2022-10-26 12:02:07 | الأرشيف
![]() عبير سليم عقل .. باستطاعةِ النشرِ الخاص إعفاءَ الدولة من تحمّلِ تبعاتِ آراءِ المثقفين ومواقفِهِم |
|||||||||||||
![]() صناعة النشر وإنتاج الكتاب في وقت يعاني فيه المشهد الثقافي العربي من تحديات جمّة على أصعدة مختلفة وسياقات متنوعة في حوار صحفي مع الناشرة والكاتبة عبير سليم عقل. حوار : محمد خالد الخضر
ممّا لا شكَّ فيه أنّ نشرَ المعرفة حيثما كان مصدرُهُ نافعٌ ومهم، لكنّ هناك خصوصية لأهمية وجود النشر الخاص، وبالتأكيد لا باعتبارِه بديلاً عن النشر الحكومي وإنما باعتبارِه خطاً موازياً ومؤازراً. تتجسدُ هذه الأهمية في النقاط الآتية: أولاً: من أبرزِ المظاهرِ التي تتجلّى من خلالِها أهميةُ النشرِ الخاص نجدُها تعودُ إلى فكرةِ تعزيزِ دَورِ المجتمعِ المدني في بناءِ الحراكِ الثقافي والوعي المجتمعي، إذ إنّ النشرَ الخاص يخلقُ مساحةَ عملٍ مستقلةً للأفراد مما يؤول إلى دعمِ استقلاليةِ المجتمعِ المدني في حراكِهِ الثقافي، أما العكس - أي اختزالُ النشر في المسار الحكومي - فإنه قد يساهمُ في إعفاءِ المجتمعِ من مسؤوليته في صناعةِ المعرفة، فإذا كان النشرُ مُحتَكَرًا من قِبَلِ المساراتِ الحكومية فإنّ ذلك بالتأكيد يؤدي إلى تباطؤ حركةِ المجتمع في دفعِ عجلةِ الثقافة اعتمادًا على الجهد الحكومي، كما يساهمُ النشر الخاص في التخفيفِ على السلطة من تحملِها لأعباءِ المشهد الثقافي بالكامل، وبالتالي ضمن هذا التوازي والتكامل – إن صحَّ التعبير – تنطلق الثقافة من المجتمع وإليه ضمن علاقةٍ جدلية مثمرة، فلا يكون المجتمعُ متلقياً وإنما متفاعلاً، فتحصلُ عمليةٌ تفاعليةٌ بين الثقافة والمجتمع. ثانياً: لا يخفى على أيِّ متابعٍ للمساراتِ الثقافية أنّ وجودَ نشرٍ خاص يشكّلُ أبرزَ العوامل في إثراءِ ساحاتِ الفكرِ والثقافة في أيِّ مجتمع، إذ تُعتبرُ دُورُ النشرِ الخاصة المُغذّي الأكبر لساحاتِ الفكرِ والثقافة في البلادِ عموماً، وغيابُها أو تضاؤُلها يؤدي إلى انحسارِ الثقافة في المشهد العام، فحينَ نزورُ أيَّ دولةٍ نجدُ أن هناك علاقةً طردية بين وجود دُورِ النشر الخاصة والحركة الثقافية عمومًا، فقد تجدُ في الدولة داراً أو جهةً حكومية واحدة أو اثنتين أو ثلاث أي أحياناً بما لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة - وطبعاً يختلف ذلك من دولة إلى أخرى -، وفي سوريا نجد هذه المعادلةَ متجسّدةً، حيث تشيرُ الإحصائيات إلى وجودِ مئات من دور النشر المُسجلة لدى وزارة الإعلام بدمشق. ثالثًا: المرونة، فكما هو ملاحظ في القطاع الخاص بشكل عام فإنّ طرقَ عملِ موظفيه وترتيباتِ الاتفاق والتعاقد والتنفيذ قد لا تواجهُ الروتين والبيروقراطية التي من الممكن لمؤسساتِ الدولة أن تواجهها، فالإجراءاتُ الطويلة التي تنتقلُ من قسمٍ إلى قسم ومن موظفٍ إلى آخر في المؤسساتِ الحكومية لا تجدُ لها نظيرًا موازيًا في العملِ الخاص الذي يستهدفُ الإنجازَ بأسرع وقت. رابعًا: الحرية، إذ باستطاعةِ النشرِ الخاص إعفاءَ الدولة من تحمّلِ تبعاتِ آراءِ المثقفين ومواقفِهِم، فمن المعلوم أنّ الكتبَ تحملُ آراءَ مؤلفِيها، واقتصارُ النشر على الجهاتِ الحكومية يولّدُ إشكاليةَ تحمّلِ مسؤوليةِ الآراءِ الواردةِ بشكلٍ أو بآخر، ومن المعلوم أيضاً أنّ السلطةَ قد تشترطُ أحياناً شروطًا في المنتجِ المعرفي حتى لا تتحملَ مسؤوليتَه بصفتِها دولة، أما النشرُ الخاص فهو يعفي الدولة من تحمّلِ تبعاتِ آراء المؤلفين في القضايا التي لا يتناسبُ مع الدولة أنْ تكونَ جزءًا منها. خامساً: النشر الخاص يؤمنُ فرصةً كبيرة للانتشار والتسويق لأصحابِ النصوص حيث يسعى الناشرُ الخاص إلى زيادةِ فرصِ التواجدِ والانتشارِ لمؤلفيه لأنّ ذلك طبيعيٌ ومنطقي إذ سيعودُ على الدارِ بكثرةِ الطلبِ والمبيعات وخلقِ اسمٍ كبير، وهو قادرٌ على اتخاذِ القراراتِ اللازمة مباشرةً للمشاركة في الفعاليات الثقافية التي تسمحُ بذلك في حين قد يكونُ القطاع الحكومي مقيداً بعواملَ عديدة تختلفُ من مؤسسةٍ حكومية إلى أخرى مثل العلاقةِ بين الدول وطريقةِ التعامل في الفعاليات كالمعاملةِ بالمثل والتبادلِ الثقافي وغيرِ ذلك. سادساً: القطاع الخاص أقلُّ تأثراً بالأزمات الدولية، فمن المعروف أن كثيراً من الأزماتِ السياسية والأوضاع المجتمعية تجعلُ مؤسساتِ الدولة غيرَ قادرةٍ على متابعةِ نشاطاتٍ معينة سيّما الدولية منها في حين يستطيعُ الناشر الخاص في كثيرٍ من الأحيان المتابعةَ في حالِ عدم الانقطاعِ أو التوقفِ النهائي عن التبادلِ الثقافي والتجاري بين بلدين معينين، وقد لمسنا ذلك خلالَ سنواتِ الأزمةِ في سوريا عبرَ استمرارِ القطاع الخاص بالمشاركة في أغلب الفعاليات الدولية على الرغم من صعوباتٍ كثيرة واجَهَتْه في ذلك لكنّه كانَ أقلَّ تأثراً من القطاع العام في هذا المجال. سابعاً: خلقُ حالةِ تنافسٍ إيجابي حيث يخلقُ وجودُ النشر الخاص حالةَ تنافس إيجابي لأنّ دُورَ النشر تتنافسُ فيما بينها لتقديم ما هو أفضل وما هو أكثر جذباً وربما ما هو أقل تكلفةً على القارئ، أي نحصلُ على تنافسٍ في السرعة والجودة والأسعار.
نعم، فمع ما تمَّ ذكره من أهمية النشر الخاص فإن قيمةَ تلكَ الأهمية تبقى مهدّدة إذا لم تكنْ وفقًا لمعاييرَ موضوعية مطلوبة، والتحدثُ عن معايير النشر لدى دُورِ النشر الخاصة ينطلقُ من عدةِ أصعدة، وهذه الأصعدة هي النقاطُ الناظمة لمحاورِ عملِ دُور النشر في إنتاجِ المعرفة وإدارتِها وتقويمِها وتسويقِها: أولاً: صعيد التخصص: من المعروف أن هناك دُور نشر متخصصة في مجالٍ معرفي معين وهناك دُور نشر تنشرُ في عدةِ مجالات معرفية، فمثلاً في حال وجود دار نشر متخصصة بأدب الطفل وثقافته فإنها لن تستطيع قبولَ أي دراسة أو منتجٍ معرفي لا يعني الأطفال والناشئة لأنه لا يتماشى مع خطها ولا يخدمُه أو يتلاءمُ معه. ثانياً: ما يتعلقُ بجودة المحتوى المعرفي والتعاملِ مع صاحب النص: وهنا يجب أن نلحظ ما يلي:
ثالثاً: ضمن هذا الحديث عن معايير النشر قد يتبادرُ إلى الأذهان؛ ماذا عن الجانب المادي في الأمر؟ ألا تربح دُور النشر؟ مما يقودنا إلى المعيار الثالث وهو الدافع الربحي: فلا مشكلة في أن يكونَ هناك دافعٌ ربحي في النشر الثقافي لأنّ الاسترباح – إن صحّ التعبير – هو أمر طبيعي ومنطقي بل وهو أمرٌ مطلوب لضمانِ استمراريةِ الإنتاج الثقافي، لكنّ المشكلةَ تبدأ عندما يكونُ هو الدافعَ الوحيد أو الأساسي حتى لا تُفصّلَ المعرفةُ على مقاسِ المنطقِ التجاري أو يصبحَ لدينا ما يسمى بتجارةِ المعرفة.
يمكن للناشر أن يلعب دوراً كبيراً في عملية صناعة الكتاب، ورغم أنّ الكثيرين يستهينون بدَوْر الناشر ويعتقدون أنه مجردُ ناقلٍ أو وسيطٍ للمعرفة - وهذا للأسف صحيح في الواقع في بعض الأحيان وبعض الحالات - إلا أنّ الناشرَ لديه مساحةٌ كبيرة لصناعة الفرق والتغيير ويستطيعُ أن يلعبَ دوراً كبيراً من خلال تحديد أولوياتِ النشر الثقافي، فبحكمِ اطلاعه على تفاصيل المشهد الثقافي يمكنُه تحديدُ الاحتياجاتِ المعرفية لدى القرّاء والمجتمع ثم ترجمتها إلى أولوياتٍ لدى المؤلف والمترجم.
من خلال اطّلاعي على تجاربِ مراكزَ بحثيةٍ معينة والتواصلِ مع باحثين وقرّاء في العالم العربي بشكل عام وكذلك من خلال نقاشات مختلفة مع دُورِ نشر عربية، فباعتقادي أني استنتجتُ الرغبةَ والحاجةَ للتركيز على محاورَ معينة أملاً في أن تكون من أولوياتِ النشر العربي في المرحلةِ الراهنة، وكمثالٍ على ذلك يمكنُ ذكرُ ضرورةِ السعي للتطوير في مجالِ العلومِ الإنسانيةِ والاجتماعيةِ لتكون أكثرَ مُلاءمةً لاحتياجاتِ مجتمعنا من خلالِ الأُطًرِ التالية: أولاً: التجسير: أي الدراساتُ التي تسعى للربطِ بين فروعِ المعرفةِ الإنسانية المختلفة، مثلاً الفلسفة واللغة، التاريخ والاجتماع، السياسة والاقتصاد، وهكذا... وفكرةُ التجسير مهمةٌ لتحقيق الغايةِ التي تسعى لها جميعُ المؤسسات الثقافية، وهي غايةُ تكاملِ العلوم، فالعلومُ أو المعارفُ عندما تترابطُ تتكامل. ثانياً: الأقلمة: أو توطينُ العلوم، لأننا لا نستطيعُ أنْ ننكرَ أنّ المعرفةَ اليوم هي معرفة غربية بالدرجة الأولى أي صادرة عن العقل الغربي، مما يضعُنا أمام مسؤوليةِ جعلِ هذه المعرفةِ الغربيةِ مواكِبةً لواقع المجتمعات العربية، فالناشرُ يستطيعُ دعمَ الدراسات التي تقوم على توطين المعرفة الغربية في السياقِ العربي حتى يتحققَ تفاعلٌ إيجابي بين هذه المعرفة ومجتمعاتنا العربية فلا تكونُ هناك فجوة بين المعرفة والواقع. ثالثاً: المثاقفة: أي الدراساتُ التي تحاولُ أن تؤطّرَ معرفياً للعلاقاتِ بين الغرب والشرق سعياً لإيجاد وعيٍ بالآخر قائمٍ على فهمٍ متبادل أو من الممكن القول أنها الدراساتُ التي تؤمنُ عمليةَ التفاعل بين ثقافتين مختلفتين، وفي الحقيقة يعتقدُ الكثيرُ من الباحثين أن جزءاً كبيراً من مشاكِلِنا يعودُ إلى عدمِ نضوجِ فكرةِ المثاقفة، أي غيابِ الفهمِ المتبادلِ بين المجتمعاتِ الإنسانية، والاكتفاءِ بالتصوراتِ المنحازة والأحادية.
يمكن ذكر بعض القيم لحاكمة على سبيل المثال لا الحصر: أولاً: التميز: بأنْ يكونَ الإنتاجُ المعرفي متميزاً من حيثُ إنتاجِهِ وإدارتِهِ وتقويمِهِ والتسويقِ له. ثانياً: التنوع: من خلالِ تعددِ المجالاتِ المعرفية المطروحة والانفتاحِ على مختلفِ الاتجاهاتِ الفكرية والمساراتِ الثقافية. ثالثاً: الاستقلالية: وهي تعني عدمَ خضوعِ المساراتِ البحثية لمؤثراتٍ خارجية غيرِ علمية من شأنِها أن تعكرَ صفوَ الجانبِ العلمي والبحث. رابعاً: الموضوعية: وهي تعني ابتناءَ النتائجِ العلمية بناءً على المقدماتِ المنهجية التي أدّت إليها وليسَ بناءً على أحكامٍ مسبقة.
هناك تحديات جمّة بعضُها يعودُ إلى طبيعةِ المجال وبعضها يعودُ إلى عواملَ خارجية، ويمكن ذكر التحديات التالية: التحدي الأول: مع المؤلف: حيث يقعُ بعضُ المؤلفين في إشكالاتٍ كثيرة ليسَ من السهلِ أبدًا إقناعُهم بها سواء من حيث محتوى الكتاب أو من حيث منطق البيع والشراء في الكتب، فقد يقومُ بعضُ المؤلفين بممارساتٍ معينة تنطوي على خداعِ القارئ من خلالِ وضع عناوين كبيرة وبرّاقة ليس لها انعكاسٌ في المحتوى، وكذلك وجودُ تصوراتٍ ورديّة لدى بعض المؤلفين عن أنّ مؤلفاتِهم ستجلبُ لهم أموالاً طائلة وعندما لا ينعكسُ ذلك في الواقع تُوجّه أصابعُ الاتهام إلى دُور النشر والقائمين عليها. التحدي الثاني: مع القارئ: حيث يحتاجُ الناشرُ إلى إقناعِ القارئ بأشياءَ كثيرة منها محتوى الكتاب ومنها ما لهُ علاقة بمُلاءَمةِ قيمةِ الكتاب المادية أي أنّ ما سيدفعُه سيحصلُ عليه، عدا عن أنّ توعيةَ الناس بأهميةِ القراءة ليسَ بالأمرِ السهلِ ويحتاجُ إلى دعمٍ حكومي. التحدي الثالث: مع المهنة: وهذا التحدي يشملُ نقاطاً عديدة لها علاقة بطبيعة المجال:
التحدي الرابع: مع المجتمع: ويختلفُ هذا التحدي من مجتمعٍ لآخر حيث هناك مجتمعاتٌ من الصعب أن تقبلَ ألواناً مختلفة من الإنتاج الثقافي نظراً لوجود نمطٍ أو لونٍ سائد فيها مما يعني أنّ الناشرَ الذي سيتجرأُ وينشرُ ضمن لونٍ مغايرٍ قد يتعرضُ لهجومٍ مجتمعي عنيف. التحدي الخامس: مع السلطة: وطبعاً يختلفُ ذلك من دولةٍ لأخرى وقد يختلفُ كذلك ضمن نفسِ الدولة من وقتٍ لآخر، ويتمثلُ بشكلٍ رئيسي بالرقابةِ على حريةِ النشر وكذلك الرقابةِ على العرض في معارض الكتاب، وأيضاً أحياناً الروتين المتعلق بكيفيةِ الحصولِ على الموافقاتِ الطباعية للإنتاجاتِ المعرفية.
|
|||||||||||||
| |||||||||||||
هل تؤدي الصواريخ الأمريكية وأسلحة الناتو المقدمة لأوكرانيا إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة؟