الخطأ في أقدارنا .. رحلة بين الحب والأمل … عندما تلفظ الحياة أنفاسها الأخيرة

الخطأ في أقدارنا .. رحلة بين الحب والأمل … عندما تلفظ الحياة أنفاسها الأخيرة

ثقافة

الثلاثاء، ٨ مارس ٢٠١٦

ديالا غنطوس

عندما تصبح الرغبة في الحياة أقوى من ثقافة الموت، وحين يتحول المرض إلى مجرد أضحوكة ترافق المريض أينما حل، نكون أمام حالة إنسانية عظيمة، استطاعت أن تتجاوز الألم الداخلي، لتخلق حباً حقيقياً لكل يوم جديد يولد الإنسان معه، لكن الدافع إلى كل ذلك بلا شك هو الحب، الحب بمعناه العام من حب الأهل والشريك، حب البقاء والاستمرارية، الرغبة في استنشاق هواء الصباح كل يوم ورؤية النور يطل بين أجفاننا التائقة إلى النظر إلى كل ما هو جميل ويستحق العيش.
مشاعر عديدة اجتاحتني وأنا أشاهد فيلم «الخطأ في أقدارنا The Fault in Our Stars 2014»، بكل ما يحمله من معان للألم والحب، الشغف والصداقة، الأبوة والأمومة العاجزة عن الفعل أمام مرض عضال احتل طفلهم، مقدمين له أقصى درجات الحب والتفاني لخلق نبضٍ جديد وروحٍ جديدة كل يوم.
جعل المخرج جون بون الفيلم أشبه بمنحوتة ذات جمالية من نوع خاص، نرى تكثيفاً للحالة الإنسانية بكل ما تحمله من مشاعر عميقة لكن بشكل غير مباشر حيث جاءت مطعَّمة بمواقف كوميدية وأخرى واقعية، ولم يبتعد إجمالاً عما جاء في الرواية التي اقتبس عنها الفيلم والتي حملت العنوان نفسه للكاتب جون غرين التي صدرت عام 2012، لعب دور البطولة كل من شايلين وودلي التي جسدت دور هيزل غريس لانكستر وأنسيل إلغورت في دور أوغستس واترز، الصديقان بالمصادفة في حلقة قلب المسيح، تلك المجموعة من الرفاق الذين جمعهم ألم جسدي مشترك، وُطهِّرت قلوبهم وأرواحهم من الداخل بلمسةٍ من الإيمان بأن اللـه يسخر لنا كل الخير في أقدارنا، حتى في المرض، يبقى النور الذي يشفينا ويخفف الآلام عنا.
هيزل، الفتاة المراهقة اللامعة الذكاء ذات الشخصية الساخرة تعيش مع والدتها في إنديانابوليس، يتملكها اليأس وتميل للانعزال إثر إصابتها بسرطان انتقل إلى رئتيها، تحثها والدتها على الانضمام لاجتماعات مجموعة دعم مرضى السرطان التابعة للكنيسة المجاورة لمنزلهم لكي تكسر عزلتها بالتعرف إلى بعض الأصدقاء الذين يعيشون حالات مشابهة لما هي عليه، تلتقي خلال إحدى الاجتماعات بالشاب أوغستس، المراهق الذي أدت إصابته السابقة بسرطان في العظام إلى فقدانه ساقه اليمنى، لكن ذلك لم يفقده ضحكته وتفاؤله وشجاعته وإقباله على الحياة، يتبادلان نظرات الإعجاب وتنمو الصداقة بينهما سريعاً، تتكرر اللقاءات والأحاديث التي تتحول إلى شيء يومي معتاد، لكل منهما علامة تدل على مرضه، هيزل تجرُّ معها دوماً جهاز الأوكسجين، وأوغستس تلتصق به تلك الساق الاصطناعية، إلا أن ذلك لم يشكل عائقاً في وجه الصداقة التي سرعان ما تطورت ليرتعش قلباهما بالعشق المتَّقد.
بدعوة من أوغستس تزوره هيزل في منزله، يتبادلان الأحاديث ويسردان أحلامهما وأمانيهما ووجهات نظرهما وخوفهما المشترك من الموت الذي يحاولان الهرب منه، وقبل أن تغادر منزله يتفقان على أن يقرأ كل منهما الرواية المفضلة لدى الآخر، توصيه هيزل بقراءة رواية مغرمة بها عنوانها «An Imperial Affliction» للكاتب بيتر فان هاوتن، تحكي قصة فتاة تعاني من السرطان اسمها «آنا» وتعيش تجربة مشابهة لما تعيشه هيزل، بعد انتهاء أوغستس من قراءتها يزعجه عدم وجود خاتمة للرواية، وهو الأمر الذي تود هيزل معرفته أيضاً وتتمنى مناقشة الكاتب لتعرف النهاية، لكنها تخبر أوغستس أن الكاتب اعتزل ورحل إلى أمستردام بعد النشر وانقطعت عنه الأخبار، بعد أسابيع، يفاجئ أوغستس هيزل حين يعلمها بتمكنه من الوصول إلى مديرة أعمال بيتر فان هاوتن، سيدة تدعى ليدفاي، تمكن بواسطتها من مراسلة الكاتب عبر البريد الالكتروني، ترسل هيزل أسئلتها المتعلقة بنهاية الرواية للكاتب، لكنها تتلقى رداً مفاده أنه لا يستطيع الإجابة إلا عبر مقابلتها شخصياً، ترفض والدة هيزل فكرة سفرها إلى أمستردام بسبب الضائقة المالية ولظروف هيزل الصحية، لكن أوغستس يفاجئها لاحقاً بتذكرة طيران إلى أمستردام تمكن من الحصول عليها بعد أن دفع أمنيته الخاصة المقدمة من منظمة خيرية تابعة للكنيسة لتحقيق حلم هيزل، وهكذا يسافر الصديقان إلى أمستردام معاً، وعلى اعتبار أنها مدينة العشاق يعترف أوغستس بحبه لهيزل التي تبادله المشاعر نفسها، يذهبان في اليوم التالي لمقابلة فان هاوتن، لكن الصدمة كانت برؤية شخصه الحقيقي، الرجل السكير المتكبّر والفوضوي، على عكس ما ظناه من أنه رجل مرهف وعبقري، ويكتشفان بأن مساعِدته ليدفاي هي التي رتبت اللقاء من دون علمه، وهذا ما أثار غضب فان هاوتن ودفعه لإهانة ضيفته هيزل والسخرية من مرضها رافضاً الإجابة عن أي من تساؤلاتها، فيغادر هيزل وأوغستس منزل الكاتب وهما ساخطان يعتريهما الغضب.
لكن ذلك لم يفسد الرحلة برمتها، حيث أمضيا ليلة حميمة لفتها مشاعر عشق مضطرم تبادلا خلالها الحب، بمشهد إنساني أكثر من كونه جسدياً، حيث نلمس فرحهما الطفولي البريء حين يتلمَّس كل منهما جسد الآخر ليتعرّف عليه ويكتشفه، فيلامس روحه عبر جسده، لكن تلك الفرحة لم تكتمل للأسف، ففي اليوم التالي يخبر أوغستس هيزل بأن الفحوصات كشفت أن السرطان قد عاد لينتشر في جميع أجزاء جسده، وبعد العودة إلى إنديانابوليس يتفاقم مرض أوغستس فيدخل إلى وحدة العناية الفائقة، ويدرك حينها أنه يعيش أيامه الأخيرة، تبقى هيزل بجانبه محاولةً دعمه ورفع معنوياته في الوقت الذي ينهش المرض جسده وكأنه الميت الحي، ذاك الشاب المرح المفعم بالنشاط بات عاجزاً حتى عن شراء علبة سجائره، التي لم يدخنها يوماً بل اكتفى بمراقصتها بين أصابعه ووضعها في فمه بدافع التحدي ليثبت أنها غير قادرة على تدميره. يقوم أوغستس بدعوة هيزل وصديقه المقرب آيزك لأداء عرض مسبق لجنازته، وأثناء رثائه تعدُه هيزل بأنها لن تبادل ذاك الوقت القصير الذي عاشاه معاً بأي شيء في الدنيا، ومع تفاقم حالته بات أوغستس يفضل الرحيل على حياة العناء، وباتت جُل أمانيه أن يموت جميلاً في نظر حبيبته، وهو ما نجح فيه فعلاً حيث رحل بعد 8 أيام من ذلك التأبين، وبقيت حبيبته تستذكر صوته وكلماته والابتسامة ترافق دمعتها.
أثناء الجنازة تفاجأ هيزل بحضور الكاتب فان هاوتن، أتى ليجيب عن أسئلتها بغية مصالحتها، لكنها تصدُّه وتقول له «لا تهمني قصتك ولا خاتمتها»، فيعطيها ورقة إلا أنها في حالة الغضب تجعدها وتطلب منه المغادرة، لتكتشف لاحقاً أثناء حديثها مع آيزك أن أوغستس وفان هاوتن كانا يتراسلان بعد العودة من أمستردام، وأنه طلب مساعدة الكاتب في كتابة تأبين لها، وأن هذا التأبين هو ما كان مكتوباً في الورقة، فتسترجعها وتقرأ كلماته عن تقبله للموت وكلمات أخرى عن حبه لها.
وهكذا برحيل أوغستس، لم يتبق لهيزل سوى أنبوبة التنفس تضمن لها البقاء على قيد الحياة، بعد فقدانها الضامن الآخر، وهو الحب، الذي جعلها تشعر بطعم الهواء النقي الذي تستنشقه، وبث في روحها الأمل والتحدي وتمكن من كسر عزلتها، زرع في قلبها البهجة، ومنحها الابتسامة والجمال، جعل منها حرة طليقة في الوقت الذي كان يطاردها فيه الموت، وكأن حبيبها عبرَ في حياتها كطيفٍ ورحل، تاركاً لها مفتاح الحل للغز الحياة، وهو أنه عندما يوجد الأمل، تكون الحياة.