ما حقيقة تكريم الشعر العامي والهابط؟ … من رعى هذه الظاهرة وساعد على خلقها؟ .. بين الثقافة والسياحة وسانا هل ضاع دم التكريم؟

ما حقيقة تكريم الشعر العامي والهابط؟ … من رعى هذه الظاهرة وساعد على خلقها؟ .. بين الثقافة والسياحة وسانا هل ضاع دم التكريم؟

ثقافة

الأربعاء، ١٩ أكتوبر ٢٠١٦

 عامر فؤاد عامر

رصدنا منذ مدّة صدور مؤلفٍ جديد «أزاهير أدبيّة» للدكتور «محمود السيّد»، وهو كتابٌ فيه حصيلة جمعيّة للشعر العربي بين قديمٍ ومعاصرٍ، وبتصنيفاتٍ قريبة للقارئ، وذكّرني الكتاب بما أشار إليه «ابن رشيقٍ القيرواني» في كتابه «العمدة في محاسن الشعر وآدابه» وفيه يتمّ تصنيف الشعراء في أربع زمرٍ هي:
شاعرٌ خنذيذ: وهو الذي يجمع الشعر الجيّد ويرويه جيداً
شاعرٌ مُفلِق: وهو مجوّد، إلا أنه لا يروي لغيره.
وشاعرٌ فقط: وهو فوق الرديء بدرجة.
وشعرور: وهو لا شيء.

«كلمات 38»
طالعتنا الصفحات الزرقاء، التي أصبحت متنفساً صحياً وغير صحي للسوريين، بخبريّة تكريم شخص جديد، يتفق كلّ من له علاقة صحيّة مع الفكر، والضمير، ومحبّة الوطن، أنه غير كفء حتى للصعود على أي منبر ثقافي أو إعلامي، لكن في النهاية هناك وزارة بطولها وعرضها تتصدر المشهد، وتمنح تاريخها لذلك الشخص وتلقبه بالشاعر الكبير!! وهو من مواليد 1990!! فأن تكرم وزارة ما شخصاً ما يعني أنها راضية عن كلّ ما يقوم به، وعلى وجه الخصوص في المجال الذي تكرمه، فعلى ماذا وزارة السياحة راضية لتكرم أسماء لا علاقة لها بالثقافة من قريب ولا من بعيد؟! بل يمكن القول إنها طأطأة رأسٍ لشخصيّة مزيفة وهلاميّة ما زالت تتلمس وجودها ولا تعرف كينونتها ولا أهلية وجودها وسبب عيشها.
كان ذلك في ملتقى «كلمات» الثامن والثلاثين الذي دعت إليه وزارة السياحة، وقد بيّنت أحد المنشورات بأن الملتقى كان تحت رعاية وزير السياحة المهندس «بشر يازجي»، وقد ورد في هذا النص أيضاً: أنه سيتمّ بحضور كوكبة من الشخصيّات المهتمّة، في فندق داما روز يوم السبت 8 تشرين الأول 2016 وبحضور مديرة سياحة دمشق.

حكاية الصورة
بما أن الأغلبية العظمى لا تقرأ، فبات للصورة سيطرتها علينا، ووقعها الأكبر من الكلمة، وقد جمعتُ بعض الصور التي تبيّن شيئاً من التكريم والحفل المقام آنذاك، وفي الصورة تظهر مُعرّفة الحفل، والتي تعمل في قناة «نور الشام» الفضائيّة، التي دافعت بشراسة عن تكريم هذا الشخص، متهِمةً أصدقاءها الذين رفضوا مثل هذا الفعل بأنهم لا يقدرون الموهبة، وكلام آخر غير ذلك مُثيرٌ للريبة، وسنلقي الضوء في هذا المقال على ما تكتبه هذه الموهبة، أمّا التقدير والتقييم فيبقى لمن يقرأ:

تتمة
في الصورة أيضاً تظهر ممثلة، وعلى ما يبدو أن الهلوسات التي أدرجت تحت مسمى «قصيدة مايا» هي موجّهةٌ لها، لكن التعليق الذي رافق الصورة هو أن الممثلة هي «العقل المُدبر» للشويعر، وهنا يتّضح أيضاً بعد قراءة ما كتبته الوكالة العربيّة السوريّة للأنباء سانا (SANA) عن أهمية هذا الشخص، ومجّدت به تمجيد الأبطال، من خلال مقال صادر بتاريخ 15 آذار 2015 بعنوان «الشاب يسر دولي.. حالة شعريّة أثبتت خصوصيّتها بين جمهور الشباب»؟! ولو أن الصحفيّة التي أبدعت المقال تابعت شيئاً من حالته، وخصوصيّته، لكانت فكرت، واستخدمت حسّها، قبل أن تُصدر مقالاً عنه، والمقال صفحة من التمجيد والإشادة والإعلان بأن هذه الحالة الفريدة هي تخطو باتجاه التمثيل، ولها تجاربها، وبأنه سيكتب السيناريوهات، ويا لحظك يا درامانا السوريّة ببطلٍ جديدٍ سيلقي بك إلى الهاوية، وأيضاً هو يفكر بأكثر من مسألة أن يصدر ديواناً، وكأن الاستسهال هنا يطول ذقون أصحاب دور النشر، الذين بات قسمٌ منهم فعلاً، ومقابل مبلغ من المال يطبع الهلوسات من دون تفكير ولا ضمير، وهذا ما ذكرناه في «الوطن» سابقاً، لكن المقال الذي قدّمته (سانا) بالفعل جارح، لأنه يقدم هذا الشخص على أنه قامة فكريّة غنيّة، وهو أبعد ما يكون عن ذلك، فلا عمره يسمح بمثل هذه المجازات، ولا خبرته تمنحه هذا الاعتلاء، فكيف إذاً نكتب ونصدّر وأين المسؤوليّة في الكلمة؟! وماذا سنكتب عن مثقفينا الحقيقيين وعن أولئك الأقلام الواعدة؟ التي أشرنا إليها أكثر من مرّة عبر صفحتنا الثقافيّة في «الوطن»، والذين يستحقون التكريم والاهتمام من وزاراتنا المحترمة.

أيضاً لـ«سانا»
من العتب الذي لا بدّ من الإشارة إليه ما أورده مقال الوكالة «سانا» في وصف ما يكتبه هذا الشخص، ومنه نقتطف: «… السهل الممتنع هو الأسلوب الذي يركز عليه «دولي» في كتابة نصوصه الشعريّة، التي يفضّل كتابتها باللهجة العاميّة، مدرجاً ضمنها مختلف أشكال الزجل والقصة والخاطرة لتشكيل توليفة أدبيّة خاصّة به يحاول من خلالها أن يكون قريباً من الشباب….».
يقول البعض في نقاشٍ احتدّ وعلا: «إن مفرزات الأزمة بدأت تنضج وتمنحنا مثل هذه المظاهر المؤلمة»، ولكن المؤلم أكثر أن يمتطي المُفرز حصن وزارة ويحتمي بها، وهي صامتة، وهل صمتها دليل الرضا؟! لا نعلم، ولكن الذي نعلمه هو أنه قد مرّ على التكريم قرابة أسبوع، ولم تعلل وزارة السياحة «بصورةٍ رسميّةٍ» لماذا قامت بهذا الفعل غير المُبرر. وبعد أن تداولت وسائل التواصل الاجتماعي هذا الخبر، وإدانة وزارة السياحة، والعبث بالخبر وصولاً إلى إدانة وزارة الثقافة، يصدر بيان صحفي من المكتب الصحفي لوزارة الثقافة، لتصرّح أن لا علاقة لها بهذا التكريم نافية اللغط الذي تلوك به الألسنة هذا الخبر وتوجيه الاتهامات العشوائيّة، وقد كنت سعيداً بهذا التبرير، فيعزّ علينا ألا تقرأ الناس الخبر القصير أيضاً، الذي لا يكلّف من الوقت إلا ثواني قليلة، ولكن ما أريد الإشارة إليه هو أن وزارة الثقافة نفت ذلك بتصريح رسمي جميل وفي وقته المناسب، دفعاً لأي تهمة وأيّ خبرٍ مشوبٍ بالزيف تجاه هذه الوزارة، وهذا دليل وعي وسلامة موقف، لكن ماذا عن الوزارة الثانية؟!

تصنيف
ثمّة تصنيف آخر للشعراء ذكره الدكتور «السيّد» في كتابه الأخير أيضاً، وفيه يقول الشعراء لو علمت أربعة: فواحدٌ يجري ولا يُجرى معه!
وواحدٌ يخوض وسط المعمعة!
وواحدٌ تشتهي ألا تسمعه!
وواحدٌ لا تستحي أن تصفعه!

منعاً للمقارنة
أضيف أيضاً: إن التنظير للتفاهة أخطرُ من التفاهة نفسها، لأنه يعطي حالة شرعنة وخلق قوانين تسمح لهذه الظاهرة بأن تتكرر في الأيام القادمة، وفقاً لقانون القياس، والتي تُستخدم حالياً من البعض بالدفاع عن هذا الشخص، مشبّهةً حالة الرفض له كحالة الرفض التي رافقت الشعراء الكبار أو ما سمي فيما بعد «القفزات»، فالبعض، وبكلّ أسف، قال: إن هذه الحالة تذكرنا بـ«خبز وحشيش وقمر» للمبدع «نزار قباني» أو «أغاني مهيار الدمشقي» للمفكر «أدونيس»، علماً أن هذه الحالة لا تصل إلى كاحل المقارنة بالأسماء المذكورة، وعملية المقارنة في حدّ ذاتها القصد منها هي خلق حالة من الشرعيّة لوجود مثل هذا الشخص في المنبر الثقافي، ولذلك أنبّه لمن يهمّه الشأن الثقافي أن هذا الشخص وعد الناس بأن سيكون له حفلة قريبة في دار الأوبرا السوريّة! وقد ذكر ذلك بكل ثقة على صفحته الشخصيّة، فماذا سيكون ردّ فعل دار الأسد للثقافة والفنون على هذا الأمر؟ ونحن بالانتظار.

معيارٌ كاذب
تصدّى البعض الآخر للمشهد على أن متابعي الشخص على صفحته الشخصيّة بلغ العدد كذا، وأن كلّ ما ينشره يحظى بإعجاب عددٍ كبير من المعجبين والمهتمين فيه، ولا بدّ من التوضيح أن هذا المعيار غير سليم، من ناحيتين: الأولى أنه لا يمثل شرائح المجتمع والثانية، وهي المفاجئة للأغلبية، وهي أن هناك خدمة إلكترونيّة مأجورة تدعى «شراء اللايكات» أو اقتناء الإعجابات مقابل مبلغٍ مالي يتجدد كلّ فترة! فمن الأجدر بنا ألا ننساق وننغش وراء الأرقام الوهميّة، فمثل هذا المعيار غدا مكشوفاً، ولا داعي للاستعراض الزائف.

وماذا بعد؟!
بعد صفعة موت قناة «تلاقي» على الرغم من الاحتجاجات التي قدّمها الكثيرون، واللغز في عدم الردّ على مساحة الحلول المتاحة في عدم إغلاق هذه القناة، تقدم وزارة السياحة نفسها بهذه الصورة، في تكريم شخصيّة مثيرة للشكوك، وينتهز البعض الفرصة ليصفه بالشاعر الكبير قبل اسمه!! وهذه الصفعة المتعمدة غير المبررة تحتاج إلى نظر وتمعن من جديد فيما إذا كانت وزارة السياحة السوريّة وراءه؟ وماذا بعد من صفعات بين الإعلام والثقافة والسياحة، وهل من مفاجأة جديدة قادمة؟.
الوطن