الشاعرمحمد الفراتي

الشاعرمحمد الفراتي

نجم الأسبوع

الأربعاء، ٤ أكتوبر ٢٠١٧

 

شاعر كبير ومترجم وفيلسوف وفلكي ورسام ورجل نضال وطني، ولد في دير الزور عام 1880 ودرس في مدارسها ثم أكمل دراسته في حلب ثم سافر إلى القاهرة وأكمل دراسته في الأزهر الشريف، شارك في الثورة العربية الكبرى عام 1916 ثم في ثورة سعد زغلول في مصر عام 1919، وناضل ضد الاستعمار الانكليزي والفرنسي مما اضطره إلى مغادره دير الزور في أواخر عام 1925 إلى العراق هرباً من ملاحقة السلطات الفرنسية حيث عمل مدرساً للغة العربية في بغداد، سافر بعدها إلى البحرين ومصر و إيران والسعودية إلى أن استقر به المطاف في مدينته دير الزور حيث وافته المنية عام 1976.
وحسب ما تقوله عنه المواقع والموسوعات هو محمد بن عطا الله بن محمود بن عبود لقب بالشاعر الفراتي لأنه كان يوقع بدايات قصائده المسماة بالمصريات بلقب الفراتي.
حياته
وُلد الفراتي في دير الزور عام 1880، درس في مدرسة الرشدية، وبدأ تعليمه فيها عندما انتسب إلى مدرسة الرشيدية، ولما اكتشف معلموه حبه للعلم والتحصيل نصحوا ذويه أن يفسحوا له المجال لتنمية مواهبه، وإشباع رغباته في الاستزادة من الأدب، فاتصل بالشيخ حسين الأزهري حيث درس عنده علوم اللغة والنحو والفقه لمدة سنتين ولم يتوقف عند هذا الحد بل غادر دير الزور إلى حلب مستزيداً في طلب المعرفة فتابع دراسته على يد الشيخ محمد الزعيم وبعض علماء حلب المشهورين آنذاك.[ لم تكتف نفسه التواقة للمزيد بهذا الحد بل غادر حلب إلى بيروت ومنها إلى يافا فبور سعيد فالقاهرة حيث استقر به الطواف في الأزهر الشريف وأقام برواق الشوام الذي كان عميده آنذاك الشيخ سليم البشري، وتتلمذ الفراتي على أيدي أئمة الأدب والفقه أمثال المرصفي والقاياتي وبخيت وتزامل الفراتي وهو يطلب العلم في الأزهر مع طه حسين وعبد القادر المازني وزكي مبارك وأحمد الكرمي.
وما إن انطلقت شرارة الثورة العربية في الحجاز ودوى صداها في أرجاء الوطن العربي حتى سجل الفراتي ورفاقه اسماءهم لدى مندوبها وقد سافر إلى الحجاز والتحق بجيش فيصل بن الحسين في بلدة الوجه على البحر الاحمر ولأن الفراتي كان ضعيف البصر نحيف الجسم فقد كلفه بالافتاء وتدبيج الخطب السياسية وبعد دخوله في أول معركة أنعم عليه الملك فيصل برتبة ضابط وجعله على إثر ذلك إمام طابور
ولما شعر أن الثورة حادت عن مبادئها المعلنة غادرها إلى مصر ليشترك في ثورة سعد زغلول عام 1919، في ذلك الوقت احتلّ الجيش البريطاني مدينة دير الزور عن طريق الحدود العراقيّة، فاندلعت فيها ثورة شعبية، عاد الفراتي على أثرها إلى مسقط رأسه ليحارب الاستعمار الإنكليزي بالنضال المباشر عن طريق تشكيل خلايا المقاومة، وبرز اسمه كزعيم ثوري، فكان عليه أن يدفع ضريبة هذه الصفة التي حملها، فكان نصيبه الملاحقة والتضييق حتى خرج الإنكليز من دير الزور عام 1920 وحلّ محلهم الفرنسيون.‏
ساهم الفراتي في محاربة الجهل والأمية ببناء المدارس والانخراط في سلك التعليم، وفي أوائل عام 1922 افتتحت في دير الزور أول ثانوية رسمية للذكور سميت ثانوية التجهيز، فعين الفراتي مدرساً فيها لمادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية، لكنه بدأ يحرّض على الثورة والتمرد علناً ضد الفرنسيين.
دير الزور زمن الإحتلال الفرنسي.
وفي عام 1925 اندلعت الثورة السورية الكبرى وامتدت شرارتها الى منطقة الفرات حيث كان الفراتي من اشد الداعمين لهجمات الثوار على القوات الفرنسية في المدينة، وعند ادانة الزعيم عيّاش الحاج من قبل سلطات الاحتلال بالتخطيط للهجمات وقيادتها وصدور قرار نفيه مع أسرته إلى مدينة جبلة كتب الفراتي:
لئن فارق الليث الهصور عرينهُ على الرغم منه والزمان يجورُ
فقد كان وراداً لكل مخوفةً له في الأعادي صولةٌ وزئيرُ
على اثر مواقفه الوطنية ضيقت سلطات الانتداب الخناق عليه وسرحته من الوظيفة مما اضطره لمقابلة وزير المعارف بدمشق لشرح وضعه والاعتراض على فصله، ولما شعر أن الوزير لم يستجب لشكواه أغلظ عليه القول واتهمه بالخيانة الوطنية وغادره إلى الشارع حيث نمى له بعض أصدقائه أن ثمة اعتقالاً ضده يبيته الفرنسيون فعاد إلى دير الزور مسرعاً حيث تخفى وغادرها إلى العراق في أواخر عام 1925 والتحقت به زوجته يرافقهما صديقه الشاعر عبد الجبار الرحبي.
وفي العراق تبناه ساطع الحصري الذي كان في مرتبة وزير المعارف آنذاك فعينه فوراً مدرساً للغة العربية وخصه بتعليم هذه المادة في مدارس اليهود ببغداد، وهنا بدأت أحواله تستقر، لكن نزوعه الدائم للسفر كان يشده لرفع عصا الترحال وعندما افتتحت أول مدرسة رسمية في المنامة بالبحرين غادر العراق ليدرس اللغة العربية فيها، ومكث الفراتي ثلاث سنوات في البحرين لكنه اختلف مع مدير المعارف هناك فغادر البحرين عائداً إلى دير الزور وفيها عين مدرساً في ثانوية الفرات عام 1930 ولم تنته حياة الفراتي عند هذه الحدود بل سافر إلى السعودية وإيران ومصر، وشارك في المهرجانات الشعرية العربية، ومثل الجمهورية العربية السورية في المهرجان التأبيني الذي أقيم في القاهرة تخليداً لشاعر القطرين خليل مطران.
أعماله
تمثال الشاعر الكبير محمد الفراتي في مدينة دير الزور مسقط رأسه.
شارك الفراتي في الثورة العربية فعلاً وشعراً وعاش الهم القومي بوجدانه وأحساسيه وعبر عما يعتمل بداخله بقصائد رائعة وندد بالاستعمارين الانكليزي والفرنسي وشارك في اسبوع نصرة الشعب الجزائري الشقيق وقد أكد لطلابه من فوق منبر التدريس على عروبة الأرض الجزائرية كما وقف الى جانب الشعب الفلسطيني وعرى الصهيونية وهاجم الاحلاف التي نشأت في الخمسينات وتصدى للعدوان الثلاثي على مصر ومجد بطولات شعب بور سعيد.]
وقد عاش طوال حياته يحلم برؤية علم الوحدة العربية يخفق فوق سماء العروبة فلم يترك فرصة إلا وخاطب فيها ساسة العرب وقادتهم حاثاً إياهم على إشادة صرح الوحدة، لهذا فقد رأى في جمال عبد الناصر زعيماً وطنياً متميزاً ورجل وحدة حقيقي حيث يقول:‏
ومن يبن صرحاً للعروبة عالياً‏ فللوحدة الكبرى جمال هو الباني‏
أرى النيل صنواً للفرات فها هما‏ بروح العلا إلفان يعتنقان‏
ياباني الوحدة الصغرى ومحكمها‏ نرجوك للوحدة الكبرى لتعليها‏‏
إن الرئاسة لما ازينت وسعت‏‏ اليك مشتاقة جئنا نهنيها
لقد تجلى البعد القومي في شعر الفراتي من خلال تمجيده للشخصيات القومية رثاء ومديحاً فعندما رحل فيصل بن الحسين الذي كان يعتبره شخصية قومية كبيرة كتب فيه:‏
شاعر دير الزور الكبير الأستاذ محمد الفراتي.

يامليكاً قام فينا رسولاً‏‏ أين تبغي الغداة عنا الرحيلا‏‏
كنت بالأمس للعروبة حصناً‏ كنت سيفاً على العدا مسلولا‏‏
وعندما توفي سعد زغلول رمز الوطنية في مصر وأحد أعلامها البارزين رثاه بقصيدة قال فيها:‏

للشرق يازغلول ماشيدته‏‏‏ عجزت بناة المجد عن تشييده‏‏‏
لله سعد كيف علم شعبه‏ إن ارتقاء المجد في توحيده‏‏
ودلالة على تجواله الدائم، تعمد الفراتي أن يعطي قصائده عناوين الأماكن التي كُتبت فيها، فالقصائد التي كتبها في مصر سمّيت المصريات. والقصائد التي كتبها في الحجاز أيام الثورة العربية الكبرى سمّاها الحجازيات، وما كتبه في البحرين أسماه البحرانيات، إضافة إلى ما كتبه في دمشق ودير الزور أسماه السوريات.
ولأنه أمضى حياته متمرداً، فقيراً، فقد كان واقع الحال في مدينته لا يعجبه وكان يحرّض الناس على الثورة لا على الحكم فقط بل على كل شيء، وقد رأى فيه بعض الناس يسارياً وعلمانياً يسعى لتمزيق بنية المجتمع، يقول داعياً إلى الثورة على كل شيء:‏

فبتحطيم النواميس على الدهر استعينوا‏‏‏‏ وادفعوا الشر بالشر وبحكم لا تستكينوا‏‏‏
الترجمة
أجاد الفراتي ثلاث لغات غير العربية هي التركية والفرنسية والفارسية، وقد استحوذت الفارسية عليه، فأنفق سنوات من حياته مترجماً، عام 1959 عينته وزارة الثقافة مترجماً من الفارسية إلى العربية، وقد ترجم عن الفارسية (كتاب كلستان) وهو من الكتب المعدودة وذات الاعتبار كما يصفه هو نفسه. كما ترجم كتاب (روضة الورد) وكتاب (البستان) الذي يقع في أربعة آلاف ومائتي بيت من الشعر لسعدي الشيرازي، وترجم روائع الشعر الفارسي وهي مختارات لسعدي الشيرازي وحافظ الشيرازي وجلال الدين الرومي وقد طبعت وزارة الثقافة في أوائل الستينات هذه الكتب، كما ترجم الفراتي رباعيات الخيام وقواعد اللغة الفارسية وتعليمها بالعربية ووضع قاموسا فارسيا عربيا وترجم (حي تبريز) وديوان غزايات وبهارستان ونصيحة العطار كما ترجم ما يزيد على ثمانية آلاف بيت من الشعر عن الفارسية عدا النثر الفني. الفلك
لم يقتصر اهتمام الفراتي على الشعر والترجمة، بل تجاوزه إلى علم الفلك، فقد كان شغوفاً بعلم الفلك والمراصد الفلكية بما فيها من مناظير وتلسكوبات، وقد عمد إلى تفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم، وهو تفسير فريد للآيات التي تبحث في الكون تفسيراً علمياً، يعتمد فيه على علم الفلك ومقابلتها بأحدث نظريات علم الفلك الحديثة، وهو كتاب لا يزال مخطوطاَ، وله عدد من الدراسات الفلكية التي كتبها بعد سهر ليال وراء تلسكوبه الخاص .
ولابد من الاشارة الى ان الارهابيين الذين عاثوا خرابا وتدميرا في سورية , كانا قد حطموا تمثاله في دير الزور