بين الشعر القديم والمعاصر قصائد تخلد في الذاكرة … «أزاهير أدبيّة» بساتين الأدب تطرح ثمارها في مؤلف جديد لمحمود السيد

بين الشعر القديم والمعاصر قصائد تخلد في الذاكرة … «أزاهير أدبيّة» بساتين الأدب تطرح ثمارها في مؤلف جديد لمحمود السيد

ثقافة

الثلاثاء، ١١ أكتوبر ٢٠١٦

عامر فؤاد عامر

عندما استلمت كتاب «أزاهير أدبيّة» كي أكتب مادةً تليق به، خانني الغلاف الذي احتوى على صور لستة من شعراء العربيّة، فبعد التقليب به وقراءته من جديد، وجدت أنه يحتوي على طاقةٍ من الأسماء التي أثرت ديوان العرب بالشعر الذي وصل بنا إلى مخزون فكري وتراثي عريق بين أسماء شعراء قدامى وآخرين ممن نطلق عليهم المعاصرين. أسماء كثيرة احتواها «أزاهير أدبيّة» وهو كتابٌ جمعه أ. د. «محمود السيد» في تقسيمٍ جميلٍ، فكان في 10 فصولٍ وزع فيها هذه الأزهار، وسنلقي الضوء عليها محاولين التعرف إلى ما أراده في هذا الكتاب الغني.

ليست الأخيرة
يقول د.«نبيل طعمة» في تقديم الكتاب وعن صاحبه: «إنه كاد يكون بمفرده أمّة، وهو الذي أنجب بضعة وخمسين كتاباً مؤلفاً، يدخل علينا بأزاهيره الأدبيّة، مقدّماً الأمثال والحكم، داخلاً من صوفيّته العرفانيّة المؤمنة بضرورات الاشتغال إلى الحياة، حيث يحاورنا عن التصوّف، تلمع عيناه، يتمم في الحبّ والعشق، وتتحرك وجناته مختلجةً حين يتابع عن الحنين والتعلّق بالوطن، وقضايا الأمّة يعود بالوصف للتوصيف، يرسم سماتها الشخصيّة والنفسيّة، معلياً من شأن المكارم والأخلاق، داعياً للتحلي بالمناقب، يقاسمنا الأحزان في الرثاء، يختار أشعار الغرباء عن لغتنا العربيّة، علنا نطلع عليها مقارنين مع ما خطّه شعراؤنا، يختتم مخطوطه بمتفرقاتٍ متنوّعة، تغلق عليها دفته الأخيرة، ليقول لك: إنها ليست الأخيرة، فما زال عطاؤه مستمراً…».

بين الرغبة والغضب
«للشعر بواعث ومستويات كان قد أشار إليها «ابن رشيق القيرواني» في كتابه «العمدة في محاسن الشعر وآدابه» حيث رأى أن بواعث الشعر أربعة: «الرغبة والرهبة، والطرب والغضب، فمع الرغبة يكون المدح والشكر، ومع الرهبة يكون الاعتذار والاستعطاف، ومع الطرب يكون الشوق ورقته النسيب، ومع الغضب يكون الهجاء والوعيد والعتاب». هذا ما اقتطفناه من التصدير الذي اختاره مؤلف الكتاب أ. د. «محمود السيد. ولا بدّ من الانتقال إلى الفصول العشرة التي شكّلها الكتاب والتي منحها الكاتب اسم البساتين، فمن بستان الأمثال والحكم إلى التصوف، فالحبّ والعشق، فبستان الحنين، وبستان السمات الشخصيّة والنفسيّة، فالتربية والتحلّي بالمناقب، ثم المسقيّة بالدمع، وبعدها البساتين غير العربيّة، وصولاً إلى عدد آخر من البساتين.

ميزان الكتاب
يقول مؤلف الكتاب «محمود السيّد» إن الأزاهير التي ضمّها الكتاب هي أسماء معروفة في عالم الأدب لكنهم اتصفوا بفرط الحساسيّة واتقاد المشاعر ورهافة الوجدان، كما أن الكتاب حمل نوعي الشعر العمودي والحرّ، ويشير إلى أن انتقاءه للشعراء كان مسألة صعبة أثناء المفاضلة بينهم وبين القصائد، وقد سعى جاهداً لانتقاء ما يتناسب مع القصد من الكتاب، فكان لدينا مجموعة كبيرة من الأسماء ما بين المحليّة والعربيّة وأسماء عالميّة، ومنهم ما يزال على قيد الحياة ومنهم من رحل. ويشير المؤلف في بداية الكتاب أيضاً إلى رغبته في أن يكون الكتاب مرآة لمحاسن العربيّة وجمالها، وشاهداً على سعتها، فيضرب في اتساع العربيّة واتصافها بمزايا المرونة والجمال والسحر والسعة والصمود المثير من الأقوال العالميّة التي نطق بها علماء عالميون من بلاد كثيرة كالبلجيكي: «جورج ساتورن»، والألماني «فرينينباغ»، والألمانية «زيغريد هونكه»، والنمساوي «جوستاف جرونيام»، والفرنسي «أرنست» رينان» وأسماء كثيرة مهمة في التاريخ الإنساني ممن اطلعوا على العربيّة وتأثروا بها واعترفوا بأفضالها.

في بستان الأمثال والحكم
يحمل هذا الفصل حكماً كثيرة من العالم أجمع ومن العالم العربي على وجه الخصوص، والبداية كانت لمجموعة من الحكم العالميّة اخترنا منها: «الطريقة الواحدة للنجاح هي المحاولة المرة تلو المرة» وهو قول لـ«أديسون». وأيضاً ما قالته الملكة «كاترين» العظمى: السلطة لا تعني شيئاً إلا إذا اقترنت بثقة الشعب في صاحب السلطة». وكذلك قولٌ لـ«أرسطو»: «إن التصرف بطريقة وديّة أمر ضروري لتحقيق الاتصال الجيّد بين الناس». وبالانتقال للحكم العربيّة كان هناك مجموعة منها للرسول العربي محمد «ص» ومنها نقتطف: «ثلاث مهلكات: شيخ مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه»، وأيضاً: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب». أمّا من حكم شعراء العرب فكان هناك أسماء كثيرة أيضاً مثل ما قاله أبو الأسود الدؤلي:
لا تنه عن خلق وتأتي بمثله عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ
وقول المعري:
وهكذا كان أهل الأرض مذ وجدوا
فلا يظنّ جهول أنهم فسدوا
وقول المتنبي:
وليس الجود مكتسباً ولكن
على أعراقها تجري الجياد
وفي موقعٍ آخر من هذه الحكم والأمثال كان جزءٌ تحدث به المؤلف عن أنصاف أبياتٍ تردد كالأمثال ومنها نختار قول للمتنبي:
أغاية الدين أن تحفوا شواربكم
يا أمةً ضحكت من جهلها الأمم
ومن لا مية الطغرائي أيضاً:
أعلل النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل!
أمّا في الجزء الذي يليه فكان يعتني بتوافر مثلين في البيت الشعري الواحد، وجاءت الأمثلة مقتصرة على شعرٍ للمتنبي ومنه:
من يهن يسهل الهوانُ عليه
ما لجرح بميّتٍ إيلامُ
وله أيضاً:
إذا أنت أكرمت الكريمَ ملكته
وإن أنتَ أكرمت اللئيم تمردا

أزاهير في بستان التصوّف
كانت الاختيارات هنا لأسماء مثل: ابن الفارض، وابن عربي، ورابعة العدوية، والمكزون السنجاري، والحلاج، والسهروردي. وللشيخ «محي الدّين ابن عربي» هذه الأبيات:
لقد كنت قبل اليوم أُنكر صاحبي
إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
لقد صار قلبي قابلاً كلّ صورة
فمرعى لغزلان وديرٌ لرهبان
وبيتٌ لأوثان وكعبةُ طائفٍ
وألواح توراةٍ ومصحف قرآنِ
أدينُ بدينِ الحبّ أنّى توجهت
ركائبه، فالحبّ ديني وإيماني

وجدانيّة في بستان الحبّ والعشق
قال «أبو القاسم الشابي» في توضيح معنى العشق:
الحبّ شعلةُ نورٍ ساطعٍ هبطتْ
من السماء فكانت ساطع الفلقِ
ومزّقت عن جفون الدهر أغشيةً
وعن وجوه الليالي برقعَ الغسقِ
الحبّ روح إلهيٌّ مجنحةٌ أيامه
بضياء الفجر والشفقِ
يطوف في هذه الدنيا فيجعلها
نجماً ضحوكاً جدَّ مؤتلقِ
ومن الشعر القديم ما قاله أبو العتاهية:
إن القلوب إذا طوت أسرارها
أبدتْ لك الأسرارَ منها الأعينُ
وقول «ابن المعتز»:
ينسى التجلّدَ قلبي حين أذكره
وتهجر النومَ عيني حين أهجرُهُ
وإن كتمتُ الهوى أبدى الهوى نظري
والقلب يطوي الهوى والعين تنشرُهُ
وفي هذا الفصل توصيف لجوانب متعددة لدى المحبين ومشاعرهم وأحوالهم، وأمثلة من شعر عنترة العبسي، وقيس بن ذريح، وقيس بن الملوّح، وأبو صخر الهذلي وجرير وابن وهب الشاعر وغيرهم. كما أن هناك استذكاراً لجميل بثينة في مقاطع متعددة ولعمر بن أبي ربيعة، وبشار بن برد، وللبحتري، والعباس بن الأحنف، والشريف الرضي، والبهاء زهير، وصفي الدين الحلّي، والمتنبي. وفي عنوانٍ مستقل هناك مثالٌ في رحلة شاعر وما قاله «ابن زريق» البغدادي مخاطباً زوجته التي طلبت منه عدم السفر إلى الأندلس، وكان قد صمم على الهجرة إليها ومنها نستذكر:
لا تعذليه فإن العذل يولعه
قد قلت حقاً، ولكن ليس يسمعه
جاوزتِ في لومه حداً أضرّ به
من حيث قدّرت أن اللوم ينفعه
فاستعملي الرفق في تأنيبه بدلاً
من عذله، فهو مضنى القلب موجعه
قد كان مضطلعاً بالخطب يحمله
فضيّقت بخطوب الدهر أضلعه
جاء في هذا الفصل أيضاً ما تبادله «ابن زيدون» و«ولادة» بنت المستكفي، واختياراتٌ أخرى من الشعر المعاصر كما في شعر «أحمد شوقي»، و«صدقي حمدي»، و«الياس أبو شبكة»، و«أبو القاسم الشابي»، و«خليل مطران»، و«بدر شاكر السياب»، و«محمود درويش»، و«نزار قباني» ونستذكر له هذا المقطع:
كلما غنيت باسم امرأة
أسقطوا قوميتي عني وقالوا:
كيف لا تكتب شعراً للوطن؟
فهل المرأة شيء آخر غير الوطن؟
يضيف الكاتب أزاهير أخرى ومنها لـ«سعاد الصباح» وسميرة حداد» وأسماء كثيرة غيرهما.

في بستان الحنين
أورد المؤلف هنا عدداً جديداً من الأسماء المعروفة في عالم الشعر العربي ضمن بستان الوطن، ومنها نذكر فيما يتعلّق بالشعر القديم: «الصمة بن عبد اللـه بن طفيل»، و«الشريشي»، و«ميسون أم معاوية»، و«جرير»، و«ابن الدمينة»، و«ابن الوردي»، وغيرهم. كما ضمّ هذا الفصل اختياراتٍ لشعراء معاصرين مثل: «الرافعي»، و«خير الدين الزركلي»، و«القروي»، و«إبراهيم طوقان»، و«الرصافي»، و«سليمان العيسى»، و«بدوي الجبل»، و«عبد المجيد عرقة»، و«شفيق جبري» ومن قصيدته في الجلاء نعيد هذه الأبيات منها:
حلم على جنبات الشام أم عيدُ؟
لا الهمُّ همُّ ولا التسهيدُ تسهيدُ
أتكذبُ العين والراياتُ خافقةٌ
أم تكذبُ الأذنُ والدنيا أغاريدُ
على النواقيس أنغامٌ مسبحةٌ
وفي المآذن تسبيحٌ وتحميدُ
لو ينشدُ الدهر في أفراحنا ملأت
جوانبَ الدهر في البشرى الأناشيدُ
شمل هذا الفصل غناه الخاصّ في مواضيع تهمّ الوطن والمواطن فهناك مفاصل تاريخيّة كان للشعر حضوره في توثيق هذه المفاصل، وقد استشهد المؤلف بعددٍ كبيرٍ من الأسماء والمواقف ومنها أزاهير من شعر «عمر أبو ريشة»، ومن أدب «أدونيس»، ومنه نختار:
وجه مهيار نار
نحرق الأرض النجوم الأليفه
هو ذا يتخطى تخوم الخليقه
رافعاً بيرق الأفول
هادماً كل دار
هو ذا يرفض الإمامة
تاركاً يأسه علامه
فوق وجه الفصول
أزاهير في بستان الوصف
يعدّ هذا القسم متعدد المعنى وكثير الأمثلة وقد حصره المؤلف في عدد منها قصيدة «ودّع هريرة» لـ«الأعشى»، ووصف الحرب لـ«زهير بن أبي سُلمى»، وأمثلة وصفيّة من شعر «كعب بن زهير»، و«أبو تمام»، و«أبو العتاهية»، و«أبو فرا س الحمداني»، و«ابن حمديس»، و«ابن خفاجة»، و«حمدة بنت زياد»، و«حندج بن حندج»، و«الصنوبري»، وغيرهم. وعدد من الشعراء المعاصرين مثل: «خليل مطران»، و«أمين الجندي»، وغيرهما.

في السمات الشخصيّة والنفسيّة
شمل هذا الفصل أسماء عديدة منها: «طرفة بن العبد» في قصيدته في «خولة»:
لخولةَ أطلالٌ ببرقةَ ثَمْهدِ
تلوحُ كباقي الوشم في ظاهر اليدِ
وقوفاً بها صحبي عليَّ مطيّهم
يقولون لا تهلك أسىً وتجلّدِ
إذا القوم قالوا من فتىً؟ خلت أنني
عُنيت فلم أكسَلْ ولم أتبلّدِ
ولست بحلال التلاع مخافةً
ولكن متى يسترفدِ القومُ أرفدِ
ومن شعراء الفترة المعاصرة: «محمود سامي البارودي» وقصيدته «أودّ من الأيام ما لا تودّه»:
رضيت من الدنيا بما لا أودّه
وأيّ امرئ يقوى على الدهر زندهُ
وأسوأ شيء أن ترى العين ظالماً
يُسيء ويُتلى في المحافل ذكرُهُ

في بستان التربية والتحلّي بالمناقب
وضع المؤلف في بداية هذا البستان، شيئاً من الهدي القرآني، فكانت آياتٌ من سورٍ متعددة تتناسب مع موضوع التربية الذي يشير إليه، ومن الشعر القديم كانت الأمثلة للشعراء: «طرفة بن العبد»، و«الإمام علي»، و«دُبيس بن صدفة الأسدي»، و«الجرجاني»، و«الطغرائي»، و«البوصيري»، و«الإمام الشافعي»، و«ابن عبد ربه الأندلسي»، و«العباس بن الأحنف»، وأسماء أخرى كثيرة، ومن شعر الإمام الشافعي نورد:
إن الولاية لا تدوم لواحدٍ
إن كنت تُنكر ذا فأين الأوّلُ؟
فاعمل من الذكر الحميد صحائفاً
فإذا عزلتَ فإنها لا تعزلُ
أمّا في أمثلة الشعر المعاصر فكانت عدّة أسماء منها: «القروي»، و«عبد المجيد النجار»، و«الرصافي»، و«نجيب حدّاد» وقصيدته في القمار التي نذكر منها:
لكلّ نقيصةٍ في المرء عارُ
وشرُّ معايب المرءِ القمارُ
هو الداءُ الذي لا برء منه
وليس لذنب صاحبه اغتفارُ

أزاهير مسقيّة بالدمع
يمثّل هذا البستان مجموعة من المرثيات التي أطلقها الشعراء فجمعت رثاء «متمم بن نويرة» في أخيه مالك، وقصيدة للشاعر «محمد الحريري» عندما نقل رفاة الأمير عبد القادر الجزائري من دمشق إلى الجزائر، ومرثية «أحمد شوقي» في «مصطفى كامل»، وأخرى في رثاء «حافظ إبراهيم»، وما قاله «نزار قباني» في رثاء الرئيس «جمال عبد الناصر»، وفي رثاء زوجته «بلقيس»، وقصيدة للطبيب «بيان السيّد».

أدبيّة من بساتين غير عربيّة
كانت أزاهير هذا الفصل لـ«عمر الخيّام»، و«سعدي الشيرازي»، و«رسول حمزاتوف»، وأمثلة أخرى من الشعر الفرنسي، كما في وصف «لامارتين» في البحيرة، والوادي، و«فيكتور هوغو» في وصف الطفولة، وكذلك أمثلة من الشعر الصيني، والشاعر «وين يى تو» في قصيدة الماء الراكد، والشاعر «يوني يين».

أزاهير في عدد من البساتين
حمل هذا الفصل تنوعاً من الاختيارات التي رغب المؤلف «محمود السيد» أن يُطلع القارئ عليها فكانت طاقة ملونة من الأزاهير كرسول حمزاتوف، والحصري، وهارون الرشيد، والإمام علي، وجورج واشنطن، وإينشتاين، وزيجريد هونكة، ومي زيادة، وجبران خليل جبران، وغيرها من الأسماء التي ترافق ذكرها مع مقاطع فيها من الحكمة والفائدة والوصف والجمال الكثير الكثير. وكأنه يقول لنا إن الباب مفتوحٌ لانتقاء بساتين كثيرة ومجالات وأسماء مهما طاب لنا كقراء ومحبي ولادة الشعر، فهناك المزيد من القصائد والكتب والنتاج الأدبي اللامحدود.
الوطن