محاولة قراءة: لماذا الكنيس اليهودي جوبر!؟ ((1 من 4 ))

محاولة قراءة: لماذا الكنيس اليهودي جوبر!؟ ((1 من 4 ))

ثقافة

الجمعة، ١٠ مايو ٢٠١٣

شمس الدين العجلاني
مما يتداوله الناس النظرية التي تقول: (إن التاريخ يعيد نفسه)، حتى أن لسان حالنا يقول كلما تناقشنا في أحاديثنا العامة: "ما أشبه الليلة بالبارحة"!؟ فهل فعلاً (التاريخ يعيد نفسه)! ويجب علينا قراءة التاريخ بشكل جيد والاعتبار من أحداثه ووقائعه؟
طالعتنا خلال الأيام السابقة العشرات من صفحات الفيسبوك والمواقع الإخبارية على النت بخبر الاعتداء على كنيس جوبر اليهودي، وذهبت أبعد من ذلك حين قالت إن هذا الكنيس تم نهبه!؟ فهل هذا الأمر له علاقة بتاريخنا الماضي؟ وهل هنالك من أسباب خفية لسرقة محتويات الكنيس؟ ومن يقف خلف ذلك؟ هل للحاخام السوري إبراهيم حمرا، زعيم طائفة اليهود السوريين الذي غادر سورية إلى "إسرائيل" في العام 1998علاقة بذلك! وما هي قصة شراء كنيس يهودي في سورية من قبل الانتداب الفرنسي، وما علاقة رئيس وزراء سورية السابق حسني البرازي بذلك!
ونبقى نتساءل لماذا كنيس جوبر؟ ونحاول قراءة ما حصل ونلقي نظرة سريعة على هذا الكنيس:

كنيس جوبر:
في البدء لا بد من القول إن هذا الكنيس مقدس بالنسبة للديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلامية، فهو كنيس جوبر اليهودي، ومقام النبي الخضر، (والنبي الخضر هو إلياهو النبي في اليهودية والقدّيس جرجس/جريس/مار إلياس في المسيحية)، ومغارة الدم، ومغارة جوبر، اختلفت التسميات على مر العصور واختلطت بين الديانات الثلاث، ولم يُمس هذا الكنيس منذ آلاف السنين بأي سوء، برغم كل موجات الاضطهاد التي مرت على بلادنا، إلا حين قامت منذ فترة وجيزة العصابات المسلحة بالاعتداء عليه!؟
حسب المتعارف علية هو الكنيس اليهودي الواقع في جوبر وهو من أهم وأقدم الكُنس اليهودية في العالم، ترجح التقاليد التوراتية إنه أقدم كنيس يهودي موجود في العالم، وأن النبي إلياهو اختبأ في مغارة موجودة في جوبر عند هروبه من اضطهاد الملكة إيزابيل، حين قال له الرب: "اذهب راجعاً في طريقك إلى برية دمشق" وأقيم عند هذه المغارة كنيس يهودي لم يزل موجوداً حتى الآن، وفيه مغارة النبي إلياهو، وعند مدخل الكنيس -حسبما يروي الرحالة الفرنسي الفارس دارفيو عام 1660م- لوحة رخامية حديثة كُتب عليها: في عام ثلاثة وأربعين وثلاثة آلاف للخليقة، وفي هذا المكان مسح اليشاع بن شافاط نبياً عن يد إلياهو النبي عليه السلام).

قرية جوبر:
تقع قرية جوبر في غوطة دمشق الشرقية، تبعد عن دمشق دقائق معدودة، ولذا اعتبرت ضاحية من ضواحي دمشق ومن ثم ضُمّت إلى دمشق. ورد ذكرها في التواريخ القديمة، وكان يقطنها يهود دمشق قبل العهد الأموي، كان في أرضها قرية تسمى (طرميس) اندثرت وبقي اسمها محرفاً (جسر ترميس). ودخلت في أراضي جوبر عدة قرى دثرت وعرفت بأسماء (بيت لهيا - قلبين - سريتبين، جديا، المأمونية، الديوانية، طرميس، المصيصة، الداودية، العمادية، الصفوانية وغيرها). نشأ في جوبر قديماً كثير من العلماء والأعلام ولقرب جوبر من دمشق فقد سكن فيها الآن الكثير من أبناء دمشق.
في جوبر من الآثار ثلاثة جوامع وكنيس قديم لليهود. بقي اليهود فيها إلى ما بعد القرون الوسطى، وبقي بعضهم إلى القرن الثامن عشر. فانتقلوا إلى دمشق. قيل إن كلمة (جوبر) مأخوذة من (جوبيار) الفارسية ومعناها (مسيل النهر العظيم) وهذا ما يؤيده العلامة محمد كرد علي، في حين يعارضه آخرون في أصل هذه التسمية ويقولون جوبر اسمها في التوراة "غوبار"، ويقولون تعود التسمية لغار كان يختبئ بها نبي الله إلياس وكان به جبّ صغير(بئر ماء) وكانت المنطقة برّية (غابة) فسُمي المكان(جبّ بر) وتطورت التسمية إلى جوبر، بينما يقول أحمد إيبش لعل"جوبر" مأخوذة من الجذر العبري "جبر" أي قوي وتجبّر، وبالتالي بصيغة "جبار" المشتقة، نسبة إلى ما كان يلاقيه أعداء إلياس هناك.

وصف كنيس جوبر:


يعتبر كنيس جوبر من أجمل كنس اليهود وأكثرها بذخاً وفخامة، ويقولون إنه أول مرة بُني فيه في القرن التاسع ق. م، حوالي عام 3043 للخليقة، وتم إعادة ترميمه عدة مرات وآخر مرة كان بناؤه على طراز عمارة القرن السادس عشر، وكانت الدولة السورية بالتعاون مع الحاخامية اليهودية بدمشق بصدد ترميم هذا الكنيس قبل الأزمة التي نعيشها الآن..
يقع الكنيس وسط جوبر في أحد الأحياء الضيقة "شارع المدرسة"، أشيد من الحجر الصلب، سقفه عال، وتم فرشه بأجمل الأثاث وأفخمه وأغلاه، ووضعت في أرجائه الرموز الدينية اليهودية.
كانت أكثر الأوقاف اليهودية تابعة لكنيس جوبر، وكان المتولي على هذا الكنيس يحصر به القبض والصرف على الكنيس وكان يجري على هذه الأوقاف الاستبدال "أي أن يستبدل على سبيل المثال: قطعة أرض في جوبر بدكان في حارة اليهود"، وكان الحاخام زكي عينتابي المشرف على كنيس اليهود في فترة الأربعينات وبداية الخمسينات من القرن الماضي ثم تبعه الحاخام أبو خليل جاجاتي ومن ثم أبراهام "إبراهيم" حمرا ثم ألبير قمعو، وعرف أن آخر من كان مسؤولاً عن خدمات الكنيس عائلة "حلاوني" اليهودية.
أقيم على المغارة التي اختبأ فيها إلياهو النبي، عند هروبه من اضطهاد الملكة إيزابيل، زوجة الملك آخاب والمغارة عبارة عن فتحة متوسطة العرض ينزل منها في سبع درجات منحوتة في الصخر تؤدي إلى مغارة تقارب مساحتها عشرة الأقدام مربعة ويوجد ثلاثة تجاويف صغيرة كالخزائن المفتوحة يحتفظ فيها اليهود بثلاثة قناديل مضاءة وهناك فتحة أخرى كانت الغربان حسب الروايات الدينية، تُحضر منها الطعام للنبي إلياس خلال الأربعين يوماً التي أقامها هناك وأقيم على هذه المغارة كنيس يهودي.
للكنيس باب حديدي كبير، على الجهة اليمينية للداخل من الباب لوحة رخامية تشير إنه مقام النبي الخضر، وعلى يساره لوحة رخامية أيضاً تشير إنه مقام النبي إيلياهو، على يسار الداخل إلى الكنيس غرفة سادن الكنيس "خادم أو المشرف على الكنيس"؛ تليها غرفة مجلس الملّة اليهودي؛ وإلى اليمين، غرفة للوضوء. يمنع الدخول إلى الكنيس بالأحذية، وأغلب اليهود يخلعون أحذيتهم بمجرد الدخول إلى الحارة التي فيها الكنيس، وهنالك "مشايات" في الكنيس يمكن للمتدينين اليهود أو الزوار استعمالها. وكان اليهود الدمشقيون معتادون على زيارة الكنيس أيام السبوت مشياً على الأقدام ويقيمون فيه صلواتهم، وله عندهم حرمة كبيرة، كما أن أغلبهم كان يقيم بجوبر لمدة يوم واحد "من صباح السبت إلى نهاية نهار الأحد" ويعود بعدها إلى دمشق.
في مكان الصدارة للكنيس يوجد مقام محاط بإطار حديدي جميل وضعت عليه لوحة رخامية قديمة، كتب عليها بالعربيّة والعبريّة والفرنسيّة: " في عام ثلاث وأربعين وثلاثة آلاف للخليقة وفي هذا المكان مسح اليشاع بن شافاط نبيّاً عن يد إلياهو النبي عليه السلام". وفوق اللوحة الرخاميّة وضع مينوراه، وشمعدان سباعي. ولربما هذه اللوحة كانت على مدخل الكنيس حسبما قال الرحالة الفرنسي الفارس دارفيو عام 1660م.
الكنيس مستطيل الشكل كبير الحجم، وقناديل الزيت لا تطفأ فيه، ورائحة البخور تفوح من أركانه. وأغلب جدرانه مكسوة بالخشب الغامق الجميل عُلق عليها فقرات من التوراة، وزينت الجدران بزخارف شرقيّة ولوحات وفوانيس وكلمات عبريّة، وتم فرشه بأجمل الأثاث ووضعت في أرجائه الرموز الدينية اليهودية من شمعدانات وكؤوس و.. والعديد من أبوابه "ملبسة" ذهباً، وفي وسط الكنيس، توجد مصطبة عالية، مخصصة لجلوس كبار حاخامات الكنيس أثناء أدائهم لطقوسهم الدينية.
كما يوجد في صدارة الكنيس خزانة خشبيّة مزخرفة زخرفة شرقية في داخلها مدرجة التوراة، وهي قديمة العهد ونادرة ومكتوبة على جلد غزال، وملفوفة على أسطوانات فضيّة، وهي من مقدسات الكنيس، وبجانب هذه الخزانة غرفة صغيرة بابها مكسو بالذهب ومشغول بزخرفات شرقية بديعة، تؤدي- بواسطة سبع درجات نزولاً- إلى المغارة المقدسة التي يقال إن إلياهو النبي كان يقيم فيها هرباً من اضطهاد الملكة إيزابيل.
يتبع