ثم الموجودون جميعاً، بما عُرِفَ بالبيعة الصغرى. أعلن الأمير مدينة معسكر عاصمته، وهي الواقعة على هضبة مطلة على بداية سهل غريس، وفيها تمت البيعة الكبرى في مسجد معسكر، من القبائل جميعها. زواج الأميرتزوج الأمير من آل أبي طالب من آباء عمومته وصافي نسبه الشريف لالا زهره، وأنجب أولاداً وبناتاً. محاربته للفرنسيين حارَبَ الفرنسيين سبعة عشر عاماً، ثم حوصِرَ في عاصمته المتنقلة الزمالة، وهي عبارة عن مركز يقيم فيه الأمير وأسرته، ثم الدائرة الأقرب، وفيها خيام رجال الحكم، وأصحاب الرأي، ثم الدائرة الثانية، وفيها خيام آل بني هاشم من أقرباء الأمير الخلص، ثم الدائرة الثالثة والرابعة. استسلام الأميركان الرأي بعد أن طالَ الحصار، أن يسلّم الأمير نفسه بشروط، منها ألا يسلم سيفه إلا لابن الملك الفرنسي الدوق دوفال، الذي عُيِّنَ حاكماً على الجزائر، وهكذا كان. وقد تعهد الدوق دوفال بتلبية كامل شروط الأمير للتسليم، ومنها الانتقال إلى دولة إسلامية، وأراد الأمير أن تكون مصر، ولكن الخديوي رفض، فطلب أن تكون تركيا، ووافق الفرنسيون على ذلك خطياً، ولكنهم كانوا يدبرون أمراً آخر. عندما وصل الأمير وأسرته وحاشيته إلى مرفأ تولون، طُلِبَ منهم النزول إلى اليابسة لحين تزويد السفينة بما يلزم وصيانتها. وعلى اليابسة أُبلِغَ بأنه معتقل ومن معه. فأرسلوه إلى فرنسا، وكان ذلك في عام 1847، وحُدِّدَت إقامته بقصر بو القريب، ثم نُقِلَ الأمير إلى قصر أمبواز بعد فترة، وجَرَت عدة محاولات لإقناعه بقبول الاستقرار نهائياً في فرنسا. نابليون الثالثفي تلك الأثناء كان نابليون الثالث زعيماً في المعارضة الفرنسية، وكان يقول أن فرنسا لم تحسِن معاملة الأمير، وأنها خانته وحَنَثَت بوعودها. ثم اُنتُخِبَ نابليون الثالث رئيساً للجمهورية الفرنسية، ثم صار إمبراطوراً، وقرر زيارة عدة مناطق فرنسية كمخرَج دبلوماسي لزيارة الأمير في قصر أمبواز حيث حُدِّدَت إقامته بالقصر وحدائقه، فاعتبر الأمير نفسه سجيناً ولم يغادر القصر. وفي الزيارة قال له الإمبراطور: «أنا أعتذر عن تصرفات فرنسا التي لم تفِ بوعودها لك، وأنت حر»، ودعاه إلى زيارة باريس، حيث اُستُقبِلَ بحفاوة جماهيرية ورسمية بالغة، وزار كنيسة نوتردام، ولاشك أن محبة الجمهور الفرنسي للأمير تعود إلى قصص التسامح وحسن المعاملة التي كان يرويها الأسرى الفرنسيون العائدون من حرب الجزائر عن الأمير الكبير. على أثر ذلك أهداه نابليون الثالث سيفاً وقدم له راتباً شهرياً ومبلغاً باهظاً من المال، وسمح له بالسفر إلى الشرق سنة 1852. وصول الأمير إلى تركياكانت محطة الأمير الأولى خارج فرنسا هي تركيا حيث توجّهَ إلى الآستانة، وحصل له الإكرام والاحتفال من خليفة المسلمين السلطان عبد المجيد، وأنعم عليه بدار في مدينة بروسه الواقعة بجانب اسطنبول والمشهورة بمياهها المعدنية. أقام الأمير في بروسه حوالي السنتين إلى أن توالَت الزلازل على بروسه سنة 1855. وصوله إلى دمشقعلى أثر الزلازل قرر الأمير عبد القادر مغادرة بروسه نهائياً، فاستقر في دمشق سنة 1856، واُستُقبِلَ الأمير بحفاوة، واشترى دار الشيخ محي الدين بن عربي، وسكن فيها ووسعها، وكانت مرتبة الأمير الصوفية الأعلى «الخرقة الأكبرية»، ولاتزال هذه «الخرقة الأكبرية» من ممتلكات العائلة. في دمشق كان الأمير يقضي أيامه في القراءة والصلاة وحلقات العلم، وجمع مكتبة ضخمة، واشتهر بالكرم ولطف المعشر، وحب العلم وأهله. تولّعَ الأمير بكتب الصوفية، وخصوصاً مؤلفات الشيخ محي الدين بن عربي، وكان له اختصاص بمعرفة تاريخ الإسلام، واشتهر بالفصاحة، وشدة البأس والفروسية. وفي دمشق كتب الأمير كتابه الصوفي الوحيد «المواقف» وضمّنَه آراءه وسيرته في التصوف، وقام بالتدريس في الجامع الأموي. فتنة طائفية في الشام بعد أربعة أعوام من استقرار الأمير في دمشق حدَثَت فتنة في الشام عام 1860، واندلعت أحداث طائفية دامية، ولعب الزعيم الجزائري دور رجل الإطفاء بجدارة، ففتح بيوته للاجئين إليه من المسيحيين كخطوة رمزية وعملية على احتضانهم، وهي مأثرَة لا تزال تُذكَر له إلى اليوم إلى جانب كفاحه ضد الاستعمار الفرنسي في بلاده الجزائر. لم يكن تصرف الأمير عبد القادر في حماية المسيحيين إلا التزاماً بدينه الذي يقضي على المسلمين حماية أهل الذمة الذين يقطنون في بلاد المسلمين، والأمير عبد القادر متفقه في الدين، ويعلم حدود ما أنزل الله، ويعرف واجب المسلمين نحو أهل الذمة، وهو توفير الأمن والحماية لهم، وصون دمائهم وأموالهم وأعراضهم وكنائسهم، وكل ما تم الاتفاق عليه في عقد الذمة. تكريمهكان لموقف الأمير عبد القادر الإسلامي الإنساني صدى في الأوساط العالمية، فأتته رسائل شكر مصحوبة بالأوسمة، وشارات الفخر والتقدير من جميع ملوك ورؤساء الدول العالمية، ونوهَت به كبريات الصحف العالمية وأشادت بخصاله الكريمة، ومواقفه الإنسانية، ولعل أهم النياشين والميداليات التي نالها كانت من نابليون الثالث وأبراهام لينكولن الرئيس الأميركي. الوسام العثماني الأولتوجه الأمير سنة 1881 إلى الآستانة لزيارة السلطان عبد العزيز، فاجتمع به وأهداه الوسام العثماني الأول، ثم توجه إلى باريس ولقِيَ نابليون الثالث. وفاته ووصيتهتُوُفّيَ بهدوء في قصره الصيفي في دمّر من ضواحي دمشق في ليلة السبت 24 أيار (مايو) سنة 1883، وكان قد أوصى بدفنه إلى جوار مقام الشيخ محي الدين بن عربي، ولكنه دُفِنَ تحت القبة إلى جوار الشيخ، ولا يزال الضريح قائماً إلى اليوم في مكانه، ولكن الرفاة نُقِلَت بعد استقلال الجزائر أوائل الستينات. ترميم قصر الأمير الصيفي بالاتفاق بين المفوضية الأوروبية والإدارة المحلية والبيئة، وضمن برنامج تحديث الإدارة البلدية، جرى تأهيل بيت الأمير عبد القادر الجزائري الواقع في ضاحية دمر غرب دمشق، والقصر هو مصيَف كان للأمير في الربوة على ضفاف نهر بردى، وسط روضة من الأشجار الوارفة. وقال المهندس نزار مرادمي أن عملية الترميم ارتكزت على بعدين ثقافي وبيئي. ويراد من ترميم القصر تحويله إلى بيت للثقافة يزوره الناس مع ما يحمله اسم صاحب القصر من دلالات، والبعد الآخر سياحي، حيث تم إنشاء حديقة بيئية أمام القصر وفي محيطه. ومن الجدير بالذكر أن هذا القصر لم يكن المنزل الوحيد للأمير، ولم يكن محل إقامته الدائم. فمن المعروف أن منزله هو الذي منحته إياه السلطات العثمانية في حي العمارة بدمشق القديمة والمعروف بحارة النقيب، وهو الحي الذي ضمّ آل الجزائري حتى اليوم. جائزة في التسامحمنحَت مؤسسة الأوسيمي السويسرية غير الحكومية في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010 جائزتها السنوية الثالثة في التسامح إلى اسم الأمير الجزائري الراحل عبد القادر الجزائري «تقديراً لدوره كأحد أبرز مؤسسي القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان وثناءً على مساعيه الحميدة لنشر روح التسامح في فترات عصيبة من التاريخ». مؤلفاته1) كتاب «المواقف»، من 3 أجزاء، دمشق: دار اليقظة العربي، ط2، 1966. كتبه في دمشق، وفيه آراؤه وسيرته بالتصوف، مملوء بالقول بوحدة الوجود على طريقة ابن عربي الفلسفية، قبس فيه كثيراً من آراء والده في كتاب «إرشاد المريدين». 2) كتاب «المقراض الحاد لقطع لسان منتقِص دين الإسلام بالباطل والإلحاد»، تحرير: محمد بن عبد الله الخالدي المغربي، بيروت، دار مكتبة الحياة، دون تاريخ نشر. 3) كتاب «ذكرى الغافل وتنبيه الجاهل» في الحكمة والشريعة، تحقيق: ممدوح حقي، بيروت، دار اليقظة العربية، 1966. وهو الأطروحة التي قدّمَها للمجمع العلمي الفرنسي في أخريات سنيه، فقُبِلَ بها عضواً مراسلاً، ترجمها إلى الفرنسية غوستاف ديغا عام 1858، وهو القنصل الفرنسي بدمشق آنذاك. يحتوي الكتاب على ثلاثة أبواب «في فضل العلم والعلماء» وبه تعريف العقل وتكملة وتنبيه وخاتمة، وفي «إثبات العلم الشرعي» يتحدث فيه عن إثبات النبوة واحتياج كافة العقلاء إلى علوم الأنبياء، وفصل ثالث «في فضل الكتابة». 4) كتاب «نزهة الخاطر» وهو في الشعر، ونشره زكريا عبد الرحمن صياح تحت عنوان «ديوان الأمير عبد القادر الجزائري» سنة 1978. آثاره الشعرية وتنقسِم إلى قسمين: الديوان: ومن قصائد التصوف وردَت في الديوان هذه القصيدة «أنا الحب والمحبوب والحب جملةً»: عن الحُبّ، ما لي، كلما رمت، سلوانا ..|.. أرى حشو أحشائي، من الشوق، نيرانا؟! القصائد الأخرى: الآثار النثرية: 1) المقراض الحاد لقطع لسان الطاعن في دين الإسلام من أهل الباطل والإلحاد: رتب الأمير رسالته على مقدمة، وثلاثة أبواب: ويعلل الأمير ترتيب الأبواب على الشكل السابق بطريقة عقلية منطقية إذ أنه يعتبر أن «ترتيب هذه الرسالة، وضعاً، هو بحسب الترتيب عقلاً لأن إثبات الألوهية، مرتب على وجود العقل. وإثبات النبوة والرسالة مرتب على إثبات الألوهية. وبيان ما يحمد ويذم، من: الأقوال والأفعال، والصفات، مرتب على إثبات النبوة والرسالة». 2) ذكرى العاقل وتنبيه الغافل: قدم الأمير هذه الرسالة إلى المجمع العلمي الفرنسي في باريس بعد أن انتهى من تأليفها يوم الاثنين 31 أيار 1854م. وقد ألف الأمير رسالته خلال إقامته في بروسه والتي امتدّت ما يقرب من السنتين والنصف (1853 – 1855م) وهذه الرسالة هي الثانية التي ألفها الأمير خارج أرض الوطن بعد «المقراض الحاد» التي ألفها خلال إقامته أسيراً في أمبواز. عرض الأمير في مقدمته مضمون رسالته، ليضع القارئ أمام الموضوع بجملته، فيكون على بيّنة منه قبل الإقدام عليه. وهذه الطريقة في التأليف، سادَت أواخر القرون الوسطى وانتشرت فيما بعد. وقد رتب الرسالة على مقدمة وثلاثة أبواب، وخاتمة، وجعل في كل باب فصلاً، وتنبيهاً، وخاتمة. فصل العلم والعلماء: «اعلموا: أن الإنسان، من حيث حصوله، في الحيز والمكان، فجسم كسائر الأجسام، ومن حيث يتغذى وينسل فنبات، ومن حيث يحس، ويتحرك بالاختيار، فحيوان، ومن حيث صورته وقامته، فكالصورة المنقوشة على الحائط. وكما أن الفرس، يشارك الحمار في قوة الحمل ويختص عنه بخاصية الكر والفر وحسن الهيئة، فيكون الفرس مخلوقاً لأجل تلك الخاصية. فإن تعطلت منه، نزل إلى مرتبة الحمار، فكذلك الإنسان، يشارك الجمادات والحيوانات في أمور، ويفارقها في أمور، هي خاصيته، وبها شرفه، فما حصل له الشرف بعظم شخصه، فإن الفيل أعظم منه، ولا بشجاعته، فإن الأسد أشجع منه، ولا لأكله، فإن الجمل أوسع منه بطناً، ولا لجماعه، فإن أخس العصافير أقوى منه جماعاً، وإنما شرف الإنسان وخاصيته التي يتميز بها عن جميع الموجودات، هي العلم، وبها كماله. إذ كمال كل شيء، إنما يكون بظهور خاصيته التي امتاز بها عن غيره ونقصانه هو خفاء تلك الخاصية، فبقدر ظهور تلك الخاصية يطلق عليه اسم الكامل، وبحسب سترها فيه، يخص باسم الناقص. مثلاً الخاصية، التي امتاز بها الفرس، وهي الحقيقة الفرسية، أن يكون شديد العدو، ومعتدل القوائم في الطول والقصر، مدركاً لإشارة الراكب من: إرادة الكر، والفر، أو الهملجة، أو الحضر أو التقريب، فإذا ظهرت هذه الخاصية قيل: فرس كامل. ثم الإعزاز والإهانة تابعان للكمال والنقصان. وخاصية الإنسان، هي معرفة حقائق الأشياء، على الوجه الذي هي عليه، بحيث يرتفع عن بصيرته حجاب الشك. ويتيقن حقائقها، مكتشفة له. وبكمال هذه الخاصية ونقصانها، يفضل بعض أفراد الإنسان بعضاً، إلى أن يعد واحد بألف. ولم أر أمثال الرجال تفاوتت ..|.. إلى المجد، حتى عد ألف بواحد والناس ألف منهم كواحد ..|.. وواحد كالألف إن أمر عنا ولا شيء أقبح من الإنسان، مع ما فضله الله به، من القدرة، على تحصيل الكمال بالعلم، أن يهمل نفسه، ويعريها من هذه الفضيلة. ولم أر في عيوب الناس شيئاً ..|.. كنقص القادرين على الكمال ولما كان العلم، هو كمال الإنسان، كان كل إنسان، محباً للعلم بالطبع، ويشتهيه ويفرح إذا نسب إلى العلم، ولو قليلاً، ولو يعلم أن الذي وصفه بالعلم، كاذب. ويحزن إذا دفع عن رتبة العلم، ويلتذ الإنسان بالعلم، لذاته ولكماله، لا لمعنى آخر، وراء الكمال. ولا يخفى على أهل العلم: أنه لا لذة فوق لذته، لأنها لذة روحانية، وهي اللذة الخالصة من جميع الشوائب والمكدرات. وأما اللذة الجسمانية، فهي، عند التحقيق، دفع ألم. إذ لذة الأكل دفع ألم الجوع ولذة الجماع، دفع ألم امتلاء أوعية المني به، بخلاف اللذة الروحانية، فإنها ألذ وأشهى ولهذا كان بعض العلماء يقول، عندما تنحل له مشكلات العلوم: أين الملوك وأبناء الملوك من هذه اللذة، ومن المعلوم أن اللذات، بالإضافة إلى الإنسان، من حيث اختصاصه بها، ومشاركته لغيره، ثلاثة أنواع، عقلية وجسمانية مشتركة مع بعض الحيوانات، وجسمانية مشتركة مع جميع الحيوانات. أما العقلية: فالعلم بحقائق الأشياء، إذ ليس يستلذ بها السمع والبصر والشم والذوق ولا البطن، وإنما يستلذ بها القلب لاختصاصه بصفة، يعبر عنها بالعقل، وهذه اللذة، أقل اللذات وجوداً، وهي أشرف اللذات. أما قلتها، فلأن العلم لا يستلذ به إلا عالم. وما أقل أهل العلم والحكمة، وما أكثر المتسمين باسمهم، والمرتسمين برسمهم. وأما شرفها، فلأنها لازمة لا تزول أبداً، لا في الدنيا، ولا في الآخرة، ولا تمل، والطعام يشبع منه فيمل، وشهوة النكاح يفرغ منها فتستثقل، والعلم والحكمة، لا يتصور قط أن تمل وتستثقل، والمال يسرق أو يحرق، والولاية يعزل عنها، والعلم لا تمتد إليه أيدي السراق بالأخذ، ولا أيدي السلاطين بالعزل، فيكون صاحبه في روح الأمن أبداً، وأما قصور أكثر الخلق، عن إدراك لذة العلم، فلفساد أمزجتهم، ومرض قلوبهم، لاشتغالهم باتباع الشهوات، واستيلائها على عقولهم، فإن القلب إذا كان صحيحاً لا يستلذ إلا بالعلم، فإذا كان مريضاً بسوء العادات استلذ بغيره، كما يستلذ بعض الناس أكل الطين وكالمريض الذي لا يدرك حلاوة العسل ويراه مراً. ومن يك ذا فم مر مريض ..|.. يجد مراً به الماء الزلالا وإما لقصور فطنتهم، إذ لم تخلق لهم الصفة، التي بها يستلذ العلم كالطفل الرضيع الذي لا يدرك لذة الطيور السمان، ولا لذة العسل، ولا يطلب إلا اللبن. الثانية: لذة يشارك الإنسان فيها بعض الحيوانات، كلذة الرياسة والغلبة والاستيلاء، وذلك موجود في الأسد، والنمر، وبعض الحيوانات. الثالثة: لذة يشارك الإنسان فيها جميع الحيوانات، كلذة البطن والفرج، وهذه أكثر اللذات وجوداً وهي أخسها، ولذلك اشترك فيها كل ما دب وتحرك، حتى الديدان والحشرات. ولأجل اللذة، والكمال الذي في العلم، صار للإنسان ميل طبيعي إلى العلم غالباً، لكن من الناس من ساعده فهمه ومنهم من لم يساعده. وأما عدم الميل إلى العلم، فلأمر عارض كفساد الطبع، أو بعد المكان عن الاعتدال. والمقصود من هذا معرفة فضيلة العلم ونفاسته، وما لم تفهم الفضيلة في نفسها، لم يمكن أن يعلم وجودها، صفة للعلم، أو لغيره من الخصال، فلقد غلط من طمع أن يعلم أن فلاناً حكيم، وهو لم يعرف معنى الحكمة وحقيقتها، فالفضيلة، مأخوذة من الفضل، وهو الزيادة، فإذا تشارك شيئان في صفة، واختص أحدهما بمزيد يقال: فضله، وله الفضل عليه، مهما كانت زيادة فيما هو كمال ذلك الشيء، كما يقال: إن الفرس، أفضل من الحمار بمعنى أنه يشاركه في قوة الحمل ويزيد عليه بقوة الكر والفر وشدة العدو، وحسن الصورة، فلو فرض حمار اختص بسلعة زائدة على ظهره لم يقل: إنه أفضل لأن السلعة زيادة في الجسم، ونقصان في المعنى وليست من الكمال. والحيوان، مطلوب لمعناه، وصفاته لا لجسمه، فإذا فهمتم هذا لم يخف عليكم: أن العلم فضيلة، إن أخذتموه بالإضافة إلى جميع الحيوانات، أو أخذتموه بغير إضافة فإنه فضيلة وكمال، على الإطلاق، وبه شرف العلماء والحكماء، وهو المرغوب فيه، المطلوب لذاته، لا لغيره...». وكذلك أيضاً في تعريفه للقوى الأربع: 3) المواقف في التصوف والوعظ والإرشاد: وقد تبين لنا سابقاً أن الكتاب عبارة عن أحاديث الأمير، ودروسه ومواعظه التي كان يلقيها على الطلاب والعلماء. ولهذا فإن الكتاب لم يُؤلّف في فترة زمنية قصيرة معيّنة، ولكنه أُلِّفَ في فترة طويلة متباعدة. ولذا يمكننا ترجيح تأليف الكتاب بين سنتي 1856 و1883م، وهي الفترة الأخيرة من حياة الأمير. ومما جاء فيه عن التوحيد نقرأ فيه: الموقف العاشر
المراحل التاريخية لتصوف الأمير: 1) المرحلة الأولى: مرحلة التلقّن والتعلم والمطالعة (1807 – 1830م): أ- الطريقة النقشبندية: ب- الطريقة القادرية: وبعد عودتهما من رحلتهما المشرقية إلى أرض الوطن، تولى السيد محي الدين وابنه الأمير عبد القادر نشر الطريقة القادرية، فالسيد محي الدين تولى التهيئة النفسية للكفاح، فأوجد مراكز في القرى والأحياء وبين القبائل، وبث دعاة فيها إلى الله. فكان هؤلاء هم الذين غذّوا حركة الجهاد التي قام بها الأمير في المرحلة الثانية من تاريخ حياته. 2) المرحلة الثانية: مرحلة الفتوة والمرابطة (1830-1848م): 3) المرحلة الثالثة: مرحلة التأمل والتفكير (1848-1852م): وهي إلى جانب ذلك تمتاز بالإنتاج الأدبي والفكري. وقد تعرف خلال هذه المرحلة إلى الصوفي الكبير السيد محمد الشاذلي القسنطيني. ومن المرجح أن يكون الأمير تتلمذ على يد الشيخ محمد الشاذلي، وتلقّى عليه مبادئ الطريقة الشاذلية وأصولها، وناقشها في الموضوعات الصوفية إلى جانب المساجلات الشعرية التي كانت تجري بينهما من حين لآخر. 4) المرحلة الرابعة: مرحلة النضج والتعبير (1853-1883): لقد تغلغل الأمير خلال هذه المرحلة في علوم القوم، وأظهر من دقائق الحقائق، وعوارف المعارف ما يؤذن بسمو مقامه، وعلو قدره، إذ كان «يصوم شهر رمضان على الكعك والزبيب، معتزلاً عن القريب والغريب. وله خلوة يتحنث بها في قصره بقرية أشرفية صحنايا». تعتبَر هذه المرحلة أغنى مراحل تصوفه من ناحية النتاج الأدبي والفكري، ففي هذه المرحلة تم له الفتح العظيم، وكان ذلك في خلوته الصوفية الشهيرة، إذ أقام في مكة والمدينة سنة ونصفاً (1863-1864م) مقبلاً على العبادة والخلوة، والتقى فيها بالشيخ الجليل العارف بالله محمد الفاسي رئيس الطريقة الشاذلية. فتتلمذ عليه، وشرب عنه الطريقة. ولازم الرياضة والاجتهاد. وعكَفَ على ما في تلك الطريقة من الأذكار، والأوراد، إلى أن ارتقى في معارج الأسرار الإلهية. «وما تم له الارتقاء إلا في غار حراء. لأنه انقطع فيه أياماً عديدة، إلى أن جاءته البشرى ووقَعَ له الفتح النوراني، وانفتحَ له باب الواردات. واستظهر من القرآن العظيم آيات، ومن الحديث النبوي، أحاديث صحيحة». وقد أشار الأمير إلى هذا الفتح الرباني في الموقف الأول من مواقفه حين قال: «إن الله تعالى قد عودني، أنه مهما أراد أن يأمرني أو ينهاني أو يبشرني أو يحذرني أو يعلمني علماً أو يفتيَني في أمر استفتيته فيه إلا ويأخذني مني مع بقاء الرسم، ثم يلقي إلي ما أراد بإشارة آية كريمة من القرآن، ثم يردني إلي، فأرجع بالآية قرير العين (...) وقد تلقيت والمنة لله تعالى، نحو النصف من القرآن بهذه الطريق». وكتَبَ الأمير من خلوته هذه إلى أستاذه الشيخ يصف بداية الطريق ونهايته، ويثني على الله، بما أولاه على يده، بقصيدته الرائية، والتي سنوردها كلها كما جاءت في ديوانه: أستاذي الشيخ المراجع1) مواقع إلكترونية.2) ذكرى العاقل وتنبيه الغافل، تأليف: عبد القادر الجزائري، تحقيق: ممدوح حقي، بيروت، دار اليقظة العربية. 3) ديوان الأمير عبد القادر الجزائري، تحقيق: ممدوح حقي، بيروت، دار اليقظة العربية، 1965. 4) الأمير عبد القادر الجزائري متصوفاً وشاعراً، تأليف: فؤاد السيد صالح، الجزائر، المؤسسة الوطنية للكتاب، 1985. 5) مختصر كتاب المواقف الروحية والفيوضات السبوحية، تأليف: عبد القادر الجزائري، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2007. |
|||||||||||||
| |||||||||||||
هل تؤدي الصواريخ الأمريكية وأسلحة الناتو المقدمة لأوكرانيا إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة؟