عبد الغني العطري الباسم الضاحك .. أولع بالنكتة والمزاح وخصّ الضحك بكتب عدة

عبد الغني العطري الباسم الضاحك .. أولع بالنكتة والمزاح وخصّ الضحك بكتب عدة

ثقافة

الاثنين، ٢٢ فبراير ٢٠١٦

شمس الدين العجلاني

يقول أصحاب الشأن، الضحك الطبيعي هو شكل من أشكال التعبير الصريح عن التسلية والمرح، ومشاعر أخرى أحياناً. الضحك هو رد فعل طبيعي للإنسان السليم على المواقف المضحكة كما يمكن أن يكون وسيلة دفاع ضد مواقف الخوف العفوية. والضحك يعد تعبيراً عن التعاطف والتفاهم المتبادل بين البشر، وهو إحدى وسائل التواصل البشري على مدى التاريخ.
الضحك يستخدم وسيلة علاجية عبر إفراز هرمون وتقوية المناعة. بعد عدة نوبات من الضحك تزداد نسبة خلايا الدم البيضاء في الدم. يساعد الضحك علي تقوية عضلات الوجه والبطن والدورة الدموية في القلب ما يؤدي إلى رفع ضغط الدم وزيادة نسبة الأكسجين في الدم وفي بعض عيادات الأطفال يكون هنالك مهرج.
عندما يضحك الإنسان تتحرك 17 عضلة في الوجه و80 عضلة في الجسم بأكمله وتزداد سرعة التنفس.

العطري وفن الضحك
حين قدم لنا شيخ الصحافة السورية عبد الغني العطري عام 1945م مجلته «الدنيا» قدم لنا صحافة متقدمة راقية، واعتبرت «الدنيا» حينها وثبةً في عالم الصحافة السورية؛ وحتى هذه اللحظة عندما تقع بين أيدينا مجلته الدنيا نقرؤها من الغلاف للغلاف.. اعتمد العطري في «الدنيا» على فن الكاريكاتير بقصد مداواة الجرح بالضحك.. كانت صور ممثلات هوليوود تتصدر الغلاف الأول للمجلة، ومن ثم تصدرت الرسوم الكاريكاتيرية أغلفة «الدنيا» للفنان علي الأرناؤوط. واعتمد العطري كثيراً من خلال المقالات والزوايا والأعمدة على النكتة والنكتة الهادفة، وكان أيضاً من أهم أعضاء عصبة الساخرين…
بعد توقيف «الدنيا» ولشدة ولعه بالضحك والمزاح وحب النكات، وضع العطري ثلاثة كتب «أدبنا الضاحك» و«دفاع عن الضحك» و«بخلاء معاصرون»…
وكان العطري قد أصدر ضمن مجلته الدنيا مجلة أخرى ضاحكة ساخرة اسمها «الآخرة»..
أولع العطري منذ البدء بالصحف والمجلات فكان يقرأ الجريدة: «ابتداء من رقم العدد، الذي يتصدر رأس الصفحة الأولى، وانتهاء باسم المدير المسؤول، الذي كان يشغل السطر الأخير من الصفحة الرابعة والأخيرة» وكان يلفت نظره الصحف المصرية، ولاسيما تلك التي تصدرها دار الهلال «الإثنين» والفكاهة: «سحرني أسلوبها في اختيار الطرائف، والنوادر».. كان العطري يسعى لكل جديد ونادر لكل طرفة وبسمة وضحكة.. وكان أحد المهتمين والمعجبين بسيد الظرافة بدمشق، مصطفى سويد «أبو درويش» وروى عنه الكثير من ظرفه ونوادره… كما كان الثنائي، الزعيم الوطني فخري البارودي وظريف الشام حسني تللو محط اهتمامه ومتابعته.. لذا امتهن الكتابة والدفاع عن الضحك بعد تعطيل وإلغاء مجلته «الدنيا» عام 1963 م، ولكن لا ننسى أنه سخر جزءاً كبيراً من «الدنيا للبسمة والضحكة» وأصدر ضمنها مجلته «الآخرة».
أدبنا الضاحك:
كتاب العطري الأول عن الضحك كان «أدبنا الضاحك» صدر عن دار النهار في بيروت عام 1970 م ومن ثم طبع عدة مرات بدمشق، في مقدمته قال العطري: «الضحكة تحفز الهمة، وتجدد النشاط، وتجلو صدأ النفس، ومن لا يعرف كيف يضحك في الوقت المناسب للضحك، فهو إنسان لا يعرف كيف يجد ويعمل، في وقت الجد والعمل».
وفي الفصل الأول من الكتاب يقول العطري: «الضحك يقتل التشاؤم واليأس، ويقضي على الهموم، ويجعلنا ننظر إلى الحياة بمنظار فيه التفاؤل والأمل والشباب».
يقدم هذا الكتاب معظم الطرائف والنوادر والفكاهة التي راقت له، فضلاً عن الدراسة العلمية الجادة للضحك كفلسفة وفن وإبداع. ويتحدث الكتاب في المواضيع التالية: الضحك فن وفلسفة، العرب والضحك، مضحكو العرب، النثر الضاحك، الضحك في المقامات، الهجاء الضاحك المضحك، المداعبات الضاحكة، المجون والضحك، الطفيليون الضاحكون، الضحك مع المغفلين والحمقى، أدبنا الضاحك في عصر الانحطاط، الضحك في الأدب الحديث، وألحقه بملحق تحت مسمى، مختارات من تراثنا الضاحك.
دار النهار قدمت كتاب «أدبنا الضاحك» بالقول: «كتاب طريف يسهم به مؤلفه عبد الغني العطري إسهاماً فريداً في المكتبة العربية. ومع احتوائه على أهم النوادر وقصص الدعابة والمجون، شعراً أو نثراً، فإنه يفتح أمام القارئ خزانة التراث الأدبي العربي، قديمه وحديثه، فإذا هي ملأى بالتحف والطرائف التي تكشف عن الجانب الاجتماعي والأخلاقي، فضلاً عن الأدبي، للحياة العربية عبر العصور».

دفاع عن الضحك
العطري صاحب قلم ممتع، يجذب القارئ إليه، وفي كل إصداراته نقرأ البسمة والضحكة تتسلل بين كتبه، ولكنه خصص بعض كتبه للحديث مطولاً عن الضحك.
تمتع العطري بخفة ظله ولطافته ودماثته وحبه للدعابة والنكتة واشتهر بكتبه الفكاهية، فكان ضاحك القسمات مبتسماً على الدوام، في كتاباته وعلاقاته الإنسانية.
في كتابه «دفاع عن الضحك» يتحدث عن أقدم الروابط الأدبية في سورية التي عرفت باسم عصبة الساخرين وذلك عام 1948 م وهي جماعة من الأدباء والشعراء والصحفيين بلغ عدد أعضاء «عصبة الساخرين» اثني عشر عضواً، من كتاب وصحفيين وسياسيين وشعراء وهم: عبد السلام العجيلي، نسيب الاختيار، أحمد عسه، عباس الحامض، سعيد القضماني، عبدالغني العطري، عبد الرحمن أبو قوس، مواهب الكيالي، حسيب الكيالي، ممتاز الركابي، سعيد الجزائري، أحمد علوش. هذه العصبة تعنى بالأدب الساخر.
يقول تعريف كتاب «دفاع عن الضحك» الصادر عام 1993 عن دار البشائر إن الكتاب يتحدث: «عن أسرار الضحك وأسبابه ودواعيه، كما تحدث عن أسرار خصمه (البكاء) من الوجهة العلمية، ودافع عن الضحك، وعدد فوائد الابتسام، وأكد أنه مفتاح القلوب وأقصر طريق إليها، إضافة إلى طائفة مرحة من الموضوعات فيها الحديث عن المال، والأمثال الشامية، المرأة بين الأنصار والأعداء، وظرفاء دمشق والشاعر الشامي ابن سودون والطفيليين وغيرها من الموضوعات الصارخة في الضحك».
الآخرة

في الخمسينيات من القرن الماضي، أصدر العطري مجلة «الآخرة» ضمن مجلة «الدنيا» فكانت عبارة عن صفحتين ملونتين في منتصف «الدنيا» وكتب أن: «رئيس التحرير لم يقبل بنشر اسمه من باب التفاخر» وأن: «صاحبها المسؤول، غير مسؤول عن أي شيء ينشر فيها!» وأنها: «مجلة مستقلة عن الدنيا» وكان العطري يختار الكتابة في «الآخرة» المفيد الضاحك فورد في العدد الصادر يوم 28 أيلول من عام 1950 م نقداً لاذعاً لفنادق دمشق تحت عنوان «إعلان» جاء فيه: «تعلن فنادق دمشق عن مزايدة لبيع محصول سررها وأثاثها لعام 1949م-1950م وهو يبلغ المقادير الآتية:
20 طناً من البق الألماني ماركة «أعوذ بالله».
10 أطنان من الذباب الزاجل من ماركة «يا مغيث».
5.7 أطنان من القمل البلدي من ماركة «اللهم أحفظنا».
هذا ونلفت أنظار الجمهور الكريم إلى أنه بإمكانه معاينة المسميات المذكورة و(تجربتها) يومياً من المساء إلى الصباح. فعلى راغب الشراء الحضور في المكان والموعد غير المبينين والسلام. نقابة فنادق دمشق».
وفي العدد الصادر يوم 23 تشرين الثاني عام 1956 م من «الآخرة» كان خبر الأسبوع: «قررت وزارة الزراعة تحفيظ المزارعين أغنية (القمح الليلة ليلة العيد) سيراً منها في خطة تشجيع الزراعة».
أما حكمة الأسبوع للعدد الصادر يوم 3 آب عام 1956 م فكانت على لسان يحيى الشهابي وتقول: «الإذاعة هم.. لا بُد منه، ولكن عزاءك أن للراديو مفتاحاً يقفل به».
في حقيقة الأمر فقد أولى العطري شؤون مجلة «الآخرة» لشخص مغمور ولكنه كان يملك مؤهلات الصحفي المبدع والمجدد واسمه محي الدين القابسي الذي كان آنذاك في السابعة عشرة من العمر، وفي «الآخرة» عمل القابسي بجد ونشاط وإبداع وقدم موضوعات فكاهية ومقالات طريفة تثير اهتمام القارئ. كان القابسي ذا طبيعة خاصة فهو خجول جداً، وقليل الكلام أو أنه غير متحدث، يخشى الأضواء والظهور، كان حريصاً ألا يوقع كتاباته باسمه وفي أحسن الأحوال كان يوقعها بالأحرف الأولى من اسمه «ميم – قاف».

وبعد
رحمك الله يا شيخ صحافتنا وسيد من رسم البسمة على الشفاه، وأضحكنا من شدة الألم، رحم اللـه الباسم الضاحك عبد الغني العطري.. وكم نحن الآن بحاجة لعبد غني يعطر لنا أيامنا وصحافتنا.