الأرز السوري على موائدنا قريباً؟

الأرز السوري على موائدنا قريباً؟

الأزمنة

الأحد، ٣٠ أكتوبر ٢٠١١

 هل بالإمكان مشاهدة الأرز السوري على موائدنا قريباً وفي أسواقنا المحلية!؟.. ليس هذا ضرباً  في الخيال بل إمكانية تحقيق ذلك دلت عليه اختبارات البحوث العلمية الزراعية، وأكدته نتائج الحقول المبشّرة المزروعة بمحصول الأرز في محافظتي دير الزور والحسكة، وبأرقام وصلت إلى 6 أطنان بالهكتار وهو من الأصناف التي تضاهي المستورد من مادة الأرز بمختلف أنواعه، ما يفتح المجال للتوسع بهذه الزراعة في محافظات عدة، خاصة وأن الأصناف التي تم اعتمادها ذات احتياج قليل للمياه عكس أنواع الأرز التقليدية الشرهة للمياه، فضلاً عن الأرز (الهوائي) كما يطلق عليه يعد محصولاً تكثيفياً أي يزرع بعد محصول القمح ويحتاج إلى عدد ريات أقل وبهذا يمكن القول إن وزارة الزراعة على وشك فتح جديد على صعيد الأرز كي يضاف إلى قائمة المحاصيل الاستراتيجية (قمح ـ قطن ـ شوندر سكري) ولتغطية احتياجاتنا المحلية من الأرز التي بلغت / 230 ألف/ طن عام 2010، وتخفيض فاتورة الاستيراد من الأنواع متعددة الجنسية.حيث كشفت إحصائيات خاصة أن مجمل ما استوردته سورية من أرز مصري يشكل 20% من صادرات الأرز المصري للموسم الذي انتهى لتشغل سورية بذلك المركز الأول من صادرات الأرز المصري والتي بلغت لسورية نحو 207 آلاف طن، جزء كبير منها جاء نتيجة الصفقة المتكافئة التي وُقعت العام الماضي وتم الانتهاء من تنفيذها مؤخراً وشملت تصدير 100 ألف طن أرز إلى سورية مقابل تصدير سورية لمصر ما يوازي قيمتها من القطن.
تقنيات الأرز الهوائي..
بداية الفكرة عندما وقعت سورية ممثلة بوزارة الزراعة وثيقة مشروع تطبيق تقنيات الأرز الهوائي المروي مع الفاو ويطلق على المشروع اسم المساعدة الفنية في مجال تقانات الأرز المتطورة لإنتاج (الأرز الهوائي) المروي غير المغمور ومن المفترض أن تنتهي عمليات التنفيذ في شهر شباط من العام القادم ويأتي هذا المشروع تماشياً مع متطلبات النمو السكاني المتزايد في سورية والمترافقة مع حجم المياه المتوافرة لأغراض الري وانخفاض كميات الهطل المطري جراء التغيرات المناخية.. كما تدرس وزارة الزراعة إدخال محاصيل أخرى عالية القيمة تعطى أولوية ضمن الخطة الخمسية القادمة وسعياً للوصول إلى الاستخدام الأمثل للموارد المائية كان لابد من إعادة النظر في المحاصيل المروية التقليدية والاستراتيجية ودرجة تنافسيتها، ولهذا الغرض أجرت الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية أبحاثاً كثيرة عن الأرز الهوائي الجاف ومحاصيل استراتيجية عالية القيمة سيستفيد المشروع من نتائجها وسيصار إلى نشرها عبر مراكز الهيئة ومكاتب ومديريات إنتاج المحاصيل وخدمات الإرشاد المنتشرة في المحافظات.
مساعدة فنية
وتأتي أهمية المشروع من خلال تقديمه المساعدة الفنية المطلوبة للتغلب على العوائق الفنية الرئيسية التي تعترض سبل تبني المزارعين لأنواع مناسبة من الأرز الهوائي الجاف والتي تتجلى بنقص الخبرة والمعرفة في إدارة محصول الأرز الهوائي الجاف على حين يشجع المشروع الجديد على زراعة أنواع الأرز الهوائي الأكثر ملاءمة واستخدام التقانات الزراعية المناسبة إضافة لتعزيز قدرات الجهات المعنية ما يدعم البرنامج الوطني لزراعة الأرز الهوائي الجاف.. كما سيحظى القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المحلي والمنظمات غير الحكومية واتحاد الفلاحين بدور أساسي عن طريق التعاون مع خدمات الإرشاد الزراعي ودعم من الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية ومديرية الوقاية لتحفيز المزارعين على زراعة الأرز الهوائي الجاف كمحصول استراتيجي عالي الفنية في سورية إلى جانب تدريب كوادر الإرشاد الزراعي وتحديث معلوماتهم المتعلقة بمختلف أنواع الأرز الهوائي الجاف وطرق زراعته وتقديم خدمات الإرشاد ومتابعة المزارعين الذين يبدون استعداداً لزراعة هذا الصنف ضمن محاصيلهم الزراعية.. كما ستشكل الحكومة لجنة تنسيقية تغدو مسؤولة عن كل ما يتعلق بزراعة الأرز الهوائي الجاف وفي حالة نجاح هذه الزراعة ستتمكن سورية من تقليص حجم المبالغ المادية التي تدفعها سنوياً لاستيراد 250 ألف طن من الأرز بقيمة 200 مليون دولار، وسمّي هذا الصنف "الأرز المتحمّل للجفاف" لكونه يُروى كل (10-12) يوماً في الأراضي الطينية الخفيفة لتصل الريات إلى 15 يوماً بين الرية والأخرى في الأراضي الطينية الثقيلة التي تحتفظ بالرطوبة لفترات طويلة حتى السعة الحقلية، على حين أن زراعة الأرز المروي تحتاج إلى إحلال أصناف الأرز المتحمل للجفاف بدلاً من أصناف الأرز المروي مع الاحتفاظ بإنتاجية عالية وجودة طهي ومقاومة الأمراض والحشرات بهدف ترشيد استخدام المياه ورفع كفاءة إنتاجية وحدة الأرض والمياه والقضاء على الأمراض الناجمة عن زراعة الأرز المروي.
تجارب مبشّرة
 دلت تجارب زراعة محصول الأرز الهوائي «الجاف» في محافظة الرقة على مؤشرات إيجابية حول إمكانية نجاح هذه التجربة التي تتم بالتعاون بين الفاو ووزارة الزراعة والإصلاح الزراعي ممثلة بالهيئة العامة للبحوث الزراعية.. وبيّن المشرف على التجربة الدكتور محمد فرحان إسماعيل أن الاختبارات تمت بطريقة الزراعة الجافة المثيلة لزراعة القمح والذرة الصفراء دون غمر دائم بالمياه، حيث جرى اختبار «11» صنفاً في النصف الثاني من شهر تموز في العام الماضي، وقد بلغت إنتاجية الهكتار الواحد نحو «6» أطنان من صنف الأرز المسمى «أُقْصر».. في حين تراوحت الإنتاجية ما بين 3 إلى 4 أطنان في الهكتار لدى بقية الأصناف الأخرى، وتراوحت مدة الوصول إلى مرحلة النضج من 100 إلى 125 يوماً تقريباً.

استبعاد بعض الأصناف
وأشار فرحان إسماعيل إلى أنه جرى استبعاد بعض الأصناف لعدم ملاءمتها للزراعة في سورية وإدخال أصناف جديدة، حيث تمت الزراعة هذا العام بوقت مناسب اعتباراً من 28 حزيران الماضي في (بحوث العلي باجلية) إضافة للتجربة الرئيسية تمت زراعة /11/ حقلاً إرشادياً موزعة على أنحاء المناطق الزراعية في المحافظة، إضافة إلى تجربة في الحسكة وأخرى في دير الزور والحالة العامة لعموم هذه التجارب جيدة ومبشرة والنبات في مرحلة تطاول (وإشطاء) والصنف المعتمد في الحقول الإرشادية هو جيزة 178 وهو متحمّل للجفاف والملوحة.
وأكد الدكتور فرحان أن الغاية من هذا المشروع هي إدخال محصول جديد يضاف إلى المحاصيل الرئيسية في سورية والوصول إلى إنتاجية مناسبة من الأرز تماثل إنتاج القمح وباستهلاك مياه قريب أو يعادل ما يستهلكه محصول الذرة الصفراء، وهذا المحصول في الواقع ليس بديلاً عن القمح وإنما يزرع كرديف للمحاصيل الأخرى وبشكل تكثيفي بعد حصاد القمح أو قلع الشوندر، بمعنى تحقيق رفع كفاءة استهلاك المياه في وحدة المساحة لإنتاج ما يقارب إنتاج القمح من مادة الأرز وبمعدل استهلاك مياه قريب من استهلاك الذرة الصفراء.. ولفت إلى أن هذا الصنف من الأرز يعد من الأصناف الممتازة والذي نقوم باستيراده من مصر وبكميات تبلغ نحو 250 ألف طن سنوياً وبسعر 1000 دولار للطن الواحد، أو عن طريق المقايضة بمعدل /2/ طن قمح مقابل /1/ طن أرز مصري، مؤكداً أن نجاح هذه التجربة وتعميم زراعة الأرز الهوائي الجاف سيوفر على الدولة الكثير من القطع الأجنبي ويؤمّن دخلاً إضافياً لفلاحنا يضاف إلى حزمة المحاصيل الاستراتيجية في سورية ويساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الأمن الغذائي لبلدنا.
تجارب الزراعة في الحسكة
 كما قام فرع الشركة السورية الليبية للاستثمار الزراعي بتنفيذ تجربة زراعة الأرز الهوائي في منطقة رأس العين بمحافظة الحسكة للموسم الصيفي الحالي. وأوضح المهندس إبراهيم عواد رئيس الفرع إنه تمت زراعة 50 دونماً من الأرز صنف جيزا 178 بمعدل 16 كيلو غراماً للدونم الواحد مشيراً إلى أن هذه التجربة تعتبر من التجارب الرديفة لزراعة محصول القطن في المحافظة وستتم زيادة المساحة المزروعة خلال السنوات القادمة إذا أثبتت نجاحها.
زراعة جديدة هامة في سورية
الدكتور رياض حجاب وزير الزراعة أوضح أن سورية بحاجة ماسة لإنتاج مثل هذه المادة التي يتم استيرادها بشكل كامل ووصلت الحاجة منها في عام 2010 إلى 230 ألف طن، مبيناً أن هذا المحصول سيساهم في المدخول العام فهو يعتبر ذا مردودية عالية بالنسبة للفلاح لقصر موسمه فهنالك بعض الأصناف تحتاج إلى 80 يوماً فقط من بدء الزراعة وحتى عملية الحصاد.. مشيراً إلى أهمية زراعة الأرز الجاف والتي تعتبر جديدة على سورية لاسيما وأن احتياج الأصناف الجديدة المائي أقل من احتياج القمح، لافتاً إلى أهمية المساعدات الفنية التي تقدمها الفاو في زراعة هذا المحصول.
بدوره أشار عبد الله بن يحيى الممثل المقيم للفاو إلى أن المنظمة ستستمر بالبرنامج التجريبي على 14 صنفاً إضافة إلى التوسع في حقول إرشادية ستوزع على15 فلاحاً على أمل التوسع بشكل أكبر في العام القادم. وقال إن البرنامج يهدف لرفع مستوى دخل الفلاحين وتحقيق الأمن الغذائي إضافة إلى رفع كفاءة استخدامات المياه وتوسيع سلة المنتجات الغذائية. وسيقدم المشروع الذي سينتهي عام 2013 المساعدة الفنية المطلوبة للتغلب على العوائق الفنية التي تقف أمام تبني الفلاحين لأنواع مناسبة من الأرز الهوائي الجاف.
وبين الدكتور محمد نايف السلتي مدير عام الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية خلال متابعته ليوم حقلي في دير الزور أن النتائج الحقلية أظهرت أن هناك أربعة أصناف من أصل اثني عشر صنفاً تتفوق بإنتاجيتها وتأقلمها مع البيئة المحلية وأعطت نتائج واعدة يمكن البناء عليها.
‏ ولفت الدكتور السلتي إلى أن الوزارة تزرع الأرز الهوائي للموسم الثاني بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة- الفاو وبوجود خبراء من المراكز البحثية المحلية ومن مصر مشيراً إلى أن الأرز الهوائي لا يعتمد على الري بالغمر وإنما بتقديم مجموعة من الريات، لافتاً إلى أن إدخال زراعة الأرز الهوائي تحتاج إلى دقة علمية وتوفر الشروط الفنية وبأن فصل النمو يمتد ما بين 110 و125 يوماً وحالياً المحصول بطور الفطام.
‏بدوره قال الدكتور سعيد عبد الحافظ الخبير في مجال زراعة الأرز إن أهمية التجربة تأتي بغرض تقييم زراعة الأرز والأصناف التي تلائم البيئة السورية وهناك عوامل كثيرة منها اقتصادي وفني وكذلك المستهلك السوري تدخل في عملية تقييم الأصناف. مشيراً إلى أن التجربة الحالية تشمل 12 صنفاً مزروعة في ثلاث فترات وهناك 3 أصناف قيد الحصاد ويتجاوز عمرها 120 يوماً والهدف من هذه التجربة دراسة السلال والأصناف التي تتلاءم مع بيئة المحافظة من أجل زراعتها.
وبعد:
 النتائج على أرض الواقع تشير إلى أننا بصدد إنتاج محصول الأرز، هذه المادة الغذائية الهامة والتوسع بزراعتها خاصة مع تأمين مصادر ري دائمة، وهذا ليس بالأمر الصعب مقارنة بالجدوى الاقتصادية لهذا المحصول الغذائي الهام لنضيف إلى قائمة محاصيلنا الاستراتيجية التقليدية محصولاً اقتصادياً رديفاً بالتالي نحد قليلاً من فاتورة استيراد المحلي.

 بسام المصطفى