قضية

قضية "ناغورني كاراباغ" أو "آرتساخ" الأرمنية...بقلم: الدكتور البروفيسور آرشاك بولاديان

ثقافة

الاثنين، ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٠

مشكلة "ناغورني كاراباغ" أو "آرتساخ" الأرمنية هي تاريخ شعب، اغتُصبت حقوقه التاريخية قسرياً في عشرينيات القرن الماضي لخلفيات سياسية وجغرافية واقتصادية، بعد اتخاذ قرار غير شرعي بشأن انضمام هذا الإقليم الأرمني مع تراثه وحضارته إلى جمهورية أذربيجان، له حكم ذاتي بأوامر من زعيم الاتحاد السوفييتي جوزيف ستالين في 5 تموز عام 1921 لإرضاء قيادة أذربيجان السوفييتية.

إنها قضية شعب دافع عن أرضه وعرضه، وناضل من أجل الحرية، ومن أجل العمل والإبداع والحياة الكريمة، فرضت عليه شروط اضطرارية غير شرعية وغير إنسانية، من دون موافقته، وإجباره بالاندماج والتأقلم في وحدة سياسية ليس له علاقة بها بتاتاً.

إن القرار الصادر من موسكو في نتيجة صفقة فاضحة في عهد السوفييت بشأن سلخ إقليم ناغورني كاراباغ وتسليمه بشكل غير شرعي إلى أذربيجان تجاهل العوامل التاريخية والجغرافية والقومية والإثنية، في الوقت الذي تذرّع ستالين بوعيه تماماً لمخاطر المشروع الطوراني من جهة، وإرضاءً لمصطفى كمال أتاتورك بغية إبعاده عن الغرب من جهة أخرى. فالقضية بكل معاييرها جزء لا يتجزأ من المخطط الطوراني، الذي تمّ تنفيذه من أواسط القرن التاسع عشر وفي الربع الأول من القرن العشرين، حيث تمت إبادة جماعية بحق الأرمن في الإمبراطورية العثمانية وتطهير أرمينيا الغربية من سكانها الأصليين، يهدف إلى إزالة العقبة الرئيسة المتمثلة بالأرمن وأرمينيا من طريقه للامتداد إلى آسيا الوسطى وبناء تركيا الكبرى مع الشقيقة الصغيرة أذربيجان، فالمشروع الطوراني رأى دائماً أن الأرمن وأرمينيا عقبة أساسية أمام تنفيذ المخطط- الحلم، ولكي يتم الربط بين تركيا وأذربيجان لابدّ من تذليل هذه العقبة وإزالتها.

خلال عقود طويلة حاول شعب ناغورني كاراباغ المسالم إثبات وجوده تحت هذه الشمس واستعادة حقوقه التاريخية المسلوبة على أراضي الأجداد بعد انضمام الإقليم إلى جمهورية أذربيجان ذي الحكم الذاتي.

على الرغم من كل الصعوبات والتحديات والاضطهاد والتمييز العنصري زهاء 70 عاماً من سلطات أذربيجان السوفييتية، حافظ شعب ناغورني كاراباغ ببسالة على هويته وعقيدته الأرمنيتين، وتشبث بإرادته وعزيمته القوية على أرضه، التي لم تكن يوماً ما جزءاً من جمهورية أذربيجان.

إن صمود الشعب الأرمني في ناغورني كاراباغ أفشل جميع المخططات الأذرية المدعومة والرامية إلى جعل المنطقة محض أذرية، فالحرب الدائرة في المنطقة في نتيجة انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، فهي بكل معنى الكلمة حرب من أجل تقرير المصير واستعادة الحقوق التاريخية لأصحاب الإقليم الأصليين، وليس لها أي صلة من بعيد ولا من قريب بالدين، كما حاول الأذريون تضليل القضية وإعطاءها صبغة دينية –كالحرب بين المسيحيين الأرمن والأذريين المسلمين للحصول على تضامن العالم العربي-الإسلامي، وكل من يقول: إن الحرب الأرمنية الأذربيجانية هي حرب دينية وطائفية فهو مخطئ بكل معنى الكلمة.

إن الشعب الأرمني في ناغورني كاراباغ يناضل في سبيل حقه المشروع في الأرض والعيش وتقرير المصير، واستطاع أن يثبت للعالم عدالة قضيته في شباط عام 1988، وهبَّ لصراع البقاء أو الفناء، الذي تحول إلى حرب دامية من تسعينيات القرن الماضي إلى أيار عام 1994.

وللتعارف على جوهر هذه القضية لابدّ لنا أن نلقي نظرة على الماضي لنفهم مصداقية الحاضر، ومن هذا المنطلق رأينا من المناسب تقديم الصورة الحقيقية لهذه القضية في ظل حملة التضليل الإعلامي الشرسة وتشويه الحقائق التاريخية في العالم من جمهورية أذربيجان خلال السنوات الماضية، آخذاً بعين الاعتبار أن القراء العرب لا يعرفون الكثير عن هذه القضية، وعن جذورها التاريخية، وعن وضعها الحالي.

خلال سرد الأحداث استخدمنا مصطلح "آرتساخ" و"ناغورني كاراباغ" بالتساوي كتسمية للإقليم ماضياً وحاضراً.

وفي الختام... نتقدم بخالص الشكر والامتنان إلى "دار الشرق" للنشر، وخاصة لرئيس مجلس إدارة طعمة الدولية الدكتور نبيل طعمة المفكر والأديب السوري البارع وعضو مجلس الشعب، لنشر هذا الكتاب، كما نشكر مديرة مكتب سفارة جمهورية أرمينيا بدمشق الآنسة كارون كوركجيان لمساهمتها الفعالة في إنجاز هذا العمل.

 

من كتاب قضية ناغورني كاراباغ

الجرح الـنـازف