أسوأ من أزمة 2008.. صندوق النقد يتوقع كارثة اقتصادية في الشرق ألأوسط بسبب كورونا والنفط

أسوأ من أزمة 2008.. صندوق النقد يتوقع كارثة اقتصادية في الشرق ألأوسط بسبب كورونا والنفط

مال واعمال

الخميس، ١٦ أبريل ٢٠٢٠

التقرير الصادر عن صندوق النقد الدولي بشأن تأثيرات وباء كورونا على الاقتصاد العالمي يتوقع انكماشاً أسوأ مما تسببت فيه الأزمة المالية العالمية عام 2008، لكن التوقعات أكثر تشاؤماً فيما يخص اقتصاديات الدول العربية التي تعتمد على صادرات النفط، وذلك بسبب تأثيرات انهيار الأسعار، التي لا يبدو أن اتفاق التخفيض الأخير سيؤثر على ارتفاعها قريباً.
توقعات انكماش غير مسبوقة
استهل التقرير الصادر، الأربعاء 15 أبريل/نيسان، عن الصندوق بالقول إن وباء كوفيد-19 يسبب تكلفة بشرية عالية ومتزايدة حول العالم، كما أن إجراءات الحماية الضرورية تتسبب في تأثيرات ضخمة على النشاط الاقتصادي، وكنتيجة للوباء من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد العالمي بحدَّة وبنسبة 3% في العام الجاري (2020)، وهي نسبة أسوأ بكثير من تبعات الأزمة المالية عامي 2008 و2009.
ورغم ذلك يعتقد البعض أن تقديرات الصندوق متفائلة إلى حد بعيد، وذلك لأنها اعتمدت على افتراض أن الوباء سيختفي في النصف الثاني من العام، وهو أمر لا توجد مؤشرات تؤكده أو تنفيه من التقارير الصحية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية أو الجهات العلمية المختصة، في ظل استمرار النسق التصاعدي لحالات الإصابة حول العالم بشكل إجمالي.
التقرير ذكر عدة عوامل تجعل من الأزمة الناتجة عن تداعيات وباء كورونا غير مسبوقة منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين، أبرزها عنصر المفاجأة، حيث لم يكن هناك وقت كافٍ أمام الحكومات والهيئات الاقتصادية والمالية لوضع تصورات استباقية عن حجم الانكماش المتوقع، ورسم خطط لكيفية مواجهة الآثار السلبية اقتصادياً.
الاقتصاد الخليجي
وعن منطقة الشرق الأوسط، قال تقرير الصندوق إن الدول التي تعتمد موازناتها بقوة على صادرات النفط ستعاني ضغطاً إضافياً، نتيجة انهيار أسعار الخام، الناجم عن تراجع الطلب على النفط، رغم اتفاق تخفيض الإنتاج الذي توصلت إليه منظمة أوبك وروسيا والولايات المتحدة، الأحد 12 أبريل/نيسان، بسبب تأثير الجائحة التي هوت بالطلب على النفط.
وقال الصندوق إن اتفاق الخفض القياسي بين كبار المنتجين الدوليين قد يقدم بعض الدعم لأسعار الخام، ولكن “الانخفاضات في أسعار النفط كبيرة لدرجة أنه من المتوقع أن تنخفض الإيرادات المالية وحصيلة الصادرات في جميع دول المنطقة المصدِّرة للخام وضمن ذلك التي قد تتمكن من كسب حصة في السوق من منتجين أعلى تكلفة”.
وقد ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لدول المنطقة المصدِّرة للنفط 4.2 بالمئة، العام الجاري، في تعديل حاد، نزولاً من توقعات الصندوق بنمو 2.1 في المئة التي أعلنها في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي. ومن المتوقع أن تنخفض صادرات نفط تلك الدول بأكثر من 250 مليار دولار.
وقال الصندوق إنه من المتوقع أن ينخفض النمو في المنطقة من 1.2 بالمئة في 2019 إلى انكماش 2.8 بالمئة، العام الجاري. وبالنسبة لأكبر مُصدِّر للنفط الخام في العالم وهي السعودية، توقَّع تقرير الصندوق أن ينكمش اقتصادها بنسبة 2.3 بالمئة في العام الجاري، من نمو 0.3 بالمئة في 2019، بحسب الصندوق الذي كان يتوقع نمواً بنسبة 2.2 بالمئة للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي هذا العام، قبل أن تغير الجائحة جميع توقعات النمو.
وبشأن القطاع الاقتصادي غير النفطي في السعودية، توقع التقرير انكماشاً بنسبة 4% في العام الجاري، وهو ما يعني مزيداً من الضغوط، في وقت كان ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، يسعى للتخفيف من اعتماد اقتصاد المملكة على صادرات النفط وتنويع موارد البلاد، في إطار رؤية 2030 التي تبناها، لكنها تبدو الآن حلماً بعيد المنال إلى حد كبير.
أما فيما يتعلق بالإمارات فقد توقَّع تقرير الصندوق انكماشاً بنحو 3.5%، بفعل تداعيات الوباء وإجراءات الوقاية والإغلاق الاقتصادي؛ فإلى جانب انهيار أسعار النفط التي تمثل مصدراً رئيسياً للدخل، جاء أيضاً تأجيل معرض إكسبو 2020 في دبي، الذي كان يمثل فرصة كبيرة لدفع النمو الاقتصادي للعام الجاري، ليشكِّل ضربة إضافية بعد الوباء وأسعار النفط.
أما بالنسبة للكويت، فقد جاءت توقعات صندوق النقد أقل تشاؤماً، حيث من المتوقع أن يكون الانكماش الاقتصادي بنسبة 1.1% فقط، بفعل قدرة الإمارة الخليجية على تحمُّل تداعيات الجائحة بصورة أكبر من السعودية والإمارات، من ناحية الاحتياطات النقدية لديها، في حين توقَّع التقرير انكماش الاقتصاد القطري بنسبة 4.3%.
وتوقع التقرير انكماش الاقتصاد العماني بنسبة 2.8% في العام الجاري، مقارنة بنمو 0.7% العام الماضي، وذلك بسبب تداعيات جائحة كورونا وانهيار أسعار النفط، وجاءت توقعات الانكماش بالنسبة للبحرين بنسبة 1.5%.
توقعات إيجابية للاقتصاد المصري
اللافت أن توقعات الصندوق بالنسبة للاقتصاد المصري جاءت متفائلة، حيث توقَّع التقرير أن تكون مصر الدولةَ العربيةَ الوحيدةَ التي تحقق نمواً اقتصادياً خلال العام الجاري (2020)، رغم تداعيات انتشار فيروس كورونا. ورغم أن التقرير قد خفض توقعات صندوق النقد لنمو الاقتصاد المصري إلى 2% في 2020، و2.8% في 2021، مقابل نحو 5.6% في 2019، تظل هي الدولة العربية الوحيدة التي توقع لها الصندوق نمواً اقتصادياً موجباً.
كانت مصر قد أعلنت الثلاثاء 14 أبريل/نيسان، عن 160 حالة إصابة جديدة بفيروس كورونا، وهو ما رفع إجمالي الإصابات إلى 2350 حالة والوفيات إلى 178، منها 14 حالة سُجِّلت أمس، وسط مخاوف من حدوث ارتفاع كبير في انتشار الوباء، أو ما يُعرف بالذروة في مايو/أيار أو يونيو/حزيران.
لكن تقرير الصندوق حمل أيضاً مؤشرات سلبية فيما يتعلق بالتضخم في أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، حيث رفع توقعاته لمعدل التضخم في مصر خلال العام الجاري، إلى 9.9%، وفي عام 2021 توقَّع أن يستمر تقريباً على النسق ذاته ولكن بانخفاض طفيف إلى 9.7%، وكان تقرير صندوق النقد الأخير في أكتوبر/تشرين الأول، قد توقع أن يتراجع معدل التضخم في مصر ليصل إلى 7.4% و7% لعامي 2020-2021 و2021-2022.
أما لبنان الذي يمتلك ثالث أعلى دَين خارجي مقارنة بالناتج المحلي على مستوى العالم، فقد توقع تقرير صندوق النقد أن يشهد انكماشاً اقتصادياً بنسبة 12% في العام الجاري، أي تقريباً ضعف نسبة التراجع الاقتصادي في العام الماضي (2019)، وجاءت تداعيات انتشار جائحة كورونا وإجراءات الوقاية والتباعد الاجتماعي والإغلاق لتضع مزيداً من الضغوط على اقتصاد يعاني بالفعل.
توقعات الاقتصاد التركي
وتوقَّع التقرير انكماشاً في الاقتصاد التركي بنسبة 5% العام الجاري (2020)، بفعل تداعيات وباء كورونا الذي أصاب أكثر من 65 ألفاً حتى الثلاثاء، وأودى بحياة 1403 أشخاص، حيث اتخذت الحكومة التركية إجراءات تهدف إلى تخفيف الآثار الاقتصادية لانتشار الفيروس في البلاد.
كانت أنقرة قد أعلنت عن حزمة إجراءات بقيمة 100 مليار ليرة (15 مليار دولار)؛ لمساعدة الشركات والعمال على التعامل مع تفشي المرض، وتُعتبر توقعات الانكماش في تقرير الصندوق معادِلة لنسبة النمو نفسها التي كانت تتوقعها الحكومة التركية للعام وهي 5%، كما توقَّع التقرير أيضاً أن ترتفع نسبة البطالة إلى 17.2 في المئة بنهاية العام.
وبالنسبة لتوقعات صندوق النقد للاقتصاد التركي في العام القادم (2021)، فقد جاءت إيجابية بنسبة نمو أيضاً تبلغ 5%.
وفيما يخص إيران، أكثر دول الشرق الأوسط تضرراً من المرض والتي تسعى لاقتراض خمسة مليارات دولار من تمويل الطوارئ بالصندوق، قال تقرير الصندوق في توقعاته الاقتصادية للمنطقة: “إجراءات الاحتواء اللازمة لوقف تفشي الفيروس أثرت على القطاعات الغنية بالوظائف في المنطقة، مع آثار سلبية على الثقة والنشاط غير النفطي”. وعقب ركود حاد في 2019، يتوقع الصندوق انكماش الاقتصاد الإيراني ستة بالمئة هذا العام.
ماذا عن المغرب؟
وبالنسبة للمغرب، توقع تقرير صندوق النقد الدولي تراجع الناتج الداخلي الخام بنسبة 3.7 بالمئة، مشيراً إلى أن تاثير الجائحة سيدفع الاقتصاد المغربي نحو ركود حاد خلال العام الجاري، لكن التوقعات بالنسبة لآفاق الاقتصاد المغربي في العام القادم (2021) جاءت إيجابية، حيث توقع الصندوق نمواً بنسبة 4.8 بالمئة.
ومع استمرار الإجراءات التي اتخذتها المملكة المغربية لاحتواء تفشي الفيروس، كانت وزارة التخطيط قد توقعت تراجعاً في معدل نمو الاقتصاد، بنسبة 1.8 في المئة خلال الربع الثاني من العام الجاري.
خسارة 9 تريليونات دولار
بصفة عامة قال التقرير إن خسائر الاقتصاد العالمي من جراء “الإغلاق الكبير” -وهو المصطلح الذي استخدمه التقرير للإشارة إلى الإجراءات المتخذة لاحتواء تفشي الوباء، وأيضاً للإشارة إلى الكساد الكبير في القرن الماضي- تبلغ ما قيمته 9 تريليونات دولار، أو حجم الاقتصاد الياباني والألماني مجتمعَين، وهو رقم ضخم للغاية، آخذاً في الاعتبار أن المعركة ضد الوباء لا تزال مستعرة.
وفي هذا السياق، وعلى الرغم من التوقعات المتفائلة للصندوق بالنسبة للاقتصاد العالمي العام المقبل والتي وصلت إلى 4.7%، فقد حذَّر الصندوق من “وجود مخاطر كبيرة من نتيجة أسوأ”، من جرّاء “الضبابية الشديدة حيال مدى قوّة التعافي”، في الوقت الذي يشهد فيه فرض إجراءات إغلاق بمعظم دول العالم؛ لاحتواء الوباء ومنع انهيار أنظمة الرعاية الصحية.
وهذه الإشارات تعني أن توقعات صندوق النقد مرتبطة بشكل مباشر بمدى نجاح معركة احتواء تفشي الوباء ومداها الزمني، حيث إن السيناريو الذي اعتمده مُعِدّو تقرير الصندوق افترض أن معركة الوباء ستنتهي في النصف الثاني من العام الجاري، أي بداية من يوليو/تموز المقبل.