مسمار آخر في نعش النفط.. كيف أعطى كورونا قبلة الحياة للطاقة البديلة؟

مسمار آخر في نعش النفط.. كيف أعطى كورونا قبلة الحياة للطاقة البديلة؟

مال واعمال

الأربعاء، ١٣ مايو ٢٠٢٠

على الرغم من أسعار النفط المنخفضة حالياً، إلا أن المؤشرات تؤكد أن المستقبل القريب سيشهد تحولاً درامياً على مستوى العالم نحو مصادر الطاقة الصديقة للبيئة وفي مقدمتها الهيدروجين، بعد أن كشفت تداعيات جائحة كورونا والإغلاق الاقتصادي عن أهمية تخليص العالم من مخاطر التلوث الناجمة عن استخدام الوقود الأحفوري، فما هي القصة؟
قرارات مؤجلة عجلت بها الجائحة
في تقرير لرويترز قبل أيام، كشف وزير البيئة البرتغالي جواو ماتيوس فيرنانديز عن أن بلاده تستعد لإطلاق عدة مشاريع تكلفتها مليارات الدولارات في يونيو/حزيران المقبل، من بينها مصنع هيدروجين ضخم كان مؤجلاً منذ فترة، لكن جائحة كورونا عجلت بالقرار بعدما كشفت عن حتمية التحرك نحو مستقبل أخضر وأكثر حرصاً على البيئة بسبب التلوث الذي يسببه الوقود الأحفوري.
وسيتم الانتهاء من بناء مصنع الهيدروجين الذي يعمل بالطاقة الشمسية خلال عام، ويبلغ حجم استثماراته 5 مليارات يورو، ويمكن أن يبدأ إنتاج الهيدروجين “الأخضر” عام 2023، والهيدروجين الأخضر مصدر للطاقة أكثر نظافة من الوقود الناتج عن النفط أو الوقود الأحفوري، وأضاف الوزير البرتغالي أن العملية ستتم باستخدام الكهرباء لفصل ذرات الماء والهدف هو توليد واحد غيغاواط بحلول عام 2030.
واليوم الثلاثاء 12 مايو/أيار نشرت وكالة أنباء الأناضول التركية تقريراً، عنوانه “كورونا يعيد وجهة الطاقة من الأحفوري إلى الهيدروجين”، قال فيه إبراهيم دينجر رئيس جمعية تقنيات الهيدروجين في تركيا، إن انتشار فيروس كورونا أحدث تغييرات جذرية في سياسات الطاقة العالمية، وأكد أهمية الهواء النقي والبيئة الصحية، للبشر على مستوى العالم.
الحديث عن بديل للنفط ليس جديداً
ومنذ عقد كامل تقريباً، كان يعكف العلماء الألمان على دراسة نبتة تسمى “ميسكانتوس” يمكن أن تستخدم كمصدر لتوليد وقود بديل للسيارات وأيضا تستخدم في تطبيقات كثيرة مثل بناء المنازل وصناعة الأواني، ولا شك أن استخدام النبات كمصدر للطاقة الحيوية والنظيفة يمثل نقلة نوعية هائلة، بعيداً عن الوقود الأحفوري الذي تنبعث منه غازات ضارة كثيرة أبرزها ثاني أكسيد الكربون.
لكن، إضافة للجدوى الاقتصادية التي لا تزال بعيدة عن التحقق حتى يمكن تعميم استخدام تقنيات إنتاج طاقة نظيفة من النباتات، يواجه العلماء تحدياً آخر يتمثل في كيفية إيجاد حلول لنقص النباتات المستخدمة في تغذية الإنسان والحيوان، وهي إشكالية تنتج بالتوازي مع استغلال أراضي وحقول النباتات الغذائية في زرع نباتات الطاقة.
ولا تزال بلدة كلاين-ألتندورف الصغيرة الواقعة على سفوح هضاب الأيفيل غرب ألمانيا تشهد تجارب تهدف لاستخدام نبتة الميسكانتوس كمصدر لتوليد الطاقة النظيفة، حيث توجد بساتين وحقول فيها حجرات زجاجية دافئة تحفظ النباتات في درجة معينة من الرطوبة، وهذه المباني، التي تشبه الإسطبل، هي منطقة بحث علمي تابعة لجامعة بون، حيث يعكف علماء النبات الألمان على إجراء أبحاثهم لإنتاج محاصيل المستقبل، لتحل الطاقة الحيوية النظيفة محل الطاقة الأحفورية.
كورونا جعل الأمر ضرورة لا ترفاً
لكن جائحة كورونا التي ضربت العالم منذ ظهر الفيروس في الصين أواخر العام الماضي، ثم انتشر في كل دول العالم وأصاب أكثر من 4 ملايين و300 ألف شخص بالعدوى وأودى بحياة نحو 290 ألف حول العالم حتى كتابة هذا التقرير اليوم الثلاثاء 12 مايو/ أيار، كشفت عن حتمية أن يقلل العالم من استخدام الوقود الأحفوري بشكل فوري.
والقصة ببساطة هي أن العالم لم يجد وسيلة لكبح جماح الفيروس المعدي للغاية سوى تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي ووقف أغلب الأنشطة الاقتصادية، ومن ثم ظهرت وبسرعة لم يتوقعها أحد الآثار الإيجابية على نسبة تلوث الهواء حول العالم، لكن الأهم هو أن التلوث جعل الفيروس أكثر شراسة، بحسب تقرير لناشيونال جيوجرافيك في أبريل/نيسان الماضي.
والآن بدأ العالم ينتبه لضحايا التلوث، حيث كان نحو 7 ملايين شخص حول العالم يفقدون حياتهم بسبب التلوث وما ينتج عنه من أمراض كل عام، قبل أن تضرب جائحة كورونا، وبالتالي تتجه دول العالم بشكل جدي للاستثمار أكثر في مصادر الطاقة النظيفة لتكون بديلاً للوقود الأحفوري.
ما بعد كورونا مختلف
ويتم إنتاج غاز الهيدروجين، بواسطة طرق مختلفة، أهمها التحليل الكهربائي للماء والذي يؤدي إلى كسر الروابط الكيميائية بين الأكسجين والهيدروجين في الماء، ويوضح دينجر أن “فصل الهيدروجين والأكسجين عن الماء، يتم بطريقة نظيفة”، مشيراً أن الهيدروجين يشكل بديلاً مهماً لتوفير الطاقة النظيفة والصديقة للبيئة.
وقد عبر عن هذا التوجه وزير البيئة البرتغالي في حديثه لرويترز عندما قال “لا يمكن أن ينمو الاقتصاد بنفس الطريقة التي كنا نعمل بها في الماضي، وتعتمد رؤيتنا لما بعد كورونا على اقتصاد غني من خلال مشاريع تقلل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وتروج للتحول في مجال الطاقة (من الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة”.
وفي الرسالة نفسها أكد دينجر في مقابلته مع الأناضول بقوله إن تفشي الوباء، أدى إلى زيادة الاعتماد على الهيدروجين كحامل للوقود والطاقة، لا سيما وأن هذا النوع من الغازات يعتبر وقوداً نظيفاً وآمناً بيئياً، ويعتبر أن غاز الهيدروجين، الذي لا يطلق غازات ضارة أثناء احتراقه ويمتلك طاقة عالية، سيحل بشكل تدريجي مكان المصادر الأحفورية للطاقة، التي تتسبب بالانبعاثات الكربونية الضارة.
ويعتبر الهيدروجين من المصادر البديلة الحاملة للطاقة، والتي ستكون قبلة رئيسة في عديد الصناعات أبرزها إنتاج السيارات، كإحدى أدوات توليد الطاقة، إلى جانب مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، ويشير “دينجر”، إلى أن وباء كورونا، عجل من البحث عن مصادر بديلة للطاقة، وزاد الاهتمام بتقنيات الطاقة القائمة على الهيدروجين الصديق للصحة والبيئة، مضيفاً أن “منظمات حول العالم مثل وكالة الطاقة الدولية، والوكالة الدولية للطاقة المتجددة، أعربتا عن توقعاتهما أن يتحول الهيدروجين في السنوات المقبلة إلى “وقود المستقبل.. ما يعني بالضرورة تقليص الاعتماد تدريجياً على النفط”.
ويقول رئيس جمعية تقنيات الهيدروجين، إن سياسات شركات النفط والطاقة العالمية في تنويع مصادر الطاقة، تشهد تحولات كبيرة منذ 2017، ويعتبر أن “عصر النفط يقترب من نهايته”، ويضيف: “ستحظر العديد من البلدان مركبات الاحتراق الداخلي بحلول عام 2025، مواكبة التغييرات الجارية في قطاع الطاقة تستحوذ على أهمية كبيرة لاستمرار المساهمة في هذا القطاع، والحد من انبعاثات الكربون”.
الهيدروجين إذن مرشح لأن يكون وقود المستقبل خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً مع زيادة الوعي بشأن البيئة حول العالم وزيادة الإقبال على استخدام مصادر الطاقة الصديقة للبيئة، بحسب دينجر الذي أضاف أن المستهلك بات في هذه المرحلة، بحاجة أكثر إلى الهواء النقي والبيئة.