سم في العسل..الدراما التركية وعلاقتها بشبابنا المراهق ..سياسة مدروسة للمسلسلات المدبلجة ونحن نقلد بغباء

سم في العسل..الدراما التركية وعلاقتها بشبابنا المراهق ..سياسة مدروسة للمسلسلات المدبلجة ونحن نقلد بغباء

الأزمنة

الأحد، ٩ أغسطس ٢٠١٥

محمد الحلبي – رولا نويساتي
تُعد الدراما وما تبثه المحطات من مسلسلات متنوعة من أهم العوامل التي باتت تؤثر بشكلٍ مباشر على العادات والتقاليد وأساليب التربية في عصرنا الراهن, وإن كانت الدراما السورية بشكلٍ خاص قد زجت الأحداث التي تعيشها البلاد في جميع مسلسلاتها دون استثناء, سواءً بشكلٍ مباشر أو غير مباشر بما فيها مسلسلات البيئة الشامية, إلا أنها لم تستطع أن تخفي تأثرها بالدراما المستوردة من الخارج, ونقصد هنا على وجه الخصوص المسلسلات التركية, حيث ركزت معظم مسلسلاتنا المحلية على العلاقات الجنسية غير المشروعة, ولباس الممثلات الفاضح في معظم الأحيان, وعرض مشاهد مثيرة وخادشة للحياء, منها مشهد أثار حفيظة الكثيرين، ألا وهو مشهد ممارسة للجنس في أحد المسلسلات بين نجمين كبيرين تحت ذريعة إيصال فكرة كان من الممكن الإيحاء أو الإشارة لحصول الواقعة بصورةٍ أو بأخرى بعيداً عن الحرج الذي تسبب لكثيرٍ من الآباء أمام أبنائهم, حتى في مسلسل باب الحارة، هذا المسلسل الذي رسم في أجزائه السابقة صورة البيئة الشامية المحافظة التي لا تقبل إلا بالقيم الرفيعة والأخلاق الحميدة, سهَّل من أمر هرب الفتاة من منزل ذويها وانتهى الأمر (بتبويس الشوارب)..
على كل حال ما يهمنا هو الحصول على أجوبة لبعض الأسئلة فرضها الواقع, ومحاولة حماية شبابنا من التأثر بعادات وتقاليد مستوردة, استباحت مجتمعاتنا الشرقية وعاداتنا التي تربينا عليها..
فهل أثرت الدراما التركية وغيرها في درامانا العربية عموماً والسورية بشكلٍ خاص؟
هل تأثر شبابنا بتلك العادات المستوردة والغريبة عنا؟ وكيف عمل الأهالي على توعية أبنائهم إثر هذه الموجة التي غزت مجتمعاتنا العربية، وما السبل والحلول لزيادة وعي الجيل الناشئ؟
على حافة الهاوية
إحدى الموجهات التربويات والتي رفضت أن تذكر اسمها تحدثت للأزمنة عن حادثة حصلت في مدرستها, عندما أسعفت طالبة صباح أحد الأيام إلى المشفى نتيجة نزف حدث بيدها اليسرى, وهناك قال الطبيب إن الفتاة قد تعرضت لجرحٍ بأداةٍ حادةٍ أصاب شرايين يدها, وهنا تم استدعاء رجال الأمن للتحقيق بالموضوع, فتبين أن الفتاة قامت بجرح يدها بنفسها بشفرةٍ حادة, وكذلك فعل حبيبها المزعوم كي يتم مزج دمائهما بحجة رباط الحب وعدم الفراق، وأن لا شيء سوف يفرقهما سوى الموت, هذه الحادثة دفعت بإدارة المدرسة إلى تفقد أيدي طالباتها, وهنا كانت المفاجأة عندما تم اكتشاف ثماني حالاتٍ مماثلة، ما كان ليتم اكتشافها لولا حادثة هذه الفتاة, ولقد صرحت الطالبات لدى سؤالهن عن سبب الجروح في أيديهن أنهن شاهدن إحدى بطلات المسلسلات التركية تقوم بذلك مع حبيبها بحجة رباط الحب, وقد تم فصل الفتيات من المدرسة بالإضافة إلى استدعاء أولياء أمورهن كحل لهذه المشكلة..
فيما قالت (رؤى) طالبة جامعية: إن المسلسلات التركية والمدبلجة أثرت في سلوكيات الشباب والشابات بشكلٍ كبير, وقالت إنه لم يتسنَّ لها متابعة أي من هذه المسلسلات بسبب رقابة أهلها الشديدة لها, لكنها كانت دائما تسمع من صديقاتها عن أحداث تلك المسلسلات وتأثر صديقاتها بأبطالها, وهنا تسرد لنا (رؤى) حادثة حصلت مع إحدى صديقاتها فتقول إن قصة حب نشأت بين زميلةٍ لها في الجامعة مع أحد الشبان، وتطورت علاقة الحب هذه إلى أن أصبحت علاقة غير مشروعة, وفي أحد الأيام حدث شجار بينها وبين ذلك الشاب عندما كانت تتحدث معه عبر الهاتف وهي تحمل كأساً بيدها, وعندما بلغ الشجار ذروته قامت بكسر الكأس وألقت جوالها بقوة على الأرض وأسرعت إلى قطع الزجاج وراحت تقطع شرايين يديها, وكادت أن تفقد حياتها لولا أن تم إسعافها في اللحظات الأخيرة...
فيما قالت السيدة (و.س) وهي سيدة بعمر الزهور لم تبلغ السادسة عشرة من عمرها: لقد أحببت شاباً حد الجنون, وتقدم هذا الشاب لخطبتي وطلب يدي من أهلي رسمياً, لكن بعد السؤال عنه اتضح أنه ذو سمعةٍ سيئة, وقد حاول أهلي إقناعي بالعدول عن قراري بالزواج منه, لكني تمسكت بقراري انتصاراً لحبي, وعندما أجبرني أهلي على الابتعاد عنه تذكرت مشهداً من أحد المسلسلات التركية كيف أن البطلة حاولت الانتحار بابتلاع عدّة حبوب دوائية دفعةً واحدة، ووضعت أهلها تحت الأمر الواقع, وفعلاُ نفذت تلك الخطة، ورضخ أهلي للأمر بعد أن حذَّروني من تحمل عواقب فعلتي هذه.. ولم تمضِ سوى شهورٍ قليلة إلا وعدت إلى بيت أهلي مطلقةً عندما غرقت سفينة حبي في بحر الرذيلة.. كنت أنظر إلى المسكرات التي يشربها حبيبي والسيجار الذي يدخنه والمخدرات التي يتعاطاها على أنها رجولة وقوة, لم يخطر في بالي يوماً أن ما تصوره الدراما من وجود بطل يشرب المسكرات ويتعاطى الحشيش ويقدم على الرذائل وهو يفعل الخير في ظاهر الأمر مجرد أوهام وتسويق مجاني لأبطالٍ من ورق..
فيما قال السيد (ع.د) إنه طلق زوجته قبل عدّة سنوات بسبب المسلسل التركي الأشهر (نور ومهند) عندما لزمت زوجته الشاشة كلما حان موعد عرض هذا المسلسل, وكان كلما طلب منها شيئاً كانت ترفض تلبيته وتقول له بأنه يتعمد طلب الأشياء وقت عرض المسلسل لإبعادها عن الشاشة لأنه يغار من مهند بطل المسلسل, وذات مرّة سمعها تتحدث مع إحدى جاراتها وهي تقول لها بأنها تتمنى أن تقضي ليلة في أحضان مهند, وكانت قبلها قد علقت صورة له في غرفة النوم فلم يعر للموضوع بالاً, لكن بعد أن سمع حديثها مع جارتها أعطاها كلمتها وأرسلها إلى بيت أهلها مطلقة..
أهالٍ في مهب الريح
السيدة أم جواد قالت للأزمنة: إن القنوات الفضائية بثت بدايةً مسلسلين هما نور ومهند, وسنوات الضياع, وقد لقي هذان المسلسلان رواجاً ومتابعة كبيرة, ولم تنكر السيدة (أم جواد) أنها كانت من المتابعين لهذين المسلسلين مع أبنائها وزوجها, وهنا تقول إن هذه المسلسلات فيها تجاوز لتعاليم الديانات والأعراف والتقاليد, وذكرت لنا موقفاً أحرجها عندما حملت البطلة نور من مهند قبل زواجهما ليسألها ابنها البالغ من العمر 11 عاماً كيف حدث هذا والبطلة لم تتزوج بعد, فحاولت أن تغير الحديث ولم تستطع أن تجيب ابنها الذي كرر سؤاله لتقول له أخيراً (عيب أن نتحدث بهذا الموضوع الآن)..
أما السيدة (وفاء) فقالت رغم محاولتي منع أولادي وبناتي من مشاهدة هذه المسلسلات إلا أنهم يشاهدونها خلسةً وفي الخفاء, وخصوصاً أننا نعيش في عصر التكنولوجيا, وتشير السيدة (وفاء) إلى أنها استعملت أساليب عديدة لمنع أولادها عن هذه المسلسلات الهدامة للقيم والأخلاق حسب تعبيرها لكن من دون جدوى...
مسلسلات تروج للفساد فقط
وكانت مسلسلات محلية وعربية ومشتركة شارك بها نجوم سوريون قد عرضت على بعض القنوات الفضائية دارت أحداثها حول محورٍ واحد ألا وهو الجنس, وقد صورت هذه المسلسلات العلاقات الجنسية على أنها أمر عادي وطبيعي في المجتمعات كمسلسل "الأخوة " -على سبيل التشبيه لا القصد- هذا المسلسل الذي اعتمد على لباس الممثلات الفاضح بشكل متعمد وصور الخيانات الزوجية على أنها أمر طبيعي مستمداً أحداثه وقصص حلقاته وحتى ديكورات الأماكن التي تم فيها تصوير المسلسل من المسلسلات التركية التي لا تمد إلى درامانا بصلة, فالحوارات في هذا المسلسل مجرد سرد لا معنى له وأحاديث لا جدوى منها, في حين تفترس الكاميرا أجساد الممثلات العارية.. أما قناة فضائية أخرى فلم تجد عبارة لتروج بها لأحد المسلسلات السورية مع كل أسف سوى عبارة "جميلات الدراما السورية في مسلسل واحد" وهذا الطرح اعتراف واضح وصريح أن الترويج للمسلسلات بات يعتمد على الأجساد العارية بالدرجة الأولى لاكتساب الجماهيرية والمتابعة, أسلوب اتبعته الدراما التركية بشكلٍ مدروس وقلدته الدراما العربية بغباءٍ واضح..
رأي خبير
الدكتورة مرسلينا زيتون استشارية طب نفسي عقبت على ما ورد سابقاً فتقول: إن إقبال الناس بشكلٍ عام والإناث بالدرجة الأولى وخاصة المراهقات منهن بهذا الكم لمشاهدة المسلسلات التركية دليلٌ على وجود أزمة عاطفية تعاني منها الأسر, ونتيجة حتمية للفراغ والجوع العاطفي والبطالة والقيود الأسرية التي تمارس على المراهقين, وهرباً من الواقع والمسؤوليات الأسرية ولو عن طريق الخيال, حيث يعود المتابعون المتقدمون في السن إلى سنواتٍ خلت, بينما يحلم المراهقون بالأثاث الفاخر والأزياء الفاخرة وإقامة علاقاتِ حبٍ واهمة.. حيث تجد المسلسلات التركية حلولاً للمشاكل التي يطرحها المسلسل بعيدة عن أخلاقنا وقيمنا, كالهرب مع الحبيب لوضع الأهل تحت سياسة الأمر الواقع, والإجهاض للخلاص من الحمل غير المشروع, والزنى لإشباع الرغبات الجنسية بين العشاق, حتى وإن كانت البطلة متزوجة, فيصور المسلسل الخيانة الزوجية على أنها ملاذ آمن للعشاق _ كمسلسل زنى المحارم _ وينسى المتابعون وخاصة المراهقين أن الكذب هو أبرز السلوكيات في هذه المسلسلات, يليها العلاقات غير المشروعة, والخيانات الزوجية, ومن ثم الطمع والكره والحقد, وهناك دراسة تقول إن 50% من المراهقين باتوا يتخذون من المواقف والأحداث في المسلسلات المدبلجة وسيلةً لحل المشاكل التي يواجهونها, وأن الأحداث والمواقف في هذه المسلسلات تؤدي إلى تغيير رأي المراهق في عادات وتقاليد مجتمعه بنسبة 40 %, وقد أكدت الدكتورة مرسيلينا أن تلك الأبعاد السلبية التي تحملها المسلسلات المدبلجة تكون أكثر تأثيراً على الجيل المراهق وأفكاره وسلوكياته وميوله، وأن تلك الدراما تظهر الجانب المشوق فقط للمتابعين من دون أن تذكر العواقب الوخيمة جراء الأفعال اللا أخلاقية كالأمراض التي تنتقل عن طريق الدم، والعلاقات غير المشروعة، وخطورة الإجهاض على المرأة الحامل وغيرها.