لوحات فنية للجلاء … يختصر نتاج الفن التشكيلي قصصاً بطولية تمتد لسنوات وهو يرنو بنظره اتجاه الانتصار

لوحات فنية للجلاء … يختصر نتاج الفن التشكيلي قصصاً بطولية تمتد لسنوات وهو يرنو بنظره اتجاه الانتصار

ثقافة

الثلاثاء، ١٧ أبريل ٢٠١٨

 سارة سلامة
 
السابع عشر من نيسان من العام 1946، هو تاريخ يحفظه السوريون جيداً، فبهذا اليوم غادر آخر جندي فرنسي محتل أرضنا السورية، وكان ذلك بفضل سواعد المقاومين وأبطال الثورة السورية والمجاهدين الذين أخرجوا المحتل من دون قيد أو شرط، واحتفلت دمشق بالذكرى الأولى من هذا اليوم باستعراض عسكري ضخم، وإلى يومنا هذا نرى الاحتفاء بهذه الذكرى لما تحمل من رمزية كبيرة وتعبر عن تضحيات الشعب السوري، الذي ما زال يضحي لتبقى سورية حرة مستقلة.
وتتزامن ذكرى الجلاء بهذا العام مع الانتصارات التي يحققها الجيش السوري على الأرض في دحر الإرهاب عن أراضيه، الأمر الذي يشكل قيمة مضافة ويعطي هذا اليوم شكلاً آخر من أشكال النصر والعزة والكرامة.
ونلاحظ أن يوم جلاء المستعمر عن بلادنا يعتبر مادة فنية دسمة في مختلف أنواع الفنون من شعر ورسم ونحت وموسيقا ودراما وسينما، حيث تندمج كل هذه الفنون وتتماهى مع هذا اليوم، وكان للفن التشكيلي خصوصية وحساسية تجاه ذكرى الجلاء لأن الفنان هو كتلة مشاعر يضج بصخب الحياة ويشكل مرآة للواقع يعكسها عبر اللوحة أو المنحوتة، ليكون إنجازه هذا هدية رمزية لكل جندي ضحى بدمه لتبقى سورية وذكرى للأجيال القادمة لترى إنجازات الإنسان السوري على مختلف المستويات.
 
الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية
وفي حديث خاص لـ«الوطن» يقول معاون وزير الثقافة المهندس علي المبيض: «إذا كان الخبز كما جاء في تعبير السيد المسيح هو قوام الجسد، فإن الثقافة بمفهومها المطلق والمعرفة هي قوام الروح، وكلاهما الخبز والثقافة هما عدة الحق والخير والجمال، وفي تفاعلهما تكمن الحياة، وهما سبب استمرار الوجود الإنساني برمته وتطوره، وإن وزارة الثقافة ومن خلال إستراتيجية عملها إنما تسعى لتؤكد أن الثقافة ليست حالة ترف أو كماليات الحياة بل هي ضرورة لتلاقح الأفكار، لأنها تعني الإدراك الصحيح والعميق بالحياة، والفن التشكيلي أضاف الثقافة التي تعمل عليها الوزارة، وهو فن التعبير بالخط واللون والكتلة والضوء وهو الفن الذي يبلغ القلب عن طريق أدق حواسنا وهي العين».
وأضاف المبيض: «إن للفن عامة دوره الكبير على جبهة النضال وللفن التشكيلي خاصة موقفه البارز في هذه الجبهة، والفنان التشكيلي السوري وريث تاريخ فني عريق وصاحب قضية ورسالة سامية، كان صادقاً مع نفسه مؤمناً بقضيته وكان عنصراً فاعلاً في المعارك التي خاضها الوطن خلال فترة الاحتلال الفرنسي والمراحل التي تلتها، وهذا شيء مؤكد لأن الفنان التشكيلي السوري هو مرآة الوطن ورسالته كانت وستبقى هي الإنسان بكل أحواله ومتطلباته وقضيته التي كرس نفسه للدفاع عنها هي تحرير الأرض واستعادة الحقوق، وأدواته في ذلك الريشة والخطوط والألوان».
وبين المبيض «أن للفنان التشكيلي السوري دوره الجلي في مقاومة المستعمر الفرنسي، فجسد بطولات الثوار السوريين عندما خرجوا إلى ميسلون لمقاومة الغازي الفرنسي وهم يدركون أنهم مشاريع شهادة، لعدم وجود تكافؤ بين أصحاب الأرض والمدافعين عن عزة الوطن وكرامته بأسلحتهم البسيطة، وبين المحتل الفرنسي المدجج بأحدث الأسلحة، ومع ذلك خرجوا لمقارعة المحتل الغاشم ورفضوا أن يرفعوا الراية البيضاء وكانوا يسطرون بدمائهم أروع معارك العزة والكرامة، مدركين أن أرواحهم ستبقى تطارد آخر جندي فرنسي على هذه الأرض الطاهرة».
وأفاد المبيض «أن الفنان التشكيلي السوري جسد هذه الروح النضالية شاهداً حياً على مدى العصور، وتوالت مشاركة الفنان التشكيلي السوري بعد معركة ميسلون وخلال فترة الاحتلال الفرنسي، وتم توثيق المعارك العديدة التي خاضها السوريون من خلال العديد من الأعمال الفنية، سواء كانت لوحات فنية أم نصباً تذكارية، أو ملصقات فنية، تتحدث عن الاستقلال وأهمية جلاء المستعمر الفرنسي».
وكشف المبيض «أن وزارة الثقافة رأت ومن خلال مهامها العديدة أهمية العمل على تعزيز هذه القيم الوطنية النبيلة، قيم الشهيد والشهادة والانتماء والمواطنة وتكريم القامات الوطنية، حيث تسعى الوزارة على إقامة العديد من المهرجانات الثقافية والفنية التي تحمل أسماء رموزنا الوطنية كمهرجان (الشيخ صالح العلي)، الذي انطلقت فعالياته هذه الفترة في محافظة طرطوس ومهرجان (سلطان باشا الأطرش)، في محافظة السويداء، وذلك تأكيداً من الوزارة على أن الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية، وأن الفن التشكيلي هو أحد أنواع الفنون الذي ينقل الفكرة والرسالة بشكل مركز وكثيف يختصر من خلال نتاجه الفني قصصاً بطولية قد تمتد لسنوات عديدة وهو يرنو بنظره اتجاه الانتصار».
 
يعد مفردات الحياة
وتناول الفنانون التشكيليون في سورية ذكرى الجلاء حيث يقول الفنان التشكيلي أكسم طلاع: «إن أهم ما صنع لهذا اليوم هو النصب التذكارية في الساحات العامة والأعمال التشكيلية الزيتية التي تناولت موضوع الجلاء، وهناك الكثير من الفنانين الذين تناولوا يوم الجلاء والأعمال الوطنية والقومية، ولكن كان للجلاء الحصة الأكبر من بين المناسبات، وتمتد الأعمال من السويداء إلى الساحل السوري وحلب والقنيطرة، حيث نرى في السويداء تمثالاً لقائد الثورة السورية سلطان باشا الأطرش الذي نفذه الفنان النحات معروف شقير، وفي طرطوس تمثال الشيخ صالح العلي أيضاً قائد الثورة السورية في الساحل نفذه الفنان إياد بلال، وكذلك النصب المعمارية مثل نصب الساحات والأعمال الإنشائية المعمارية التي شيّدت لهذه المناسبة خصيصاً، مثل ساحة الأشمر بالميدان هذا العمل الذي يمثل ساحة مشجرة وسيفاً دمشقياً يعلوها في الوسط ولا يمكننا حصر هذه الأعمال».
وأضاف طلاع: «إن أغلب الفنانين السوريين تناولوا الجلاء ومنهم الفنان سعيد تحسين الذي تحدث في إحدى لوحاته عن مرحلة ما قبل الجلاء وهي ملاحم الجلاء والثورة السورية ومعركة ميسلون، وكذلك لا ننسى تمثال يوسف العظمة وتمثال وزير الحربية، هذه الأعمال التي خاطبت الجلاء وخاطبت ملاحم ما قبل الجلاء وملاحم بطولات الشعب السوري، وخاصة عند اعتداء الفرنسيين على دمشق وقصفها والاعتداء على حامية البرلمان».
وبيّن طلاع: «أنه ومنذ ذلك اليوم إلى هذا العام يقام مهرجان تشكيلي احتفاء وتكريماً لشهداء حامية البرلمان، ويشارك الفنانون السوريون بالعشرات ويرسمون من أجل هذا اليوم وهذا المعرض الذي تقيمه وزارة الداخلية وهو معرض سنوي، وموضوع الجلاء موضوع مستمر لا يتوقف عند مناسبة الجلاء بعينها، وهو إنتاج مستمر للفن التشكيلي الذي يخاطب الحالة الوطنية ومفهوم الاستقلال الوطني، وكذلك في متحف الجندي المجهول هناك عمل رائع شارك به عدد من الفنانين السوريين مثل ممتاز البحرة وأحمد إبراهيم، هذه الأعمال الزيتية تصور ملاحم بطولات الشعب السوري».
وينهي طلاع حديثه: «إن الفن التشكيلي ليس منقطعاً عن الحياة أو بعيداً عن نضالات الشعب وتاريخ البلاد، بل هو جزء من مجموع تضحيات هذا الشعب، والفنان جزء من الشعب واكب هذه البطولات وصورها وتأثر بها، ولا يزال الفنان التشكيلي متفائلاً».
 
أحد منابع الفن
ومن جهته يقول الفنان التشكيلي جمعة نزهان: «إن المناسبات الوطنية هي أحد منابع الفن التي يستلهم منها الفنان مواضيعه، وربما هي أصدقها وأقربها إلى قلبه بتنوعها وبما تحمله من معان، وهناك الكثير من المناسبات التي يلتصق بها الفنان ويعبر من خلالها عن حبه لوطنه».
ويضيف نزهان: «إنه لولا الجلاء لما كان هذا الوطن بكل مساحاته التي يمتلئ بها القلب، فهناك رجال وقادة دحروا المستعمر وحرروا البلاد، ورجال وقادة بنوا وأشادوا وهناك الكثير من التماثيل والأعمال النحتية والروليفات التي تزين الساحات والتي تعبر عن هذه الحالة بشكل مباشر أو غير مباشر رمزي».
وبيّن نزهان «أن هناك كثيراً من اللوحات الجدارية الموجودة في المتاحف ومداخل المدن ودوائر الدولة تمجد الجندي والشهادة والفلاح والأرض والمعلم والتربية والتعليم، وهناك معرض (تحية إلى تشرين) الذي تقيمه الإدارة السياسية سنوياً والذي يشارك فيه جميع فناني سورية بكل فئاتهم العمرية حيث تزدان لوحات الفنانين بمواضيع التحرير والبناء والعلم والمرأة، وكذلك تصاميم البطاقات البريدية والبروشورات وأغلفة الكتب والرسوم التي ترافق الكتب المدرسية».