طاهر مامللي.. يعيد إحياء الموسيقا والوجدان والذاكرة في دار الأوبرا

طاهر مامللي.. يعيد إحياء الموسيقا والوجدان والذاكرة في دار الأوبرا

ثقافة

الاثنين، ٧ يونيو ٢٠٢١

سارة سلامة
أشعل المايسترو طاهر مامللي ليل دمشق في حفل قدمه على مسرح الأوبرا في دار الأسد للثقافة والفنون بحضور رسمي وشعبي وعدد من أهل الفن والصحافة، الكل جاء ليعيش الشغف ذاته الذي تركته فينا شارات مسلسلاته، وشكلت مرحلة عايشناها ولها ذكرى وجزء خاص من حياتنا، مع كل مقطوعة حرص فيها مامللي على إحياء أشياء بداخلنا، لم تكن مجرد تجربة هي ضرورة اليوم أن نعيد إحياء ذواتنا من خلال الموسيقا والفن وخاصة أن الموسيقا التي يصوغها مامللي عادة ما تصبح نوطة موسيقية يرددها الشارع السوري كله، ها هو اليوم في الحفل يستعرض منجزه واثقاً من خياراته وبأسلوب راقي يعيد نسجها لتتلاحم مع صدى القلوب مجدداً.
 
وقدم الحفل الممثل عباس النوري، وشارك في غناء شارات الأعمال الدرامية التي خصص الحفل لها كل من «ليندا بيطار، سارة فرح، عبود برمدا ومجموعة من طلاب المعهد العالي للموسيقا».
 
قيمة فكرية وثقافية
 
وبينت وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوح في تصريح خاص لـ«الوطن»: «أن شارات المسلسلات السورية لم تعد عبارة عن شيء جاذب أو تكميلي أو ثانوي للعمل، بل إنها أصبحت قيمة فكرية وثقافية، وخرج موضوع الشارة الموسيقية عن كونه مجرد مقدمة وأصبح يحمل فكراً، وكبار الموسيقيين هم من يؤلفون هذه الموسيقا، وأجمل الأصوات تغنيها، وبالتالي تحولت هذه الشارات إلى أعمال فنية حقيقية والعمل الفني طبعاً يحمل فكراً وقيماً ورؤية للحاضر وللمستقبل، وطاهر شخص غني عن التعريف، قاد اليوم الفرقة أورفيوس، وكل أعضاؤها موسيقيون من الفرقة السيمفونية والفرقة الوطنية للموسيقا العربية».
 
وأضافت مشوح: «إننا فخورون بخريجي وطلاب وأساتذة المعهد العالي للموسيقا، وفخورون بهذا الحفل، وبالدار التي تحتضنهم، وفخورون أكثر بانتصار سورية، وانتصار السيد الرئيس بشار الأسد في الانتخابات الرئاسية».
 
يليق بالمستمع
 
وكشف المايسترو طاهر مامللي أنه: «لا يوجد لدينا في سورية صنّاع للنجوم، مع أننا نمتلك نجوماً حقيقيين، ينافسون أصواتاً كبيرة في الوطن العربي، إلا أن الفارق الوحيد هو أن لديهم مؤسسات ومحطات تدعمهم»، موضحاً أن ما يهمنا بالدرجة الأولى هو دعم مؤسسات الدولة قبل المنتج الخاص لحماية الإرث الثقافي».
 
وحول الحفل الذي احتضنته دار الأوبرا، قال مامللي: إن الحفل قدم عدة شارات لأعمال سورية عرفناها منها: أحمر، قناديل العشاق، صلاح الدين الأيوبي، خريف العشاق، بشكل يليق بالمستمع، ومن قبل مغنين أكفاء وذوي مهارات عالية مثل: عبود برمدا، ليندا بيطار، سارة فرح وغيرهم.
 
خارج عن العروض الكلاسيكية
 
الممثل عباس النوري الذي قدم الحفل بين أن: «الشارة ليست غلافاً خارجياً هي المحتوى كله مختزل ومختصر بما يسمى الشارة، يوجد كثيرون يصنعون من الشارة أغنية، وليس بالضرورة أن تكون أغنية، أحياناً الموسيقا تؤثر أكثر ولها حضور أكثر، هذه التجربة التي اشتغل عليها طاهر كان بها شيء مختلف ومطور وجريء بتقديم نفسه لأن الحس الذي يشتغل عليه مامللي خارج عن العروض الكلاسيكية الطبيعية، حيث يذهب في تقسيم وزن الشعر إلى الجوهر ويكتشف إيقاعات من المعنى نفسه، ويختار أصواتاً لها نكهة خاصة».
 
وأضاف النوري إن: «القصة بالنسبة للموسيقا المرافقة لأي دراما كالغزلة التي نتذوقها ببساطة وتذوب نتعامل معاً فقط بالحس وبالتذوق أكثر من كونها مادة، أي يوجد بها شيء من الروح وصناعة الحب».
 
وبين النوري: «أن مامللي استطاع أن يستفيد من إمكانيات الأصوات في سورية، وفي الوقت نفسه وظفها بطريقة صعبة جداً ليست سهلة حتى على المطربين النجوم».
 
أدخلتنا إلى البيوت
 
من جانبها قالت ليندا بيطار إن: «شارات المسلسلات أصبحت شيئاً أساسياً وليست ثانوية أو جاذبة للعمل فقط، وفي المرحلة الماضية ازدهرت أكثر لأنها لم تكن تعتمد على نجم عربي أو نجم صف أول يغنيها، بل كانوا يعتمدون على فكرة الشارة وعلى موسيقا الشارة، في حين حالياً للأسف ذهبت شركات الإنتاج لاستقدام نجوم صف أول».
 
وأضافت بيطار إن: «الشارات أدخلتنا إلى البيوت في كل الوطن العربي، وأصبحت الناس تعرفنا كأسماء من أصواتنا».
 
تسوق للمسلسل
 
بينما أكد عبود برمدا أن: «شارة المسلسل تستطيع أن تسوق للأغنية والمسلسل وتقدمه بطريقة جميلة، والآن هناك شارات خرجت من طابع شارات المسلسل وأصبحت أغنية تحقق انتشاراً كبيراً،
 
وأنا قدمت أغنية مسلسل «فوضى»، وأغنيها بحفلاتي وبالمقابلات وأحياناً أغنيها سلو بيانو، وفي آخر حفل قمت به مع مامللي تفاجأت أنه يوجد عدد كبير من الناس يحفظون الأغنية وهو شيء يفرحني كثيراً».
 
تعبر عن أهميته
 
وبين المخرج الشاب السدير مسعود أن أهمية الشارات تكمن في أنها: «جزء من صناعة الدراما السورية، والموسيقا التي يصوغها مامللي شكلت خصوصية لدينا لأننا ربينا وعشنا على موسيقاه لدرجة أننا إذا سمعنا أي تراك من تراكاته يصيبنا نوع من الحنين إلى الماضي، الذي أصبح مرتبطاً مباشرة بذهنيتنا وبنشئتنا في سورية، فهي تحمل كل الأشخاص الذين قدموا وأعطوا وتحمل تفاصيل منهم وصارت جزءاً منهم، أتمنى أن نبقى نحتفي بهم ونشاهدهم أمامنا لأنهم الأشخاص الذين بنوا الجسر لنا لنمشي إلى الأمام ونكمل الطريق، واليوم شارة أي مسلسل تعبر عن أهميته وعن آليته وصياغته».
 
شريك في العمل
 
من جهته قال المخرج أحمد الأحمد إن: «أهمية الشارات تأتي كما رأينا من تفاعل الجمهور معها، فهي تترك وقعاً على أذن المشاهد، والموسيقا واللحن شريكان في العمل الفني مثلها مثل الصورة والتمثيل والنص، والحقيقة طاهر أبدع اليوم ودائماً يبهرنا بأعمال جديدة مختلفة، وأرى أن الشارة هي جزء من المشروع الفني ولها حيز ورصيد كبير جداً، وهي تؤثر في المشاهد قبل المادة أو الموضوع الذي سنطرحه داخلها، وهناك أعمال تحبها الناس من خلال الشارة قبل الموضوع والنص».
 
فرحة كبيرة
 
أما الفنان شادي جميل فقال: «نحن هنا اليوم لنسمع وندعم هذه الأصوات الجميلة، وكذلك طاهر مامللي وهو ليس بحاجة إلى شهادة فهو فنان كبير، وخاصة أننا نحتفل في كل المحافظات بأعراس كبيرة، هي فرحة الفوز بانتخاب الدكتور بشار الأسد وأنا شاركت بحلب وبـ 13 الشهر هنالك حفل بعنوان الوفاء لسيادة الرئيس، والوفاء والأصالة والسلام بمدينة حلب، على مسرح قلعة حلب، وسيفتتح المهرجان الأستاذ طاهر بـ11 الشهر».
 
أرتقي بالكلمة
 
بينما أوضح الشاعر بحر لاواديسا: «أن الشاعر غالباً ما يبحث عن طريقة ليعبر بها عن أحاسيسه وعن أمور كثيرة، لا يمكن ولا يستطيع أن يعبر عنها في الأغاني العادية، لأن الذوق العام جيد لكن هناك أذواق تفرضها بعض شركات الإنتاج وبعض المحطات الغنائية، أما أنا بعيد كل البعد عن هذا الأمر فلذلك أبحث دائماً عن الشارات لأنني أستطيع أن أرتقي بالكلمة وأقدم للمستمع كلمة راقية نفتقدها في هذا الزمن».
 
وأضاف لاواديسا: «إن الشارة بالنسبة للعمل الدرامي أصبحت بمثابة أجنحة يستطيع أن يحلق بها العمل الدرامي لأقصى ما يمكن، أحياناً الأجنحة تسبق جسد العمل الدرامي كما حدث في «الكندوش»، وأحياناً يرتقيان معاً وأحياناً الوضع مختلف حسب النص وحسب الشارة، ولكن ما تفعله الشارة الآن ممتع وراقٍ، استطعنا أن نجسد الأغنية في العمل الدرامي».
 
وأوضح لاواديسا: «أن شارة «الكندوش» كانت أجنحة محلقة من دون جسد، وكنت أتمنى أن يرتقي العمل أو أن ينتقد بشكل مختلف لأنه تم نقده بطريقة قاسية بعض الشيء».
 
وفي كلمة لمامللي قال لاواديسا: «إن اليوم وكأن دمشق تزوجت ملكاً من حلب، أو ربما الوتر يغني طاهر عشق الطرب، وأقول كل الطيور تنام في دمشق وتترك عشاً في حلب».
 
الاحتراف في صياغة الموسيقا
 
وبدورها قالت الإعلامية ديمة ناصيف: «إنه خارج العمل السياسي والميداني في قناة «الميادين»، فإنني بالأصل خريجة مسرح، وأكون حريصة دائماً على حضور هكذا فعاليات، طبعاً الحرب وضغط العمل وكل الأشياء المتلاحقة خلال السنوات العشر الماضية ربما أضعفت حضوري، أو ربما قلصت الوقت الذي من الممكن أن أحضر فيه هذه الأشياء، إلا أن الأستاذ طاهر أعرفه منذ أن كان عازفاً بالأوكيسترا بالمعهد العالي للموسيقا، لاشك أنه عمل نقلة مهمة جداً بموضوع الموسيقا التصويرية، وهي أصلاً نوع من الفنون ولكن طاهر كان بالتنويع الذي اعتمد عليه والتغيير والتأليف الموسيقي، وخاصة أنه جاء من المعهد العالي للدراسات المسرحية، كل هذا المناخ استند عليه بالموسيقا التصويرية، بمعنى أن الموسيقا التصويرية لم تأت كعامل تزييني للعمل، وإنما كانت تستند إلى ثقافة وإلى قراءة ونص وبيئة، حتى طريقة إدخاله للآلات الموسيقية متنوعة مثلاً الذي شاهدناه «بضيعة ضايعة»، لم نشاهده بـ«الزير سالم» أو بـ «التغريبة الفلسطينية»، إلى ما هنالك، فلذلك هو محترف في انتقاء واختيار وصياغة الجمل الموسيقية».
 
قيمة توازي القيمة الدرامية
 
ومن جهته قال الإعلامي وسام كنعان إن: «شارات الدراما السورية الغنائية تحولت إلى قيمة توازي القيمة الدرامية، والنص المكتوب، وبعض الأعمال انشهرت من خلال شاراتها، غالباً الأسماء مثل طاهر مامللي وبعض الأسماء الباحثة في الموسيقا كانت تشتغل على شارة توازي أو تواكب مفهوم جوهر الدراما في المسلسل انطلاقاً من هذا العمق وهذا المقترح المختلف والمغاير للاشتغال السائد».
 
وأضاف كنعان إن: «شارات الدراما السورية اعتمدت على ملاحم وقصائد مثل أشعار محمود درويش وابراهيم طوقان وغيرهم الكثير، وارتبط إحياء الشارات بحالة الدراما إذا كان هناك جدية في تقديم مقترحات درامية حقيقية بميزانيات معقولة وتنطلق من قضايا جدية فبالتأكيد القائمون على هؤلاء الشارات يتقاضون أجوراً تجعلهم منطقيين في البحث، مع ذلك هناك بعض الشواهد التي تقول إن الدراما ربما تكون منحدرة وأغنية الشارة محلقة كما حصل في «الكندوش» الذي لاقى انتقادات شرسة جداً لكن شارته كانت تريند في رمضان».
 
والحفل يقدم بالتعاون مع أوركسترا أورفيوس التي تأسست عام 2004م، وتضم أكثر من «30» موسيقياً محترفاً، وقدمت الكثير من الحفلات في سورية والمنطقة، ولها أعمالها الفنية محلياً ودولياً، وأسسها ويديرها المايسترو أندريه معلولي.