ظروف الأزمة تنهي محصول التبغ في درعا وتسدل الستار على موسمه الأخير..من مساحة 30 ألف دونم إلى 3 آلاف دونم فقط 2012

ظروف الأزمة تنهي محصول التبغ في درعا وتسدل الستار على موسمه الأخير..من مساحة 30 ألف دونم إلى 3 آلاف دونم فقط 2012

الأزمنة

الأحد، ٢٣ أغسطس ٢٠١٥

الأزمنة| محمد العمر
لا يخفى على أحد أن زراعة التبغ في أي منطقة كانت، هي زراعة استراتيجية مهمة، إذ هي أحد القطاعات المنتجة بالاقتصاد سواء من حيث عوائدها التصديرية أو ارتفاع الطلب عليها، كما هي تشغِّل أعداداً كبيرة من الفلاحين والمزارعين، وتساهم في تزويد المعامل الوطنية بأفضل أنواع التبغ، إذ تلبي جزءاً كبيراً من الطلب المحلي، فنسبة كبيرة من المواطنين يدخنون وينفقون أموالاً من دخلهم لشراء علب السجائر، لكن أصاب هذه الزراعة ما أصابها من التحديات لتقف أمام زراعتها وتطورها، حالها كحال بقية الزراعات، نتيجة ما يواجهها من صعوبات أثرت بالمجمل وانعكست انعكاساً سلبياً على الفلاح بشكل عام. وزراعة التبغ في درعا، زراعة اعتبرت حسب ما قاله المزارعون بها زراعة اقتصادية واجتماعية مهمة، فهي المادة الأوّلية الرئيسية لصناعة التبغ، وبالتالي فهي تؤمن فرص عمل لعدد كبير من أبناء القرى والأرياف، مزارعين كانوا أم عمالاً زراعيين، أثناء عمليات التصنيع أو أثناء زراعته وتخديمه حتى قطافه. وهي تقدم دخلاً جيداً للخزينة بمليارات الليرات..
تراجع واضح
زراعة التبغ مثلها مثل باقي القطاعات الأخرى التي تأثرت بمنعكسات الأزمة الراهنة من الحصار الاقتصادي الذي تمر به البلاد على امتداد أكثر من أربعة أعوام، فقد تأثرت هذه الزراعة من حيث تراجع المساحة الإنتاجية إذ لم تبلغ السنوات الماضية إلا نسبة ضئيلة جداً من زراعة التبغ. ففي العام 2012 كان المساحة لا تتعدى 3 آلاف دونم بالمحافظة بعدما كان 30-40 ألف دونم منذ عشر سنوات وأكثر، حتى على مستوى سورية المحافظات جمعاء كانت النسبة محدودة نتيجة الظروف التي تمر على البلد وفترات نقص المياه خاصة إذا علمنا أن زراعة التبغ تحتاج إلى مياه وافرة لتنمو، حيث تفيد المصادر بأن الكمية المخططة لإنتاجها في العام الماضي تقدر 15300 طن في حين أن الكمية المنتجة لم تتجاوز 6411 طناً بنسبة تنفيذ 42 % من حيث الكمية المنتجة وهذا التراجع له جملة من المنعكسات السلبية لم تقتصر على محافظة من المحافظات بل شملها جميعاً. ومقارنة مع طرطوس المحافظة التي يعمل بها نسبة كبيرة بزراعتها، بلغت المساحة الكمية المزروعة خلال العام الماضي حسب رئيس دائرة الإحصاء والتخطيط في المحافظة 5046 هكتار سقي والبعل 4768 هكتاراً، إذاً في درعا وبعد أن كانت زراعة التبغ وصلت منذ 25 سنة 30 ألف دونم راحت تتراجع عاماً بعد عام نتيجة فقدان الأمطار والجفاف حتى وصلت عام 2012 إلى 3 آلاف دونم، وقد أفادت المصادر شعبة إدارة التبغ في المحافظة أن هذا الموسم كان الأخير حيث لم تزرع بعده أي مساحات.. في حين أشار اتحاد فلاحي درعا أن أسباب توقف زراعة التبغ تعود لقلة مياه الري وخروج السدود واهتراء وقدم شبكات المياه وقلة اليد العاملة وارتفاع أجورها وارتفاع أسعار ومستلزمات الإنتاج وعدم وجود تكافؤ بين أسعار المبيع وأسعار وقيمة التكلفة وهذا ينطبق على جميع المحافظات المنتجة.
تحديات واجهت الفلاح
ما يمكن قوله إن زراعة التبغ قد تأثرت من حيث تراجع المساحة والإنتاج والتسويق والتصدير بالأوضاع الراهنة كبقية شركات ومؤسسات القطاع العام من فرض العقوبات الاقتصادية وصعوبة تأمين المواد الأولية وسرقة وتدمير مراكز التسليم من الفلاحين، ما أدى إلى خروج مراكز الريجة المنتشرة بالمحافظة المسؤولة عن تسلم المحصول وتسويقه، وتعود أسباب تراجع زراعة التبغ إلى الأضرار الكبيرة التي تعرضت لها شبكات الري المنفذة على السدود لري الأراضي ووجود المجموعات المسلحة في مناطق السدود وعدم تمكن العاملين في الموارد المائية من إجراء الصيانة اللازمة لهذه الشبكات إضافة إلى عدم تمكن المزارعين من الذهاب إلى أراضيهم في مناطق زراعة التبغ وزيادة هجرة بعض المزارعين من المناطق الساخنة إلى المناطق الآمنة، ما أثر في زراعة المحصول. طبعاً هذه التحديات ترجمها مؤتمر عمال التبغ السنوي العادي مؤخراً والذي أشار إلى أن تراجع زراعة التبغ ناتج عن الأضرار الكبيرة التي تعرضت لها شبكات الري من السدود وتواجد التنظيمات الإرهابية في مناطق السدود ومنع موظفي مديريات الري من الوصول إلى أماكن عملهم وإجراء الصيانة لتلك الشبكات والظروف الأمنية التي شكلت خطرا على حياة المزارعين وازدياد هجرة البعض من محافظة درعا إلى باقي المحافظات وعدم وجود إنتاج خلال العام 2014 لكون مراكز الريجة والبيع تعرضت لأضرار كبيرة من نهب وتخريب من قبل التنظيمات الإرهابية.
وليس هذا فحسب بل إن هناك هموماً أخرى كانت تتبع الحصاد حسب قول علي عزام" مزارع من المزيريب( المنطقة المشهورة بزراعة التبغ) الذي قال: إن زراعة التبغ لم تعد المحصول النافع على الفلاح كما كانت منذ 5 سنوات وأكثر والتي كانت المشروع العائلي للأرياف لزواج أبنائهم أو الدخول في التجارة أو سداد دين معين، فالظروف على حد قوله كانت قاهرة والفلاح لم يعد بإمكانه الوصول لمحصوله غير أسباب أخرى تعلق بقلة المياه وارتفاع أجرة العمال والتكلفة الباهظة للأدوية والأسمدة، مضيفاً: إن الدولة كانت تسعّر أصناف التبغ، لكنها لم تلحظ على ما يبدو ما يدفعه الفلاح من أجور وتكلفة نزيد أثماناً باهظة عما يتم استلامه، إضافة إلى أن الفارق في التسعير بين صنف وآخر كان كبير جداً، وهو سعر غير تشجيعي، وأشار بأن مؤسسة التبغ قامت بمضاعفة أسعار الدخان المصنّع محلياً عدة مرات حتى وصل إلى أكثر من 70 ليرة للعلبة الواحدة، ما ضاعف الربح لدى المؤسسة، لكن ذالك لم ينعكس على ما يتقاضاه الفلاح بما يتناسب مع تعبه وإنفاقه على محصوله.
أما علاء الزعبي فهو يعمل حسب قوله بزراعة الدخان منذ عشرين سنة، إلا أن الموسم في السنوات الخمس الأخيرة، لم يعد يجني إلا الكد والتعب، حتى إن أجرة التكلفة لا تحصل نتيجة ما أصاب الزراعة من انتكاسات، وجاءت الظروف لتكمل انتحار الزراعة، فلم يعد الفلاح الوصول لأرضه ناهيك عن ارتفاع كل شيء بالزراعة، قائلاً: إن التبغ من المحاصيل الصناعية والاستراتيجية في المحافظة، لكنها تراجعت زراعته في السنوات الأخيرة، نتيجة تدني أسعار شراء التبغ من الفلاح، وارتفاع أسعار المحروقات، وعدم تطبيق الري الحديث بالشكل المطلوب في الزراعة، لعدم التزام الشركات الموردة لتقنيات الري الحديث بالأسعار والدراسات، في وقت كنا نطالب برفع أسعار التبغ، والسماح للمزارع صاحب الآبار بتركيب مراكز تحويل كهربائية، وإعفائه من ضريبة الري، وتخصيص الآبار بقسائم محروقات مدعومة.
الظروف كانت أقوى..!
"شعبة زراعة التبغ في"درعا" قالت: إن لزراعة التبغ الأهمية الاقتصادية بالسنوات الماضية، لكونها تصدر إلى الخارج، وتدر أرباحاً على الخزينة العامة للدولة، ناهيك عن أنها كانت دعماً حقيقياً للعائلات والأسر العاملة بها نتيجة الأرباح الوفيرة بها، وقد شهدت زراعته إقبالاً كبيراً بالمحافظة، في ثمانينات القرن الماضي، حيث دخلت كزراعة جديدة وناشئة بالمنطقة الجنوبية، ثم توسعت بشكل كبير، حتى وصلت المساحات المزروعة بالتبغ إلى /1500/هكتار، خلال موسم /2004- 2005 /، أنتجت نحو /52/ مليون كغ تبغ جاف، ثم ما لبثت أن تراجعت المساحات المزروعة، فحاولت مؤسسة التبغ ضخ العديد من جرعات الإنعاش لهذه الزراعة، من خلال مجموعة من الإجراءات التحفيزية، لكنها لم تفلح بشكل فعلي.
 وأضافت شعبة الزراعة: عملنا كل شيء لتبقى الزراعة حاضرة، لكن الظروف كانت أقوى، إذ كان للإجراءات التحفيزية التي قامت بها المؤسسة، الأثر الإيجابي في تحسن زراعة التبغ قبل عام 2012، والتي تمثلت بتقديم الأدوية الزراعية من مبيدات حشرية وفطرية بشكل مجاني للفلاحين، ومواد الخطة الأساسية من بذور وخيش، وتخفيض نسبة العمولة على الأسمدة الزراعية من/ 10 إلى 5٪ /، وتقديمها للفلاحين من المؤسسة سلفة على الموسم، وتوفير مياه الري، في الوقت الذي التزمت فيه المؤسسة بشراء كامل المحصول بسعر مناسب، وتدفع ثمنه مباشرة من دون تعقيدات، لكن الظروف بالمجمل وانعكاسها السلبي أثر في ذلك وأسعار المواد والأدوية والأجور بشكل عام فكان السبب في انتهاء زراعة التبغ بالمحافظة.
 
من ذاكرة الفلاح...!
وكما هو معروف تزرع بذار التبغ في كانون الثاني من كل عام، وتبدأ المرحلة الأولى بتسوية المساكب المخصصة للزراعة وتغطيتها بأطباق من النايلون لحمايتها من العوامل الجوية. بعد مدة من الزمن وحينما تنتشي البذور وتكبر الشتلات إلى حد كاف، تُقتلع وتُنقل إلى الأرض المخصصة دون أي أسمدة لتنمو الشتلات حتى يصل طولها إلى نحو المتر. وفي شهر حزيران تأخذ الأوراق بالاصفرار، في إشارة لاكتمال نضجها، فتبدأ مرحلة القطاف، ويكون هذا بعد الإزهار مباشرة، إذ تقطع الشتلة من الأسفل دون اقتلاع جذورها التي ستنبت في الدورة المقبلة من العام.. وبعد اقتطاع الشتلات تقسم الواحدة منها إلى خمسة أو ستة أقسام صغيرة تبعاً لطولها، ثم تبدأ عملية الشك أو الشكل، إذ تثلم الورقة طولانياً باستخدام المسلة وخيوط القنب التي يحدد طولها ليناسب المسافة الفاصلة بين السقالات الخشبية التي ستربط إليها. بعد ذلك توصل بما يسمى مساطح الدخان، فتمدد على الأرض وتندى بالماء ثم تقلب حتى تجف ويكتمل يباسها، ويستدل على هذا من خلال تحول لونها إلى الأحمر الفاتح، فتجمع الخيطان المشكوكة ضمن ما يعرف بالبالات، وتوضّب بشكل جيد بانتظار نقلها وتسليمها.