ما قصَّة الجنس في الجنة وما حكاية الولدان المخلدون والحور العين ؟

ما قصَّة الجنس في الجنة وما حكاية الولدان المخلدون والحور العين ؟

ثقافة

الثلاثاء، ٢١ يوليو ٢٠١٥

دعاني إلى الكتابة عن الجنس في الجنة أمران، الأول: استغلال الإرهابيين للشباب من المراهقين، والإيحاء لهم بأنهم إذا قاموا بعملية انتحارية وقتلوا ودمروا فإنهم يصبحون شهداء، وحال موتهم تستقبلهم الحور العين في الجنة. والثاني: وجدت أن عدداً من طلبة العلم وكبار المثقفين، يعتقدون بوجود الممارسة الجنسية في الجنة، حتى بلغ الشطط ببعضهم أن ألف كتاباً وأفتن في هذا التصور العدمي، فقال بأن (الولدان المخلدون) الذين وردوا في القرآن الكريم هم لأهل الجنة الذين كانوا يميلون بشهوتهم في الدنيا إلى اللواط ومنعوا أنفسهم من ممارسة ذلك الشذوذ، فإن الله سيكافؤهم في الجنة بالولدان المخلدين، وهذا ما يشوه صورة الجنة في أذهان المسلمين، ويبعث على السخرية من قبل أعدائهم.. والإرهابيون وغيرهم من المنحرفين استفادوا من هذا الفهم الخاطئ فسخروه في غواية الشباب ليس في عصرنا فحسب، بل في عصر نظام الملك وعصر صلاح الدين الأيوبي عندما ابتدع الحشاشون من الباطنية، الذين أسس عصابتهم الحسن بن الصباح، وأنشأ لهم جنة وناراً ليتاجر بمشاعر الشباب ويدفعهم إلى الإرهاب والاغتيالات، واليوم نجد أن الإرهابيين في هذا العصر يوظفون جميع الأساليب التي كان يقوم بها الحسن بن الصباح، وأتباعه في إقناع الشباب بالحور العين، فزيفوا لهم الانتحار والقتل والتدمير، وأفشوا بينهم المخدرات.. الجنس ما هو إلا مجموعة من الخصائص الفسيولوجية والتشريعية والسلوكية، نشأ بسبب انقسام الناس إلى ذكور وإناث، فقام بدور جذب الإنسان نحو الآخر بسبب الميول الفطرية. فالله عز وجل جعل الجنس في الحياة الدنيا سبيلاً لاهتمام الرجل والمرأة ببعضهما، فنشأ من جراء ذلك الحب والمودة والزواج وتوالد البشر فيما يعرف بالتكاثر الجنسي، وهو ما نجده أيضاً في الحيوان والنبات ومع ذلك فإن له في الإنسان تأثيرات طبيعية وحيوية ونفسية واجتماعية تؤثر في حياته.. والجنة تنعدم فيها الدواعي الجنسية لهذا فإن الأعضاء التناسلية سوف تختفي عند الإنسان في الدار الآخرة لأن الله عز وجل وصفها بالسوأة، فقال تعالى: «فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة». فالله عز وجل لم يخرج آدم وزوجه من الجنة إلى الأرض بسبب المعصية التي ارتكباها، بل بسبب ظهور السوأتين بعد أكلهما من الشجرة، لأن الله عز وجل تاب عليهما بعد أن تليا كلمات علمهما الله إياها، فعفا عنهما، لكنهما بسبب ظهور السوأتين لم يعودا مؤهلين للبقاء في الجنة فأخرجهما عز وجل منها، وشرع الله للبشر ما إذا سار الإنسان عليه تأهل من جديد وعاد إلى مقام العندية عند الله في الجنة، وهذا ما وقع فيه (ليوناردو دافنشي) الرسام الكبير عندما تخيل صورة لآدم وحواء فجعل لكل منهما سرة في بطنه، وفاته أنهما لم يولدا من رحم أنثى وبحبل سري، ولم تكن لهما سوأتين عند بدء الخلق. ولعدم وجود الجنس في الجنة فإن الله عز وجل خلق آدم من طين واستنسخ حواء من ضلع آدم. . فالجنة لا جنس فيها لأن الأجهزة التناسلية للإنسان تختفي لأنه ليس في حاجة إليها في الجنة، كما ليس في حاجة إلى كل الغرائز التي ابتلى الله بها الإنسان على وجه الأرض لتستقيم الحياة، لكن الله شرع له ما يضبط سلوكه في الدنيا ليتأهل إلى مقام العندية في الآخرة. والله عز وجل نهى آدم عن الاقتراب من الشجرة، وعندما أكلا منها بدت لهما سوآتهما عندما حول الشيطان شهوة الطعام التي قادت آدم وزوجته إلى الأكل من الشجرة فانفجرت لديهما الغريزة الجنسية، ثم تبعتها غريزة الخوف فتلقى آدم كلمات من ربه فتاب عليه، وهكذا أخذت الغرائز والدوافع تظهر تباعا فلم يعد الإنسان صالحاً للجنة، لأن الجنة ليس فيها جنس وليس فيها خوف، بل تنعدم فيها معظم الغرائز. صحيح أن الجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فالله سبحانه وتعالى يعلم أن عقول البشر لا تدرك ما في الجنة من متع ونعم، فقربها إليهم بأن ذكر فيها الحور العين، وأن فيها الخمر واللبن والفاكهة، فالله عز وجل لم يقل إلا الحق فهناك خمر ليست كخمر الدنيا، وطعام ليس كطعام الدنيا، بل متع معنوية تتصاغر أمامها المتع الحسية. ولأن عقول أطفالنا لا ترقى إلى فهم كثير من الأمور المعنوية، فإننا نقرب الفهم لعقولهم بأمثال حسية يدركونها، فإذا سألك طفلك قائلا: كيف هو الحب؟ قلت له: أنه حلو مثل العسل، عندها يدرك أن الحب شيء مستساغ ومرغوب، وهكذا قرّب الله سبحانه وتعالى لأفهامنا نعيم الجنة بالحور العين وأنهار الخمر واللبن والله لا يقول إلا حقا، ولأن العرب وهم حملة الرسالة، كان أقصى ما لديهم من اللذة هو الجنس والخمر واللبن، لكنه لم يثبت أن الصحابة رضوان الله عليهم ركزوا في دعوتهم للشعوب الأخرى على الخمر واللبن والجنس في الجنة، ولو أنا قلنا للغرب الذي أطلق العنان للجنس بأن الجنة فيها الحور العين لما أسلم.. لقد كان الأنبياء عليهم السلام أكثر فهما وأعمق إدراكا في التعامل مع الله سبحانه وتعالى، فلم يعبدوه لأجل الحور العين، ولا للجنة ونعيمها، ولا خوفاً من النار وشررها، بل عبدوه حباً لذاته، وفي هذا يقول عيسى عليه السلام: قوم عبدوا الله خوفاً من ناره وتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا الله طمعاً في جنته وتلك عبادة التجار، وقوم عبدوا الله حبا في ذاته وتلك عبادة الأحرار. أما النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يتعامل مع الله بمنطق لا ندرك أبعاده حتى أصبح يجد المتعة في الذكر وفي الصلاة، فكان يقول لبلال: أرحنا بها يا بلال، وكان يقوم الليل حتى تتورم قدماه، ثم يجيب عائشة رضي الله عنها بالقول: أفلا أكون عبداً شكوراً، فلم يقل أريد الجنة والحور العين، بل كان يقول: أحبوا الله لما يغذوكم به من النعم وأحبوني لحب الله إياي.. ولو رجعنا إلى القرآن الكريم لوجدنا أول سورة جاء فيها ذكر الحور العين هي سورة الدخان وهي سورة مكية يقول فيها سبحانه وتعالى (كذلك وزوجناهم بحور عين) فكانت في وصف ما أنعم الله به على المتقين قال يونس بن حبيب في تفسير هذه الآية: إن ذلك لا يعني النكاح بل المقارنة، والعرب لا تقول تزوجت بها، بل تقول تزوجتها، واتفق معه الواحدي والفراء في ذلك، إن التنزيل يدل على ماذهب إليه يونس فقد قال سبحانه وتعالى (فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها)، وإذا قيل زوجته بفلان ولم يقل زوجته لفلان فهذا يعني أني شفعته به أي جعلته مرافقا معه، وقد قال سبحانه وتعالى (قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين) وقد قال تعالى ( ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين). ولم ترد كلمة زوجناهم بحور عين إلا في آيتين سورتي الدخان والطور، ولم يقل في الآيتين سنزوجهم في المستقبل بل جاءت في الماضي مما يؤكد على أن القصد هو القران والمرافقة، وليس النكاح المعروف في الدنيا، بالإضافة إلى أن الاستمتاع بالحور ليس استمتاعاً جنسياً لهذا أعطاهم الله أحسن ما في صورة الآدمي هو الوجه وأجمل ما في الوجه وهو العين مما يدل على حسن المزاج في الخلقة وأحسن ما في الإنسان من خلق، فهو استمتاع معنوي لا ندرك مداه بعقولنا الدنيوية. إن أصحاب الأغراض المنحرفة ينتقون من القرآن ما يعجبهم، ويتأولون بما يخدم أهدافهم ويتلاقى مع أهوائهم ليصلوا إلى غاياتهم فقد أصبحنا في عصر نستخدم فيه الدين ولا نخدم الدين .

نبيل بطيح