«هوى غربي».. تطرح إشارات استفهام وهواجس الحرب والانتماء

«هوى غربي».. تطرح إشارات استفهام وهواجس الحرب والانتماء

ثقافة

الاثنين، ٢٠ يناير ٢٠٢٠

تبين مسرحية «هوى غربي» الوجه الآخر للحرب.. حرب زعزعت أواصر المجتمع وفككت خلاياه لتبدأ بالأسرة وانتهاء بالفرد من خلال إسقاطات كبيرة تختزن واقعنا، وتضع لنا مرآة ترينا كم تغيرنا وما شعرنا. هي ريح لفحتنا لم تترك فينا شيئاً على حاله. كل شيء تغير، خراب كبير دب في المكان وفوضى عارمة حلت علينا، جعلتنا نحلل كل شيء، ونقول بصرخة عالية لقد خربنا جميعاً وتغيرنا، تقاذفتنا الرياح ولم نعطِ اعتباراً لشيء.
 
لا نعطف على صغيرنا ولا نحترم كبيرنا ولا حتى الضعيف أو المسكين.. لا وجود للحب، المصلحة هي من تسيطر على علاقاتنا. هكذا عملت الحرب على تأقلمنا تباعاً وجردتنا من مرتكزاتنا.. أي ثقافة وأي صالونات ثقافية تحمل معاني اليوم؟ أين العائلة وأبناؤها ومن يتزوج من؟ هل هناك أزمة عرسان؟ وهل هناك عرسان أصلاً للزواج؟ ماذا نفعل بأحلام الفتيات اللواتي يقفن اليوم على ناصية حلمهن بفستان وبيت يلفهن وطفل صغير يمنحهن الأمومة؟ أين نحن من حلمهن؟ ماذا نفعل بتجار الحرب الذين حصنوا أنفسهم بقلاع هم أسياد على مال ليس لهم.. وأصبحوا أصحاب جاه وسلطة من دون الثقافة والعلم؟ أي مجتمع ينتظرهم ليبنوه؟
الطمع والجشع حل بين الإخوة فكيف بين الناس؟ استخدام التكنولوجيا ونشر «البوستات» أدى إلى تراجع الكتابة والقراءة وأيضاً التفكير.. لنقف جميعاً وراء النافذة الزرقاء وأخبارها الصفراء!! لتكون أكبر ملحمة نكتبها من خلال «بوست» على «الفيسبوك». صراعات وهواجس عديدة تطرحها المسرحية كما تركز على قضية الانتماء وأين نحن من صراع الهجرة والبقاء؟
هذه الإسقاطات على المجتمع حملتها كلها بأسلوب شائق ومزاج عال وتقنية جديدة. مسرحية «هوى غربي» للمخرج غسان مسعود، وكتابة لوتس مسعود على خشبة مسرح الحمراء في دمشق، لتكون المرة الثانية التي تجمع هذه الثنائية الفنية بعد مرور عامين على عرضهما المسرحي الأول «كأنو مسرح».
والمسرحية من تمثيل: جمال قبش، سيف الدين سبيعي، نظلي الرواس، روبين عيسى، غسان عزب، لجين إسماعيل، عبدالرحمن قويدر، مي مرهج ومصطفى المصطفى، والمخرج المساعد موسى أسود، وتصميم الديكور لهاني جبور، والإضاءة لجلال شموط، والملابس للوسي موسان.
 
لم أفهم علاقتي بالمسرح
المسرح يشكل حالة خاصة وحباً من نوع آخر من الصعب فهمه كما يقول الفنان غسان مسعود في تصريح خاص لـ«الوطن»: «في خضم حديثنا عن الحب يبقى الحب غير المفهوم أكثر جذباً بالنسبة ليّ، لأنني إلى الآن لم أفهم علاقتي بالمسرح وربما ابنتي لوتس عندها هذا الشعور أيضاً وليس من الضروري أن نفهم لماذا نحب المسرح».
ومن منطلق فهمه للمسرح عمل مسعود على تقديم رؤية إخراجية قال عنها: إن «ما يحكم اختياري لموضوع العرض من اعتبارات، ينحصر في محاكاة وجع وفرح الناس».
كما أن انتقاء الأبطال كان بقناعة وثقة مما لديهم من قدرات حيث قال: «هم خياري، وإخفاق أي ممثل منهم، إخفاقي أنا».
 
أقدم ما يشبهني
بينما أوضحت كاتبة العرض لوتس مسعود: إن «النص استشفيته من المجتمع والناس ومن نفسي لأن الكاتب يجب أن يبدأ بالتعبير عن ذاته لينتقل فيما بعد إلى الآخرين، وكان النص يمس الواقع والظروف بشكل مباشر، وما أقدمه يشبهني ويشبه الناس لأننا نتشابه مع بعضنا وأوجاعنا ومشاكلنا ومعاناتنا المشتركة، وأي شخص شاهد العرض سيشعر بقرب الأحداث والشخصيات منه، وهذا ما حاولت أن أقدمه في عرض (هوى غربي)».
وبالنسبة للتعامل مع والدها الفنان غسان مسعود بينت: «أهم ما في العرض هو العمل مع والدي وأتمنى العمل معه كل العمر، وخاصة أنني أؤمن بالثنائيات الفنية التي ينتج عنها أعمال ترضي الجمهور، وللحقيقة دار بيننا الكثير من النقاشات والملاحظات ولكنها أفضت بالنهاية إلى نتيجة مرضية».
 
الشخصية مسؤولية
شخصية مريم الأخت الوسطى جسدتها الفنانة روبين عيسى وقالت عنها: إنني «محظوظة بالعمل مع الأستاذ غسان في أي عرض مسرحي، ومريم هي بشكل أو بآخر ضحية في هذه العائلة، التي تضحي بمستقبلها وترتبط بشخص بعيد عنها ثقافياً واجتماعياً وفكرياً من أجل إنقاذ العائلة من الإفلاس، ليبدأ العرض بمزاج معين ويذهب في النهاية إلى مزاج آخر».
تأدية الشخصية مسؤولية بالنسبة لها حيث بينت: «أي شخصية نقدمها هي مسؤولية ونحتاج للبحث أكثر فيها لنصل إلى مكان نلم بكل جوانبه ونعرف كيف ومتى تنفجر، وخاصة أن المسرح من أصدق أنواع الفنون التي تقدم من خلال تلك المباشرة مع الجمهور، أي ليس هناك مكان للكذب».
 
فكرة وهدف
لخشبة المسرح عند الفنان لجين إسماعيل سحر خاص ومعنى مختلف عن كل الأنواع، حيث أوضح: إن «هذا المكان له خصوصية كبيرة بالنسبة لأي فنان، ويعتبر أهم وأصعب الأنواع، إلا أنني أتمنى من خلال التجارب التي نقدمها أن نكون قد طورنا أنفسنا وقدمنا شيئاً أفضل من السابق، وبالنسبة لي هذه التجربة المسرحية الثانية مع الأستاذ غسان، والحقيقة كان يهمنا في العرض أن تكون النوعية مختلفة بحسب النص والرؤية الإخراجية، وأتوقع أن الجمهور استطاع أن يلمس ذلك طبعاً والتقييم يعود إليه، وقدمت شخصية قريبة جداً من الواقع هي فكرة وهدف عملنا جميعاً لنوصلها إلى الجمهور».
مجدداً على الخشبة
 
بعد غيابه عن خشبة المسرح لـ36 عاماً يعود الفنان جمال قبش إلى الخشبة مفسراً ذلك: إن «المرحلة الراهنة التي يعيشها البلد من أزمات اجتماعية ونفسية وأخلاقية، لابد لنا أن نتطرق إلى هذه الآلام والأوجاع وخاصة أن البنى الاجتماعية والأسرية في حالة انهيار تام وتحتاج إلى توعية ومقاربة».
بداعي السفر والهروب من قوانين المسرح المهترئة هجر المسرح قائلاً: «أقف الآن على الخشبة مجدداً، لأقول وأعبر بصوتي من خلال دور ألعبه لأنني في الواقع لم أستطع قول شيء أو تغيير شيء، فإن المسرح يحمل أهمية كبيرة لإيصال أصواتنا جميعاً».
 
أجسد إلى أقصى درجة
وجودها كان في محض الصدفة هكذا تقول الفنانة نظلي الرواس: «أنا ممثلة وأحب كل الأدوار التي تعرض عليّ، وأحب أن ألعبها إلى أقصى درجة كي تظهر للمشاهد بشكل صحيح، و(هوى غربي) هو من اختارني وكان وجودي أصلاً في محض المصادفة، والدور كما نعلم كان للفنانة ميسون أبو أسعد وللحقيقة استأذنتها قبل الخوض به وذلك من أخلاقيات المهنة، ومحظوظة بتجسيد دور كهذا في عرض مع الأستاذ غسان وخاصة أنني أكن له كل الود والاحترام منذ أن كان أستاذي في المعهد العالي، وبالطبع من المشرّف بالنسبة لي أن أعمل معه في هذه المسرحية».
 
وجهات نظر مختلفة
في المسرح يكون موجوداً بكل قوته هكذا يبرهن الفنان سيف سبيعي الذي عاد إلى الخشبة مشتاقاً وقال: «لدينا شغف في الوقوف على الخشبة، وسعيد بأنني ساهمت في منجز مهم كهذا، و(هوى غربي) يتحدث عن وجعنا ووجع الناس الموجودين في البلد والصراع الحقيقي بين فكرة الرحيل والبقاء، وقدمنا وجهات نظر مختلفة أمام المشاهد، لنشاهد من يريد البقاء ومن يهم للرحيل، وعودتي إلى المسرح كانت بعد غياب عشرين عاماً، جاءت نتيجة الحنين وخصوصية الحالة التي يخلقها العرض المسرحي لدى الفنانين، وعدت من خلال نص جاذب ومكتوب بشكل متقن، مع مخرج كبير يعرف كيف يتعامل مع العمل المسرحي».