تحسين الغذاء وأنفلونزا الجوع

تحسين الغذاء وأنفلونزا الجوع

الأزمنة

الأحد، ٧ فبراير ٢٠١٦

عدواه السريعة, بين اللمس وانتشار رذاذ اللعاب، وكم من الأشخاص الذين نواجههم يرحبون ويتحدثون إلينا فارزين بصاقهم على وجوهنا. أو فنجان القهوة الذي نحتسيه معهم هذا إذا استثنينا قبل الشوق ولهفتها في اللقاء، وغيرها من عاداتنا المترسخة في مجتمعنا الذي لا يمكن الاستغناء عنها من دون الكشف عن سلبياتها ونتائجها المؤسفة. عادة القبل منتشرة بشكل واسع، بالطبع ليست القبل إياها التي لا يمكن أن تبعث على خوف، أو تهدد بمرض. هي القبل المجانية التي تنفق في سوق الاستهلاك المصلحي. وتخفي الكثير من الشرر النفسي الدافع للغدر والمنتهي بالدجل، والتزيف، والمشاعر الصادقة بين البشر يعبر عنها بالكلام. والنظرة وتترجم عواطف يمكن أن تطغى مصداقيتها على كل القبل. والمصافحات المخادعة. من سوء الحظ هي عادات في مجتمعنا. لم تتفرغ جهاتنا الثقافية لمناقشتها، وإيجاد وسائل التوعية حول أضرارها. ولم تتناولها الأدبيات الشعبية بالنقد. بل على العكس شجعتها منذ زمن قديم. ومع الزمن أصبحت عبئاً، كابوساً. أرخت بظلالها الثقيلة جداً وبقيت قائمة ومستمرة. وبالمناسبة فإن انتشار مرض الإنفلونزا في اللاذقية لم يحدث ذلك الخوف، والقلق الذي كان يظهر بالماضي. حين يعلن عن مرض ينتقل بالعدوى ربما لأن مجتمعنا انحاز إلى قدريته. والأحداث المؤسفة الدموية التي تعيشها البلاد جعلت الناس يضعونها نصب أعينهم ويمضون في حياتهم (لا يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) سواء بالمرض، الجوع، الطلقة الطائشة، القذيفة الغادرة، المفخخات اللئيمة. وهكذا تعددت الأسباب والموت واحد. وتلك القدرية مهما كانت لا تعفينا من المواجهة وتدفعنا للاستسلام، والتراخي.
•    المرض:
كانوا قديماً يطلقون عليه الرشح، الزكام. ثم فيما بعد (الكريب) ومع تنوعه وتطور فيروساته أخذ تسميات مختلفة، إنفلونزا الخنازير, الطيور، البقر ويخضع علاجه العرضي حسب نوع شدته، والاختلاطات التي يمكن أن يحدثها والعلاجات القديمة التي كانت سائدة وتتقنها جداتنا، تختصر على المسكنات والسوائل والبصل والثوم. وكان المصاب بطبيعته يحرص على ألا يحمل العدوى لغيره. والاعتذار حسب العادة (آسف لا أستطيع تقبيلك لأنني مرشح) جملة تتكرر بعفوية وكأن القبلة من شروط اللقاء حين دخل (الأنتوبيوتك) أصبح يستعمل على نطاق واسع، من دون استشارة طبيب ومن الجانب العلمي فإن تناوله في حالة الكريب من الأخطاء الشائعة. لأنه من المضادات الحيوية التي لا تأثير لها على الفيروسات. وهو يقتصر على البكتيريا. وحسب الذراري التي تتأثر بهذا الصاد وسلالة الجراثيم. ونسبة كبيرة جداً ممن يصابون يتعاطون مع المرض بطريقة ليست علمية. يكتفون بما يأخذونه من دواء. والكريب زمرة فيروسية تؤدي إلى ظهور أمراض الرشح والزكام، الإنفلونزا. ولا يمكن التمييز بين العادية أو أنفلونزا الخنازير (N1H1)إلا بالتحاليل المخبرية النوعية وهي موجودة في العاصمة فقط. وكلفتها المالية مرتفعة جداً.
•    حالات:
استيقظت السيدة وشعورها أنها تعاني من حرارة مرتفعة، يظهر أنها لم تهتم بالأمر كما يحدث بسبب غياب الوعي الثقافي الصحي. لكن الحالة تطورت فتم نقلها بحالة إسعاف إلى المستشفى لتفارق الحياة في مساء ذلك اليوم تبلغ من العمر أربعين سنة. وتعيش في وسط اجتماعي مقبول. وكان من المفترض أن يتم إسعافها منذ ظهور الشكوى. لكن الاستسهال في موضوع إنه الكريب أدى إلى النتيجة المحزنة.
حالة أخرى لشاب يعمل مراقباً في الحصر والتنباك حمل المرض، الذي أبقاه مدة أسبوع يتلقى العلاج لكنه فارق الحياة. ثمة حالات أخرى. الجهات الصحية في اللاذقية صرحت بوجود المرض، لكنها لم تعلن عنه بوضوح. التصريحات بخصوصه تصل خجولة. فهم إما لا يريدون أن ينشروا الخوف بين الناس، أو كما فهمنا إنه موسم المرض، حالة تتكرر كل عام بسبب المناخ, والبرد، والموضوع يحتاج لبعض الاحتياطات. وبين هذه وتلك فإن المواطن يجب أن يعرف ماذا يجري من حوله. والاحتياطات المطلوبة تحتاج للوعي. أهمها غسل اليدين بعد اللمس والمصافحة والاحتكاك مع الآخرين.
وأظننا نفتقر كثيراً لمثل هذه الممارسة اليومية فتح الشبابيك وتهوية المنازل وتجديد الهواء بداخلها. مراعاة الآداب العامة وإذا ما أردنا أن نحصي كم اللعاب الذي يقذف من الفم على رصيف الشارع أو في وسطه. فما علينا إلا رصده والحالة تتكرر بكثافة في جميع شوارعنا، وحدائقنا. وإذا كانت قضية تجنب الازدحام المروري من إحدى وسائل الحماية، فينبغي أن نراقب أسواق الخضرة ولمجرد التطلع إليها سنجد الفوضى التي تعم, والقمامة التي تتراكم، والمأكولات المكشوفة والذباب المستشرس. وهي جميعها من المنشطات الفعلية للأمراض المعدية. وكان من الأجدر لو أن الجهة المسؤولة سيرت عربة مزودة بمكبر صوت تماماً كهذه التي تدور في المدينة والأرياف من أجل الدعوة للقاح الأطفال. ومهمتها أن تشرح أعراض المرض. ما الخطوات الواجب اتخاذها في حال الإحساس بها. وغيرها من الإرشادات والإسراع لمراجعة المستوصفات والمستشفيات. المضحك المبكي في هذا المجال أن سعر الكمامة القماشية قد ارتفع مباشرة بعد تزايد الطلب عليها في الآونة الأخيرة. ووصل سعرها من (50) ليرة سورية للعادية جداً. وهي عبارة عن قطعة قماش تعلق بمطاطة خلف الأذن لتغطي مجرى التنفس في الفم والأنف. إلى مبلغ (250) ل. س وكانت سابقاً توزع من دون مقابل. ولم يكن استعمالها رائجاً. وها هم يستغلون المرضى ليحولوها إلى سلعة تجارية بثمن مضاعف. أما ما يخص اللقاح فإن المختبرات المتخصصة تدرس تطور المرض وتجري إحصائيات دقيقة حسب المنطقة المصابة. وتنتج مضادات مجموعة من الفيروسات وهي تتبدل كل عام.
•    تحسين الأغذية:
حسب المصادر المختصة فإن من شروط الحماية إلى جانب العناية، وتلقي العلاج المناسب في حينه من دون تأخير. فإن شروط تحسين الغذاء تلعب دوراً مهماً في تقوية المناعة. والأجساد الضعيفة المحتاجة للغذاء المقوي عرضة للإصابة أكثر من غيرها لأنها لا تستطيع المقاومة. مهما كانت الإصابة خفيفة. وفي موضوع تحسين الغذاء ينبغي أن تتوقف مطولاً عند وجبات التكامل الغذائي التي يتناولها فقراء الوطن وهم يواجهون نار الأسعار. وإذا وضعنا أثمان اللحوم والأجبان والمواد الغنية بعناصر التغذية المطلوبة فسوف نجد أن هؤلاء لا يتمكنون أبداً من الحصول عليها. وإلى جانب الأمراض المذكورة فثمة أمراض أخرى لا يتم التطرق إليها. وهذه تحتاج أيضاً للعلاج. ومن يسمع التصريحات الحكومية يعتقد أن للفقراء ما يشتهون، وهم في الحقيقة لا يتوافر لهم الحد الأدنى من حشو المعدة كيفما اتفق حتى من بقايا القمامة التي يفتشون عنها في حاويتها.. حماية المواطن أمر علاجي ومهم لكنه غير موجود.. ولا أحد يهتم به وإنفلونزا الجوع أخطر انتشاراً وفتكاً. فهل ثمة أحد يهتم لتكون الحماية حقيقية وليست إعلامية. وهل من مسؤول فكر فعلاً ماذا يأكل هؤلاء وفي كل يوم نستفيق على غلاء جديد يفوق ما سبقه بمراحل. تحسين الغذاء يا له من شرط تعجيزي تفرضه الظروف وينفيه العجز في غياب التخطيط، والرحمة، والمصالح، وإنفلونزا الفساد التي تأصلت وفيروسها الناشط جداً يلتهم كل شيء يقف أمامه من دون توقف.