“اقتصاد الظل” يتوسع.. ثروته دفينة وقرارات تنظيمه لم تؤتِ أكلها بعد!

“اقتصاد الظل” يتوسع.. ثروته دفينة وقرارات تنظيمه لم تؤتِ أكلها بعد!

مال واعمال

الثلاثاء، ٦ سبتمبر ٢٠٢٢

وسط حالة الجمود والشلل شبه التام في سوق العمل المحلية، وعدم قدرة الاقتصاد الوطني على توفير فرص عمل للقادمين الجدد، وفي ظل تفاقم معدلات البطالة وضعف معدل النمو الاقتصادي، انتعش سوق “العمل في الظل”، بعيداً عن التعقيدات والإجراءات الإدارية والمعاملات الروتينية التي تُدخل المواطن في دوامة لها بداية وليس لها نهاية للحصول على ترخيص مزاولة مهنة أو فتح مشروع صغير تذهب أرباح أشهر قادمة منه إلى خزينة الدولة قبل أن يبدأ، ليكون التخفّي في العمل لمجموعات لاقت ضالتها في هذه المشاريع الصغيرة والهشّة والمعرضة للخطر، ولاسيّما مع عدم وجود أي تأمينات صحية أو ضمانات اجتماعية، هو الحلّ الأمثل وخاصة خلال السنوات الأخيرة التي استشرى فيها ما يُسمّى “اقتصاد الظل” بصورة عشوائية غير منظمة.
قرارات خجولة
وعلى الرغم من إجماع أهل الاختصاص على أن اتساع رقعة هذا الاقتصاد تتناسب طرداً مع ازدياد نسبة الفقر والبطالة في المجتمع، وتأكيدهم في تصريحاتهم على امتلاك اقتصاد الظل لثروة دفينة سيرفد بها خزينة الدولة في حال تمّ ضبطه، إلّا أن الخطوات المتخّذة في ضبطه لا زالت خجولة، على الرغم من صدور أكثر من قرار بخصوص ذلك لكنها بقيت مجرد حبر على ورق لا فائدة مرجوة منها، في وقت نشهد فيه ازدياداً في أعداد البسطات والورشات الصغيرة المبعثرة التي بالكاد تسدّ رمق أصحابها وعوائلهم ممن لا حول ولا قوة لهم على دفع الضرائب المترتبة عليهم في حال انتقلوا من العمل في الظل إلى العمل في العلن، ولعلّ آخر تلك القرارات هو طلب محافظة ريف دمشق من كافة المناطق الصناعية والحرفية موافاتها بكافة المعلومات المتعلقة بعملها مع جرد شامل للمنشآت القديمة والجديدة المرخصة وغير المرخصة ليصار إلى تسوية أوضاع المخالفة منها، الأمر الذي أثار قلق الكثير من أصحاب تلك الورشات التي “تعتاش” من مردودها الضئيل، في حين اعتبر البعض الآخر في هذا القرار “فاتحة خير” لإنعاش الاقتصاد الوطني.
بين السلبي والإيجابي
لم ينكر الاقتصادي الدكتور زكوان قريط دور هذه الأنشطة في سدّ الفجوة “اكتفاء ذاتي” بتقديم بعض السلع والخدمات وزيادة دخل بعض الأفراد مع إيجاد فرص عمل، لكنه في المقابل وبحسب “قريط” يؤدي إلى تشويه الخارطة الاقتصادية والحسابات القومية، إضافة إلى تهريب الأموال وغسلها، ناهيك عن تفاوت الطبقات الاجتماعية. وقسّم “قريط” اقتصاد الظل إلى نوعين، أحدهما نشاط شرعي “غير مرخص” وغير قانوني وغير موثق مثل بيع وشراء بعض السلع والخدمات التي تنحصر في النشاط الشخصي أو العائلي البسيط، ولا يوجد وثائق رسمية ولا يخضع للرقابة ولا يدخل في الحسابات القومية وهو النمط السائد أكثر، أما النشاط الثاني فهو الأسوأ والممنوع “إنتاج سلع وخدمات ممنوعة ومخالفة”، ويعتبر جريمة كغسيل الأموال وتجارة السلاح والمخدرات والآثار والأعضاء والبشر، ولفت قريط إلى ازدياد حجم اقتصاد الظل بعد الحرب إلى أكثر من 70% بعد أن كان نحو 50% قبل سنوات الحرب، مرجعاً السبب إلى ارتفاع نسبة البطالة والتضخم مع تراجع دور الدولة ورغبةً بالتهرب من الضرائب والرسوم.
تبسيط الإجراءات
ويرى الدكتور الاقتصادي محمد خليل أن القرارات والتصريحات التي تخرج بخصوص تنظيم عمل هذا القطاع لن تؤتي أُكلها في حال لم يتمّ معالجة الأسباب التي تستقطب الشريحة الكبرى للعمل فيه، بدءاً من تنظيم سوق العمل وتخفيف معدلات البطالة وانتهاءً بتنظيم مناطق السكن العشوائي التي تجذب المواطنين كالمغناطيس للعمل فيها وتوسيع بؤرة نشاطهم الاقتصادي غير الرسمي. ولفت خليل إلى أهمية الأخذ بعين الاعتبار الظروف المعيشية الصعبة للشريحة العظمى من المواطنين الذين وجدوا خلال سنوات الحرب ملاذاً بهذا العمل لدرء الفقر والعوز وسط شحّ فرص العمل آنذاك، وبالتالي يجب إيجاد آلية لتبسيط الإجراءات في طريقة دفع الضرائب التي ستترتّب عليهم في حال تمّ تنظيم عملهم، مع المرونة الكبيرة في آلية الحصول على تراخيص العمل. وتحدث خليل عن الإيجابيات في حال تمّ تنظيم عمل الأنشطة غير الرسمية، وأهمها تسجيل العاملين في التأمينات، ناهيك عن رفد خزينة الدولة بمبالغ جيدة وتخفيف العبء الضريبي عن العاملين في الدولة نتيجة تحصيل الضرائب من كلّ القطاعات.
لا يبني اقتصاداً
في المقابل اختصر عامر ديب عضو مجلس إدارة جمعية حماية المستهلك بدمشق وريفها ما يُسمّى “اقتصاد الظل” باقتصاد “السوق السوداء” بعيداً عن التعريفات الرسمية، مشيراً إلى وجود هذا النوع من الاقتصاد في أغلب الدول العربية، وخاصّة بعد انتشار وباء كورونا وتضرّر اقتصاديات الكثير منها، وبالتالي استفحال اقتصاد الظل فيها. ولفت ديب إلى انجذاب الشريحة الكبرى للعمل تحت خيمته تهرباً من الضرائب والرسوم والإجراءات المعقدة، كون موارده لا تمرّ بالدولة عبر قنوات رسمية بل عبر قنوات خاصة غير رسمية، وبالتالي توفير أيدٍ عاملة رخيصة، ولم يخفِ ديب أهمية هذا الاقتصاد في مرحلة معيّنة، فكل من يعمل داخل البلد رغم الظروف الصعبة يحتاج إلى دعم، لكن بالتأكيد لا يمكن أن نبني اقتصاد دولة على هذه الأنشطة غير الرسمية والتي تحتاج إلى الكثير من التنظيم، لافتاً إلى تضاعف نسبة هذه الأنشطة في سورية خلال العشر سنوات الأخيرة نتيجة الحرب والحصار وقلة اليد العاملة، إضافة إلى الصعوبة في التشريعات آنذاك، لكن اليوم مع صدور التشريعات الجديدة والقوانين التي سهّلت العمل من الناحية الاستثمارية أو الصناعية لم يعد هناك أي مبرّر لوجود اقتصاد الظل. وقدّم عضو مجلس الإدارة حلولاً لتقليص هذا الاقتصاد من خلال العمل على دمج اقتصاد السوق السوداء بالاقتصاد الرسمي، مع تقديم حوافز دعم لها لانسياب الحركة المالية داخل القنوات الرسمية بهدف استفادة الجميع وتحقيق النمو الاقتصادي المطلوب، إضافة إلى ضرورة  تحرير سعر الصرف وليس تعويمه، والسماح بتداول العملة المحلية والدولار ضمن الدفع الإلكتروني، ونوّه عضو مجلس الإدارة بأهمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة والتي هي الأقدر اليوم على تحوّط التضخم وكبح جماحه.
ميس بركات