المقاهي بين ضروريات الحياة والهروب من الواقع.. 25% من عائدات المواطن السوري وسطياً تصرف في المقاهي

المقاهي بين ضروريات الحياة والهروب من الواقع.. 25% من عائدات المواطن السوري وسطياً تصرف في المقاهي

الأزمنة

الأحد، ٢٥ أكتوبر ٢٠١٥

محمد الحلبي – رولا نويساتي
على مرّ الزمان كانت المقاهي ملتقى للشباب ومقراً لاجتماعاتهم، يقضون فيها بعض الوقت للترويح عن النفس، وعند المساء تجتمع الكهولة مع الشباب حول حكواتي المقهى لسماع حكاية قد تُعاد عشرات المرات على مسامع الحضور.. ثم ما لبثت أن تحولت هذه المقاهي إلى ملتقى المثقفين والأدباء لطرح الأفكار وتبادل الآراء والنقاش في القضايا التي يفرضها واقع الحياة، منها القضايا السياسية أو المباريات الرياضية أو حتى لمتابعة بعض المسلسلات عبر الشاشات الكبيرة التي تتوزع في أرجاء المقهى..
إلى هنا تبدو الأمور طبيعية، لكن هل خطر في بال أحدنا أن يسأل عن كم الأموال التي تصرف في هذه المقاهي؟!.. وهل هي خارج حسابات المصاريف الشهرية لأرباب الأسر وحتى الشباب؟!..
الأزمنة زارت بعض المقاهي واستطلعت آراء شرائح مختلفة من أصحاب المقاهي وروادها فكان لنا التحقيق الآتي، تابعوا معنا...
من قلب الحدث
(نيفين) طالبة جامعية كانت تنفث دخان نرجيلتها وتحتسي كوباً من الشاي وهي تجلس إلى ثلاثة من صديقاتها في منطقة ساروجة بدمشق، سألناها إن كانت ترتاد المقهى بشكل دوري فقالت إنها ترتاد المقهى كل ثلاثة أيام في الأسبوع تقريباً، وفي كل مرة تطلب نرجيلة مع فنجان من الشاي، وفي نهاية الجلسة تتقاسم مع زميلاتها فاتورة الحساب فيكون نصيب كل واحدة منهن حوالي 500 ليرة سورية، أي إنها بحاجة إلى 6000 ليرة سورية شهرياً، وقد همست لنا وهي تضحك قائلةً: "أحياناً أعود سيراً على الأقدم إلى منزلي كي أوفر أجرة الطريق لأصرفه في المقهى" وقد قالت (نيفين) إن أسعار المقهى الذي ترتاده مقبولاً نوعاً ما مقارنةً بالمقاهي الأخرى، وإنها لا تعرف إن كانت تدفع فاتورتها حسب التسعيرة المعلنة من قبل وزارة التموين وحماية المستهلك أو وزارة السياحة.. على اعتبار أن هاتين الجهتين هما المخولتان بتسعير السلع في المقاهي..
فيما قال (خالد) صاحب سوبر ماركت: أنا أرتاد المقهى بشكل يومي، ولا أستطيع أن أتخيل حياتي من دون أن أتناول النرجيلة مساءً في المقهى، أعتقد أنها أبدى من الطعام والشراب بالنسبة لي، وطالما أنني أوفر احتياجات أسرتي ومتطلباتها فمن حقي الطبيعي أن أروِّح عن نفسي أنا أيضاً كي أبدأ يوماً جديداً في العمل بحماس..
ولدى سؤالنا (خالد) إن كان يدفع فاتورته حسب وزارة التموين وحماية المستهلك قال: لا أعتقد أن هناك التزاماً بالتسعيرة، فأصحاب المقاهي يلتفون على هذا القرار بوسائل مختلفة، كأن يضع علبة محارم أو عبوة ماء أو صحن موالح أو بعض الحلويات حتى وإن لم يطلبها الزبون تحت بند (فتح طاولة)، فإن كان سعر النرجيلة وكوب الشاي نظامياً سوف يرفع صاحب المقهى فاتورته بأسعار خيالية من خلال تلك الوسائل التي ذكرتها سابقاً..
أما (عماد) طالب في المرحلة الثانوية فقال: آتي إلى المقهى كلما سنحت لي الفرصة للعب الشدّة مع الأصدقاء.. الدراسة طويلة ومملة، ونحن بحاجة إلى (تغيير جو) كي نتمكن من العودة إلى الدراسة بروح جديدة وقال إنه يتقاسم نفس النرجيلة مع صديقه تحسباً لفاتورة قد تلقي به إلى الهاوية (حسب قوله)..
فيما قال (نضال) صحفي: إنه يرتاد المقهى بشكل شبه يومي، فهو يشعر أنه قريب من الناس ويلامس همومهم بشكلٍ مباشر ويعيش معهم معاناتهم اليومية.. ويقول الأستاذ (نضال): إنه يصرف جلّ راتبه في المقاهي، وإنه كثيراً ما حاول الابتعاد عن النرجيلة لكنه عجز عن ذلك، حيث يشعر أنها الملاذ والمتنفس الوحيد للهروب من الواقع..
أصحاب المقاهي يتحدثون
على الطرف الآخر نجد أن بعض الناس وجدوا في المقاهي مشروعاً رابحاً، فكثيراً ما لجأ بعض المثقفين إلى هذا المشروع بعد أن لامسوا من خلال تجاربهم الشخصية العائدات الوفيرة لهذا المشروع..
يقول (رضوان) صحفي: كنت أرتاد المقهى لكتابة مقال أو تحقيق صحفي بشكل شبه يومي، وفي نهاية الشهر وبجردة حساب بسيطة أجد أن راتبي واستحقاقاتي من الكتابة والصحافة بالكاد تكفي ثمناً لفواتير المقاهي التي أرتادها، ففكرت في هذا المشروع ملياً واستثمرت أحد المقاهي وقمت بالإعلان عن عرض خاص للأدباء والصحفيين بحسمٍ قدره 25% من قيمة الفاتورة لكونهم الشريحة الأكبر التي ترتاد المقاهي بشكل شبه يومي وخصوصاً أن المقاهي باتت توفر خدمة الكهرباء والإنترنت المجاني طوال اليوم، حيث باتت هذه الخدمة من أساسيات العمل الصحفي اليوم..
أما (توفيق) وهو محامٍ فقال للأزمنة: لقد ابتعدت عن سلك المحاماة وتفرغت للمقهى الذي ورثته عن والدي، فعائدات المقهى أفضل بكثير من عائدات سلك المحاماة، هذا من وجهة نظري على الأقل، فمن الملاحظ أن المقاهي أصبحت جزءاً أساسياً من حياة الكثيرين، فهناك زبائن تأتي إلى المقهى بشكل يومي وأحياناً يأتي الزبون مرتين في اليوم.. ولدى سؤالنا له عن مدى التزام المقاهي بالتسعيرة المقررة من قبل وزارة التموين وحماية المستهلك أو من قبل وزارة السياحة قال: لا أخفيكم سراً أن هناك بعض التجاوزات أحياناً وذلك بسبب تذبذب أسعار المواد الأولية من يومٍ لآخر، فتسعيرة التموين ثابتة ولا تتناسب مع ارتفاع أسعار المواد المستخدمة في المقاهي مثل: (السكر والشاي والبن والمعسل والفحم..) وغيرها من المواد، وهناك مصاريف إضافية أخرى لا تضعها وزارة التموين في حساباتها وهي المواد المعطوبة، فعندما يقوم أحد الزبائن بكسر كوب شاي مثلاً فلا يمكن أن نطالبه بثمنه لأنه في هذه الحالة سوف نخسره كزبون، وبالمقابل أنت لن تربح من هذا الزبون شيئاً هذه المرة، فالمربح ذهب مقابل الكأس المكسور..
أما (جمال) فقال: المقهى خاصتي مصنف "نجمتين" من قبل وزارة السياحة وهي التي تقوم بوضع التسعيرات لنا، وهذا الأمر لا يختلف كثيراً عن المقاهي الشعبية التي تقوم وزارة التموين بوضع تسعيرتها، وقد حاولنا كثيراً الاعتراض على التسعيرة لكونها لا تتناسب نهائياً مع أسعار المواد الأولية التي نشتريها، فمثلاً كف المعسل ثمنه 2400 ليرة سورية يكفي لـ25 رأساً من النرجيلة.. أي إن النرجيلة الواحدة تحتاج إلى 90 ليرة سورية من المعسل، وتحتاج إلى الفحم بـ50 ليرة وأجرة عامل 50 ليرة، بالمجموع نجد أن النرجيلة الواحدة تكلف نحو 190ليرة سورية، فكيف بها عند إضافة أجور الكهرباء والماء وآجار المحل إضافة إلى التأمينات الاجتماعية للعمال ودفاتر الصحة؟! من المؤكد أن سعر النرجيلة الواحدة سوف يصل إلى 250 ليرة سورية على أقل تقدير، وهنا تجد أن سعر النرجيلة حسب التسعيرة النظامية 265ليرة سورية، فكيف استطاعت تلك الجهات حساب التكلفة؟ لا أعلم ! لهذا نضطر إلى إضافة بعض الأشياء الأخرى لرفع فاتورة الزبون قليلاً كي تعوض هذه المصاريف وإلا فسوف نغلق المقهى..
قد تكون مسألة تسعير السلع المستخدمة في المقاهي خارج اهتمامات الجهات المعنية لكونها تعتبر من الكماليات وباستطاعة المواطن الاستغناء عنها في أي وقتٍ يشاء، وخاصة أن هذه المقاهي من وجهة نظر الكثيرين أنها تستنزف أموال المواطن بإرادته، لكن ومع ذلك لا ينبغي أن تترك الجهات المعنية الحبل على الغارب وتسمح لأصحاب النفوس الضعيفة استغلال هذه الناحية وخصوصاً أن هناك فروقات كبيرة بالأسعار من مقهىً لآخر، ما يعني أن باب الاحتيال واسع وكبير، ولا بد للجهات المختصة إيجاد ضوابط له حتى وإن كان الموضوع يتعلق بأمور التسلية والكماليات...