كي لا تضيع البوصلة وتختطف منتجات ذهب سورية الأبيض..القيم المضافة الضائعة في صناعاتنا النسيجية تتطلب توحد الإرادات وتضافر الجهود

كي لا تضيع البوصلة وتختطف منتجات ذهب سورية الأبيض..القيم المضافة الضائعة في صناعاتنا النسيجية تتطلب توحد الإرادات وتضافر الجهود

الأزمنة

الاثنين، ٩ نوفمبر ٢٠١٥

لم تكن الدراسة التي قدمتها المؤسسة العامة للصناعات النسيجية قبيل الأزمة عن إمكانية تصنيع كامل إنتاج القطن السوري وعدم تصديره خاما وما يشكل ذلك من فرص ضائعة للاقتصاد الوطني تنطلق من فراغ بل استندت إلى الإمكانيات المتوافرة لديها ولدى القطاع الخاص الرائد في هذه الصناعة على مستوى المنطقة بأقل تقدير مما كان يتيح تحقيق هذه الإمكانية فيما لو تضافرت الجهود وتوحدت الإرادات والمصالح لدى الجهات العامة والخاصة بما يعود بالفائدة على الجميع وعلى الاقتصاد الوطني.
توقف جزء من منشآته
 واليوم وإن كانت تبدو تلك الدراسة بعيدة بعض الشيء من حيث الظاهر عن إمكانية تنفيذها، فإن ذلك يعود لما تعرض لها قطاع النسيج السوري تدمير وتخريب وتوقف جزء كبير من منشآته، إلا أن ما استطاع صناع النسيج السوريون من تحقيق الاكتفاء الذاتي من هذه المنتجات خلال الأزمة بل الاستمرار بفتح أسواق خارجية لهم والإيفاء بمتطلبات زبائنهم في الخارج يؤكد أن القدرات الكامنة والتقاليد العريقة لهذه الصناعة ما زال بالإمكان المراهنة عليها وربح الرهان فيما لو استفدنا من دروس الأزمة إلى الحد الذي يجعلنا نحدد الأهداف ونضع الآليات والأطر القانونية اللازمة لتحقيق أعلى قيمة مضافة في الصناعات النسيجية السورية من دون أن ننسى ضرورة تكاتف الجميع وتحمل المسؤوليات لأن هذه الصناعة كانت قد وضعت سورية على خارطة الصناعة بالمنطقة وبإمكانها أن تتوسع أكثر فيما لو تهيأت الظروف المناسبة لذلك.
إخراج قوة اقتصادية
فالأزمة ـ الحرب التي كانت لها منعكساتها وآثارها الكبيرة على الصناعة السورية التي تم استهدافها بشكل ممنهج بهدف إخراج قوة اقتصادية داعمة للاقتصاد الوطني من دائرة تمكين الدولة والقوى الاقتصادية من الصمود في وجه هذه الحرب وذلك أما من خلال التدمير والسرقة والنهب واستهداف الطرقات والعمال وبشكل مباشر أو بطريقة غير مباشرة عن طريق العقوبات الاقتصادية حتى بلغت قيمة الأضرار المباشرة وغير المباشرة للقطاع الصناعي بنحو 980 مليار ليرة حسب إحصائية صادرة عن وزارة الصناعة وهي ليست نهائية حيث نال قطاع النسيج نصيب كبير من هذه الخسائر والإضرار باعتباره كان قبل الأزمة يشكل ثاني أهم مصادر الدخل بالنسبة للاقتصاد الوطني حيث كان يسهم قبل عام 2011 بنحو 12% من الناتج المحلي الصافي، وحوالي 36% من إجمالي إنتاج القطاع الصناعي، وتعمل فيه نسبة 25% من اليد العاملة، وتصدر سورية ما قيمته 3ر3 مليارات دولار من المنتجات النسيجية ما بين غزل ونسيج وملبوسات إلى دول العالم.
300 مليار خسائر
 وإذا كانت الأضرار التي لحقت بالمؤسسة العامة للصناعات النسيجية تجاوزت 30 مليار ليرة فإن قيمة الأضرار التي لحقت بقطاع الصناعات النسيجية في القطاعين العام والخاص يتجاوز 300 مليار ليرة.. حيث لا تعد هذه الأضرار ناتجة فقط عن الاستهداف المباشر وغير المباشر إلا أن ذلك يعود أيضاً إلى خروج جزء كبير من القطاع المغذي لهذه الصناعة أي تراجع زراعة القطن إلى نحو 10 بالمئة بسبب الأوضاع غير المستقرة في مناطق زراعته وعدم قدرة المزارعين على زراعته أو حتى في حال زراعته فإنهم لم يتمكنوا من نقل الأقطان وتسليمها إلى المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان وفي حال تسليمها فإن المؤسسة لم تتمكن من نقل الأقطان إلى شركات الغزل بسبب تهديدات الإرهابيين الذين نفذوا الكثير من تهديداتهم وأحرقوا كميات تقدر بعشرات آلاف الأطنان في الحسكة..
أوجاع أخرى
 وهذه الصعوبات أثرت بشكل كبير على إنتاجية قطاع الصناعات النسيجية وبخاصة النسيج القطن الذي يشكل بيضة القبان في الصناعات النسيجية السورية وهذا السبب وغيره أدى إلى انخفاض في صادرات القطاع الخاص من الصناعات النسيجية إلى أقل من 50 بالمئة مع الإشارة إلى أن منشآت هذا القطاع وبخاصة الصغيرة والحرفية طال منعكسات الانفتاح الاقتصادي وبخاصة مع دخول اتفاقية منطقة التجارة الحرة مع تركيا منذ العام 2007 إلا أن هذه الآثار لم تظهر إلا في العامين التاليين والتي أدت إلى توقف 70 بالمئة من معامل الألبسة الجاهزة عن العمل وبخاصة في محافظتي حلب ودمشق في حين قامت العديد من المعامل بتخفيض إنتاجها إلى أقل من 10 بالمئة وذلك لأسباب تتعلق بالاستيراد غير المنظم والإجراءات الجمركية وارتفاع تكاليف المواد الداخلة في الصناعة إضافة لضعف القوة الشرائية، والقوانين الصادرة عن الوزارات غير المتوازنة، وذلك عائد إلى عدم وجود الآلية المناسبة لإصدار هذه القوانين بشكلها النهائي والثابتة إلى جانب عدم تطبيق المراسيم الداعمة للصناعة كمرسوم دعم الصادرات ومرسوم مكافحة الإغراق بحسب غرفة صناعة دمشق وريفها.
حلول مؤقتة

 على كل هذا الوضع المتردي للصناعة النسيجية وتراجع توريد الأقطان باعتبارها المشغل الرئيس لمعامل الغزول/ الخيوط وتراجع الكميات المنتجة لديها أدى إلى شبه توقف لبعض شركات النسيج في المؤسسة إضافة إلى موضع تحمل المؤسسة النسيجية لرواتب عمل هذه الشركات دفع بالوزارة إلى طرح موضوع التشغيل للغير لشركات الغزل من خلال قيام القطاع الخاص بنقل الأقطان وحلجها في بعض محالج المؤسسة حلج وتسويق الأقطان ثم تصنيعها إلى غزول في شركات الغزل التابعة للمؤسسة النسيجية حيث عدها وزير الصناعة تحقق ريعية اقتصادية للشركات وتؤمن استمرار تشغيلها وحققت إيرادات تصل إلى نحو 4 مليارات ليرة عبر قيام القطاع الخاص بتأمين ما يزيد على 100 طن قطن من المناطق الساخنة مثل الرقة والحسكة ودير الزور للمحالج في المنطقة الوسطى وحمص وحماة ما ساهم في تشغيل 5 شركات غزل وثلاثة محالج ما أدى إلى وجود فائض من الغزول من الممكن تصديره والحصول على قطع أجنبي..
إعادة نظر
 وقد تكون هذه التجربة قد أنقذت جزئياً مؤسستي حلج الأقطان والنسيجية وبعض المعامل التابعة من خسارات متلاحقة وأمنت احتياجات شركات النسيج إلا أن هذه الصناعة وبعد زوال الأزمة بحاجة إلى إعادة نظر في وضعها بشكل كامل وتعاون وزارة الصناعة مع القطاع الخاص والحرفيين والتنظيمات الفلاحية والعمالية لتشخيص دقيق لسلسلة هذه الصناعة في القطاعين العام والخاص على أن يتم تحديد عناصر القوة والضعف في كل مرحلة وبما يسمح بإيجاد الحلول في مجال آلية تأمين القطن بأفضل المواصفات وأقل التكاليف بالتنسيق مع وزارات الزراعة والصناعة والري والتعليم العالي والمالية الاتحاد العام للفلاحين.
 وتجد المؤسسة النسيجية في رؤيتها أهمية حل مشكلة تسويق القطن وحلجه بما يكفل الحفاظ على جودته ونظافته وأن يتم فرزه وتصنيفه وتحديد السعر بالتنسيق مع الجهة المشرفة على شركات الغزل وتطويرها بما يضمن إنتاج الغزول المطلوبة من حيث الكمية والنوعية وفق حاجة الصناعات المحلية.
تلبية الاحتياجات
فإحداث شركات جديدة لتصنيع الفائض من القطن المحلي وتطوير وتحديث شركات ومعامل النسيج القائمة هو ما ذهبت إليه المؤسسة لكي تتمكن من إنتاج أقمشة بمواصفات تلبي حاجة السوق المحلي وإحداث شركات ومعامل جديدة للنسيج بما يضمن تحويل الغزول السورية إلى أقمشة وتطوير مراحل التجهيز النهائي في الشركات القائمة وإضافة خطوط إنتاج أو إحداث شركات جديدة لصباغة الخيوط والأقمشة مؤكدة إشراك الجهات المعنية في الوزارات المختلفة في إعداد استراتيجية متكاملة بالتعاون مع غرف الصناعة والتجارة واتحاد الحرفيين من أجل وضع برنامج مادي وزمني لتطبيق الاستراتيجية بعد اعتمادها وبما يكفل تحديد التزامات كل جهة في المساهمة بالاستثمار حسب التوزيع الذي سيتم الاتفاق عليه ولاسيما أن تنفيذ خطة وطنية لتصنيع القطن السوري للوصول إلى المنتج النهائي يتطلب استثمارات ضخمة لا يمكن تمويلها من دون التعاون من القطاع الخاص التمويلي والصناعي بالإضافة إلى مجموعة متكاملة من الحوافز والتسهيلات حسب توضع الاستثمار وحجمه وفقاً لسلسلة التصنيع.
منظومة متكاملة
 وهذا الأمر لا يمكن أن يتحقق إلا عبر وجود منظومة متكاملة في مجال الاستثمار والإدارة والإشراف والتحفيز والدعم لمرحلة قد تطول وتقصر وفقاً لمدى القدرة على الاستفادة من الطاقات والإمكانات المتوافرة ووضع برنامج زمني ومادي للتنفيذ وتحديد مصادر التمويل ودور كل من القطاع العام والخاص وبرامج الدعم حسب مراحل الإنتاج بما يضمنه الوصول إلى الأسواق الخارجية عبر ضمان تحقيق الجودة وتخفيض عناصر التكلفة لضمان تحقيق الربح الذي يغطي نفقات الدعم في مراحل التصنيع المختلفة.‏
دعم لوجستي
 وهذا بالطبع يتطلب استكمال صدور مشروع الصك التشريعي الخاص بإحداث مركز فني للصناعات النسيجية والذي يهدف إلى تطوير هذه الصناعات بكل حلقات إنتاجها وتحسين قدرتها التنافسية وتلبية احتياجاتها من خلال قيامه بإجراء دراسات تساعد في وضع السياسات والاستراتيجيات الملائمة لتطوير الصناعات النسيجية ورفع كفاءة استخدامها لتحسين قدرتها التنافسية بالتعاون مع الجهات المعنية داخلياً وخارجياً وبالبحوث اللازمة لتطوير هذه الصناعات وإدخال التكنولوجيا والمعرفة الحديثة إلى هذا القطاع وخاصة الألبسة وإحداث وإنشاء وتطوير مخابر الغزل والنسيج الخاصة بعمل المركز وتأهيلها بهدف الحصول على شهادات الاعتماد الدولية اللازمة وفق أحدث المواصفات العالمية وإعداد دورات تخصصية للعاملين في هذا القطاع لرفع مستواهم الفني والمهني وتحسين أدائهم وتنمية قدراتهم وتطوير الخبرات المتخصصة في مختلف مجالات وأساليب هذه الصناعات بما يمكنها من مواكبة التطورات الحديثة وتقديم الاستشارات الفنية والتقنية والخدمات المخبرية وكل ما يتعلق بالمواصفات والجودة اللازمة إلى جانب دوره في حماية البيئة وتقديم الإنتاج النظيف.