التجارة الخارجية السورية: أرقام مفاجئة

التجارة الخارجية السورية: أرقام مفاجئة

مال واعمال

الجمعة، ٢٩ مايو ٢٠٢٠

كيف تبدو التجارة الخارجية السورية في ظل الحصار الغربي؟ ومن هم شركاء سوريا التجاريون اليوم؟ هل فعلاً إن حلفاء دمشق يستحوذون على «حصة الأسد» من التعاملات التجارية؟ أسئلة كثيرة تجيب عنها بيانات تُنشَر للمرّة الأولى حول واقع التجارة الخارجية السورية
 طيلة السنوات التسع الماضية، لم تهدأ الجهودُ الخارجية الساعية في فرض حال من العزل الاقتصادي الكامل على دمشق؛ من توسيع دائرة العقوبات إلى عرقلة استعادة الحكومة السيطرة على الثروات والموارد الوطنية، فالحرص على استمرار خروج المعابر الحدودية عن دائرة الاستثمار الاقتصادي الفعلي. غالبية خطوات العزل توجّهت في المقام الأول للنيل من بنية قطاع التجارة الخارجية، وذلك عبر إضعاف هذا القطاع وتحويله من محرّك تنموي إلى عبء ثقيل على اقتصاد البلاد. هذه العقوبات ليست وحدها المسؤولة عمّا أصاب قطاع التجارة الخارجية، فالسياسات الحكومية المتّبعة خلال السنوات الست الأولى من عمر الحرب تتحمّل جزءاً من المسؤولية، ولا سيما ما يتعلّق بالتأخّر في إعادة هيكلة القطاع لينسجم مع الاحتياجات الاقتصادية الضرورية. وهو ما لم يبدأ إلا قبل حوالى عامين واستهدف وضع آلية جديدة لمنح إجازات الاستيراد، وترشيد السلع المسموح باستيرادها للحيلولة دون الضغط على سوق القطع الأجنبي، وتشجيع الصادرات لترميم ما فقدته البلاد من مصادر القطع الأجنبي.
البيانات الإحصائية المتعلّقة بمستوردات البلاد وصادراتها خلال العامين الأخيرين، تؤشّر إلى نتائج تلك الإجراءات، إذ بحسب البيانات الخاصة بوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، والتي حصلت عليها «الأخبار»، فإن مستوردات البلاد خلال العام الماضي تراجعت 18% مقارنة بعام 2018. فقد بلغت قيمة المستوردات في عام 2019 حوالى 5.2 مليار يورو بانخفاض قدره 1.1 مليار يورو عن عام 2018. انخفاض يعزوه مصدر اقتصادي إلى عاملين اثنين: الأول، تشديد الحصار الغربي على سوريا مع بداية عام 2019 وعرقلته تأمين احتياجات السوق. والثاني، الآلية الجديدة المتّبعة في منح إجازات الاستيراد للمواد المسموحة التي تراجع عددها 77% مقارنة بعام 2016، كما أن عدد الموافقات الممنوحة تراجع منذ عام 2016 ولنهاية العام الماضي 43%.
ومع أن قيمة الصادرات المسجّلة في العام الماضي شهدت تحسّناً ملحوظاً بلغ 21.6%، إلا أن قيمتها لا تزال متدنية جداً مقارنة بسنوات ما قبل الأزمة. فهي في العام الماضي لم تتجاوز 523.3 مليون يورو، بزيادة قدرها 93 مليون يورو عن عام 2018. وبحسب مصادر متابعة، فإن تلك الزيادة جاءت بعد حدوث متغيّرات عدّة، أبرزها عودة كثير من المعامل والمنشآت الصناعية للعمل. وتبعاً لبيانات وزارة الصناعة فإن 18% من المنشآت العائدة عادت العام الماضي. كما أن عودة العمل، وإن بشكل جزئي، إلى معبر نصيب الحدودي مع الأردن، أسهم في تحريك بسيط للصادرات السورية من جهة، وفي تغيير تركيبة الدول المستوردة للسلع السورية من جهة أخرى. وكان ثمّة تعويل على حدوث انتعاش متدرّج للصادرات، إلا أن تشديد الحصار الغربي ومنع البلاد الاستفادة من معابرها البرّية حالا دون تحقيق ذلك.
وبناءً على ما سبق، فإن الميزان التجاري للعام الماضي سجّل خسارة قدرها 4.6 مليارات يورو، بتراجع واضح عن الخسارة المسجلة في ميزان عام 2018، والتي بلغت آنذاك حوالى 5.9 مليارات يورو. خسارة تشكّل عبئاً ثقيلاً على سعر صرف الليرة، وتالياً على الوضع المعيشي للسوريين.
 
الولايات المتحدة خارج «العشرين»
إن أهم ملاحظة تُسجّل على تركيبة الشركاء التجاريين لسوريا في عام 2019 تتمثّل في تباين تأثيرات العامل السياسي والموقف الخارجي من الأزمة والعقوبات الغربية. ففي الوقت الذي يتبدّى تأثير هذا العامل بوضوح في ملف الاستيراد عبر حضور بعض «الدول الحليفة والصديقة»، يغيب في ملف التصدير إذ تصل صادرات القطاع الخاص إلى أسواق دول لها مواقف من الأزمة السورية.
وتظهر بيانات وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية احتفاظ الصين بصدارة الدول الموردة للسلع والبضائع للسوق السورية، إذ بلغت قيمة ما صدّرته في العام الماضي حوالى 718 مليون يورو، بزيادة قدرها 119 مليون يورو عن عام 2018. ومع أن الصادرات المصرية تراجعت من حيث القيمة إلا أنها قفزت لتحتل المرتبة الثانية في العام الماضي بعدما كانت في عام 2018 تحتل المرتبة الثالثة، كذلك تراجعت روسيا من المرتبة الثانية إلى المرتبة الرابعة في العام الماضي، وذلك نتيجة تراجع صادراتها بحوالى 69 مليون يورو.
الهند، التي حافظت على علاقات دبلوماسية واقتصادية مع دمشق، كانت من بين الدول التي زادت صادراتها للسوق السورية بحوالى 70 مليون يورو، وهو ما جعلها تحتل المرتبة الثالثة في قائمة الدول المصدّرة لسوريا خلال العام الماضي، بعدما كانت تحتل المرتبة الخامسة عام 2018. كذلك زادت الصادرات الإيرانية بحوالي 67 مليون يورو خلال العامين الأخيرين، ولتأتي في مرتبة معاكسة لكل التوقعات والمعلومات المتداولة حول طبيعة العلاقة الاقتصادية التي باتت تربطها بدمشق أثناء الحرب، حيث انتقلت من المرتبة الـ 14 في عام 2018 إلى المرتبة السادسة في العام التالي. في حين كان مبرّراً غياب تركيا عن قائمة أهم 20 دولة استوردت منها دمشق احتياجاتها خلال العامين الأخيرين.
وكمؤشر واضح على تشديد الحصار الاقتصادي على دمشق، فإن البيانات الرسمية تشير إلى أن الولايات المتحدة الأميركية، التي كانت بين أهم 20 دولة يستورد منها القطاع الخاص الجزء الأكبر من احتياجات البلاد عام 2018، غابت عن القائمة في العام الماضي، في حين أن المستوردات من فرنسا تراجعت حوالى 51% مقارنة بقيمة السلع المستوردة منها في العام ما قبل الماضي.
 
السعودية أوّلاً!
أما في ما يتعلّق بالدول التي توجّهت نحوها الصادرات السورية في العام الماضي، فإن بيانات وزارة الاقتصاد تشير إلى أنه من بين أهم 20 دولة صدّر إليها القطاع الخاص كان هناك 13 دولة عربية تجاوزت مستورداتها من سوريا 344.8 مليون يورو، لا بل إن 6 دول منها استحوذت على المراكز الستة الأولى في تلك الدول. ويلاحظ كذلك أن الخلافات السياسية بين الدول لم تقطع «صلة الرحم» التجارية مع دمشق وبالعكس. فقد تصدّرت السعودية قائمة الدول التي صدّر لها القطاع الخاص السوري في العام الماضي ما قيمته 74.5 مليون يورو، بزيادة قدرها 19 مليون يورو عن العام السابق، الذي جاءت فيه ثانياً بعد لبنان. وبحسب ما يذكر اقتصاديون، فإن هذا التحوّل سببه إعادة تشغيل معبر نصيب الحدودي مع الأردن بعد سيطرة الحكومة عليه في العام ما قبل الماضي، وتالياً فتح الطريق جزئياً أمام سلع زراعية وصناعية عديدة للوصول إلى الأسواق السعودية.
ومع أن المستوردات اللبنانية من سوريا زادت بنحو 12 مليون يورو في العام الماضي، إذ سجّلت ما قيمته 69.4 مليون يورو، إلا أن ذلك لم يحل دون فقدان لبنان مرتبته الأولى في قائمة الدول المستوردة من سوريا، إذ حلّ ثانياً في العام الماضي متقدّماً على العراق، الذي استورد بما قيمته 50 مليون يورو ، وبنسبة زيادة تصل إلى حوالى 61% مقارنة بما تحقّق في العام السابق.
 
ملاحظات
ثلاث ملاحظات رئيسية يمكن استنتاجها من خلال مقارنة تركيبة الدول التي توجّهت نحوها الصادرات السورية خلال العامين الأخيرين:
الأولى، تتراجع تركيا من المرتبة الثالثة في العام ما قبل الماضي إلى المرتبة السابعة في العام الماضي، وهذا ترافق أيضاً مع تراجع شديد في قيمة مستورداتها من سوريا وبنسبة تصل إلى حوالى 32%، إذ لم تتجاوز قيمتها أكثر من 21.3 مليون يورو في العام الماضي.
الثانية، غياب إيران عن الدول الـ 20 الأهم في استقبال الصادرات السورية في عام 2019، وهو ما يطرح تساؤلات كثيرة حيال الأسباب التي تحول دون استفادة دمشق من السوق الإيرانية الواسعة والدور السلبي للعقوبات الأميركية على طهران.
الثالثة، تباين تأثّر مستوردات بعض الدول الأوروبية من سوريا بتشديد العقوبات في الأشهر السابقة، فمثلاً مستوردات ألمانيا تراجعت 15%، وإسبانيا 46.3% مع غياب كامل لفرنسا عن خريطة أهم 20 دولة تم التصدير إليها في العامين الأخيرين.
وجود دول عربية وغربية على خريطة التجارة الخارجية السورية كان له ثمنه أيضاً، فرغم استثناء العقوبات الغربية «ظاهرياً» للسلع الغذائية والدوائية وغيرها، إلا أن ذلك لم يحل دون تضرّر عملية تأمين تلك السلع للمواطن السوري، حيث تضطر الحكومة والقطاع الخاص لدفع ما بين 30-50% زيادة على تكاليف استيراد كل سلعة نتيجة لارتفاع تكاليف الشحن إلى سوريا ورسوم إعادة التأمين وما تتطلبه إجراءات التحايل والالتفاف على العقوبات وغيرها. وفي مثل هذه الظروف المرافقة لانتشار فيروس كورونا، فإن التكاليف ستكون قابلة للارتفاع، وتالياً تهديد لقمة عيش 85% من السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقراء وفق تقديرات أممية مضى عليها نحو عام.