الثقافة بين الهزيمة والانتصار.. بقلم: محمد خالد الخضر

الثقافة بين الهزيمة والانتصار.. بقلم: محمد خالد الخضر

ثقافة

الأحد، ٧ فبراير ٢٠١٦

قال طرفة بن العبد:
عن المرء لا تسأل فأبصر قرينه
فكل قرين بالمقارن مقتدي
ألا يدل هذا البيت من آلاف السنين على أن الإنسان قد يعرف إليه من خلال أخلاق قرينه أو صديقه ومثل هذا البيت التاريخي الذي لم يتجاوزه شاعر حتى الآن يعطينا دلالات حقيقية على أهمية الانتقاء والاختيار والمعرفة، وكل هذه الأمور تأخذنا إلى الواقع الثقافي الذي بات مفكك النسيج بعد أن أصبح مليئاً بقرناء الفشل والسوء والانهيار البنيوي والثقافي واللغوي .. وبعد كل الضعف الذي شيده كثيرون عنها منافع متعددة سيئة الاتجاه وأغلبها يعتمد على التسلية والغريزة، فأصبح الناقد الملهم لمدح الشاعرة المتشاعرة صاحبة المغامرة الحسناء تلك التي جمعت على ثغاء نقاد وشعراء وتمكنت أخيراً أن تصل بعنائها حفل توقيع في مكان نظامي قد لا يصله الكثيرون.
وعلينا أن نختار اتجاهاتنا الثقافية والأماكن التي نذهب إليها وندرك ماهيتها وغايتها فما زال في مسمعي قول أحد أدعياء الأدب الذين ساعدتهم الظروف في طباعة كتب ما أنزل الله بها من سلطان لا تقترب من ثقافة ولا من أدب إلى القائمين على أحد المنتديات في مطعم يخترقه البهاق:
صديقي هل ستأتي إليك الشاعرة فلانة في الليل .. فأجابه: لا أنا من جماعة النهار، بهذا التكوين تبدأ فاتحة المساء في المنتديات العتيدة وتطول الليالي تحت عناوين ما كانت ولا وجدت إلا في هذه السنوات التي كانت أسوأ سنوات التاريخ في مواجهة أشرس حرب على الإطلاق ولا بد لنا أن نتلافى هذا الطوفان القادم إلينا من الغرب.
وبهذه الطروحات التي سعيت إليها قال لي صديقي: هون عليك يا رجل ألا تخشى داعش وأذنابها والقضية لم تقتصر على هذا الشأن، فأنت إعلامي وتعرف أن عقولنا نخرت وأصبحنا نلهث لا حياء وراء جيف، فالمصور الصحفي إن لم يستفد قد يخرب لك الموضوع والسائق إن لم يمرر غاية قد يلعن الساعة التي يراها بها فيتآمر عليك القاصي والداني ويمكن أن تأتيك ساعة تجد نفسك في مهب الفراغ لا حول لك ولا قوة، أو قد يمر بجانبك مارق فيهديك طلقة وتكون في خبر كان الناقص.
فقلت له: يا صديقي إن المثقف الحقيقي لا ينعم إلا إذا رأى وطنه شامخاً والشموخ يعني الصدق والنزاهة والإباء والقدرة على المواجهة هي أسباب القوة، فأنا عندما تعرضت إلى الخطف بسبب هذه المواقف قدر الله للجيش وحررت وأنا على قيد الحياة وما زلت أمارس حياتي رافعاً رأسي وأذكر دائماً بيت الشاعر الكبير نزار قباني:
أحس بشيء فأكتب شيئاً
بعفوية دون أن أقصد
تتقاذفني أمواج الغدر أو الخيانة من كل صوب فلا يحمل الحق إلا القلائل تذهلني المؤامرات وتهددني الخيبات ولكنني أعود منتصراً.. حتى الحالة التي ألمت بي منذ أيام وشعرت أنها حالة موت بدأت تنحسر بالتدريج وإن كانت بأوجاعها ما زالت تهددني فأشعر أن الله لا يريدنا إلا موتاً مقدساً.
فهذا يقاس على كل رجل أو شاعر أو أديب يتحلى بالشجاعة وعليه أن يدرك أن قدر الشجعان والكرماء لا يحدده خائن ولا يحدده متخاذل ولا يحدده سائق سيارة أرعن ولا مرآب بأكمله فمند أن وجد الشعر والأدب والثقافة كانت مواقف الشعراء والأدباء تدل على نزاهة أمهاتهم وطهارة نسبهم وأنهم يتحدرون إلى أب واحد ولا يخفى على أحد أن عنترة العبسي ظل طوال عمره يدافع عن قبيلته وعرضه وشرفه وكان يضحي حتى لا تسقط امرأة بيد غريب وحتى يظل الأدب أصيلاً لا يهجنه أحد ولا يمكن لأحد أن ينسى موقف لقيط بن يعمر الإيادي الذي خسر لسانه وحياته عندما علم أن الروم سيغزون قبيلة بني إياد فأرسل لهم قصيدته المشهورة والتي مطلعها:
أبلغ إياداً وخلل في سراتهم
إن أرى الرأي إن لم أعصَ قد نصعا
وعندما وصلت القصيدة لم يكترث القوم فغزتهم الروم وعلموا بأمر لقيط فقطعوا لسانه وقتلوه.
وهل يخفى على أحد أن الكيان الصهيوني اغتال الشاعر كامل ناصر لأنه يقاوم ثقافتهم ويهدد كيانهم وكذلك فعلوا بغسان كنفاني وماجد أبو شرار.. هي هكذا تكون الثقافة أيها السوريون وهذه الثقافة لم تبدأ من المقاهي ولا الملاهي ولا تمر على ضعف ولا على مجاملة ولا على مثابرة كونوا هكذا ولله عاقبة الغرور، فإن عشتم أنتم كرماء وإن متم فحسبكم أنكم كهؤلاء خلوداً وسمعة.