المعرض بين ثقافة التراث والسلعة

المعرض بين ثقافة التراث والسلعة

الأزمنة

السبت، ٢٠ يونيو ٢٠١٥

زهير جبور
عمل المبادرة متعارف عليه، تشجعه العلوم الاجتماعية والفلسفة والسلوك العام، ويصب في معنى التسامح بصورة أو أخرى، مبادرة للصلح مع صديق أدى سوء التفاهم للانقطاع عنه، الانفصال، ثم مع الأيام يبدو السبب غير جدير بتلك الخسارة، ولا بدّ أنها لا تقاس بالمعيار المادي الذي يمكن تعويضه لأن الصداقات الحقيقية تنفي المادة وترجح الإخلاص والتضحية والتنازل .. وهكذا، مبادرة جيدة قدمتها غرفة صناعة دمشق وريفها بقدومها إلى اللاذقية، وإقامتها للمعرض التسوقي الشهري الذي نفذته في دمشق ورغبت بنقله إلى اللاذقية، مترجمة طبيعة الشعار الذي أعلن عنه منذ بداية العام الحالي (عيشها غير) وفي واقع الأمر انتشرت إعلاناته بشوارعنا بشكل لافت للنظر، وكنا نأمل فعلاً أن نعيشها غير في أسواقنا وصالاتنا الاستهلاكية، وقطاعاتنا المختلفة، وها هي معظم الوزارات تدخل عالم الغير مع تسهيلات وتخفيضات وإغراءات وجذب، وعندنا لم نشعر بأننا عشناه، فطفت على أبصارنا الحملة الإعلانية ولم تتخذ أي جهة قراراها في إدخالنا التجربة كما ينبغي أن تكون كي نستكشف ثمارها، وفوائدها ، وتفاعلها، وجديتها، والغير الذي وصلنا، زيادة في الأسعار وربطها المباشر مع ارتفاع سعر الدولار وانخفاضه كما يحدده التجار، إلى أن جاء معرض التسوق الذي تم افتتاحه في الشهر الماضي بفندق اللاذقية (الميريديان) سابقاً، وهو بطبيعة الحال ليس المكان المناسب لمثل هذا المعرض الذي ينبغي أن يكون على ارتباط تام بالجماهير، وخدماته لها، وليس لغيرها ممن يعيشون غير وهم يترفهون ويستجمون في الفندق، ولا تعنيهم قضية الأسعار ولا انخفاض قيمة العملة الشرائية أوارتفاعها، فقرر المخططون نقله إلى مكان مناسب وسط المدينة، وفندق اللاذقية يبعد عنها بحدود 10 كم، وأجور المواصلات مرتفعة والفقراء لا يعنيهم أمره ولا يعرفون ماذا بداخله، وكثيراً ما سمعت تعليقات لمن افتتحوه هناك، وهو سوء التخطيط الذي لا يدرس ونتائج عمل ارتجالي مفاده التنفيذ من أجل الإعلام، وكثيرة هي الأعمال التي ينحصر هدفها إعلامياً، استدرك الأمر ونقل إلى متحف اللاذقية، الذي يضم مجموعة من القناطر الفسيحة، جرت العادة أن تقام تحت أقبيتها معارض للكتاب. الفن التشكيلي. أمسيات أدبية تحت شعار ربط الثقافة بالتراث، ولا بأس أن ترتبط الآن بالسلعة  فلا وجود لصالة عرض مناسبة محمية داخل مدينة اللاذقية بكاملها، وفي الأصل ليس لدى تجارها أي مبادرة وعدد قليل منهم شاركوا صناعة دمشق ولم تكن حماستهم ظاهرة، فهم لم يتقنوا مقولة إن التجارة ربح وخسارة، لأنهم وجدوها على مر تاريخهم للربح فقط، وهذه المغامرة غير مسبوقة النتائج، وصل تجار دمشق حاملين معهم ما يمكن أن يرضي ذوق مستهلكنا المحلي، فكثرت المنظفات بمختلف أنواعها، والمشروبات . قهوة. شاي. نسكافيه. شوكولا. محارم ورقية.لا وجود للبرغل  ولا للزيت إلا بمكان واحد فقط ، ولا العدس والحمص وغيرها من المواد المستهلكة يومياً والتي تتطلب فعلاً نسبة التخفيض المعلن عنه. نصف القيمة. ربعها. وقلت معروضات الثياب الطفولية والنسائية والرجالية والأحذية ، فجاء معرضاً ترفيهياً، وحسب آراء الزوار لا يختلف فيه السعر عن سعر السوق، واستحضروا مقارنات بين المنظفات والمحارم الورقية وغيرها، هو ما تم التعبير عنه من سيدات ورجال حضروا للتبضع، والاستفادة من التخفيضات، منهم من خرج خائباً أو معلقاً لا يوجد ما يلزمنا، وما عرض لا يسد حاجتنا، وكان من الممكن الاستعانة بالسلعة الشعبية وعلى سبيل المثال أنواع من (الشامبويات) ولا أثر يذكر للصابون خاصة الغار، الذي وصل سعر القالب الواحد منه إلى 300 ل.س للنوع الوسط، وأعداده في الكيلو الغرام الواحد 3 قوالب، ومن المعروف أن مادته الأولية الزيت والغار، وفي حال دققنا بالكمية المستهلكة للقالب فسنجده مرتفعاً في ثمنه جداً، مع رصد أجور التصنيع، واليد العاملة، والصابون هو الأساس في الاستحمام، والنظافة، وقديماً بالغسيل قبل وجود المنظفات المركبة، وإعلاناتها ذات الطابع الاستهلاكي، وهي مشهورة حيث المسلسلات التي تنقطع في المشهد المحرج لتظهر الدعاية وعيون المتابعين منشدة إلى الحدث مع الممثلة التي تمارس خيانة زوجها، وسنجد منها الكثير في المسلسلات التي يعلن عن عرضها في شهر رمضان المبارك، الذي سيحل ضيفاً علينا، وكان يمكن التفكير بقدومه وجعل المعرض أكثر تفاعلية ورموزه تحمل هم المواطن الباحث عن الطعام، وليس عن الشوكولا، ومن الملاحظات التي سجلناها عن المعرض أنه يقدم عقلية التاجر الدمشقي الحامل لعراقة المهنة وأصولها، والمنفتح على الربح و الخسارة، قال أحدهم: إن مشاركته فرصة جيدة لزيارة اللاذقية بعد أن انقطع عنها سياحياً خلال سنوات الأزمة، وأكد ضرورتها سواء كانت رابحة أو خاسرة، والواجب يتطلب العمل والحياة يجب أن تستمر، وإن سورية لا يمكن أن تتراجع وتتقاعس، ووجدها مسؤولية وليست تجارة، وأمثال هذا الذي التقيته في المعرض هم الذين ينقذون البلاد من فحش المستغلين والمحتكرين والجشعين، الذين لا يفكرون إلا بربحهم وليكن الطوفان من بعدهم، وكان لحضور تلك الفتاة الدمشقية مندوبة شركة الشوكولا حاملة إياها مستوقفة الناس الذين يسيرون على الكورنيش، أثره الطيب في النفوس، تستوقف المارة تقدم لهم صينية وضعت فيها الشوكولا قائلة: حضرنا من دمشق لنلقاكم ونفرح بكم .. جناحنا موجود في المعرض.. تفضلوا زورونا واحصلوا على ما ترغبون.. وهي تحاور الجميع الأطفال. الرجال. النساء. الشباب. وأحدهم قال لها (ما رأيك أن نبقيك باللاذقية) ابتسمت بثقة وأجابت: (ليش لا إذا كان العريس مناسباً وإن أحببته وأحبني) وفي الرد ما يمكن أن يحمل بعداً اجتماعياً. وطنياً. نفسياً. أخلاقياً.
•    وكان يمكن
من خلال العين الصحفية يمكن أن نتوصل إلى النتائج الآتية.. لو أن الجهات المعنية في اللاذقية أبدت التعاون المطلوب مع المعرض لاختلف الأمر تماماً ولزجت الإمكانيات اللازمة لإنجاحه ولحقق نسبة مرتفعة من أهدافه، ضيق المكان أثر بشكل مباشر على طبيعة العرض خاصة في الممرات التي تكاد لا تتسع لأكثر من شخصين ما أدى إلى حالة زحام، أشير إليها من قبل الزوار، وكان يمكن أن يتم إيجاد المكان المناسب المفتوح مع حمايته واستجرار الخدمات إليه وإنارته وجعله معرضاً متكاملاً يجمع بين التسوق والفسحة المسائية التي يميل إليها سكان المدينة خاصة أثناء انقطاع التيار الكهربائي من الثامنة حتى الحادية عشرة ليلاً، ولماذا هذا التعب؟ هو المبدأ الذي تمشي عليه معظم جهاتنا الرسمية المسؤولة، وبالمناسبة نشير هنا إلى أن حملة إزالة البسطات التي أعلن عنها محافظ اللاذقية منذ قدومه قد خرقت وعادت أكثر مما كانت ، وأن حديقة (البطرنة) العامة والتي هي من حق أبناء الشعب  رجعت إليها (الطاولات والكراسي) بعد أن أزيلت وليعلن مجلس المدينة عن إقامة معرض الزهور بداخلها قريباً، والموضوع أن من لا يتمكن فك رموز اللاذقية وتحليلها والوصول إلى جذر الفساد فيها فلن يستطيع تحقيق أي فعل يذكر، وسوق الخضر الذي يقع خلف الريجي القديمة بين ساحة الشيخ ضاهر وشارع المغرب العربي عاد إلى وضعه السابق وكان قد أزيل في السنوات العشر الماضية عدة مرات لكنها لم تدم طويلاً، وليس المهم في إزالته بل إيجاد البديل المناسب ، والناس أيضاً يبحثون عن العيش، وفي حملات قمع المخالفات العمرانية فثمة أبنية مدعومة. متنفذة. محمية لم تطلها يد الحملة، والفقراء الذين يسعون إلى إقامة غرفة إضافية تحل مشكلة سكنهم ، يدفعون الثمن.
شكراً للذين أقاموا المعرض .. مبادرة جديرة بالتقدير وبالاستحسان لو أن المعارض القادمة تحمل المزيد من المواد والتخفيضات وتتفاعل مع الناس ليس إعلامياً بل بشكل جدي يعطي نتائجه الإيجابية، وأن تقدم الجهات المعنية في اللاذقية الدعم والمؤازرة ، أنتم لا تعملون إلا لفسادكم .. ساعدوهم على الأقل ولعلّ ذلك أيضاً يضرب مصالحكم. خططوا في شهر رمضان المبارك لمعرض يقدم الصناعة والمادة الغذائية ما يحتاجه المواطن في هذا الشهر، تلك مسؤولية الجهات المحلية التي تغيب عنها المبادرة الجدية وتقدم الخدمة الفعلية، ولن يوقظ معرض الزهور (رومانسيتنا) التي أشلها القتل والدمار على يد العصابات الإرهابية ونحن نودع الشهداء كل يوم وننتظر الخلاص والانتصار، وكفانا خداع لكن الفساد لا يشبع ولا يقنع ولا يهمه شيء إلا مصالحه وحدها.