همسات قدر.. دراسة نقدية وتحليلية في مجموعة شذى محمد الإبراهيم

همسات قدر.. دراسة نقدية وتحليلية في مجموعة شذى محمد الإبراهيم

ثقافة

الأحد، ١٥ نوفمبر ٢٠١٥

نبوغ أسعد
هي فعلاً همسات قدر لفظتها الحياة بوجوه أشخاصها الذين فارقوا أغلى وأعز الناس على قلوبهم بعد أن كان الجرح عميقاً لا يندمل، ترك آثاراً دامغة على الروح المعذبة التي بقيت بعد فراق الأحبة ترفرف بجوانح الألم والأسى حولهم على أمل أنها تسمع نحيب الفؤاد المثقل باللوعة والفراق.
استطاعت الكاتبة شذى الإبراهيم أن تأخذنا معها في رحلة العذابات المختلفة وتضعنا في خضم واقع أليم من خلال تلك القصص الموجودة ضمن مجموعتها همسات، قدر ليس له هدف سوى أن يجعلنا نتألم ونتمزق على فراق من كانوا أقرب إلى الروح، فجاء ليخطفها ويتركنا في معترك الحياة نعاني الوحدة القاتلة بهذا العالم الممتلئ بالعجائب.
لدى كاتبتنا قدرة عجيبة في سرد قصصها بطريقة جميلة وفي غاية الأهمية حيث تجعلنا نتذوق معها طعم الألم النفسي الذي مر به كل واحد من أبطال القصص رغم أنها لا تتحدث بلغة المخاطبة بل بلغة ضمير الغائب، كما تتميز المجموعة بكم هائل من الصور الجمالية والشعرية، وهذا يدل على أنها صاحبة ذائقة شعرية وأحاسيس مرهفة وهذا واضح في رقة وعذوبة الألفاظ الموجودة ضمن كلمات المجموعة على حد سواء إضافة إلى طريقة السبك القصصي المرصود والمرصوف بكل دقة من غير تكلف منها، يكفي أنها تبثه تلك الثقافة الأنثوية الواضحة والتي تندرج بها رويداً رويداً لتزينه بإطار مزركش من النفحات العابقة والشفافة إضافة إلى الدلالات والتراكيب الرمزية لبعض القصص المستوحاة من الواقع الحياتي الذي نستكشفه خلال الزمان والمكان ودورة الحياة التي تتلاعب بأقدارنا رغم حرصنا الشديد وصبرنا الدؤوب على أنا نستطيع التغلب عليها وصنعها بيدينا كمن يكذب كذبة ويصدقها نحن نسعى والقدر يرسم لنا ما نسعى إليه دون قصد منا، هي تلك تناقضات الحياة لا تترك متسعاً للفرح فكلما أبرق أمل في مكان سحقته بأناملها لتترك لنا غصة في القلوب.
في المجموعة الكثير من القصص المشوقة تعيدنا إلى مواض وذكر تندرج على ذواكرنا عبر السنين فيها الكثير من العبر ومخلفات الأقدار الطاحنة لأعمارنا التي تمر بغفلة عنا في جميع القصص، تلعب أنامل القدر على صندوق حياتنا فتتناثر حبات الموت الخاطف حولنا وتتركنا في دوامة الجراحات والذكريات والعذاب المرير الذي لا ينتهي.
في قصة بنكهة التحضر تحاول بطلة القصة التمرد على الزوج الذي لا يبالي بمشاعرها ويضرب بها عرض الحائط، تقرر الانتقام لكرامتها بطريقة تؤنبه بها فتركب سيارتها وتترك له ورقة في مغلف تكتب فيه بعض كلمات العتب الجارح والتأنيب المهذب، ولكن سرعان ما تتندم لأنها تركت البيت الذي هو مملكتها وبمشاعر الأنثى المخلصة تعود إليه لتتفاجأ بزوجها حسام ينتظرها على أحر من الجمر والخوف واللهفة يملأان قلبه يحتضنها بكل حب فتستسلم لتلك المشاعر بنفس راضية.
أما في قصة أضغاث خيانة فهي عبارة عن تراكمات نفسية يتراءى للزوجة بيان خيانة زوجية من زوجها عارف فتعيش في حالة من القلق والتوتر والانفعالات الشديدة والصراع الذاتي فتستيقظ فجأة لتجد أن كل ما حدث هو عبارة عن كابوس.. في قصة صديق قديم انبثاق آمال جديدة لصبية لطالما ما حلمت بأن تشارك بمسابقة أدبية تبث بها أفكارها وتحكي عن الحياة والموت الحب والحرمان الخوف والرغبة الواقع والخيال وتقضي بقية عمرها في الكتابة وترسم نفسها بكلماتها وتلونها بأحلامها أما باقي قصص المجموعة الألم اللذيذ وطن وضفيرتان، عذوبة وعذاب, وكانت تعلم، بيت كبير بيت صغير, تحدي الياسمين، وكان سراباً وغيرها الكثير فإن الكاتبة تنتقي مواضيعها من دفتر الحياة المليء بالمتناقضات والأسرار فكما هناك موت يحصد أرواح الأحبة أيضاً هناك ولادة جديدة لمن كان يعاني المرض ويصارع الموت، وأحلام تكاد تتحقق وآمال تبشر بالمستقبل وفي النتيجة فإن الحب هو صانع المعجزات كلها والصبر والتحدي والإرادة يجعل الإنسان قوياً على كل مصاعب الدهر ونوائبه الضارية التي تمزق قلوبنا بلا هوادة.
إن الكاتبة بذلت جهداً واضحاً في بث مشاعرها ضمن هذه الأحداث الدرامية وكأنها تعيش تفاصيلها بكل دقة ورهافة إحساس وكأن هذه الأحداث تمر بها ذاتها الطيبة المعطرة بشذى الحب الدافئ الذي يظهر جلياً في جميع القصص رغم عمق الجراح والأحزان والمصائر المأساوية أحياناً والإيجابية أحياناً أخرى.