عندما يتحول الرسّامون إلى موظفين في صالات العرض ويخضعـون لشــروط تسويـق اللـوحـات

عندما يتحول الرسّامون إلى موظفين في صالات العرض ويخضعـون لشــروط تسويـق اللـوحـات

ثقافة

السبت، ١٦ ديسمبر ٢٠١٧

ربما لا ينجو فن من سطوة يمكن أن تعصف به سواء كانت تقنية أو مالية أو إدارية وغير ذلك، فالخطر هنا هو في التأثير المباشر الذي يتعرض له العمل الإبداعي عندما يسلخ جلده من أجل المال وتسويق المنتج الإبداعي وهو هنا اللوحة التشكيلية على نحو خاص. فخلال سنوات مضت عرف عن صالات مارست نوعاً من السطوة على تجارب الفنانين الباحثين عن أساليب لإيصال لوحاتهم إلى من يقتنون الأعمال ويدفعون ثمنها الذي تستحقه، لكن ذلك كلف البعض الخضوع لشروط السوق وما يرغبه الزبائن وأصحاب الصالات، بل إن البعض خرج من تجربته فرسم في مدرسة أخرى تحت عناوين كانت غريبة عنه، والهدف كان تسويق العمل وبيعه بالسرعة الممكنة وبالسعر العالي لأن السوق يطلب هذا النوع من المواضيع التي يعرفها صاحب الصالة الذي يأخذ مكان البوصلة التسويقية.. ما خطورة التسويق وشروط الصالات على الهوية الإبداعية للفنان؟ أسئلة كانت مدار البحث مع عدد من الفنانين.. فإلى التفاصيل:
يرى الفنان غسان نعنع، أن الصالات لعبت دوراً مهماً في سنوات الحرب بعد أن تقلص عددها إلى حد كبير بسبب الأحداث، أما الصالات المتبقية التي استمرت بالعمل خلال الحرب فلابد من شكرها على إشاعة الحيوية في الجو التشكيلي، هذا من جانب، لكنه من ناحية أخرى يشير إلى دور بعض الصالات قبل الحرب خاصة، يقول نعنع:
«إذا أردنا أن نتحدث عن دور بعض الصالات قبل هذه المرحلة فيمكن القول إن بعضها أثّر بشكل سلبي على تجارب الفنانين بسبب الاستحواذ والسطوة على تجربة الفنان من حيث تحويله إلى موظف ينفذ رسم العناوين التي تطلبها الصالة، وهذا يذكرنا ببعض أسماء الذين كانوا ينالون رواتب شهرية من هذه الصالات وتالياً لم يرسموا ذواتهم بشكل حقيقي بل كانوا ينفذون ما يطلب منهم من مواضيع والأمثلة معروفة للجميع.
الفنان وليد الآغا يؤكد هذه الحقيقة التي لعبتها بعض الصالات، ويشير إلى نقطة تتعلق بتغير مفهوم العمل الفني عند بعض الفنانين بسبب شروط السوق.. يقول الآغا:
«بعض الصالات حولت الفنان إلى موظف فعلاً.. فالسوق لعب دوره في وقت من الأوقات للأسف، وأخذ مداه وراحته في تغيير مفهوم العمل عند الفنان نفسه، فعندما تكون الصالة قادرة على التسويق والترويج وهو ما يحتاجه الفنان، وهي أمور يحتاجها الفنان ويبحث عنها من أجل تسويق لوحاته في النهاية، يمكن أن يقع الفنان في لحظات ضعف وينصاع لما هو مطلوب منه!.
يرى الفنان فؤاد دحدوح أن الفنان الحقيقي والأصيل لا يمكن أن يخضع للشروط المادية فيغير هوية إبداعه أو يخلع جلده من أجل المال.. يقول فؤاد: بشكل عام المال يؤثر وله تأثير كبير على الفنان، لكن الفنان الأصيل لا يؤثر به شيء، لأن مخزونه الداخلي يدفعه بشكل أقوى من أي مبالغ وإغراءات يمكن أن يقدمها صاحب الصالة، وهنا أتحدث عن الفنان الأصيل صاحب الموهبة الحقيقية والرسالة الفنية الحقيقية، أما إذا كان الفنان ما بين بين، كما يقال، فسيقع في الفخ من دون شك، وعندما يطلب صاحب الصالة لوحة زرقاء على لون الستائر أو حمراء على لون الكنبة، ويستجيب الفنان وتبدأ هنا عملية التدجين والانسلاخ عن التجربة الفنية..
لا ينكر غسان نعنع أن للصالات جوانب إيجابية لابد من الإشارة إليها فهي تسهل وتساعد وتقوم بمهمة الدعاية والإعلان، لكنه يميز بين الصالات الرسمية ومن ضمنها صالة الشعب وصالات المراكز الثقافية، والصالات الخاصة، فأداء العمل بين الطرفين لا يبدو متوازناً لذلك لا نرى الحضور نفسه في الصالات الخاصة والعامة.. يقول نعنع: «الصالات لها جانب إيجابي وجانب سلبي، الصالة تقدم الفنان وتطبع له كتاباً وتبيع له لوحاته، ويمكن هنا أن نتحدث عن الصالات الرسمية فهي لا تقدم شيئاً للفنان حتى الدعاية والإعلان لديها ضعيف، ففي هذه الصالات جمهور لا يتجاوز أصابع اليد في المعارض التشكيلية وهذا أمر يعود إلى سوء الدعاية والإعلان عن المعرض، يضاف إلى ذلك المدير القائم على كل صالة من هذه الصالات، فهذا العمل يحتاج خبرة وعلاقات واتصالات وهاجساً فنياً له دور مهم في نجاح الصالة، لكن ما يحدث في الصالات الرسمية مثل صالة الشعب وصالات المراكز الثقافية ليس جيداً بكل المقاييس.. نتمنى أن نعرض عندهم لكن غياب الجمهور الكبير مشكلة بالنسبة للفنان.. يضيف نعنع:
«قبل الأحداث كانت الصالات كثيرة في دمشق لكن الآن الصالات التي أعادت نشاطها من جديد عددها مازال قليلاً منها تجليات والآرت هاوس وكامل..
يضيف نعنع: الفنان يمكن أن يعمل في ظل كل أنواع الضغوط، لكن هذا كله لا يمنع الفنان من العمل رغم كل الصعوبات.. ربما لا يعرض الفنان وربما يعرض ولا يبيع، ورغم هذا فهو يتبع الهاجس ويبقى يمارس الرسم لأنه يعايش هذا الهاجس الفني.. والفنانون الذين لم يغادروا البلد خلال سني الحرب أكبر مثال على ذلك..
يسمي وليد الآغا العملية التسويقية بالاستفزازية لأنها كثيراً ما تحاول التخفيف من شأن الفنان عبر استغلال العامل المادي.. يقول: «القضية التسويقية مع الصالات وأسلوب التعامل صار استفزازياً في مراحل لاحقة للأسف، فلم يعد الفنان يقابل لوحته ويرسمها بحب، أو يحاورها وهو يصنعها كأنها كائن يستمع ويتفاعل معه تماماً.. بعض الصالات في مرحلة معينة هيمنت مثل الأخطبوط على الفنان، البعض تمكن أن ينجو بجلده، والقليل منهم تمكن من تحمل الصالات والبقاء لديهم.. السنوات السبع الماضية كانت صعبة وقاسية وكانت بمنزلة الاعتكاف مع الذات ومراجعة النفس والتجربة الفنية… وهنا يشير الآغا إلى التجارب الشابة التي تأثرت بالتسويق وعصفت بها عوامل الضعف:
«دور الشباب من الفنانين خطير في هذا الأمر، فالكثيرون يعملون بتقنية (الكوبي بيست) وجميعهم يشبهون بعضهم، وهذا إشكالية فنية وثقافية كبيرة وخطيرة، زملاؤنا يمتلكون ثقافة ويحاورون بها لكن بالنسبة للشباب هناك استسهال وهو فخ كبير وقع فيه الفنانون الشباب وقد انخفضت المهارات بشكل كبير فهم يعتمدون على الكمبيوتر ويقومون ببعض التعديلات كي لا يقول المتابعون إنهم يلعبون دور الآلة الناسخة ولا يمتلكون أي ميزة إبداعية في العمل»!.
للتأكيد على توصيف الحالة التسويقية التي تتولى مهمتها بعض الصالات ومدى تأثير ذلك على العملية الإبداعية.. يقول فؤاد دحدوح: «للأسف هناك أسماء كانت لها مكانة كبيرة لكنها بدأت تتراجع رويداً رويداً إلى أن ذهبت إلى الهاوية بسبب العامل المادي، الإغراءات لها دور كبير فعلاً…
من الواضح أن مقاومة الشروط المجحفة للتسويق والقيود التي تفرضها بعض الصالات على الفنانين بحاجة إلى بدائل تبقي الفنانين في منأى عن عمليات الاستغلال التي يمكن أن يتعرضوا لها، وهذا أمر يتطلب، كما يؤكد الفنانون، بانوراما كاملة من الرؤى الاستراتيجية التي تضعها المؤسسات بما يعني من بنية تحتية ورؤوس أموال وكوادر، وحتى يحدث كل ذلك، فإن الأصيل من الفنانين لا يمكن ابتزازه بالمال.. مهما كان الأفق مظلماً، كما يقول الفنانون!.