كاراباغ جمهورية مستقلة بقلم: الدكتور البروفيسور آرشاك بولاديان

كاراباغ جمهورية مستقلة بقلم: الدكتور البروفيسور آرشاك بولاديان

ثقافة

الاثنين، ٥ أكتوبر ٢٠٢٠

وفي هذه الظروف العصيبة في 2 أيلول 1991، أعلنت الدورة المشتركة لنواب كاراباغ ومنطقة شاهوميان عن ولادة جمهورية كاراباغ الجبلية، أما في 10 ديسمبر/كانون الأول من عام 1991، وبمقتضى قوانين جمهوريات الاتحاد السوفييتي وقواعد القانون الدولي، ولاسيما القانون السوفييتي المتعلق بـ "إجراءات البت في المسائل المتصلة بانفصال جمهورية اتحادية عن الاتحاد السوفييتي"، الصادر في 3 أبريل/نيسان 1990، والذي منح الكيانات المتمتعة بالحكم الذاتي والقوميات ذات الكثافة السكانية العالية الحق في حرية تقرير وضعها القانوني كدولة في حالة انفصال جمهورية اتحادية عن الاتحاد السوفييتي، قال شعب ناغورني كاراباغ "نعم" للاستقلال في الاستفتاء الشعبي العام الذي أشرف عليه مراقبون دوليون.

وهكذا أكد سكان كاراباغ الجبلية بالاستفتاء الشعبي على إعلان استقلال جمهورية كاراباغ الجبلية، التي تتوافق مع معايير القانون الدولي وروح القوانين في اتحاد الجمهوريات السوفييتية في حينه[1].

إن إعلان استقلال كاراباغ كان الخيار الوحيد لشعبها، الذي وعلى مرِّ العصور، امتلك مقومات الشعب المستقل وصاحب الحق في السيادة على أراضيه التاريخية. بذلك حقق إقليم آرتساخ قراراً تاريخياً جاء استجابة لإرادة شعبه مؤكداً قدرة أبنائه على صنع القرارات وشق طريق المستقبل، وهو ينتظر بفارغ الصبر اعتراف المجتمع الدولي الذي مازال يتأخر حتى الآن.

وعلى الرغم من الصعوبات الجسيمة على طريق الإستقلال والحرب الطاحنة مع أذربيجان في أوائل التسعينيات والحصار الخانق، طرأت وترسخت في ناغورني كاراباغ تطورات إيجابية وتغيرات جذرية في الحياة الاجتماعية والاقتصادية وإنشاء المؤسسات الديمقراطية وتشكيل كل رموز الدولة المستقلة.

وهكذا تشكل ضمن أراضي جمهورية أذربيجان السوفييتية السابقة هيئتان حكوميتان متساويتان قانوناً، هما جمهورية كاراباغ الجبلية وجمهورية أذربيجان.

وخلال السنوات الماضية تبنى البرلمان الأوروبي عدة قرارات تدعم نضال حق تقرير مصير كاراباغ الجبلية، وتمَّ التشديد في القرار الذي صدر في 21 حزيران 1999 على أن "إقليم كاراباغ الجبلية ذات الحكم الذاتي أعلن استقلاله في أيلول 1991، بعد إعلانات مماثلة، قامت بها الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي"[2].

بعد إعلان الاستقلال زادت سياسة التصفية العرقية التي تتبعها السلطات الأذرية على كاراباغ الجبلية والأراضي الأرمينية المجاورة، من خلال العمليات العسكرية الواسعة بدعم منظمات إرهابية وبشكل أساسي من الأفغان والشيشان والعنف ضد كاراباغ الجبلية من أذربيجان، ما أدى إلى عشرات الآلاف من الضحايا والخسائر المادية.

أكذوبة خوجالو التزييف والحقيقة    

أطلقت أذربيجان خلال الحرب حملة هستيرية مناهضة للأرمن خلال السنوات التي أعقبت أحداث خوجالو (خوجالي) أثناء حرب التحرير لجمهورية آرتساخ- كاراباغ الجبلية. وتهدف هذه الحملة الشرسة إلى حرف انتباه المجتمع الدولي وإخفاء معالم المذابح الأرمنية في سومغاييت وباكو وكيروفاباد ومدن أذربيجانية أخرى، فضلاً عن إخلاء 28 قرية أرمنية من سكانها ومأساة قرية ماراغا في جمهورية ناغورني كاراباغ، وهي أفعال تستحق الملاحقة القانونية. كما تهدف هذه الحملة إلى الإضرار بسمعة أرمينيا في المجتمع الدولي عن طريق تزييف الحقائق في شأن هذه الأحداث التي قضى فيها أناس مسالمون نتيجة للدسائس والصراع على السلطة في أذربيجان. وكان المنظم الحقيقي لأحداث خوجالو (خوجالي) المأساوية، التي تسببت بمقتل المدنيين يومي 26 و27 شباط 1992، هو الجبهة القومية الأذربيجانية التي كان يرأسها أبو الفاز التشيبي الذي أصبح رئيساً لأذربيجان بعد تلك الأحداث. لقد استغل التشيبي هذه الأحداث لكي يتوصل إلى إقالة الرئيس مطاليبوف.

وبذلك، تقع مسؤولية الخسارة المأساوية لحياة المدنيين في ضواحي منطقة أغدام الخاضعة كلّياً آنذاك لسيطرة القوات الأذربيجانية، على عاتق القيادة السياسية والعسكرية لأذربيجان.

ولا تجيب أجهزة الدعاية الأذربيجانية عن أسئلة بسيطة عن هذه الأحداث: لماذا تم اكتشاف جثث الضحايا في محيط منطقة أغدام التي كانت تحت سيطرة القوات الأذربيجانية، وفيها قاعدة عسكرية أذربيجانية؟ وكيف أتيح للمصورين الأذربيجانيين والأتراك وغيرهم تصوير جثث الضحايا، إذا لم تكن هذه المنطقة تحت سيطرة القوات الأذربيجانية؟ ولماذا كانت آثار الإطلاقات النارية على جثث الضحايا من الأمام، وهم يتقهقرون إلى أغدام عبر الممر الإنساني الذي فتحته قوات الدفاع الذاتي لكاراباغ الجبلية قبل الهجوم للخروج الآمن للمدنيين من المدينة، وقد اعترف الرئيس الأذربيجاني في حينه والمسؤولون الأذربيجانيون بوجود هذا الممر؟ ولماذا لم يتم سحب جميع المدنيين عبرها من المدينة، على الرغم من التحذيرات المستمرة للقوات الأرمنية لهم عبر الراديو ومكبرات الصوت بقرب وقوع عملية عسكرية وشيكة لتحرير المدينة؟ وكانت تقصف من خوجالو (خوجالي) باستمرار مدينة استيباناكيرط عاصمة جمهورية كاراباغ الجبلية والتجمعات الأرمنية الأخرى، مسببة وقوع الخسائر الجسيمة في صفوف المدنيين، فضلاً عن وجود المطار الوحيد لكاراباغ الجبلية في خوجالي، وهو يشكل الرابط الوحيد لأرمن غاراباغ المحاصرين بالعالم الخارجي.

وفي السنوات اللاحقة، تعرض الناشطون الاجتماعيون والصحفيون الذين حاولوا الكشف عن حقيقة هذه الأحداث، إما للسجن بتهمة التعاون مع الأجهزة السرية الأرمنية، وإما قتلوا في ظروف غامضة. ولهذا السبب لا يتجرأ أحد في أذربيجان على مطالبة السلطات بالكشف عن حقيقة هذه الأحداث.

ونشطت هذه الحملة في أعقاب تبني الجمعية الوطنية الفرنسية في 22 كانون الأول 2011، ومجلس الشيوخ الفرنسي في 23 كانون الثاني 2012 لمشروع القانون حول التجريم لإنكار الإبادة الأرمنية، على الرغم من أن الإبادة الأرمنية في الدولة العثمانية في عام 1915 لا علاقة لها بأذربيجان التي لم تكن آنذاك موجودة على الخريطة[3].

بعد أحداث خوجالو تمَّ في 8-9 أيار عام 1992 تحرير مدينة شوشي، التي كانت حصناً للقوات الآذرية وتقصف يومياً عاصمة كاراباغ استيباناكيرط، وبعد أيام طهرت القوات الأرمنية ممر لاتشين الرابط بين كاراباغ وأرمينيا، أما في عام 1993 فقامت القوات الأرمنية بتحرير منطقة كلباجار (كارفاجار)، ثم أغدام، وفي الخريف مناطق كثيرة من كاراباغ مثل فيزولي وزانكيلان وجبرائيل وغيرها.

خلال الحرب سلبت أذربيجان من كاراباغ الجبلية منطقة شاهوميان كلها، والمناطق الشرقية من مارطوني ومارطاكيرط، وأصبحت مناطق مجاورة تحت سيطرة القوات العسكرية لكاراباغ الجبلية وباتت مناطق عازلة أمنياً لوقف إطلاق النار على المناطق السكنية في كاراباغ الجبلية من الجانب الأذري.

خلال الحرب لم يرجع ميزان القوى لمصلحة أذربيجان، وفي 10 أيار عام 1994 وقعت في بيشكيك مع كاراباغ الجبلية وأرمينيا على اتفاقية وقف إطلاق النار. وفي شباط عام1955، تم التوقيع على اتفاق ثلاثي جديد حول تعزيز وقف إطلاق النار، ورغم الانتهاكات فهي سارية التنفيذ حتى اليوم[4].


 

النزاع وعملية التسوية السلمية

 

بعد توالي الانتصارات الأرمنية على القوات الأذربيجانية حتى إعلان الهدنة في شهر أيار عام 1994، بقي الشعب الأرمني في جمهورية ناغورني كاراباغ في انتظار الحل السلمي ونجاح المفاوضات السياسية التي كانت قد بدأت منذ عام 1992 ضمن إطار "مجموعة مينسك" التابعة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي برئاسة روسيا الاتحادية وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية باعتبارها الحل الأنسب والأفضل للصراع الأرمني-الأذربيجاني.

رغم المفاوضات التي جرت وتجري وفق معايير مقبولة دولياً لتسوية النزاع في إطار "مجموعة مينسك" التابعة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، وشروط إجراءاتها، فإن أذربيجان تزوّر حقيقة النزاع والأسباب الحقيقية لنتائجه، كما تحاول جر منظمات دولية أخرى في التسوية، وتقوم بمبادرات أخرى في المجلس الأوروبي والجمعية العمومية في الأمم المتحدة بأهداف إعلامية، ولكي تعرقل المفاوضات.

 لا نريد أن ندخل في تفاصيل المفاوضات[5]، ولكن يجب القول: إن حملة العنف التي تشنها أذربيجان تشكك برغبة أذربيجان في الوصول إلى التنازلات، وجدية البيانات والمبادرات وتستمر في توجيه المبالغ التي تحصل عليها من إيرادات النفط باتجاه زيادة ميزانتها الحربية والحصول على ذخيرة ومعدات هجومية بأحجام كبيرة، وهي بذلك تنتهك الالتزامات واتفاقات عديدة في مجال الأمن والسياسة العسكرية. ويبدو أن أذربيجان تحاول إسقاط كل المبادرات الإنسانية والعسكرية والسياسية والاقتصادية لعدم تعزيز الثقة بين الأطراف. أذربيجان ترفض خاصة اقتراحات الجانب الأرمني للتعاون الإقليمي واقتراح الرؤساء المشاركين في مجموعة مينسك لسحب القناصين على خط التماس[6].

ولكسب تضامن الشعوب الإسلامية حاولت الدعاية الأذربيجانية في السنوات الماضية، بتشجيع من تركيا، تصوير الحرب الأرمنية- الأذربيجانية في كاراباغ على أنها حرب دينية وطائفية بين المسيحيين الأرمن والأذربيجانيين المسلمين، من خلال تدويل افتراءات ودلائل كاذبة وتهميش حقوق وطموحات شعب بكامله.

كل هذا بطبيعة الحال تزوير فاضح للحقائق، لأن شعب كاراباغ كان يناضل في سبيل حقه المشروع في الاستقلال والعيش بسلام وحرية وتقرير مصيره بنفسه، فاستطاع أن يثبت للعالم عدالة قضيته، وهكذا حاولت قيادة أذربيجان اللعب على الوتر الديني للحصول على دعم العالم الإسلامي.

وهنا لابد من الإشارة إلى لقاء وزير خارجية أرمينيا السابق ألكسندر أرزومانيان في شهر مارس/ آذار من عام 1997م مع سفراء البلدان العربية في جامعة الدول العربية الذي كان أول لقاء من نوعه في القاهرة لوزير خارجية أرمينيا تحت قبة جامعة الدول العربية. ونوقشت خلاله مسألة ناغورني كاراباغ، حيث قدم الوزير الأرمني شرحاً تاريخياً وسياسياً مفصلاً عن القضية، مشيراً إلى ما عاناه الأرمن في ناغورني كاراباغ خلال الحكم السوفييتي من الحكام الأذربيجانيين وإلى حقهم الطبيعي في الانعتاق من الظلم والتحرر من سياسة الاضطهاد القومي وتأمين الظروف التي تسمح لهم بالحفاظ على هويتهم القومية ومزاولة النشاط الإقتصادي الحر.

وفي الوقت نفسه أشار أرزومانيان إلى سلبيات الدعاية الأذربيجانية الموجّهة منذ عام 1988 إلى العالم الإسلامي، بغرض إضفاء صبغة دينية على مسألة "ناغورني كاراباغ" وتصويرها كنزاع بين المسلمين الأذربيجانيين والمسيحيين الأرمن، بهدف الاستحواذ على التضامن الإسلامي ودعم الحكومات الإسلامية.

قامت أذربيجان ببث دعايتها المغرضة هذه خلال قمم وجلسات منظمة التعاون الإسلامية كي توهم المسلمين بأن القضية عبارة عن عدوان منظّم من أرمينيا، وليس لها شأن بمطالب السكان الأرمن في ناغورني كاراباغ.

وخلال المناقشات المتعددة اقتنع السفراء العرب بصدق النيات الأرمنية، فأدلى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عصمت عبد المجيد تصريحاً أعلن فيه بكل صراحة بأن قضية ناغورني كاراباغ إنما هي مسألة «تاريخيةسياسية، وليست قضية دينية».

مع الأسف الشديد خلال السنوات الماضية مارست وتمارس أذربيجان، كما ذكرنا، لغة القوة وتحاول بكل إمكاناتها استرجاع إقليم ناغورني كاراباغ. من جانبها حاولت أرمينيا خلال الفترة الماضية حل القضية بالطرق السياسية عبر المفاوضات، وأعلنت مراراً وتكراراً أن الحل السلمي لناغورني كاراباغ ليس له بديل آخر. ورغم مواقف أرمينيا السلمية والجهود المبذولة من المجتمع الدولي لحل القضية بالسبل السلمية، اخترقت أذربيجان في أوائل نيسان عام 2016، بدعم تركي، الهدنة المبرمة بين أطراف النزاع في عام 1994، واقتحمت قواتها العسكرية على طول خط التماس بين ناغورني كاراباغ وأذربيجان بغية تحقيق مشروع قيادتها السياسية وحل القضية بالطرق العسكرية.

وبعد تصدي القوات الأرمنية لهجمات أذربيجان وتنفيذ عمليات عسكرية ناجحة، تراجعت القوات الأذرية إلى عمق البلاد.

في 2-5 نيسان 2016، قامت أذربيجان بشن حرب مفتوحة وأعمال عدوانية ووحشية ضد إقليم كاراباغ، مثل تلك التي سبقتها في بداية عام 1990، ودامت نحو أربع سنوات، حيث كانت تحاول الضغط، كما علمنا، على السكان المحليين بقوة السلاح بسبب مطالبتهم بحقهم في الاستقلال والحصول على دولة مستقلة ذات قرار مستقل.

وقام نظام إلهام علييف بتنفيذ أعمال وحشية وشتى أنواع التعذيب والقتل الوحشي بأساليب تنظيم داعش البربرية. وتمَّ الكشف عن أحداث شهر نيسان من جنود النظام الأذربيجاني الذين قاموا بتمثيل الجثث وبتر الأعضاء وقطع الرؤوس، وكان هناك سبع حالات إعدام بالرصاص، وسجلت 24 حالة شنق و21 حالة بتر للآذان وعشرات القتلى.

أدانت أرمينيا وبشدة العمليات العسكرية في أوائل نيسان 2016 التي قامت بها القوات المسلحة الأذربيجانية على طول خط التماس مع كاراباغ الجبلية والحدود مع أرمينيا واستهداف مناطق سكنية وبنى تحتية مدنية.

وأشارت وزارة خارجية جمهورية أرمينيا في بيانها الصادر في 2 نيسان 2016 إلى أن الخطوات المستمرة من باكو تؤدي إلى نسف عملية التفاوض، ومؤخراً رفض اللقاء مع الرؤساء المشاركين في مجموعة مينسك، والعمليات العسكرية التي تبادر إليها أذربيجان بهجوم أكبر تعد محاولات فاشلة للحديث بلغة الابتزاز.

إن باكو تقوم بنسف الدعوات المتعددة من المجتمع الدولي التي تدعو إلى إيجاد الحل عبر السبل التفاوضية. فقد أدلى في الأيام الأخيرة فقط كل من الرؤساء المشاركين في مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، والرئاسة الألمانية لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، ونائب الرئيس الأميركي ووزير الخارجية الأميركية بتصريحات جديدة. وإليكم كيف ردت أذربيجان أمام تلك الدعوات، لقد لفتنا نظر المجتمع الدولي مراراً وتكراراً، ودعونا للجم مطامع باكو العسكرية، آخذين بعين الاعتبار التطورات المماثلة التي حدثت اليوم من أذربيجان.

 إن الخطوة الجديدة التي قامت بها أذربيجان في إطار توتر الأوضاع، تبين أن باكو ماضية باتجاه تصعيد الوضع بشكل مستمر نظراً لحجم العمليات والعتاد العسكري المستعمل، واختيار الأهداف؛ ما يحتم على المجتمع الدولي اتخاذ تدابير عملية بهدف لجم أذربيجان.

وذكرت وزارة الخارجية في جمهورية أرمينيا في بيانها الصادر في 5 نيسان 2017 بمناسبة مرور عام على العدوان الأذربيجاني ضد جمهورية ناغورني كاراباغ أن "أذربيجان نفذت في أوائل نيسان 2016 خلال أربعة أيام العمليات الاعتدائية البربرية نفسها التي جرت في بداية تسعينيات القرن الماضي لمدة 4 سنوات، حين حاولت بالقوة العسكرية قمع حق الشعب في كاراباغ الجبلية من تقرير مصيره والعيش في موطنه الأصلي.

نحني رؤوسنا أمام ذكرى كل الأبطال، الذين استشهدوا لردع هجوم أذربيجان على آرتساخ، ومنعوا بحياتهم تنفيذ الجرائم الجماعية بحق شعب كاراباغ الجبلية، على حين يدين المجتمع الدولي الانتهاكات السافرة للحقوق الدولية الإنسانية، التي نفذتها قوات أذربيجان، تقوم باكو بتبجيل تلك الفظائع ومنفذيها، وقد أثرت مغامرة أذربيجان هذه في عملية السلام بشكل كبير.

بهدف استقرار الوضع ومنع توتر جديد ثم خلق ظروف مناسبة لدفع عملية التفاوض، جرت لقاءات بين رئيسي أرمينيا وأذربيجان في فيينا في 16 أيار 2016 بمبادرة من وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية، وكذلك في سانت بطرسبورغ في 20 حزيران بدعوة من رئيس روسيا الاتحادية، وبنتيجة اللقاءات تم التأكيد على ضرورة التنفيذ الكامل للاتفاق الثلاثي لتسوية النزاع بالطرق السلمية فقط ووقف إطلاق النار الساري بلا حدود بين 1994- 1995، وتم الاتفاق على خلق تقنيات لمراقبة الانتهاكات لوقف إطلاق النار، وحول توسيع فريق الممثل الشخصي لرئيس منظمة الأمن والتعاون الأوروبي. ورغم ذلك، تراجعت أذربيجان عن تنفيذ الاتفاقات وتعنتت تجاه المجتمع الدولي وبقيت في عزلة.

إن القيادة العليا في أذربيجان تشوه علناً وتدعي بأن الرؤساء المشاركين يعترفون بكاراباغ الجبلية كجزء من أذربيجان، وتتظاهر بأنها لا تدرك ما يقوله رؤساء الدول المشاركة، وينبغي على سكان كاراباغ الجبلية تطبيق حق تقرير المصير عبر التعبير الحر للقوة القانونية الدولية النافذة. أرمينيا لديها الموقف ذاته، نعم، الوضع النهائي لكاراباغ الجبلية يجب أن يحدده الشعب في آرتساخ.

إن خديعة باكو كشفت إخفاق المسيرة السياسية لأذربيجان. لقد حاولت باكو بعد فشلها في العملية التفاوضية حل القضايا بطرق عسكرية، لكن سرعان ما فشلت أيضاً.

لقد كشفت الحرب في نيسان العام الماضي مرة أخرى بشكل واضح أن آرتساخ لا يمكن أن تكون ضمن أراضي أذربيجان، ولا بأي شكل من الأشكال، ولا يمكن التغاضي عن حق تقرير المصير للشعب في آرتساخ.

ورداً على تهديدات أذربيجان المستمرة لاستخدام القوة، فقد حذر المجتمع الدولي بوضوح بأنه لن يتوانى عن ذلك، وستقوم أرمينيا كضامنة أمن آرتساخ، بضمان أمن شعب جمهورية ناغورني كاراباغ، وسنستمر مع الدول الرئيسة لمجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي بالخطوات الرامية إلى دفع عملية التسوية السلمية لقضية كاراباغ.

إن أرمينيا، بالرغم من تغيير قياداتها السياسية خلال السنوات الماضية وحتى الآن، انطلاقاً من مواقفها البناءة والمبدئية تجاه قضية ناغورني كاراباغ، تدين دائماً العمليات الاستفزازية اليومية على خط التماس من السلطات الأذرية وتناشدها بالعودة إلى رشدها والجلوس حول مائدة المفاوضات وحل القضية بالطرق السلمية.

إن أذربيجان التي حاولت خلال السنوات الماضية بزرع الحقد والبغض في مجتمعه بكل السبل المتاحة تجاه الشعب الأرمني وتصنيفه بكل سخافة "كشعب إرهابي"، وتشجع باكو علناً الكراهية ضد الأرمن، حيث أعلن الرئيس الأذري أن الأرمن في جميع أنحاء العالم هم "العدو الأول" لأذربيجان. ووصلت حملات الترويج المعادية للأرمن إلى ذروتها مع بدء قضية سافاروف، حيث قتل هذا الجندي الأذري ضابطاً أرمينيا بالفأس وهو نائم في عام 2004 خلال دورة تدريبية تقيمها الناتو في هنغاريا، وذلك فقط بسبب الهوية القومية.

لقد تمت إدانته في هنغاريا حيث سجن لفترة ثم تم ترحيله في عام 2012، وبعد عودته إلى أذربيجان، على الفور تم الإعفاء عنه وتكريمه، وجعلت منه القيادة الأذرية رمزاً للفخر القومي ومثالاً لجيل الشباب لمتابعة أفعاله، فكسب بذلك استنكار العالم بأسره.

لقد شدد مجلس المفوضية الأوروبية لحقوق الإنسان على أن "تمجيد وتكريم مثل هذا الشخص يتناقض مع كل المعايير المنصوصة حول حماية حقوق الإنسان وسيادة القانون". كما أعرب رئيس البرلمان الأوروبي ورئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا عن قلقهما أيضاً، وصرح المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنه “يجب إدانة وشجب نوع كهذا من الجرائم الخطرة القائمة على الكره ذات الدوافع العرقية، وإلزامها بالعقوبة المناسبة، وليس تكريمها علناً". مع ذلك لا تزال السلطات في باكو تصر رغم هذه التحذيرات على أن ما فعله "هو أمر ممتاز وصحيح"، وتتجرأ لانتقاد موقف المجتمع الدولي بحدة[7].

إن التدمير المنهجي للعديد من الروائع المعمارية والمواقع المقدسة، بما في ذلك التدمير الذي حصل في ناخيجيفان في الأعوام 1998– 2005 لآلاف الصلبان الحجرية المنحوتة بدقة من الفنانين الأرمن، والذي يعود تاريخها إلى ما بين القرنين التاسع والسادس عشر، يعتبر دليلاً حياً على هذه الجرائم، وفي بعض الأحيان تقوم أذربيجان استيعاب حضارة الشعب الأرمني وإرثه الثقافي الغني نهاراً وجهاراً ثم تقديمه كحضارة أذربيجانية بكل السبل.

 

فقد تم تحطيم آلاف المنحوتات من المقابر الأرمنية التي تعود إلى القرون الوسطى بأوامر من الحكومة الأذرية، وتحولت هذه المساحة إلى قواعد عسكرية. لقد أدان قرار المجلس الدولي السادس عشر للجمعية العامة للآثار والمواقع هذا التخريب بشدة، قائلاً: "لم يعد ممكناً نقل هذا التراث الذي كان له مكانة مرموقة بين كنوز التراث العالمي إلى الأجيال القادمة".

وقامت منظمات دولية عديدة بالتحذير من الحوادث العنصرية الفظيعة وحالات التعصب وانتهاك حقوق الإنسان وسياسة الكراهية ضد الأرمن في أذربيجان[8].

 خير دليل على عدم رغبة القيادة السياسية لهذه الدولة حل مشكلة ناغورني كاراباغ بالطرق السلمية من خلال التفاوض في إطار عملية "مجموعة مينسك". إضافة إلى ذلك يجب القول: إنه خلال قمم رؤساء أرمينيا وأذربيجان وعشرات اللقاءات على مستوى وزراء الخارجية لكلا البلدين بعد إحراز أي تقدم خلال المفاوضات، مع الأسف الشديد، لم يتم تحويل الاتفاقات بين الأطراف إلى واقع حقيقي نتيجة التراجع ورفض تلك الاتفاقيات من القيادة السياسية لأذربيجان، وبذا تقوم بإفشال المفاوضات تحت رعاية ومبادرات الممثلين الخاصين لمجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، كما ذكرنا، برئاسة البلدان العظمى– روسيا الاتحادية وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، الذين بذلوا ومازالوا يبذلون جهوداً حثيثة للتسوية السياسية لقضية ناغورني كاراباغ وحل النزاع في هذه المنطقة الحساسة.



[1] نالبنديان إدوارد، المصدر نفسه.

[2] المكان نفسه.

[3] ملحق آزتاك العربي للشؤون الأرمنية - http://www.aztagarabic.com/archives/1777

[4] نالبنديان إدوارد، المصدر نفسه.

 [5] لقد قدم الرؤساء المشاركون خلال المجلس الوزاري لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي في مدريد في شهر تشرين الثاني من عام 2007 المبادئ الأساسية لتسوية نزاع كاراباغ الجبلية، والذي أصبح يعرف لاحقاً باسم "مبادئ مدريد". رفضت جمهورية أذربيجان في البداية علناً الاقتراحات التي قدمت في مدريد، وسعت لاحقاً إلى تزييف جوهر الوثيقة وتحريف مضمون عملية السلام، ما أجبر رؤساء البلدان الثلاثة على تعميم المبادئ الأساسية التي تضمنتها وثيقة مدريد، والتي تنص على المبادئ الأساسية الثلاثة من القانون الدولي، وهي: عدم استخدام القوة أو التهديد باستخدام القوة، حق الشعوب في تقرير مصيرها ووحدة الأراضي. وتم نشر العناصر الرئيسية للمقترحات وهي: تحديد الوضع القانوني النهائي لكاراباغ الجبلية من خلال التعبير القانوني الملزم لإرادة سكان كاراباغ الجبلية، وتحديد وضع وسطي لكاراباغ الجبلية حتى تنظيم التعبير الحر عن إرادة الشعب، وضمانات أمنية متعددة، بما في ذلك عملية حفظ السلام حول كاراباغ الجبلية، وإعادة الأراضي المحيطة بكاراباغ الجبلية، وتحديد ممر يربط كاراباغ الجبلية بأرمينيا، وحق عودة جميع اللاجئين والمهجرين داخلياً إلى أماكن إقامتهم السابقة. لقد رفضت أذربيجان كل المقترحات المقدمة من الرؤساء الثلاثة، ليس فقط من أجل سعيها وراء تغيير جوهر عملية التفاوض، بل لتشويه طبيعة الصراع في مختلف المحافل الدولية، وتضليل المجتمع الدولي من دون تردد، وذلك من خلال تقديم عواقب الصراع على أنها الأسباب المؤدية إليه.

 انظر بالتفصيل: نالبنديان إدوارد، المصدر نفسه.

[6] https://www.mfa.am

 [7] نالبنديان إدوارد، المصدر نفسه.

[8]  المكان نفسه.