«أوبك» تحت رحمة «كورونا»: السعودية تضغط لتمديد خفض الإنتاج

«أوبك» تحت رحمة «كورونا»: السعودية تضغط لتمديد خفض الإنتاج

مال واعمال

الثلاثاء، ١ ديسمبر ٢٠٢٠

تستمرّ مجموعة «أوبك»، وعلى رأسها السعودية، في الركون إلى خطط الاقتطاعات الطوعيّة علّها تحدّ قليلاً من التبعات المرهقة على موازنات هذه البلدان واقتصاداتها. لأجل ذلك، دعمت المنظّمة، في اجتماعها الذي عُقد يوم أمس، إرجاء رفع إنتاج النفط ضمن تحالف «أوبك+» إلى ما بعد الربع الأول من 2021، خشية انهيار الأسعار مجدّداً. لكن ذلك يتطلّب موافقة روسيا التي تحبّذ، من جهتها، الزيادة التدريجية في الإنتاج اعتباراً من العام المقبل، ما يؤشّر إلى بوادر أزمة جديدة بين الحليفتَين اللدودتَين
تعيش سوق النفط العالمية أسوأ أيّامها. والحال هذه ستستمرّ، كما يتبدّى، ربّما لأعوام مقبلة، مدفوعةً بالأزمة التي تقاسي منها هذه الصناعة بفعل انهيار الطلب على الخام من جرّاء وباء «كورونا»، وما تسبّب فيه من تبعات مرهقة على اقتصادات الدول النفطية. أزمةٌ فاقمتها حرب أسعار النفط الروسية - السعودية التي دارت رحاها بين شهرَي آذار/ مارس وأيار/ مايو، تاريخ دخول اتفاق اقتطاعات الإنتاج حيّز التنفيذ. صحيحٌ أن الأسعار المنهارة تلقّت بعض الدعم نتيجةَ اتفاق «أوبك+» الساري، والذي قضى بخفض الإنتاج - ضمن المجموعة - بنحو عشرة ملايين برميل يومياً، أو ما يوازي 10% من الطلب العالمي، لكن حسابات الكارتل لم تطابق الواقع الهشّ للسوق المتخمة، وسط موجة وبائيّة ثانية فرضت إجراءات إغلاق جديدة في كثير من البلدان. في ضوء ما سبق، انطلقت، أمس، أعمال قمّة وزارية لأعضاء «منظمة الدول المصدرة للنفط»، «أوبك»، ستُستكمل اليوم باجتماعٍ موسّع لـ»أوبك+»، للنظر في إمكان الاتفاق على سياسة الإنتاج لعام 2021، لتجنُّب انهيار جديد في الأسعار لا تبدو دول الخليج خصوصاً في وارد تحمُّل تبعاته.
مرَّت سنة على تدهور صناعة النفط. سنةٌ شهدت انخفاضاً غير مسبوق في الاستهلاك في موازاة تخمةٍ هائلة في المعروض جاءت نتيجة تحرير الإنتاج إلى حدّه الأقصى في الشهرين الثالث والرابع من العام الجاري، بعد انفراط اتفاق «أوبك+» على يد موسكو والرياض. دفع ذلك إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى ممارسة ضغوط كبيرة على المملكة، أفضت إلى اتفاق جديد بات نافذاً اعتباراً من أيار/ مايو ، حين لزمت دول المجموعة، التي تشكّل حماية السوق المتأثّرة بشدّة بفعل تفشّي وباء «كورونا» هدفاً مشتركاً لها، خفضاً حادّاً في إنتاجها النفطي لتكييفه مع الطلب الذي تراجع كثيراً، وهي خطوة أسهمت في رفع الأسعار، لكن كانت لها تبعاتها على إيرادات المنتجين. وينصّ الاتفاق الذي أُقرّ منتصف نيسان/ أبريل الماضي على تقليص التخفيضات مِن 9.7 ملايين برميل يومياً، إلى 7.7 ملايين حتى نهاية العام الجاري، ليلي ذلك رفع الإنتاج بواقع مليونَي برميل، إلى 5.8 ملايين برميل اعتباراً من بداية العام المقبل. إلّا أن العديد من المراقبين توقّعوا إرجاءً لخفض الاقتطاعات لثلاثة أشهر على الأقلّ، وربّما ستّة، في ضوء الموجة الوبائية الثانية. وإذ حذّر وزير الطاقة الجزائري، عبد المجيد عطار، الذي يتولّى الرئاسة الدورية للكارتل، في كلمة افتتاحية، من أنه لا تزال للأزمة الصحية «انعكاسات سلبية غير مسبوقة على الاقتصاد العالمي وبالتالي على أسواق الطاقة»، قال: «علينا أن نعيَ اليوم أن ظروف السوق في 2020 ستستمرّ على الأرجح في الفصل الأول من 2021».
في موازاة ذلك، فإن الارتفاع الأخير للأسعار، الذي عزّزه إعلان مختبرات «أسترازينيكا» و»موديرنا» و»فايزر/بيونتيك» اقتراب توصّلها إلى لقاح فعّال ضدّ الوباء، يزيد من غموض الأجواء. في هذا السياق، رأى وزير الطاقة الجزائري أن «من الواضح أن نشر اللقاحات عالمياً سيستغرق وقتاً، وسيبدأ تأثيرها في الظهور بشكل ملحوظ في النصف الثاني من 2021 على الأرجح». وبالفعل، لن يظهر أثر حملات التلقيح الكبرى وتأثيرها على انتعاش النشاط الاقتصادي المتعثّر، وبالتالي استهلاك النفط على المستوى العالمي، إلا خلال أشهر، فيما تسعى «أوبك» إلى معالجة مسألة الإنتاج والأسعار على المدى القصير، أي خلال الربع الأول من العام الجديد، وعلى الأكثر الربع الثاني منه. لكن الأمور لا تكون أبداً محسومة مسبقاً في إطار «أوبك+»، إذ إن المجموعة محكومة بأوضاع داخلية مختلفة بين الدول الأعضاء الـ 23، وبآراء متباينة بينها في شأن سياسة العرض الواجب اتباعها. وعلى سبيل المثال، أبدت الإمارات، في منتصف الشهر الجاري، تحفّظاً على الاستمرار في التطبيق الكامل للخفض الطوعي للإنتاج إلى ما بعد نهاية العام. وإن كان تحالف النفط يراقب من كثب أسعار الخام التي عادت إلى مستويات ما قبل الوباء، مع بلوغ أسعار النفطَين المرجعيَّين «برنت» و»غرب تكساس الوسيط» ما بين 4 و50 دولاراً للبرميل، فهو يتابع كذلك بيانات الإنتاج من خارج رابطة دوله، ومستويات امتلاء طاقات التخزين في العالم. ويسجّل عرض الولايات المتحدة، المنتِج الأول في العالم، تراجعاً منذ بلوغه مستوياته القياسية التاريخية في مطلع العام، ليصل حالياً إلى 11 مليون برميل في اليوم. كذلك، فإن انتخاب الديموقراطي جو بايدن الذي يحمل معه مشروعاً لخفض إنتاج النفط الصخري في بلاده، يوحي بأن ذروة الإنتاج النفطي الأميركي باتت من الماضي. ويتحتّم على «أوبك+» أيضاً مراقبة مستويات الإنتاج في صفوفها، ولا سيما أن ثلاثة من أعضائها (ليبيا وإيران وفنزويلا) غير ملزمين بحصص الإنتاج. في ليبيا، حيث توقّف الإنتاج بشكل شبه كامل في 2020 من جرّاء الصراع، عاد بشكل مكثّف منذ تشرين الأول/ أكتوبر، وبات يتخطّى مليون برميل في اليوم، بحسب «المؤسسة الوطنية الليبية للنفط». وفي حال اعتماد الولايات المتحدة سياسة أكثر ليونة تجاه إيران، فإن ذلك ربّما يعيد، على المدى المتوسّط، مئات آلاف براميل النفط إلى السوق التي ستجد صعوبة في استيعابها.
بحسب مصادر في «أوبك+» تحدّثت إلى «رويترز»، تدرس المجموعة حالياً تمديد التخفيضات القائمة، والبالغة 7.7 ملايين برميل يومياً، أو ما يعادل نحو 8% من الطلب العالمي، إلى الأشهر الأولى من 2021، وهو ما اتّفقت عليه دول «أوبك» - بدفعٍ من السعودية - في اجتماعها يوم أمس. وقال وزير الطاقة الجزائري إن أعضاء المنظّمة توافقوا على تمديد اقتطاعات الإنتاج الحالية لـ»أوبك+» لثلاثة أشهر اعتباراً من كانون الثاني/ يناير، لكن لا يزال يتعيّن إقناع الأعضاء الآخرين في التحالف، وعلى رأسهم روسيا، في اجتماع سيلتئم اليوم، بضرورة دعم سياسة تمديد التخفيضات. وبعد الإخفاق في التوصّل إلى توافق في المشاورات الأولية بين دول التحالف، وخصوصاً الرياض وموسكو، أول من أمس، أفادت مصادر «رويترز» بأن المحادثات المغلقة ركّزت على تمديد التخفيضات ثلاثة إلى أربعة أشهر أو على زيادة تدريجية في الإنتاج - تؤيّدها روسيا - اعتباراً من الشهر الأول من العام المقبل. ويتعيّن على «أوبك+» التوصّل إلى توازن دقيق بين دفع الأسعار صعوداً بما يكفي لمساعدة موازنات الدول الأعضاء، لكن ليس بشكل حادّ يؤدّي إلى زيادة الإنتاج الأميركي المنافس، والذي يميل إلى الارتفاع عندما تتجاوز الأسعار 50 دولاراً للبرميل. وبحسب «دويتشه بنك»، فإن أسعار النفط، التي تراجعت 0.5% مسجلة نحو 48 دولاراً للبرميل الواحد بحلول بعد ظهر يوم أمس، قد تنخفض بما يصل إلى 10% إذا لم تُمدَّد الاقتطاعات.