بعد ما طالت الإقالات مديري مؤسسات ورؤساء مجالس مدن على خلفية فساد وتقصير..هل انطلقت حملة مكافحة دواعش الداخل

بعد ما طالت الإقالات مديري مؤسسات ورؤساء مجالس مدن على خلفية فساد وتقصير..هل انطلقت حملة مكافحة دواعش الداخل

الأزمنة

الاثنين، ١١ يناير ٢٠١٦

* أحمد سليمان
 قد تبدو حملة الإقالات التي بدأها رئيس مجلس الوزراء وتبعتها مراسيم على أثر الفساد أو التقصير منذ فترة تبشر بالخير في موضوع مكافحة الفساد، وأن لا أحد على رأسه ريشة، وخاصة أن هذه الحملة طالت عدداً من مديري المؤسسات ورؤساء مجالس مدن، أي ما يمكن أن نعتبرهم الصف الثاني من المسؤولين، وهم بالطبع تعيينهم وإقالتهم من صلاحيات رئيس مجلس الوزراء، إذا كان يعتبر الصف الأول هم الوزراء، والذين طال بعضهم التغيير ونأمل، أن تطول المحاسبة الصغير والكبير وبخاصة من استغل منصبه وصلاحياته وشماعة الأزمة لمصلحته الشخصية، ولم يقم بواجبه وعمله الموكل إليه، والمؤتمن عليه، ليس كما تنص عليه الأنظمة والقوانين، فحسب بل المصلحة العامة وضميره.. وهنا (مربط الجمل).. فالضمير إذا غيبه صاحبه، فتوقع منه فعل أي شيء!!.
 ولا ندري إن كانت هذه الإقالات هي في إطار حملة لمكافحة الفساد، وإن كان مهد لها الدكتور وائل الحلقي في أكثر من مرة قبل أن يبدأها وإن كانت كذلك، نتمنى ألا يكون لها زمن محدد، وتنتهي ويعود من ليس لهم ضمير إلى تسلم المناصب، التي يقيسونها على قدر المكاسب، ما يطرح موضوع التعيينات والترشيحات وضوابطها وأسسها على بساط البحث من جديد، وخاصة أن جزءاً ممن دفع بالبلاد إلى ما نحن فيه هؤلاء الذين قاسوا مناصبهم على قدر مكاسبهم، وقليل أن نطلق عليهم اسم (دواعش الداخل) لأن (الدواعش) يقتلون من يخالفهم ويقع في يدهم مرة واحدة، وبوحشية لا مثيل لها في التاريخ، إلا أن هؤلاء المسؤولين الفاسدين يقتلون المواطن والوطن مئات المرات، وهم جالسون على كراسيهم، ولا أحد يحاسبهم، بل ثمة من يبرر لهم، وزاد من وجود هؤلاء الأزمة، التي بررت وجود أشخاص في مفاصل العمل، هم لا يستطيعون (رعي غنمتين)، فكيف لهم أن يتمكنوا من رقاب الناس..؟؟؟.
طالت أجهزة الرقابة
 فرئيس الحكومة الدكتور وائل الحلقي الذي كشف أن الحكومة تقوم من خلال المتابعات الحثيثة بمتابعة أداء جميع الأجهزة الرقابية الحكومية وخاصة الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش ومجلس الدولة والقضاء بهدف إصلاح عمل هذه المؤسسات وتحسين أدائها مبيناً أنه تم الكشف عن بعض مظاهر الفساد فيها واتخذنا إجراءات وقرارات حازمة سوف تطول كل فاسد سواء كان على رأس الهرم الوظيفي أو أحد العاملين في الدولة حيث قمنا بالفترة الأخيرة بإعفاء عدد من المديرين العامين والفرعيين وإحالتهم للقضاء ولن نكتفي بالإعفاء فقط بل بالمحاسبة، وإن الحكومة لن تتوانى عن فتح كل ملفات الفساد المنتشرة في بعض مؤسسات الدولة كالسرطان، حيث نقوم باستئصال هذه البؤر لتنظيف الجسم الحكومي من كل مظاهر الفساد والخلل ونحن نتابع يومياً واقع أداء المؤسسات والمديرين ونجري تقييماً لمستوى أدائهم ونقوم بالمحاسبة ولا أحد فوق القانون والمحاسبة. فتطوير الوظيفة العامة للدولة هو مشروع سياسي إداري تنموي نهضوي وإستراتيجي كما قال الحلقي والتي تعمل الحكومة على تطبيقه على أرض الواقع بهدف معالجة مواطن الخلل في الجهاز الوظيفي الحكومي والقضاء على مكامن الفساد والترهل الإداري وترشيد الإنفاق وتفعيل أداء كل القطاعات ووضع الإنسان المناسب في المكان المناسب إلى أن يكون أداء الإدارة والوظيفة العامة في المؤسسات الحكومية مجسداً للتنمية المستدامة وأهدافها الاستراتيجية بكفاءة عالية وحس عال من المسؤولية الوطنية والالتزام بالعمل.
الدخول من الثغرات
قد يكون الإطار النظري لتطوير الوظيفة العامة مهماً إذا كان قد انطلق بمشروع نأمل أن نرى نتائجه على الأرض التي تجري عليها ممارسات فساد تقشعر لها الأبدان، يرى متابعون أن ثغرات القوانين هي التي تحمي أو تسهّل صفقات تمرر من تحت الطاولات ما يثير الهواجس حول كفاءة تشريعاتنا في ردع الفاسدين معتبرين أن المتاجرة بقرار هي فساد خطير، وأخطر ما فيه أنه غير ملموس وخاصة أن في مؤسساتنا خبراء متخصصين بالتعاطي مع ثغرات القوانين التي تسمح بتطويع التشريعات لمصلحة المتاجرين بها سواء هم أم غيرهم.
ناهبو المال العام
 حيث يرى الباحث والخبير في الشؤون الإدارية عبد الرحمن تيشوري أن بعض ناهبي المال العام يفلتون من العقاب أو لا ينالون العقاب الشديد الذي ينسجم مع جريمة كبرى وهي ضياع ونهب وهدر المال العام مقترحاً على العاملين في السلطة القضائية ضرورة الانتباه الشديد إلى هذه الظاهرة لكي نضع حداً وعقاباً قوياً ورادعاً لهادري المال العام السوري وسارقيه وألا نشرع ولا نسمح لهم بتبيض هذا المال بعدما أخذوه وسرقوه لأن لذلك آثاراً كبيرة وهدامة جداً على المجتمع. فالبطء في إعادة النظر بالسياسات والقوانين والأنظمة الإدارية النافذة وتعديلاتها من قبل الحكومة يفتح الباب واسعاً أمام الفساد والمحسوبيات في تفسيرها، ويعطل التفاعل الإيجابي مع المواطنين، وخاصة في الأمور المعقدة والصعبة أو التي تتطلب مرونة في اتخاذ القرار كما يقول الخبير تيشوري والذي ينبه إلى مسألة مهمة وهي تسرب إداريين غير أكفاء إلى مراكز اتخاذ القرار ما يضعف ثقة المواطن بالإدارة الحكومية ويفتح مجال التهاون الشديد في الأوامر الإدارية والالتزام بتطبيقها.
 وفيما أثرت الأزمة ومنعكساتها في البلاد بشكل كبير على موظفي القطاع العام الذي تراجعت مستويات دخولهم إلى سبع ما كانت قبل الأزمة مع ارتفاع الأسعار بأكثر من سبعة أضعاف ما يجعل عدم تناسب مستويات الدخل في الجهات العامة مع احتياجات الموظفين المعيشية كما يشير تيشوري يفتح الأبواب للفساد وعدم الالتزام بالعمل، والتوجه نحو العمل الإضافي خارج الدوام الوظيفي ما يؤدي إلى تفاقم مشكلة البطالة من جهة، وإلى تقصير في أداء وإنتاجية الجهات العامة في الدولة.
عدم تناسب الراتب
 فالثغرات في القوانين والتشريعات الناظمة للعمل في جهات القطاع العام وعدم توافر الرواتب والحوافز المالية والمكافآت المناسبة لتأمين المستوى المعيشي المناسب لموظفي الجهات العامة ما يتطلب إعادة النظر في قوانين العمل والعاملين الأساسي إضافة إلى التقصير الشديد بوضع برامج تأهيلية وتدريب وتطوير قدرات ومهارات الموارد البشرية في الجهات العامة يؤدي إلى قصور في الأداء والإنتاجية وضعف في تقديم الخدمات بالجودة المطلوب وعدم وجود حوافز لاستمرارية التقدم في العمل.. ويعتبر أن رتابة عملية تقييم الموظفين وترفيعهم وفق معايير ومؤشرات أداء محددة لا تشكل أداة تحفيزية لزيادة معرفتهم ومهارتهم الإدارية، وتحد من مبادراتهم، الأمر الذي يفاقم تسرب الإداريين الأكفاء وأصحاب الخبرات خارج الإدارة الحكومية غالباً نتيجة انخفاض الحافز المادي ووضع سقوف للرواتب والمكافآت والحوافز، بما يعنيه من غياب للأسلوب العملي في تقييم أداء العاملين ولاسيما في الحلقة الأولى وتساوي جميع العاملين في الحصول على الترفيعات والمزايا.
بيروقراطية
فضعف الاستفادة من التكنولوجيا والبرمجيات واحدة من أسباب الفساد ومع ندرة توافرها فهي لا تستثمر بالشكل الأمثل نتيجة سيطرة الأمية المعلوماتية لدى أغلبية العاملين في الجهات العامة والافتقار إلى الربط الشبكي بين الإدارات الحكومية وبين الجهات التابعة لها أولاً ومع الوزارات والمؤسسات الأخرى ثانياً، ما يؤدي إلى ضعف آلية الإدارة، وتعقيد الإجراءات البيروقراطية، والفساد العميق والمنظم في جميع المستويات وتدني الحرفية لدى الكثير من الموظفين ومستوى الخدمة التي يؤدونها، وتعتبر هذه المسألة من أكبر تحديات متطلبات تطوير نظام إداري رشيق وعملي وفعال ومستقر.
مسؤولية التقصير
وإن أيّ محاولة للإصلاح ينبغي عليها أن تركّز على أسباب ظاهرة الفساد وعلى القضاء على آثارها الهدّامة والتي يجب أن تنطلق كما يبينها الخبير تيشوري من عدد من الإجراءات وهي تحديد اختصاص كل إدارة وكل وزارة بشكل علمي ودقيق وتنسيق الاختصاصات فيما بينها، بحيث تكون واضحة للمواطنين وكذلك تحديد اختصاصات كلّ موظّف بشكل دقيق وواضح وتحميل الموظّف المسؤوليّة عن كلّ تقصير وإعادة النظر بأساليب تأمين المشتريات للدولة والاهتمام بطرائق العمل وأساليبه وعدم الإسراف في الوقت والنفقات واستخدام السيّارات العامّة في غير دواعي العمل والبحث عن الكفاءات وعن أصحاب الضمائر الحيّة وإسناد المهام إليهم، لا أن نبحث عن منصب مناسب لقريب أو صديق وتطوير أنظمة الرقابة على نحو يجعل هدفها الأساسي إجراء تقييم موضوعي لمستويات الأداء واتّخاذ هذا التقييم أداة لتشجيع المبادأة وتنشيط الحوافز ورفع الكفاية الإنتاجيّة للعاملين.
إشباع الرغبات
 فإعادة النظر بسياسات التعيين في الوظائف بكلّ مستوياتها هو ما يذهب إليه الباحث لتكون على أساس الكفاءة والخبرة والمعرفة لأعلى أساس الواسطة والمحسوبيّة والقرابة وأن تكون البعثات والدورات الاطّلاعيّة لمستحقّيها بحيث تنعكس الدورات والمهمّات على الوظيفة والعمل العام وليس للأقرباء والأصدقاء والأبناء الذين يعتبرون مهمّتهم الخارجيّة مجرّد نزهة وسياحة وتجارة، بالإضافة إلى محاسبة المقصّرين والمرتشين الذين يستغلّون الوظيفة العامّة لمصالحهم الشخصيّة وأن يكون هذا الحساب عاماً لا انتقائياً يطول البعض ويفلت منه الآخر وإشباع الرغبات والحاجات المختلفة للأفراد العاملين عن طريق زيادة أجورهم بشكل دائم على نحو يتناسب مع تكاليف المعيشة وتوفير مستوى حياة كريمة لائقة، مع اعتماد الشفافية وخاصّة الماليّة بوصفها أحد الشروط الرئيسيّة لتحقيق التنمية من ناحية، وبوصفها إحدى أهمّ وسائل مكافحة الفساد من ناحية أخرى.. إلى جانب إعطاء وسائل الإعلام كافّة دورها للقيام بمسؤولياتها لتسهم مجتمعة في تغيير اتّجاهات الرأي العام، وتكشف الفاسدين وتعرّي صور ومظاهر الفساد وخاصة ما نسميه الإعلام الاستقصائي.
 كل ما نتمناه ألا تتوقف حملة مكافحة الفساد، وأن تطول الكبير قبل الصغير، وألا تكون الأزمة شماعة لإبقاء من هم فاسدين في مفاصل العمل، لأننا قد نخرج من الأزمة ولم يبق لهؤلاء الفاسدين أي مكان للإصلاح، ما يتطلب معالجة هؤلاء الفاسدين بالتوازي مع محاربة الإرهابيين الدواعش..!!