الحطب مؤونة الشتاء في درعا ولصوص الليل يهربون الأحطاب إلى المناطق والقرى للاتجار بها! والزيتون ضحية التدفئة!

الحطب مؤونة الشتاء في درعا ولصوص الليل يهربون الأحطاب إلى المناطق والقرى للاتجار بها! والزيتون ضحية التدفئة!

الأزمنة

الثلاثاء، ٢٦ يناير ٢٠١٦

الأزمنة| محمد العمر
أيام باردة تمر وكل يوم يزداد الطقس قساوة أكثر من قبله، هناك من العائلات بدرعا وبخاصة في المناطق الآمنة من أمن قوت شتائه، وهناك بالمقابل من لا يحصل على لتر مادة مازوت واحد، فلجأ إلى الحطب، في وقت بات الحطب أيضا ليس من السهل الحصول عليه. إذاً خمسة مواسم من الشتاء تمر، وما زالت حلقة قطع الأشجار جارية، وظاهرة الاحتطاب الجائر التي شهدتها وتشهدها مناطق عديدة في المحافظة، قد أدت وتؤدي إلى تخريب وإخراج بعض الغابات التي تتميز بالتنوع الحيوي، فقد أصبح موضوع تأمين مادة التدفئة هاجساً بالنسبة للمواطن بدرعا، ما دفعه إلى الاحتطاب الجائر وفي أغلب الأحيان من دون وعي بيئي يحافظ على الثروة الحراجية. وأضحى هذا الاستغلال للغطاء النباتي غير المرشد أمراً مقلقاً للجهات المعنية في سعيها للحد منه وإيجاد السبل الكفيلة للحفاظ عليه من التدهور والانقراض.‏‏ وحسب تقارير الزراعة فإن نسبة الاحتطاب بلغت أكثر من 65% كما تسبب التخريب الممنهج الذي مارسته المجموعات الظلامية خلال العام الماضي بتضرر مساحات كبيرة من الدونمات الزراعية، ويمكن القول: إن ظاهرة الاحتطاب بدأت تتصاعد وتيرتها جراء رفع أسعار المازوت وعدم مقدرة الناس على شرائه كوقود للتدفئة، هذا إن توافر- فضلاً عن غيابه!. خاصة مع ما تم مشاهدته من سيارات وجرارات محملة بالأطنان من الحطب المقطوع، مما يمكن أن نطلق عليه "لصوص" الاحتطاب من هول "الجريمة" المرتكبة بحق الغابات!. إذ إن العديد من المواطنين الذين يقومون بقطع هذه الأشجار وصل بهم الأمر، لأن يستخدموا مناشير كاتمة للصوت أثناء قطع الأشجار، وبعضهم الآخر يحرق الغابات للاستفادة من أخشابها في وقت لاحق كمبرر لتحطيب ناتج الحريق. وهذا ما يستدعي حسب دائرة الحراج  بالمحافظة بذل مزيد من الجهد والعمل على إعادة ترميم ما تم تدميره وحرقه والاعتداء عليه من الرعي والاحتطاب وزيادة الرقعة الخضراء...
لصوص الليل
يبدو أن ظاهرة الاحتطاب تزداد استفحالاً  ولا رقيب  عليها في وقت بات الغطاء النباتي مهدداً بالخطر إن بقي الأمر هكذا.
محمد أحمد مهندس زراعي أشار إلى أن ظاهرة الاحتطاب تتكرر كل عام وقد برزت بالاستخدام الأكثر من أجل التدفئة بشكل واسع ومكثف، وهناك فئة استغلت الظروف الحالية وهم من دون شك (مستغلو الأزمات) وأصحاب النفوس الضعيفة وقاموا بتهريب الأحطاب من المواقع الحراجية ليلاً للاتجار بها وبيعها لمحتاجيها, وهذه الفئة أثرت بشكل أساسي على الحراج وخاصة الاحتطاب على جوانب الطرقات للحصول على كمية كبيرة من الأحطاب بأقل وقت ممكن، وقد تم تنظيم ضبوط حراجية بحق مخالفين، و لكن فعلياً لا تكاد تخلو قرية أو بلدة في أي منطقة على وقع الأزمة  من الاحتطاب، بيد أن أهالي القرى الحقيقيين يمارسون ظاهرة الاحتطاب من دون إلحاق ضرر كبير بالغابات، مضيفاً: إن نسبة الاحتطاب ارتفعت بشكل كبير خلال الفترة الماضية منذ بداية العام 2012 حتى اليوم وزادت التعديات على حراج الدولة، ولعل أبرز الأسباب هي نقص مادة التدفئة (المازوت). كما أدى انخفاض درجات الحرارة بشكل كبير خلال فصل الشتاء هذا، إلى زيادة الاحتطاب وتجاوزت نسبة التعديات على حراج الغابات 70%, وحسب قول المهندس أحمد أنه يحق لأهالي القرى الحراجية قانوناً الاستفادة من الغابات بالاحتطاب من الأحطاب اليابسة ضمن الغابات مجاناً والاستفادة من نواتج التقليم من أعمال التربية والتنمية مجاناً وكانت هذه المواد تفي بحاجة المحتاجين سابقاً في ظل توافر هذه المادة  للطهو وللخبز التنور و قسم بسيط للتدفئة و كان توافر هذه المواد بالنسبة للأهالي في متناول اليد من دون إحداث أضرار بالغابات.‏‏
 شجرة الزيتون وقود النار
كما أن حالات القطع تزداد ولا رادع لها، فرغم مرور خمس سنوات من الأزمة، إذ نظم عناصر الضابطة الحراجية خلال العام الماضي 28 ضبطاً في مختلف المواقع من درعا، تمثلت بالقطع الجائر الذي طال معظم المواقع الحراجية فيها بإجمالي عدد الأشجار 9 ملايين شجرة. الغريب بالأمر أن شجرة الزيتون تحولت من مصدر رزق رئيسي للأهالي في محافظة درعا إلى عبء إضافي وقع على كاهل أصحابها، ما دفع بالعديد من المزارعين إلى قطع الأشجار وبيعها كحطب لتجار الأخشاب.
مروان شحادات من تل شهاب  كان يملك مزرعة، تحتوي على أكثر من 300 شجرة زيتون، أمنت له مردوداً مالياً جيداً خلال السنوات العشر السابقة، لكنه تخلى عن الأشجار الموسم  الماضي وتحولت مزرعته إلى أرض جرداء خالية من الشجر بعد قطعها وبيعها للتدفئة،  يشير إلى أنه لم يعد باستطاعتي تأمين الرعاية المناسبة لأشجار الزيتون؛ لارتفاع مشتقات الوقود وخاصة مادة المازوت التي تعد عصب الزراعة، حيث يتراوح سعر اللتر الواحد منه بين (300 و 400) ليرة سورية، وبذلك فإن تكلفة عملية ري المزرعة لمرة واحدة تحتاج إلى مبلغ كبير من المال لا يمكن تأمينه في هذه الأيام"، مبيناً أن "أشجار الزيتون قد تحول لونها إلى الأصفر وجفت جذورها، وبات قطعها وبيعها كحطب أفضل حل، بعد أن كان موسم الزيتون السنوي يؤمن في السابق مردوداً مالياً يزيد على مليون ليرة سورية". ويتزامن ازدياد عدد الأشجار المقطوعة وارتفاع أسعار الحطب مع التعرض في أوقات معينة لمنخفضات جوية تتوالى  وسط انقطاع المازوت الذي يستخدم في التدفئة وغلاء سعره في حال توافره لسعر أكثر من 75 ليرة سورية للكيلو الواحد، ما يجبر معظم سكان المحافظة على الاعتماد على مادة الحطب كوسيلة رئيسية للتدفئة.
 رئيس دائرة الحراج في “مديرية زراعة درعا أشار إلى أن المساحة الإجمالية للحراج والغابات تصل إلى 10624 هكتاراً، منها 300 هكتار حراج طبيعي في وادي اليرموك، والبقية اصطناعية، من أنواع الكينا والصنوبر الثمري والبروتي، والأكاسيا والكازورينا والسرو بأنواعه والبطم ولسان الطير.
وتتوزع المساحة فيما يزيد على 130 موقعاً حراجياً، أهمها غابة الأسد في تسيل وتل الجابية، وتل الحارة وعين ذكر وعابدين وعالقين ونمر، ونافعة وجملة وإبطع والشيخ مسكين، والعقربية، الموجودة معظمها في غرب المحافظة، لكونها منطقة استقرار أولى، ومناسبة من حيث الأمطار والتربة، يضاف لها الأشجار الحراجية على طرفي الطرق ولاسيما “أوتستراد دمشق- درعا الدولي”، والطريق القديم ودرعا والمزيريب، والواصل من نوى إلى السكرية فجاسم والحارة، وكذلك طريق السهوة بصرى.
خارج التغطية..!
حسب تصريح دائرة الحراج بالمحافظة، فإن تخريب الغابات كان يقتصر على بعض ضعاف النفوس وكانت هذه الحالات تقمع لتعاون الأهالي من جهة ولكون هذه الحالات فردية من جهة أخرى من خلال عناصر الضابطة الحراجية المنتشرة في المحافظة, ولكن هذه العناصر في أحيان كثيرة لا يتمكنون من السيطرة على هذه الظاهرة ومنع الاحتطاب الجائر وحماية الحراج بسبب نقص عدد هذه العناصر ولكون تعاون الأهالي انخفض لدرجة كبيرة ( على حد تعبيره).‏‏ فوزارة الزراعة كانت قد طرحت خلال السنوات الماضية أهمية النهج التشاركي مع الأهالي بهدف حماية الثروة الحراجية المتنوعة، ولكن حتى اليوم لم يتم وضع أسس وخطوات حقيقية على الأرض لاتباع هذا النهج. ولعل التباطؤ في ترويج هذا النهج دفع إلى تفشي الاحتطاب الجائر والرعي الجائر والتهاون في حماية الغابات وتجاهل قوانين الحراج. واليوم ومع مرور الوقت وبعد تعرض الغابات للتعدي وبعض الأنواع للانقراض برزت الحاجة الماسة لاتباع هذا النهج.‏‏ ومؤخراً تم السماح بالبيع المباشر للمواطنين وبأسعار وكميات محددة وإحداث منافذ للبيع ضمن مراكز تجميع الحطب في أغلب القرى والبلدات ووضع آلية واضحة للبيع، ويمكن القول: إن ما جعل المواطن يتجه إلى الاحتطاب العشوائي وتجاهل القوانين هو حاجته الماسة لهذه المادة من أجل التدفئة وما زاد الطين بلة قرار السماح بتصدير الأخشاب خلال السنوات الماضية والتي تنتجها غاباتنا (الأخشاب الحراجية المثمرة والفحم والدق والبيرين)، هذه الحالة دفعت المواطن للاحتطاب من أحراج الدولة والسبب عدم وجود منافذ بيع من قبل الدولة ليكون المستفيد الأكبر التاجر الذي يقوم بتصديره خارج القطر، ولو كان هذا الأمر متوفراً لما كان وضع الحراج والغابات في هذا الوضع المأساوي الذي وصلت إليه اليوم.
 
حق الاستفادة والانتفاع..!
دائرة الحراج بالمحافظة، بالتعاون مع سكان قاطني مناطق  الغابات الحراجية، انشأت غابات كثيرة في مناطق من درعا ومنها غابتان شعبيتان في موقع حرفوش بمدينة نوى وعين ذكر وتسيل، وللسكان حق الاستفادة والانتفاع واستثمار الغابة بالإضافة الى واجبهم في حمايتها من العبث والحرائق وغيرها ولاسيما أن موضوع التحريج، لم يأت من فراغ، وإنما هو عمل رائد جاء نتيجة تضافر جميع جهود الجهات المعنية وعلى رأسها وزارة الزراعة الأمر الذي يعطي سورية بشكل عام والمحافظة بشكل خاص موقعاً سياحياً ومنظراً غاية في الجمال إضافة إلى أن هذه المشاريع تستهدف خلق علاقة جيدة بين سكان المناطق الحراجية وتجمعات البدو والغابات المحيطة بهم.
ما احوجنا إذاً، ونحن نمر اليوم خلال المناسبة لعيد الشجرة أن  نعيد لهذا العطاء حقه في الحياة، قد لا نستطيع إيقاف الزحف الجائر على الشجرة ومنع عملية الاحتطاب بسبب الظروف الحالية،  إلا أننا نستطيع تكثيف عملية التشجير، وإطلاق حملة تشجير ضخمة وفعالة في مختلف المناطق تسهم في إحياء ما تدمر وحرق وقطع من غاباتنا بفعل الإرهاب أو غيره ، الذي نتعرض له بشراً وحجراً وشجراً، وزيادة الوعي بأهمية الأشجار لدى قطاعات المجتمع المختلفة لما لذلك من أهمية في مساندة الجهود المبذولة من قبل الجهات المعنية.