الوظيفة الحكومية.. متى تنتهي الرشوة والاتكالية ؟!

الوظيفة الحكومية.. متى تنتهي الرشوة والاتكالية ؟!

الأزمنة

السبت، ٥ مارس ٢٠١٦

الأزمنة – مجد سليم عبيسي
 كيف يمكن أن نتكلم عن إصلاح محتمل وموظفو القطاع العام بالمعظم يروجون لثقافات الرشوة والاتكالية والكسب السهل والتقاعس.. والتحكم بالعباد كل من موقعه الوظيفي.
كل ذاك يتم تحت مظلة رقابية ولكن سبات محاسبي، واستمراء واضح وصريح لثقافة الرشوة أولاً وثقافات الاستهتار والتبذير ثانياً وثالثاً!!
إغراءات، إغواءات.. نتيجتها أنه لم يعد خافياً على أحد المعارك والاستبسال لدى الشباب فور سماعهم بفرصة توظيف في أحد القطاعات الحكومية، فلا يألو السامع جهداً أو اتصالاً لاقتناص المفتاح حتى تكون الوظيفة هذه من نصيبه.
الإقبال على الوظائف الحكومية ارتفع بموجب إحصاءات غير رسمية إلى أربعة أضعاف ما كان عليه قبل عدة سنوات، مع البرود في البحث عن وظائف القطاع الخاص الذي بات بالأساس يتخلى عن موظفيه بحجة تردي الأوضاع الاقتصادية، علماً أن الأرباح زادت لجميع القطاعات الاقتصادية الخاصة؛ ولكن في ظل عدم وجود القوانين الداعمة والحافظة لحقوق موظف القطاع الخاص غدا صاحب العمل يضغط الموظف الواحد ليعمل بمجهود ثلاثة موظفين مع إمضائه على استقالته قبلاً حتى لا يصار له الاعتراض، مقابل أن يسرب له أجره الذي لا يخلو في الأغلب من الحسميات!!
 
أولاً.. الوظيفة.. بوابة الرشوة!!
 
لدى الاستبيان والاستقصاء الودود من بعض الشباب والشابات عن الأسباب الحقيقية للتمسك بفرصة الوظيفة الحكومية جاءت آراء معظم المتقدمين لا تخلو من الغرابة والجرأة..
لربما الجرأة بالإفصاح عن الأهداف الحقيقية للتقدم للوظيفة الحكومية استندت لدى بعض المتقدمين على خلفيات الوساطة التي تزكيهم للحصول على الوظيفة، ولربما يكون الكلام بالعموميات أهون مما قيل فعلاً!!
هادي.. 30 عاماً موظف منذ أكثر من ستة أشهر عبر إحدى المسابقات في مؤسسة حكومية يقول:
الحقيقة أن شهادة كلية التجارة والاقتصاد لم تجعلني من أصحاب الثروات خلال سني عملي في القطاع الخاص.. فما بالك في ظل الأوضاع الراهنة حين بدأ المديرون في الشركات الخاصة "يطفشون" الموظفين، فلم يكن من الوالد إلا أن سعى لي بالوظيفة هنا علماً أني أرفض الوظيفة كمفهوم عمل روتيني بدخل ثابت.. ولكن كما قال لي الوالد: ستعتاد.. وإن كنت قد حالك فستقبر الفقر.
يمكن القول بأن منظوره كان أوسع من منظوري، وبحكم أنه موظف حكومي قديم في المؤسسة ذاتها؛ كان يعلم من أين تؤكل الكتف..
أنا لم أقبر الفقر فعلاً، ولكن المعاش الحكومي جيد، والحوافز كذلك، و"البراني إنتة وشطارتك".
 
أما ليندا.. تلك الموظفة الجريئة ذات الـ 33 عاماً، يمكن القول إنها لم تفلح في الجامعة فتوظفت على شهادة الثانوية العامة منذ 8 سنوات، تقول:
بماذا تفيدك الشهادة الجامعية إذا أردت أن تعمل في القطاع الحكومي؟! هل من أجل فارق المرتب الذي لم يعد يشكل إغراء في ظل الغلاء الحاصل اليوم؟ بينما يمكنك أن تحصل على أضعاف مضاعفة فقط من إكراميات المراجعين وتختصر سنوات الدراسة والتعب.
أنا تركت الكلية صحيح، لأنه منذ سنوات كانت فرصة الوظيفة الحكومية كانت مؤمنة، وخفت أن أنتظر فتذهب الوظيفة التي يطمح لها كثيرون. وها أنا اليوم؛ بقليل من الفهلوية أستطيع أن أحقق دخلاً يكفي احتياجاتي كلها ويزيد.. فجوالي لا تحلم به ابنة شهبندر التجار وقريباً سأشتري سيارة.
 
فرصة القبول 10% والإناث يأخذون حصص الذكور:
 
راقي أبو النور.. شاب ممن لم يحالفهم الحظ بالقبول ولا في مسابقة من المسابقات الحاصلة للتوظيف في الحكومة.. يقول:
السبب في عدم قبولي أن فرصة حصولي على الوظيفة في كل مرة لم تتجاوز 10%، والتبرير واضح ومنطقي وهو أن 50% من مقاعد التوظيف لذوي الشهداء، ولا خلاف على ذلك. ولكن أن تكون فرص الـ 50% الأخرى مقسمة ما بين الموظفين القدامى بعقود مؤقتة ومعارف بعض المتنفذين، هذا يدعو إلى الجنون!! أين الرقابة والشفافية في مسابقات الوظائف الحكومية؟!
معقول ألا أقبل ولا في مسابقة من سنوات وحتى اليوم؟! المسابقات كما لاحظت في الأغلب هي ذريعة لتثبيت موظفي العقود المؤقتة، وهي –حقيقة- إجراءات شكلية ليس إلا.
وعن تمسكه بالتقدم لوظيفة حكومية قال:
أعطني عملاً خاصاً جيداً ومريحاً ودخله محترم، لا يوجد.. فالوظيفة الحكومية وجاء، إذ يجب أن تتخلى عن أحد تلك الشروط أو كلها لدى عملك في القطاع الخاص.
 
الشاب نجيب 25 عاماً يقول مغتاظاً:
منذ خمس سنوات وأنا متخرج في كلية الآداب وحتى اليوم لم يتم قبولي ولا بمسابقة واحدة والسبب يعود –بحسب نجيب- إلى التمييز بين الرجل والمرأة وتفضيل المرأة في الفرص الوظيفية وكأنها هي من ستبني الأسرة وليس الذكر؟!
معظم من أعرفهن من بنات جيراني وصديقاتي وزميلات الدراسة توظفن وأنا مكاني راوح، فكيف سأفكر بالزواج إن لم أجد وظيفة حتى اليوم؟
ولدى سؤاله عن حصر بحثه ضمن الوظائف الحكومية أجاب:
القطاع الخاص ليس له أمان، فأنا ومعظم أصدقائي بتنا عاطلين عن العمل جريرة العمل في القطاع الخاص.. تخيل لو أنك متزوج وفجأة تسرح من عمل بشكل تعسفي، ماذا ستكون ردة فعلك؟! هذا لا يوجد في القطاع الحكومي فهو آمن من هذه الناحية.
 
معاش بالمجان !!
 
يمكن لمن يقوم بجولة في معظم المؤسسات الحكومية أن يلاحظ الخلل الكبير في المساواة بين الرجل والمرأة، إذ إن نسبة الرجال الموظفين يأتي ثلث أو ربع نسبة النساء العاملات، وهذا بحد ذاته خلل ديمغرافي في الدوائر الوظيفية لم يتنبه له أحد..
حاولنا أن نتعرف على بعض الموظفات في بعض الدوائر، وطبعاً كان لديهن أكثر من الوقت الكافي لحوار الصحافة نظراً لساعات الفراغ المطولة خلال دوامهن الرسمي.. وبحديث ودي كشفت الخبايا..
 
وصال 42 عاماً أم ثلاثة أولاد تقول:
الحمد لله، لست بحاجة ماسة للعمل، فزوجي ذو دخل جيد وابنتي أيضاً موظفة، ولكن تمسكي بالوظيفة من باب إيماني بقيمة النعمة، لأنه من الكفر أن يرفس ابن آدم المال المجاني.. الوظيفة كما ترى مريحة وليس فيها تعب ولا ضغط. أعتبرها تسلية كل يوم أقضيها مع زميلاتي الموظفات وأتقاضى عليها مرتباً في نهاية الشهر.
 
تيسير 55 عاماً يقول:
أنا موظف، وزوجتي كذلك موظفة في التربية، والحقيقة أن وظيفتي متعبة نظراً لضغط العمل، ولكن وظيفة زوجتي فاخرة، إذ تداوم 10 دقائق يومياً.. توقع على سجل الدوام وتعود إلى المنزل. إنها موظفة منذ أكثر من إثني عشر عاماً ولم أشعر يوماً غير أنها ربة منزل.
 
أراء مسؤولة:
 
وحول هذا الموضوع ذاته يمكن الاستشهاد من تصريح سابق لرئيس اتحاد حرفيي دمشق مروان دباس، أوضح فيه أن العامل في المؤسسات الحكومية يعمل أقل من 21 دقيقة مشيراً إلى أنه في حال اشتغل الموظف لمدة ساعتين يومياً فإن مؤسسات الحكومة يمكنها عندئذ أن تستغني عن ثلاثة أرباع الموظفين. كما أن الحكومة تتكلف على الموظفين كثيراً من مكاتب وخدمات، وهذه التكاليف تعتبر أكثر من راتب الموظف، وفي النهاية الموظف لا يعمل إلا الشيء القليل.
وأشار إلى أنه من الضروري أن يكون هناك من يحث الموظفين على العمل بشكل نظامي على الأقل 6 ساعات يومياً، وفي حال تحقق ذلك فإننا سنشهد عدم عرقلة للعمل أبداً في الدوائر الحكومية وخاصة الخدمية التي يضع فيها الموظف "إضبارة" المواطن في "درجه" ويقول له اذهب وتعال بعد أسبوع، في حين أن المعاملة لا تستهلك منه إلا خمس دقائق على الأكثر!!
وأشار إلى أن معظم المواطنين يرغبون في الحصول على وظيفة في القطاع الحكومي لأنها وظيفة "حلس ملس" على وصف دباس، حيث إن الموظف لا يعمل فيها إلا القليل وفي نهاية الشهر يحصل على راتبه المقطوع والمزايا الأخرى التي توفرها الحكومة للموظفين.
ونوه بصرف إعانات للمواطنين بدلاً من توظيفهم في المؤسسات الحكومية وعرقلة العمل يعتبر أفضل بكثير، وهذا ما تفعلة الدول الأوروبية.
وعن القطاع الخاص لفت دباس إلى أن العامل في القطاع الخاص لديه إنتاجية عالية وبنفس الوقت فهو انتهازي ولا يراعي الحالة الاجتماعية للعامل، وحالياً تشهد معظم الحرف والمصانع في القطاع الخاص نقصاً في العمال إلا أنه لا يوجد يد عاملة وفي حال وجد فإن شروط العمل تغيرت كثيراً بسبب الظروف الراهنة التي تمر على سورية.
وأشار إلى أن هناك الكثير من الانتهازيين من القطاع الخاص وخاصة بعض المتعدين على حرفة الصيانات، فمثلاً إذا عطبت ثلاجة فإن المواطن سيدفع سعر القطعة المعطوبة أكثر من سعر الثلاجة نفسها.. فأين الرقابة على هذه الأمور؟
 
تعقيب:
 
لا يحق للحكومة في ظل هذا الوضع التكلم عن التقشف ولا عن سياسات ضغط النفقات وهي على علم بأن جميع مؤسسات القطاع العام باتت منافذ لهدر المال الحكومي سواء بالفساد والسرقة أو بابتداع وظائف ليس لها داع وافتتاح أقسام جديدة في بعض المؤسسات لاستيعاب أعداد جديدة من الموظفين من دون حاجة فعلية لهم!!
الوظيفة الحكومية أيتها الحكومة ليست "حمالة الأسية" ومنفعة لكل من رغب بالكسب السهل..
الوظيفة الحكومية إن خُدمت بحق لصار القطاع الحكومي رابحاً أكثر من القطاع الخاص، ولرفد الخزينة بأموال تعين الحكومات على افتتاح مؤسسات جديدة ومشاريع وفرص عمل حقيقية يفيد منها الموظف ويعمل بضميره المزروع بالقانون؛ ويستفيد بدوره من الحوافز العائدة عليه من الإنتاجية..
لا يمكن أن نزيد أكثر، فكل ما قيل قبلاً ليس بخاف على أحد من المسؤولين أصحاب المبادرات.. ودمتم.