سورية “بوابة التوبة” لدولة أوروبية كبرى ؟؟؟

سورية “بوابة التوبة” لدولة أوروبية كبرى ؟؟؟

مال واعمال

الأربعاء، ٢١ أكتوبر ٢٠٢٠

يبحثُ الفرنسيّون عن إرثهم التاريخي في سوريا الكبرى من خلال تفعيل روابط عسكرية واقتصادية بغطاء إنساني كالعادة، وهو ما شاهدناه بزيارتي ماكرون للبنان عقب تفجير ميناء بيروت.. فهل فرنسا قادرة على فعل شيء لوحدها؟

منذ بداية الحرب على سوريا وقفت فرنسا في الصف المعادي دون شكّ، وهذا ليس بجديد. عداؤها هذا كان الأقل بين الدول الفاعلة الأخرى كتركيا والسعودية وبريطانيا والولايات المتحدة.

سوريا ساحة مواجهة رئيسية بين فرنسا وتركيا، وإضعاف الوجود التركي فيها سيُضعف العثمانيين في باقي الملفات، خاصّة الملف اللبناني لما لدمشق من تأثير على الساحة اللبنانية.

سوريا دولة رئيسية على سواحل المتوسط الشرقية، واستمرار عدائها لتركيا يصبّ في مصالح باريس، لكن كيف لهذا العداء أن يستمر وسوريا ضعيفة؟ يجب فعل شيء… على باريس التحرّك نحو موسكو للوصول إلى دمشق.

الفشل الفرنسي في لبنان حتى الآن، مردهُ ضعفُ خبرة ماكرون وإدارته بهذا الملف. سياسياً؛ لا يمكن أن تنجح حكومة في لبنان إن لم توافق عليها دمشق حتى في هذا الوضع الصعب. اقتصاديا؛ دوران العجلة الاقتصادية اللبنانية يمرّ عبر سوريا ويتأثر بالوضع فيها، بالإضافة لعشرات المليارات من الدولارات التي هرّبها أثرياء الحرب من سوريا إلى بنوكِ لبنان. حتى السيطرة على سنّة لبنان تمر عبر دمشق قبل أن تصل إلى الرياض وأبي ظبي… هل تُدركُ باريس ذلك؟

باتت باريس تمثل القوة الأوروبية الرئيسية في مواجهة النفوذ التركي ومن ورائه الأميركي والبريطاني. الصراعُ التاريخي بين فرنسا وبريطانيا لم يختفِ رغم تشكيل الاتحاد الأوروبي، وسياسة تقسيم النفوذ العالمي القديمة عادت بوضوح لكن باشتراك لاعبين جُدد.

خارطة النفوذ الجديدة تشكلت في العراق عندما عارضت فرنسا الغزو الأميركي البريطاني، وفي إيران وقفت فرنسا ضد السياسة الأميركية بخصوص الملف النووي والعقوبات ضد طهران. حديثاً؛ تقاربت باريس مع مصر ضد تركيا في ليبيا، لأنها تعلمُ أن الهدف التالي سيكون إفريقيا حيث المصالح الفرنسية الكبيرة، إضافة لكسب القاهرة في مواجهة تركيا في شرقي المتوسط أمام السواحل اللبنانية والسورية واليونانية حيث مكامن الغاز الواعد.

إيعاز

يعلمُ ساسة فرنسا أنهم لوحدهم غير قادرين على رسم خارطة جديدة، لهذا لابد من تحالفات إقليمية وعالمية لمواجهة المحور المضاد لهم. لهذا عليهم التحالف مع اليونان ومصر لمواجهة رأس حربة الحلف المُضاد وهو تركيا في المتوسط، ومع أرمينيا لمواجهتهم في إقليم أرتساخ الأرمني، وفي لبنان وسوريا وإيران…

مع طهران؛ عارضت باريس السياسات الأمريكية وكانت تبحث دائما عن حلول وسط لضمان استمرار الاتفاق النووي. تدخلت بالوساطة أكثر من مرة وبقيت العلاقات الفرنسية الإيرانية الأقل سوءاً بين الدول الغربية.

مع لبنان؛ تبنت فرنسا مخططاً اقتصاديا وسياسياً، والتقى ماكرون زعماء حزب الله والتيارات الموالية لإيران لضمان موافقتهم على هذا المخطط. هنا تدخلت بريطانيا والولايات المتحدة لإفشال الخطوة الفرنسية.

هل ستتفق سوريا مع فرنسا؟

 يمكنكم مراجعة المقالة السابقة حول الدور العثماني في لبنان، هذا الدور العثماني لم ينتهِ لكننا نشهدُ اليوم تراجعاً خفيفاً فيه بسبب انشغال العثمانيين الجُدد بملفات أخرى. حضور ماكرون ساهم بهذا التراجع، وسوريا لن تقوم بدورها في لبنان وتُمرّر المبادرة الفرنسية دون مقابل، فما هو المقابل؟

يجب أن تتجّهَ باريس إلى موسكو اقتصاديا وسياسياً كي تصل إلى دمشق، فتكون روسيا واجهة التعامل الفرنسي السوري لاختراق العقوبات الأوروبية على الأقل وسط معارضة ألمانية… الصدام الفرنسي الألماني قادم، فألمانيا تقفُ في صفّ العثمانيين كالعادة. مصالح باريس تتطلب خطوات جريئة كي تعود للساحة وتلاقي نجاحاً مقبولاً. عليها تقوية حضورها في السعودية والإمارات وتشجيع عودة هذه الدول إلى الحضن السوري.

مساعدة فرنسا للبنان اقتصاديا وسياسياً سيخفف الضغط على بنوكها وبالتالي الودائع السورية المُجمّدة هناك، ويُساعدُ على تحسّن الوضع الاقتصادي المتدهور في سوريا. كلّ هذا سيضمن لباريس مقعداً في “مسرح إعادة الإعمار” الذي يتنافسُ عليه “عُشاقُ سوريا” من الدول.

الحضور العربي في سوريا، الخليجي خاصة، سيقلص مِن النفوذ التركي.  دول الخليج ليس لديها ما تُقدمه لسوريا سوى المال وهو الذي تبحث عنه فرنسا وبوجوده ستدعم الحل السياسي لتُحقّقَ مصالحها التي تتلو هذا الحلّ. بدءُ أيّ حلّ سياسي سيُسقطُ الذريعة الأميركية ويجعلُ باريس تمضي بخطوات أوسع نحو رفع الحصار والعقوبات عن دمشق، وبالتعاون مع روسيا.

خلاصة القول

 فرنسا لوحدها لن تستطيع النجاح وليست قادرةً على فعل شيء يُذكر في الساحة السورية، لابد من تعاونها مع روسيا والدول العربية وكلّ دولة معادية لتركيا. تخبط تركيا العثمانية هنا وهناك أمرٌ يساعد سوريا على الخروج من الأزمة، وسياسة أردوغان زعيم الإخوان المسلمين وخطواته العدوانية وأحلامهُ التوسعية، سيُعجّلُ من عودة مصر والسعودية والإمارات لطرق أبواب دمشق. نشوء نوع من التحالف ولنسمّه “تكتل” من الدول السابقة، سيجعلُ واشنطن ولندن تُفكّران مليّاً في جدوى الاستمرار في دعم أردوغان.

ستلاحظون أنّ القادم على فرنسا سيءٌ، سيقوم المعسكر المُعادي لباريس بتحريك الشارع الفرنسي ومعه “فيروس كورونا“، ضد ماكرون الطامح والخارج من عباءة الفوضى الخلّاقة، لإعادته بأية طريقة أو إقصائه… والإقصاءُ يكون بطرقٍ شتى…

إذاً الأمرُ لا يتعلّقُ فقط بفرنسا بل بروسيا الماضية في “دلال” أردوغان على حساب أمنها القومي والدول الأخرى كسوريا وأرمينيا وليبيا… ومن أجل عقود اقتصادية ستجني أضعاف أرباحها إن أوقفت الأطماع العثمانية عند حدها وهي قادرة.

على روسيا استبدال تركيا العثمانية بفرنسا. فرنسا أقوى وأوسع نفوذاً وأكثر أصالة في حلف الناتو، فهل ستُفكّرُ موسكو بهذا الاتجاه؟ على روسيا أيضاً السعي بجدية لعودة العرب إلى سوريا، واستغلال تضارب مصالح الدول وتجييرها لصالحها، وصالحها أن تعود دمشقُ قوية وسوريا موحّدةً بدستور حكم مركزي لا فيدرالي، وتحرير كامل الأراضي السورية من المحتلين شرقاً وشمالاً.

المطلوبُ من سوريا يحتاجُ لبحث آخر، نقتصر منه هنا على ضرورة مواصلة سعيها نحو الدول الخليجية ومصر، ومكرهٌ آخاك لا بطل، وباتجاه الدول الأخرى التي بقيت صديقة لدمشق كالجزائر واليونان ودول أميركا اللاتينية. حتى فرنسا ابنة الناتو “المهلهل” لا بد من كسب ودّها، وكسبّ الود في السياسة ليس صعباً…

إن نجحت الدول السابقة؛ فرنسا وروسيا وسوريا بتشكيل تكتل ما، فسيكون هذا خرق كبير في الموقف الأمريكي ومن قلب الناتو. إن كنتم تسألون عن الدور الإيراني، فإيران منحازة إلى الصفّ التركي وهذا ظهرَ جلياً في موقفها من الحرب في إقليم أرتساخ الأرمني، لهذا لا نعوّلُ على أي دور إيراني لصالح هكذا تكتل، رغم أنّ انضمام طهران له، سيكون في مصلحتها أولاً… الدور الصيني مازال قاصراً عن فعل شيء هنا، والصين تجري وراء مصالحها الاقتصادية قبل كلّ شيء.

عودة السفارات الإماراتية والعُمانية وفتح الحدود هي قطرات الغيث الأولى، وسياسة السير بين حبّات المطر دون التبلل هي المطلوبة. الملفات هامة وتحتاج لإدارة ذكية وحكيمة من الدول الثلاث الرئيسية. فهل سنرى تغييراً جذرياً في طريقة التعامل مع رأس الحربة العثماني من قِبل موسكو، وهل سنرى إنتصاراً قوياً للتيار العلماني المناوئ للعثمانيين على التيار الإخواني الكبير في سوريا؟

زيد م. هاشم. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات.