"عضة الدولار" وأربعون إبرة بنج في بطن المواطن!!من يرد جشع التجار ومن يرد صمت الحكومة؟!!

الأزمنة

السبت، ١٤ نوفمبر ٢٠١٥

الأزمنة – مجد سليم عبيسي
بات موضوع جنون الدولار البعيد عن اللجام الحكومي بحاجة إلى معالجة جذرية.. سنوات تتعاقب والمواطن يتعاقب بأسعار تجلد وطنيته وتلتهم ضفاف نهر الصبر الذي قارب على الفيضان ليغمر عاقلته وتعقله!!
"حملة الدولار بمئة ليرة"!! تلك الكلمات التي لم يمض عليها أمد بعيد؟! ارتمت في مقبرة المخيلة بحلم زائل بعودة الليرة السورية إلى سابق عهدها.. واليوم إن هتفنا "بحملة الدولار بثلاثمئة ليرة" فليس علينا العتب..
صعود الدولار –كما هو متعارف بين العامة- هو السبب بنكبة الغلاء المجحفة، وشيخ الضحايا هو صاحب الدخل الثابت الذي يتهاوى دخله بين هاويات الاحتياجات العطشى، والتي تعبه عباً لا رحمة فيه ولا رأفة.. تعبه بتوحش لا مثيل له خرج منا بقوة قوانين الحرب.
 
حماية المستهلك.. للحروب والأزمات ؟!
قبل أن نتطرق إلى حماية المستهلك ودورها الرئيس بالدفاع عن مصالح المواطن. نذكر-للمفارقة- أن البقدونس المزروع في ريف دمشق أصبح يباع اليوم على سعر الدولار بمتلازمة مضحكة وصلت بسعر الجرزة إلى عشرين ضعف سعرها!! تماماً كما هي حال البضائع المستوردة السائرة في ذات نهر الجنون، إذ تحدد أسعار بضائع تم استيرادها مذ كان الدولار بسعر 170 ل.س بأضعاف مضاعفة بموجب سعر الدولار اليوم!!.. فوضى غريبة تنم عن غياب واضح للرقابة وحماية المستهلك واللتين لم تتزعزع بنيتهما التحتية منذ بدء الأزمة، بل تزعزعت فقط قدرتهما على أداء الواجب كما يجب. إذاً ما معنى السماح للتاجر باحتكار البضائع ومنعها عن السوق لفترة ثم طرحها بعد ارتفاع الدولار؟!.. ذلك يعتبر استغلالاً للأزمة وكسراً لظهر المواطن والعمل على تجويعه وتركيعه.. وحماية المستهلك عبارة عن منظمة قليلة الحظ لا يتجاوز حظها أحرفها الثلاثة عشر!!
 
الأخضر.. وحقيقة موازنة الحرب!!
الدولار ألقى ظلاله ثقيلاً على إدراكنا للحقائق أيضاً، فكما شاع عن الموازنة العامة لعام 2016 بأنها الأضخم في تاريخ سورية، "الأضخم" هكذا وصفت الموازنة العامة التي أقرتها الحكومة لعام 2016 حيث بلغت 1980 مليار ليرة سورية، وسميت بأنها "موازنة مواجهة وتحدٍ وحرب"، ولكن بالمقارنة مع السنوات السابقة، نجد نظرياً بأنه موازنة 2016 تزيد على موازنة عام 2015 بنحو 85 مليار ليرة سورية، وبنسبة نمو 7%، ولكن على أرض الواقع ومع تقلبات سعر صرف الدولار فإنها أقل من الموازنات السابقة، فهي بالحقيقة قد انخفضت من 750 مليار ليرة عام 2011، أي ما يعادل نحو 15 مليار دولار تقريباً، إلى 1980 مليار ليرة سورية، أي ما يعادل 7.9 مليارات دولار على أساس سعر صرف 250 ليرة للدولار كما تم اعتماده في الموازنة، وينخفض الرقم أكثر باعتماد سعر الصرف في السوق. وهذا يعني أن الموازنة قد انخفضت فعلياً بأكثر من 50 بالمئة ولم تزد كما هو ظاهر !!
المهم ماذا يفيد المواطن السوري في الموازنة إن انخفضت أو ارتفعت فعلياً إلا فيما يخص ارتفاع دخله بطريقة ما؟! يذكر هذه النقطة بالذات الدكتور غسان إبراهيم في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق في تصريح سابق قائلاً: "لا ينظر للأجور في بلدنا على أنها سلعة من وجهة نظر أصحاب القرار الاقتصادي، وإنما ينظر لها على أنها سلعة خاصة جداً لا تخضع للقوانين الاقتصادية، بل تخضع لاعتبارات سياسية"
بمعنى أن ما يهمنا من الموازنة حول زيادة الدخل يجب أن نخرجه من حساباتنا..
وإن نظرنا بالمقابل إلى نية حكومية بتخصيص جزء من الموازنة لمصلحة الدعم الاجتماعي في وقت تخفض فيه الحكومة ذاتها الدعم عن بعض المواد الأساسية، نجد ملاحظة أكدها الدكتور إبراهيم، أن "الحكومة تعمل على تخفيض للدعم الاجتماعي، وبذلك من المفترض أن يتوافر لديها مبلغ فائض من الأموال التي كانت مخصصة للدعم"، متسائلاً "أين تذهب هذه الحصة التي كانت مخصصة لدعم بعض السلع الأساسية وغير الأساسية؟، فهذا السؤال لا نعرف جواباً عليه حتى الآن لأننا لا نلاحظ من خلال هذه الأموال التي سحبت من الدعم، كيف ستنعكس إيجابياً على السلع الأخرى ومنها على الرواتب والأجور".
 
الأخضر.. ومصيبة المنح الحكومية؟!
مع الارتفاع المتكرر والمتواتر لقيمة الدولار مقابل الليرة السورية، تزداد فجوة الأسعار بشكل طبيعي.. ما حدا إلى استصدار عدة زيادات على المرتبات. بمعنى تقديم منح حكومية لأصحاب الدخل المحدود لتعويض فارق الغلاء المعيشي الحاصل جراء انخفاض قيمة العملة. ولكن ما يحدث فعلياً أنه كلما تم إقرار منحة لأصحاب الدخل المحدود، يسارع التجار برفع أسعار السلع والاحتياجات بقيمة إضافية على قيمة انخفاض العملة.. فتصبح الفجوة بين الدخل والنفقات أكبر مما سبق!!
وكل ذلك في غفلة عن الرقابة الملزمة للتجار بالالتزام بسعر ثابت محدد أو بالعقوبة في حال التجاوز. يمكنها أن تنصف المواطن وأن تحافظ على توازن ونتيجة إيجابية من المنح أو الزيادات التي تقصد بالمواطن فعلياً الخير وليس إلا.
وفي اتهامات أخرى نجد أن الحكومة هي من تلتهم الزيادات على المرتبات وتلعب الدور الأكبر في إحداث الفجوة الاستهلاكية بين الدخل والنفقات، بحسب وصف الباحث الاقتصادي "عمار يوسف" في تصريح سابق له "إنّ الهدف الأساسي لزيادة الأسعار مِنْ قِبَلْ الحكومة هو الإساءة لـمنحة الـ 2500 ل.س من رئاسة الجمهورية".
وقال يوسف: إنه بحجة أن الحكومة تريد تأمين موارد هذه الزيادة جاءت زيادة الأسعار من خلال رفع سعر الخبز والغاز والمازوت.
وأضاف: لا يمكن أن يكون هنالك لهذه المنحة المترافقة مع الزيادة المرعبة في الأسعار أي أثر إيجابي على الاقتصاد الوطني، بل على العكس تماماً جاءت الزّيادة لتكرّس الآثار السلبية لإجراءات الحكومة من خلال رفع الأسعار الأخير ما أدّى لزيادة الأعباء على المواطنين.
 
صمت.. وحيرة:
من هنا يبدو أن الجهات المعنية عاجزة عن مواجهة وتفسير الحالة الجنونية التي تسود الأسعار بسبب تمرد الأخضر على كل الضوابط الاقتصادية، ولم يعد أحد يعرف اليد الخفية التي تتحكم بالأسعار والأسواق التي أصبحت تخالف المنطق والموضوعية، حيث يفترض أن تتراجع الأسعار في ضوء ما يحققه جيشنا من انتصارات على أرض الميدان، ويجب أن تنال هذه النتائج من ارتفاع الدولار لكن الواقع مختلف تماماً وبات المواطن في حيرة من أمره وأصبحت هذه القضية حديث الساعة، حيث لا يكاد مجلس يخلو منها حتى غرف الموظفين أصبحت تطرح عشرات الأسئلة المستفسرة عما يجري.
ومن الأسئلة المطروحة أن كل ما تم استيراده موجود في الأسواق ويفترض أن يخضع لتسعيرة الدولار حين استيراده حتى البضائع الأساسية التي تتعلق بحياة المواطن اليومية والتي يتم تسعيرها من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك. حتى تلك المسعرة لم تعد منضبطة حيث وصل سعر كيلو السمنة النباتية إلى 1000 ل.س في السوق أما سعره وفق النشرة الماضية 400 ل.س والزيت 500 ل.س للتر والتسعيرة 330 ل.س والسكر 275 في السوق و190 وفق التسعيرة.. مفارقة غريبة تنم عن عدم متابعة رقابية للجهود المبذولة.. وانقطاع عن الواقع الأزمي للمواطن.
مدير الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك علي محمود قال "مبرراً" في تصريح لإحدى الصحف في وقت سابق: "نحن نقوم بتسعير بعض المواد الأساسية مثل الأدوية المستوردة والزيت والسكر والسمنة والرز وفق النشرة الوسطية التي تصلنا من مصرف سورية المركزي وهذه الأسعار هي للمواد التي تمول بالقطع الأجنبي من المصرف حيث تصل تسعيرة السكر إلى 190 ل.س والرز 350 و.... أما باقي المواد فيتم تسعيرها بالإيداع حيث وضع الكلفة من التاجر ويعلن وفقها التسعيرة وعند الشك في هذه الأسعار يتم تحليلها والتأكد من مطابقتها.." ومهما قالت وزارة التجارة الداخلية عن طريقة التسعير فإن الأسواق لم تعد منضبطة وإن هناك انفلاتاً جنونياً للأسعار في جميع المواد والبضائع.
 
أرقام.. تقرع ناقوس الخطر:
فقر مدقع تجاوزت نسبه -وفقاً لإحصاءات دولية- 30% منذ عامين، بطالة هائلة تخطّت حدود 65%، حسب تقديرات الخبراء، على اعتبار أن القطاع العام يشغل 2.5 مليون عامل من أصل قوة عمل تزيد على 5 ملايين من دون النظر إلى المهاجرين، ارتفاعات غير مسبوقة في الرقم القياسي لأسعار المستهلك إذ بلغ في أيار الماضي 430%، ومعدلات مخيفة للتضخم مرتفعاً إلى 39% بين عامي 2014و 2015، إذ وصل إلى 308% في أيار 2014، وفقاً للمكتب المركزي للإحصاء، فيما تقديرات جمعية حماية المستهلك وعدد من الخبراء حول ما تحتاجه الأسرة شهرياً للإنفاق على مستلزماتها الرئيسية يزيد على 188 ألف ليرة، في وقت لا يتوافر لدى الأغلبية الساحقة من هذه الأسر ثلث هذا الرقم.
هذا المشهد المؤلم، لا يمكن رمي أسبابه إلى الحرب الطاحنة في البلاد فقط، فهذا هو الجزء المغمور من جبل الجليد العائم، والإجراءات الحكومية والتساهل في المحاسبة لعبت دوراً أكبر في تعميق الفجوة السحيقة أساساً في المستوى المعيشي، ومنها على سبيل المثال، ذهابها قدماً إلى المطارح المحظورة، والتي تمس الشرائح المعدمة والمعوزة، إذ زادت أسعار المواد الأساسية، كالخبز والمازوت والأدوية والغاز المنزلي والكهرباء والماء. هذه مفاجأة غير سارة، فجرتها الحكومة، ضاربة عرض الحائط بكل طمأناتها السابقة، ووعودها مع كل جلسة لمجلس الوزراء، بأنها تسعى لتحسين المستوى المعيشي، وتعزيز مقومات صمود المواطن.
لن نندب على وعود حكومية زائلة.. بل سنقرع الناقوس مجدداً لفتح صفحة جديدة تقرؤها الحكومة عنوانها أن المستوى المعيشي للناس بحاجة إلى معالجة جدية، وتقديم ما يناسب من تعويضات تردم الفجوة العميقة بين الدخول والإنفاق، لكن من يزعم أنه لا يوجد طرق غير تلك المتعلقة بزيادة رواتب ومن ثم رفع الأسعار وزيادة الضرائب والرسوم، نؤكد له أن هذا فشل ذريع وغير مقبول. لا يمكن اعتبار أن مبلغ الزيادة على كل دخل، يعالج الفجوة المتسعة بين الدخول والاحتياجات، رغم أن لهذه الزيادة أثراً معنوياً ونفسياً لدى الناس، وخلقت حالة من التمسك بالبلاد بدل الهجرة، والرضا بالحالة المُتعِّبة على أمل أن المستقبل أفضل، والاكتفاء بالتفاؤل بدل هذا التشاؤم الذي خلقته الإجراءات الحكومية.
الأخضر حجة من لا حجة له لسلب ما تبقى من نقود في جيوب الناس، ولا راد لظلم التجار إلا الحكومة.. ولا راد لظلم الحكومة إلا الحكومة.. فيجب أن تكون جميع الجهات ذات العلاقة على قدر من المسؤولية في معالجة التفلت الحاصل لأن المواطن فقد كل مقومات الصبر وباتت أحوال الناس سيئة جداً ولم يعودوا قادرين على تأمين لقمة العيش. نحن اليوم نطلق آخر شهب الاستغاثة لوضع بات منفلتاً من كل عقال.. فهل من راء؟!