برنامجه «من الألف إلى الياء» الأقدم تلفزيونياً … رحيل موفق الخاني بعد سيرة نادرة في التفوق العلمي والخبرة الإعلامية

برنامجه «من الألف إلى الياء» الأقدم تلفزيونياً … رحيل موفق الخاني بعد سيرة نادرة في التفوق العلمي والخبرة الإعلامية

ثقافة

الثلاثاء، ٢٦ يناير ٢٠٢١

في السابعة والنصف من مساء كل خميس كان السوريون على مدار أكثر من أربعين عاماً على موعد مع البرنامج الأسبوعي «من الألف إلى الياء» عبر القناة الأرضية الأولى.
موفق الخاني صاحب البرنامج رحل عن عالمنا يوم أمس عن عمر 98 عاماً بعد سيرة نادرة في التفوق العلمي والخبرة الإعلامية، مقدماً النشاط المعرفي الأبرز منذ عام 1963 وحتى عام 2006 وتربت عليه عدة أجيال كمصدر للمعلومة العلمية المصورة، كما قدم الكثير للأطفال في مجال التوعية الصحية والبيئية.
وكانت موسوعة غينيس الشهيرة للأرقام القياسية سجلت لقب مقدم أقدم برنامج تلفزيوني علمي لا يزال ‏مستمراً في العالم، باسم باتريك مور، الذي بدأ برنامجه عام 1957، أي في نفس التاريخ الذي ‏بدأ فيه الخاني العمل في تقديم البرامج العلمية، ولكن في الإذاعة لعدم وجود تلفزيون في سورية ‏حينها. ‏ وفي الوقت الذي كان فيه عدد حلقات برنامج مور الشهري يزيد عن الخمسمئة بقليل، ‏تجاوز عدد حلقات «من الألف إلى الياء» الأسبوعي الألفين حلقة. ‏
وبالرغم من تقدمه بالسن، كان قادراً على العطاء ومحافظاً على تواصله مع أبحاث العلم وتطوراتها حتى قبل وفاته، ولديه الأفكار المتميزة وخاصة فيما يتعلق بمرحلة الطفولة، فكان يصمم لعبة يمكن للطفل تجميعها عبر خطوات ضمّنها عدداً من المعلومات الصحية، ومجموعة من رسائل التوعية.
 
سيرة حياة
 
ولد الخاني في دمشق عام 1922، ونشر أول مقالة له في ‏صحيفة محلية وهو في المدرسة الابتدائية، وكتب في مجلة «الجندي»، وانضم إلى سلك الشرطة عقب ‏الاستقلال 1946، كما اشترك في حرب فلسطين عام 1948. ‏
و‏خدم في القوات الجوية لمدة 22 عاماً، وله الكثير من المساهمات الفعالة في تأسيس نادي ‏الطيران الشراعي والطيران الزراعي، ولعل هذا ما يفسر تركيزه على الطائرة في مقدمة برنامجه.
‏حصل على دبلوم «بول تيساندر» الصادر عن اتحاد الطيران الرياضي العالمي باعتباره رجل ‏الطيران لعام 1963 في سورية. ‏
ونال شهادة قائد الفرقة الجوية للجمهورية العربية المتحدة في عهد الوحدة عام 1960، والتي عدلت إلى شهادة أركان حرب، (دكتوراه في العلوم العسكرية)، وبدأ إعداد وتقديم البرامج ‏العلمية في الإذاعة السورية عام 1957 لمدة أربعة وأربعين عاماً.
وبدأ العمل في التلفزيون السوري منذ تأسيسه عام1960، ببرنامج أسبوعي «مجلة العلوم»، وفي ‏عام 1963 برنامج «من الألف إلى الياء»، كذلك برنامج «مذكرة وطيار» الذي يروي قصة طيار تقاعد من خدمة الوظيفة ليسافر هو وزوجته بالطائرة ويشاهدا أنحاء العالم عبر مشهد شاقولي من الطائرة، ويصف الدنيا كيف تبدو من السماء
أخرج عدداً ‏من الأفلام الوثائقية المهمة عن سلاح الطيران السوري، وعن مؤسسة مياه عين الفيجة بفيلم ‏وثائقي سينمائي عن جر مياه الشرب إلى مدينة دمشق. ‏
 
كما أخرج فيلم وثائقياً سينمائياً عن صناعة النفط في سورية وعن المواصفات والمقاييس العربية، وعن ‏المعادن والفوسفات والملح الصخري والجص، وفي مجالات العلوم المختلفة، وعمل مستشاراً لوزير ‏السياحة في عام 1980. ‏
وتسلم إدارة مؤسسة الخطوط العربية السورية بين (1950-1955) فساهم بإعادة تأسيسها.
وعُيّن مديراً عاماً لمؤسسة السينما لمدة خمس سنوات 1965- 1968م، وعمل مع أهم مخرجي السينما السورية في تاريخها وبقي على تواصل دائم مع إنكلترا لشراء الأجهزة والتقنيات التي تخدم الإنتاج السينمائي المحلي.
وفي نفس الفترة استلم مدير عام ‏للسياحة، حيث قام بتصوير المواقع السياحية في سورية من الجو.
عمل في مستوصف خيري يدعى (مركز ابن اللبودي) في حي باب سريجة، وكذلك ساهم في توعية المواطنين لاستخدام الطاقة الشمسية، والإقلاع عن التدخين، وأضرار مرض الإيدز.. وغيرها.
أصبح عضواً في لجنة الطوابع بوزارة المواصلات – مديرية البريد منذ العام 1980. وألف كتاب (من الألف إلى الياء) عام 1992.
عمل بالتعاون مع وزارة التربية على تنظيم رحلات مدرسية علمية تتضمن عرض فيلم علمي متكامل عن مرض السل بهدف نشر الوعي الصحي.
في رصيده خمس عشرة شهادة تكريم وغيرها من الأوسمة منها وسام الاستحقاق السوري لمشاركته في حرب فلسطين عام 1948، ووسام الوحدة عام 1958، ووسام شرف ملك كومبوديا عام 1960.
تم تكريمه من قبل المجلس الأعلى للعلوم، ومن قبل وزارات الإعلام والسياحة والصحة والثقافة والنفط، ومؤسسة المياه ونقابة المعلمين.
 
الوعي الجوي
 
بدأ اهتمامه بنشر الوعي الجوي بصورة واضحة بين الناس عام 1952، وكان حينها يقوم بصناعة نماذج الطائرات الخشبية، وكانت طائرة الركاب تحمل راكباً أو اثنين فقط، وحصلت سورية بفضل جهوده عام 1950 على طائرات تحمل 12 راكباً.
النقطة الأهم هي أنه حوّل الطيران الشراعي من هواية إلى واقع حال، وتمّ تأسيس نادي الطيران الشراعي في العام 1954م وفي معسكرات الفتوة للشباب كان ينشر المعلومات عن الطيران، ويُمنح المشاركون شهادات فيها للتشجيع، وكانت النتائج مشجعة فمن بين كل 100 مشارك يخرج 10 إلى 15 طياراً ناجحاً، ومنهم من تابع دراسته بعد البكالوريا بأكاديميات الطيران أيضاً، وهذه النسب شجعته على المتابعة واستمر كذلك 10 سنوات في نفس العطاء.
نشر الخاني الطيران الشراعي الذي كانت هواية لديه أيام الوحدة بين سورية ومصر عام 1958، واعتمد تحميل رسائل توعوية وصحية ضمن موضوع الطيران لكل من يريد التعرف على هذا المجال، فيأخذ معلومة علمية مفيدة أثناء تعامله وتعرفه على موضوع الطيران بهدف المعرفة والتسلية معاً، والمميز في تلك الفترة أنه تم ضم نوادي مصر لنادي الشام، وأخذ نفس الاسم نادي «الطيران الشراعي».
 
وفي السبعينات بدأ موفق الخاني بنشاط أوسع من خلال المدارس، فكان يقدم المحاضرات والدروس، وأيضاً في المعسكرات ونشاطات منظمة الشبيبة، ومعسكرات المظليين كذلك، وبقي ينشر هذا الموضوع على مدى ثلاثين عاماً، وفي هذه الفترة قام بمعالجة طريقة نقل المعلومة للأطفال والراغبين في العلم، وكيفية تنوير الذهن بهذا الاتجاه.
 
إنجازات لا تحصى
 
وفي لقاء صحفي مع «مدونة وطن» قبل خمسة أعوام تحدث الخاني عن بعض محطات حياته، فقال: «خلال دراستي بمدرسة «التجهيز» بدمشق عام 1942م عمل خالي عاطف المالح الحاصل على شهادة فرنسية عليا على تشجيعي للالتحاق بمدرسة ميكانيك الطيران، حيث يعمل فيها مدرّساً إضافياً في مدينة «رياق» اللبنانية؛ وهي أحد فروع مدرسة «روش فور» الفرنسية والمركز الرئيس للطيران بالشرق الأوسط، وبعد عامين تخرجت أنا وستون طالباً من رفاقي السوريين كميكانيكي طائرات وبدأنا العمل الشاق الدقيق في الورشات لدرجة أننا أصبحنا قادرين على فك كافة أجزاء الطائرة وتجهيزها بالكامل، وفي الوقت الذي بدأ فيه الاحتلال الفرنسي ضرب البرلمان السوري وأتبعه بالقصف الجوي للمدن السورية تركنا مدينة «الرياق» في لبنان والتحقنا بالدرك في سورية كحال الضباط السوريين جميعهم.
كما تحدث عن تجربته مع دودة القطن، ويقول: «كان لتهديد دودة القطن للمحصول في عام 1951 حافز كبير لتكوين «رفّ جوي» لمكافحة هذه الدودة، ومع حصولي على الموافقات المطلوبة بدأت جولة التحدي، وبدأت عملية البحث اللحوحة والتجارب الطويلة والمكثفة إلى أن تحقق النجاح المطلوب وتمكنا من إنقاذ محصول القطن في سورية وتبنت فيما بعد وزارة الزراعة الموضوع.
 
وفيما يخص عمله في شركة الطيران السوريّة يقول: «بعد أن توقفت شركة الطيران السورية الخاصة عن العمل عام 1950 طلبت من وزارة الدفاع شراء طائراتها واستخدامها كطائرات عسكرية، وبالفعل تم الاستلام من قبل سلاح الطيران وجرت تصفية أمورها المالية ووضعت بعهدة سرب طيران أنا قائده، من خلال إجراء دراسة مالية دقيقة وتنظيم العمل بالتعاون مع شركات نقل مختصة تمكنا من تسيير رحلات جوية لنقل الحجاج لأداء مناسك الحج، فكان لنا الربح الوفير المشجع على المتابعة وتنظيم خطوط جوية لباقي الدول العربية، ليستمر عمل شركة الطيران السورية».
كما شرح الخاني ما تم إنجازه في مؤسسة السينما ويقول: «ضمن مدة إدارتي لمؤسسة السينما قمنا بإنشاء استوديوهات تصوير، ومخابر إذاعية، ومعامل تحميض ملونة، بمواصفات فنية حديثة مطلوبة، كما تمكنا من تدريب مجموعة من المصورين والمخرجين والكثير من الكوادر الفنية اللازمة».