تكريزة رمضان وصيام درجات المادنة .. بقلم: شمس الدين العجلاني

تكريزة رمضان وصيام درجات المادنة .. بقلم: شمس الدين العجلاني

ثقافة

الاثنين، ٦ يوليو ٢٠١٥

لمدينة دمشق طقوسها وعاداتها الخاصة في شهر رمضان، وتعتبر من تراث شهر رمضان المبارك.
تمثلت هذه الطقوس والتقاليد في العديد من الأعمال والتجهيزات، التي يقوم بها الدمشقيون قبل شهر رمضان وأثناء الشهر، فهنالك ما اصطلح على تسميته بـ " تكريزة رمضان " وصيام درجات المادنة، والاحتفال بليلة القدر، والسهرات الرمضانية داخل البيوتات وفي المقاهي، والطريف أن أهل دمشق قسموا شهر رمضان إلى ثلاثة أقسام، العشر الأول للحرق، والعشر الثاني للخرق، والعشر الثالث من الشهر لصر الورق...
تكريزة رمضان :
«تكريزة رمضان» عادة متبعة لدى الأسر الدمشقية، وهي السيران الجماعي العائلي قبل قدوم شهر رمضان بعدة أيام.
كان هذا السيران الجماعي يتم في مناطق مطلة على مناظر الخضرة والمياه، لولع أهل الشام " بالمياه والخضرة "، وكانت كل عائلة أو مجموعة من الأصدقاء حين يقومون بـ " التكريزة " يحجزون مصاطب " مكان للجلوس قرب النهر " خاصة، في التكريزة تنهمك النسوة في إعداد الطعام وعادة ما يكون من أنواع المقالي وشواء اللحوم وغير ذلك، في حين يكون الرجال والشباب منهمكين في لعب " الشدة " وطاولة الزهر، وقد ينفرد البعض من الرجال والشباب بالمساهمة مع النسوة في إعداد الطعام، ومن كان يتقن العزف على آلة العود، أو صاحب صوت شجي، فإنهم يقومون بتقديم وصلة غناء على العود أو البزق والدربكة مع المواويل الشعبية. من المناطق التي كان يرتادها أهل دمشق بتكريزة رمضان، الغوطة الشرقية أو مناطق الربوة والشادروان والمنشار والغيضة ومنطقة الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون التي كانت في ذاك الزمن بساتين خضراء. ومن كان حاله المعيشي جيداً، فإن تكريزة رمضان تكون في مناطق أبعد مثل عين الفيجة وأشرفية الوادي.
تكريزة رمضان عادة محببة لأهل دمشق، كان يقوم بها الفقير والغني، مازالت بعض العائلات بدمشق تقوم بها كنوع من المحافظة على تقاليد الآباء والأجداد، وللتأكيد على صلة الرحم والقربى.
تكريزة رمضان، لم يعرف سبب تسميتها بهذا الاسم، ولكنها تبقى توديع شهر شعبان، والاستعداد لاستقبال شهر رمضان.
صيام درجات المادنة:
لأن الأطفال لا يستطيعون الصيام حتى موعد أذان المغرب، اعتاد الأهل منذ القدم، أن يشجعوا أطفالهم على الصيام من الفجر حتى أذان الظهر، وأطلقوا على هذا الصيام اسم " درجات المادنة " بمعنى أن كل أمر يتم بالتدرج.
بعض الأهالي بدمشق يبدؤون باستخدام مفهوم "صيام درجات المادنة " من عمر السابعة مع مراعاة الحالة الصحية والقدرة الجسدية للطفل. آخذين بعين الاعتبار بذلك الترغيب والابتعاد عن الإجبار، حتى لا يصبح الصيام بالنسبة لهم أمراً مزعجاً أو مرعباً.
الطفل الصائم " درجات المادنة " يكون موضع احتفاء الأهل، الذين يقومون، بحمل الطفل الصائم على ظهر كبير العائلة ويطوف به أركان المنزل سبع دورات، وكان الطفل الصائم يباهي أنداده بصيامه وإذا أراد الطفل أن يتأكد من صيام طفل آخر فيبادره قائلاً: «أرجيني لسانك» فإذا تأكد من عدم صيام ذلك الطفل فيقول فيه الأهزوجة التي نعرفها أو سمعنا بها جميعاً:
يا مفطر يا بم (سمين) يا بزاق الدم
دمك دم الخنزير علقوق بالجنزير
والجنزير ما له حلقة علقوك بالمشنقة
والمشنقة مالا خيط دبّوك بنهر قليط " وقليط هذا نهر يجرف قاذورات دمشق"
الطفل الصائم لأول مرة، يكون له صدارة طاولة الطعام، ويوضع له جميع أنواع الحلوى المعروفة في ذاك الزمان، مثل شطي مطي – حلي سنونك أو دبوسك يا ولد " وهو عبارة عن عود خشبي يغرز بتفاحة صغيرة تطلى بمادة سكرية ملونة باللون الأحمر" و"تماري" و"لقمة القاضي" وهي عبارة عن صدر نحاسي مسطح، بداخله عدد من الأواني النحاسية، أو ما يسمى "طاسة نحاس"؛ كل "طاسة" منها تحوي نكهة معينة، كنكهة "صنوبر"، "جوز"، "فستق"، فمثلاً "الجوز" كان يطحن ويخلط مع "القطر"، ويوضع في "طاسة جوز"، ونستطيع أن نشبه هذه النكهات بالمربى بنكهاته المتعددة.
والمسحراتي له أيضاً نصيبه بالاهتمام بالطفل الصائم، فيقدم للأطفال الصائمين الأهازيج الخاصة المفرحة لهم.. وكذلك كان الطفل الصائم لا يتوانى عن تقديم أطيب وأغلى ما لديه للمسحراتي.
صيام درجات " المادنة " أسلوب تربوي يستخدمه الآباء لترغيب أبنائهم الصغار في الصيام وتعويدهم عليه.
صيام درجات المادنة، يتبع بعدد من الدول العربية، ولكن بأسماء أخرى، فهو صوم الغزلان في العراق، وصوم العصفورة في الأردن.
رمضان ثلاثة أعشار:
من المعروف أن رمضان يقسم إلى ثلاثة أعشار، فالعشر الأول رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار..
ومن طرائف العادات والطقوس لأهل دمشق، أنهم قسموا رمضان إلى ثلاثة أعشار أيضاً، وأعطوا كل عشر اسماً خاصاً به، أول عشر أيام من رمضان للحرق، أي الاهتمام بما لذّ وطاب من المآكل والمشرب، وأوسط الشهر (للخرق) أي الاهتمام بكسوة العيد من الطربوش إلى البابوج، والعشر الثالث من الشهر لصر الورق أي لإعداد حلوى العيد.