الانفصال عن الواقع وغياب العقلانية

الانفصال عن الواقع وغياب العقلانية

الأزمنة

الأحد، ٣٠ أغسطس ٢٠١٥

زهير جبور
تشابك المصالح الفردية يؤدي إلى وقوع النزاع الذي يصل إلى سفك الدماء وتستعمل كافة الأساليب والخدع وصولاً إلى الهدف المطلوب فردياً دون مراعاة لأي قيم أو سلوك إنساني يردع. يحصل ذلك إذا ما غيب العقل. وفقدت الحكمة نزاع حول ثروة. أرض. مصلحة. ولهذه أبعادها وسلبياتها. ما حدث في اللاذقية بعث على الاستغراب، فليس من ثمة نزاع ولا مصالح أو خصومات. الموضوع مجرد شر. ومثل هذه الجرائم العبثية قد حللتها الرواية العالمية كما في الجريمة والعقاب (دوستوفسكي) الغريب (ألبير كامي) وغيرهما. وتناولتها المدرسة الوجودية النفسية بتحليل بين المسبب والفاعل. وثمة رأي يوضح أن التفاهم بين الناس يتم عبر عقد اجتماعي, أول بنوده المساواة فيما بينهم. وليس حدث اللاذقية بعيداً عن النزاع, والذات الفردية التي تخترق العقود، حين تكبل الأنا حاملها وتجعله يمتلك سيادة ليست من حقه، ولا مشرعة له مثل قطع الشوارع. توقف السير. إذلال الناس. الاستهتار بهم وبقوانينهم. الشعور المتنامي حتى درجة التضخم السرطاني بالسيادة، وهي الأسباب التي أدت إلى وقوع الخلل. بحالة انسلاخ عن الواقع والمحيط، والعقلانية التي تكون مفقودة عادة في شخصيات لا ترى إلا ذاتها من ذاتها. ولا شيء آخر. ويمكن أن تدرس الثواني الحاسمة التي تتطلب مختصين لرصد الحالة من لحظة حمل آلة القتل دون تريث أو تردد وتوجيه الفوهة والضغط على الزناد. ما حصل على أرض الواقع بعيداً عن الفلسفة بسبب حالة مرورية يمكن أن تحدث في كل الأوقات والمجتمعات وتعاش بسبب الازدحام. وفي اللاذقية تضاعف عدد السكان والعربات, وخرجت الأمور عن إرادة التصميم. ولم يعد بالإمكان الاستيعاب، وأثناء الذروة يطول الانتظار وحين تضخ محطات الوقود صنابيرها يتصاعد الازدحام وتغلق الشوارع, ويرتفع المؤشر العام للاحتمال وإن كانت كل حالة كهذه ستؤدي إلى جريمة فهذا يعني الفلتان والجنون, وسحق القانون والاستهتار ومن الطبيعي أن يقدر العاقل وضع البلاد والعباد, ولا خلاف فيما بينهم حول عصابات مسلحة تقذفهم بصواريخها وتشن حروبها. وتستهدف عيشهم. أصبحت تطورات الحدث المعني معروفة ومحصورة في فسح المجال لعبور من هو في الخلف يريد تجاوز العربات الأمامية. وهذا لا يحدث إلا في حالة معجزة أو طيران. فكيف التصرف؟ وماذا يمكن لمن هم من الأمام إفساح المجال الملح والأرعن للعبور؟ أليس هو الانفصال عن الواقع ومنطق الرعونة والسيادة الفارغة. الجوفاء. التي تتطلب من الناس مالا يستطيعون فعله, وإلا عقابكم الموت. فتشكل الحدث بأعصاب باردة، وجاءت ردود الأفعال الاجتماعية الغاضبة، واتخذ القانون مجراه وكان الفاعل يظن أنه معفي منه. فهو يشكل قانوناً خاصاً اكتسبه من الظاهرة النفسية مشروطة بالبيئة الخارجية مستجابة للفردية التي تعمي الرؤية وتمحي البصر. ليكون الحدث مشكلة شخصية لا علاقة للمرور أو المجتمع أو أي طرف آخر بها.
•    أحاديث الناس
وصلت ردود الفعل الغاضبة، ونقلت الآراء فيما يخص الحدث، وحمل الاعتصام الذي نفذ لأنه لا يجوز السكوت عما جرى وملابساته أججت الشعور. والفقيد بعيداً عن مكانته الفكرية العسكرية قتل أمام أطفاله الصغار والكثير ممن كانوا يعبرون الطريق. وكان من الممكن أن يكون أي واحد منهم مرشحاً للموت الذي سقط كصاعقة باغتت الجميع. ومن غير المبرر أن تكون نهايتها فجائعية. حمل الاعتصام تضامن الناس، ووقوفهم حول الوطن وهم يرفعون العلم. وصور السيد الرئيس بشار الأسد. وحديثهم عن الارتياح الكبير للإجراءات التي أكدت أن القانون فوق الجميع، ولا أحد فوقه مهما كانت صفته، وتم التعبير عبر وسائل الإعلام والتصريحات الرسمية والشعبية ضمن هذا المفهوم. وهو مطلب جماهيري (سيادة القانون) وكان قد اخترق عبر مظاهر وتصرفات رأيناها في الشوارع والأماكن العامة واستغلت الأزمة الدموية المؤسفة لأعمال وتصرفات غير مسؤولة.
•    ومن هذه الأعمال:
ما نشر في مجلة الأزمنة سابقاً حول الظهور المسلح للكثير ممن يتواجدون في الحدائق العامة والأماكن دون أي مبرر. ومن يجلسون مع صديقاتهم في المطاعم والمقاهي بكامل جاهزيتهم القتالية. والاستعراض الذي يقدمونه. تراجع المشهد قليلاً لكنه مازال مستمراً. وكذلك تلك العربات (المفيمة) بلا لوحة ومن الواضح أنها ليست في طريقها إلى المعارك، وأصبحنا بحكم الاعتياد نفرز بين عربات القتال والأخرى لخلق الفوضى والإرباك، وخرق شارات المرور، وارتفاع صوت (الزمور) الخاص الأجش المؤثر على السمع. ويا للأسف تم تركيبه على (السوزوكي) وانتشر مهرباً. وعدم احترام ممرات المشاة وإطلاق النار في الهواء بمناسبة أو دون مناسبة. وتلك الدراجات الضخمة التي تمشي عكس سير المارة أثناء الازدحام على الرصيف في الوقت الذي يخرج الناس من بيوتهم هرباً من الحر وانقطاع التيار والمياه وانحباس الهواء. يمشون في مجموعات دون مراعاة لأحد. أو خجل. يحملون الوقاحة على وجوههم ويمارسونها بكامل الفظاظة، ووصل الأمر في تقاطع شارع المغرب العربي إلى الاعتداء على الشرطي من قبل مجموعة وهو على رأس عمله وفي وضح النهار دون احترام لرمزية وجوده، وما تمثله وقفته من سيادة مقدسة ينبغي صونها. علمت فيما بعد أن هؤلاء أحيلوا إلى القضاء كما أعلمني الشرطي المعتدى عليه وقد بحثت عنه وقابلته على رأس عمله معجباً بموقفه البطولي. وكانت معنوياته عالية وإصراره على تطبيق النظام أصبح أكثر إصراراً.
•    وهنا يطرح السؤال؟
ما دور المواطن مما يراه حوله من خرق وفوضى واستهتار بالقيم وهو المواطن من يعاني ويصبر ويكافح ويقدم التضحيات. وعليه ألا ينسى دوره في مكافحة هذه المظاهر وليشارك في تحمل مسؤولية ضبط حركة الشارع اليومية. ألا يتجاهل مراقب التموين الذي لا يحميه من الغش والتاجر واللصوص. أن يبادر للمواجهة وألا يبتعد عن الإشارة للأخطاء.
ولا بأس أن يجتمع عدد من الشبان لتوجيه أولئك الذين يمتطون بوحشية موتوراتهم وفي حال تمنعهم, فالقانون موجود وهو الذي يردعهم إن لم تنفذ فيهم النصيحة. لا بأس أن يكمل المواطن عمل الحكومة ويبادر إلى إبلاغها. وأن يناصر الشرطي وهو على رأس عمله، ينبغي أن يتكاتف الناس في اعتصام دائم يتصدى للأخطاء والفساد، وعليهم أن يكونوا على اطلاع بما يجري من حولهم، أن يدققوا في موضوع الخدمات. ويتواصلوا مع الجهات المعنية. لا يكفي أن نقول أكلنا البرغش ونصمت. بل نعلن لماذا لا تكافحون البرغش الذي أقلق أطفالنا وحرمهم من النوم. لماذا تبقى رائحة القمامة منتشرة في شوارعنا تدخل بيوتنا؟ ماذا فعلتم بالقضية التي تهم أبناء الشعب؟ ما سر الازدحام على المحطات والوقود متوافر؟ ما مبرر حفركم وكنتم قد حفرتم في نفس المكان وردمتم؟ أين تنفق أموال خداماتنا ونحن نقوم بدفع ما يترتب علينا؟ هو دور المجتمع المدني الذي ينبغي أن يتفاعل. ويأخذ حضوره في كل مكان. ولا يكفي أن نتحدث فيما بيننا دون إعلاء صوتنا، وليكن كل مواطن على يقين أن المؤسسات والجهات الرسمية والمسؤولين وأعوانهم ما وجدوا إلا لخدمتهم فلماذا لا يطالبون بحقهم.. وللإرهاب وجوه متعددة ومنها هؤلاء واستعمال وحشيتهم. كل مواطن مسؤول ولننطلق من هذا المفهوم ونعمل به. فهل ثمة من يستجيب.