شتاء حلب..ملابس أسعارها بالنار والحلبيون ينفرون من أسواق الصوف

شتاء حلب..ملابس أسعارها بالنار والحلبيون ينفرون من أسواق الصوف

الأزمنة

السبت، ٥ ديسمبر ٢٠١٥

الأزمنة| مصطفى رستم
يدخل فصل الشتاء القارس ببرده ورعده وبرقه ومطره وثلوجه ليهرع معه الحلبيون كل حسب دخله لأخذ الحيطة والحذر، إما عبر خزن كميات من مادة المازوت التي وزعت على الأسر، وخصص لكل عائلة هذا العام 200 ليتر تكفيهم طيلة أيام فصل الشتاء، ومن لا يملك ثمن المحروقات، وقدر بما يقارب 30000 ليرة سورية لن يكون له سوى الاتجاه إلى ما تبقى من غابات أو حدائق في المدينة واضعاً على كتفه فأساً من حديد لينهال على ما تبقى من أشجار فيقطعها ليجعلها حطباً للتدفئة.
ومع برد الشتاء هذا بدأ الحلبيون يقبلون على أسواق الشتاء لأخذ ما يحتاجونه وبدأت المنتجات الخاصة بالشتاء تظهر على واجهات المحال التجارية وخاصة الملابس - قفازات ـ مظلات مطرية ـ وأحذية شتائية وغيرها... ومع الكميات الكبيرة من هذه البضائع، ومع وجود متسوقين ينتشرون هنا وهناك في أسواق المدينة المنتشرة على شكل محال تجارية والأكثر البراكات الحديدية، وبسطات اجتاحت كافة الأرصفة فقضت على ما تبقى مما يسمى رصيفاً للمشاة، أخذ أصحاب الدخل المهدود (المحدود) يتجولون هنا وهناك ويتحسسون جيوبهم جيداً مخافة أن تتبخر هذه الآلاف من الليرات لكثرة هذه الحاجيات والأغراض المطلوبة شراؤها والراتب لا يكفي لشراء كل ما تريده للشتاء.
غول الأسعار الذي وصل لألبسة الشتاء بشكل مبكر هذا العام جعل الناس في حيرة من أمرها وبات لزاماً على أرباب الأسر الفقيرة ومتوسطة الدخل أن يقوموا بجردة حساب أكثر دقة لأن الراتب لا يكفي لشراء ملابس شتاء للعائلة، وجولة في أسواق الملابس سنشاهد هذا التفاوت بالأسعار بين محل وآخر، لكن هذا التفاوت بسيط لأن البائعين متفقون على أسعار متفق عليها فيما بينهم.
الصوف والسوق المهجور:
من أهم الملابس الشتائية التي يعتمد عليها الناس في فصل الشتاء الملابس الصوفية التي تقي برد الشتاء ورغم وجود هذه الملابس في المحال التجارية والأسواق العامة بكثرة يقوم البائعون بالتفنن بعرض تلك المنتجات الصوفية بكافة الأشكال والأنواع والألوان إلا أن مشكلة الغلاء الفاحش الذي يسيطر بجنون على أسواق الملابس أخذ يسيطر على جيوب المواطنين المفلسة.
أحد المتسوقين في أسواق حلب وقف عاجزاً عن شراء أي من هذه المنتجات واكتفى بشراء قطعة ملابس لطفله الصغير تقيه برد الشتاء وأضاف أبو أحمد قائلاً: لا يهم أن أشتري هذا الشتاء أي قطعة لنفسي سأكتفي بما لدي من ملابس صوفية أقتنيتها في مواسم ماضية، فسعر كنزة الصوف تبلغ 3000 ليرة سورية والجيدة تبلغ 5000 ليرة سورية أسعار مرتفعة أسعار نار!! العجب نراه في أسواق حلب التي لا ترحم أحداً، والتجار وأصحاب المحال يتحكمون بالأسعار بمزاجية تتناسب مع جشعهم وطمعهم الذي ليس له حدود.
أحد المتسوقين أضاف: ارتفاع الدولار شماعة يعلق عليها التجار ارتفاع أسعار الملابس الصوفية، وعدم إنتاج الخيط – الصوف - الوطني حجة وشماعة أخرى، كل ذلك يجري والعيون مغمضة عن تصرفات أولئك المتلاعبين بالأسواق، رغم أن كثيراً من التجار يبيعون ما لديهم من بضائع من مخازن ومستودعات فيها بضائع تعود إلى ما قبل الأزمة التي تشهدها المدينة وقبل الغلاء الفاحش الذي نراه ماثلاً أمامنا ومتحكماً بمصيرنا وجيوبنا وكاد يشل حياتنا وأفكارنا.
ملابس الشتاء برسم البيع:
ملابس الشتاء لا تقتصر على كنزة الصوف فقط بل القفازات الصوفية والسراويل والقبعات... كلها مصنوعة من الصوف، فالصوف يعتبر مادة أساسية تدخل بملابس الشتاء، ولا يمكن الاستغناء عنها، ولأن هذه المادة تشعر الإنسان بالدفء أكثر من غيرها لذلك يعتبر الكثيرون من الناس أن الإقبال على الملابس الصوفية هو حاجة أساسية لشراء الملابس لكن الحلبيين بدؤوا ينفرون من أسواق الصوف التي تحتاج إلى حياكة يدوية رغم تراجع هذه المهنة أو هذه الطريقة من عقد من الزمن خاصة بعد دخول الآلات إلى سوق العمل بكثافة.

تتميز الحياكة اليدوية بالإتقان والجودة وبمهارة الصناعة ودوام هذه الملابس بالإضافة إلى أن الخيط المستخدم في تصنيع هذه الملابس عن طريق الحياكة اليدوية هو من الخيط الخشن أو السميك وهو مهم في الحياكة اليدوية لا تستطيع الآلات إنجازها وتضيف أم مروان قائلة:
لا يمكن للآلة مهما كانت حديثة أن تقدم إنتاجاً بجودة الحياكة اليدوية على الرغم من تفوق الآلة على الحياكة اليدوية بما يخص السرعة بالإنتاج، لكن يبقى العمل اليدوي بمهارة اليد الصانعة، وأكثر جمالاً أثناء الارتداء لأن الأشكال الجميلة التي تنتج عن طريق الحياكة اليدوية لا تستطيع الآلات الصناعية التريكو إنتاجها لأن هذه الآلات محددة برسوم وصور ونماذج معينة.
حياكة الصوف مهنة زائلة:
لم تعد حياكة الصوف التي تعمل بها بعض النسوة ويكسبن رزقهن من اجتهادهن بعملهن من وراء الحياكة لعدم رغبة الناس في الحياكة اليدوية رغم الجودة المتقنة التي تنتجها تلك النسوة عبر الحياكة اليدوية ليس فقط بسبب ارتفاع الأصواف لكن لدخول الآلة من سنوات.
تقول السيدة أم مروان ربة منزل، وتعمل في مجال حياكة الصوف عملت في مجال حياكة الصوف اليدوي أكثر من 20 عاماً أنتجت فيها مئات القطع والألبسة النسائية والولادية وحتى الرجالية بحرفية عالية ومهارة فائقة، وبات العمل اليدوي في حياكة الصوف مصدر رزق إضافياً يساعدني ويساعد عائلتي في سعي لكسب الرزق لكن بسبب دخول الآلة لم يعد لحياكة الصوف إقبال كما كان سابقاً وتدهور العمل في هذا المجال أكثر بعد غلاء الصوف - بكرة الصوف - الواحدة بات سعرها لا يحتمل خاصة أن أي قطة صوفية يجب أن أحيكها تحتاج بين 8 - 10 بكرات صوف، وبكلفة تقارب 3000 آلاف ليرة سورية، عدا أجرة الحياكة التي لا تقل عن 1500 ليرة سورية إذا كانت للأطفال، بينما تبلغ للرجال والنساء سعراً أعلى ويلعب الحجم الدور المهم في احتساب الأجرة، وتبدأ من 2000 ليرة سورية وما فوق.
نسيج وصوف أيام زمان:
حلب تلك المدينة التي اقترنت الصناعة باسمها باتت تشكي ندرة الصناعيين الذي هجروها وبقي القلة القليلة الذين يجعلون من الصعب والمستحيل سهلاً من أجل أن يكملوا مشوارهم الصناعي أو ليحافظوا على بقائهم في الأسواق، هذا التحدي الصعب نجده ماثلاً أمام الصناعيين وبخاصة في الصناعة النسيجية الذين فقدوا الكثير من الآلات والمنشآت، ورغم الخسارة الفادحة التي منيوا بها إلا أن الإرادة لديهم قوية وفي جولة بمنطقة الشيخ نجار بعد إعادة سيطرة الدولة عليها لتصبح من المناطق الآمنة نجد الصناعيين بمعاملهم يعاندون كل صعوبات الكهرباء والماء ومواد المحروقات، وبهذا العناد وبتلك الصعوبات يصنعون المستحيل فقط من أجل الإنتاج.
هذا ما عبر عنه "سامر قرقناوي" تاجر الجملة في مجال الصوف والتريكو وأضاف: حال الصناعيين والصناعات النسيجية هي بمثابة ولادة جديدة لمعامل ومنشآت في مجال النسيج، وريثما يتم إنتاج هذه الخيوط، رغم الإنتاج الضعيف في هذا المجال إلا أن المشوار طويل والآن الأسواق تفتقد للخيط الوطني، في وقت يسيطر الخيط الأجنبي أو الخيط الأجنبي المخزن في المستودعات في الأسواق المحلية.
يضيف تاجر الجملة بعد رده على مبررات ارتفاع أسعار الصوف أن الأمر يتعلق بالاستيراد والدولار، إضافة لضعف الإنتاج المحلي، ولعل ملابس الصوف التريكو رغم تراجع صناعتها في المنشآت إلا أن أسباب الارتفاع تعود لعوامل أخرى تتعلق بالجمارك وارتفاع التكاليف والضرائب المرتفعة، وصعوبة نقل البضائع وارتفاع تكاليف النقل والشحن كلها تلعب دوراً في ذلك، هذا بالإضافة إلى ارتفاع أجور اليد العاملة.
بين الحياكة والتريكو:
بين الحياكة اليدوية التي اندثرت بسبب عزوف الناس عنها وتفضيلهم للصوف المنسوج آلياً – التريكو- قصة مهنة منزلية اندثرت، مهنة هي مصدر رزق للكثير من النسوة اللواتي نسجن بأيديهن أجمل الملابس الصوفية الدافئة يضعن دفئاً من نوع آخر، الحياكة اليدوية للصوف لم تعد مهنة بعد اليوم بل أصبحت من التراث المنصرم.