ما ادخرته الدول النفطية في عقود معرض للانهيار في عام ونصف! أزمة الطاقة مستمرة رغم اتفاق أوبك

ما ادخرته الدول النفطية في عقود معرض للانهيار في عام ونصف! أزمة الطاقة مستمرة رغم اتفاق أوبك

مال واعمال

الأربعاء، ١٥ أبريل ٢٠٢٠

تواجه اقتصادات الشرق الأوسط خطر تآكل احتياطاتها النقدية، التي بنيت خلال أكثر من عقدين من التحسن المتزايد في أسعار النفط الخام، بسبب زيادة الطلب العالمي.
لكن أسعار النفط الرخيصة في السوق العالمية تعمل على جر البلدان المنتجة للنفط في الشرق الأوسط إلى الانهيار، والتي تعتمد اقتصاداتها بشكل كبير على إنتاج النفط الخام وصادراته.
وبسبب فيروس كورونا (COVID-19) الذي يُبقي الاستهلاك العالمي للنفط ضعيفاً، وحرب أسعار النفط بين السعودية وروسيا التي هدأت مؤخراً، انخفضت أسعار النفط الخام لتصل إلى أقل من 25 دولاراً لبرميل برنت.
هل الاتفاق يحل الأزمة؟
والأحد، أعلنت عدة دول نفطية في تحالف (أوبك+)، عن إتمام اتفاق لأكبر خفض تاريخي مدروس لإنتاج النفط الخام بواقع 10 ملايين برميل يومياً، يتحمل منها التحالف 9.7 مليون برميل يومياً.
ويتضمن الاتفاق خفض إنتاج النفط من جانب التحالف بمقدار 9.7 مليون برميل يومياً، و300 ألف برميل يومياً قالت شركات نفط أمريكية إنها ستخفضها من جانبها.
ويدخل قرار الخفض اعتباراً من مطلع مايو/أيار، ولمدة شهرين متواصلين، يتبعه اتفاق آخر بتقليص خفض الإنتاج إلى 8 ملايين برميل يومياً حتى نهاية 2020.
إلا أن أسعار النفط الخام قبل الاتفاق كانت على ما يبدو تعكس أسعار ما بعد الخفض، وهو ما ظهر جلياً في بداية التعاملات الأسبوعية، الإثنين، إذ استقر سعر البرميل دون تغيير تقريباً، عن إغلاق الجمعة (قبل الاتفاق النهائي).
ويهدد انخفاض أسعار النفط الخام بشكل خطير معظم البلدان المنتجة للنفط في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي تحتاج إلى أسعار نفط بين 60 إلى 85 دولاراً وربما أكثر، لتحقيق التوازن في ميزانياتها.
وتحتاج نيجيريا إلى سعر 144 دولاراً لبرميل برنت في المتوسط، لتحقيق توازن في ميزانيتها هذا العام، بحيث تتعادل عندها الأرباح والخسائر، في حين تحتاج البحرين إلى 96 دولاراً للبرميل، وفقاً لبيانات وكالة التصنيف العالمية “فيتش”.
وتشير البيانات إلى أن السعودية صاحبة الوزن الثقيل في “أوبك”، وأكبر مصدر للنفط الخام في العالم، بحاجة إلى سعر 91 دولاراً للبرميل لتحقيق نقطة تعادل في الأرباح والخسائر، في حين تحتاج عُمان إلى 82 دولاراً للبرميل، والإمارات إلى 65 دولاراً للبرميل، وقطر إلى 55 دولاراً للبرميل.
بينما تحتاج الجزائر إلى سعر قدره 109 دولارات للبرميل، وأنغولا 55 دولاراً للبرميل، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي.
وتظهر البيانات أن فنزويلا وليبيا يحتاج كل منهما إلى سعر يبلغ 100 دولار للبرميل الواحد لتحقيق التوازن في ميزانيتيهما هذا العام، كذلك العراق تحتاج لسعر لا يقل عن 60 دولاراً للبرميل وإيران 195 دولاراً للبرميل الواحد.
وبالنسبة للدول غير الأعضاء في “أوبك” مثل روسيا والمكسيك وكازاخستان، فإنها على التوالي تحتاج إلى متوسط سعر 42 دولاراً، و49 دولاراً، و58 دولاراً هذا العام لتحقيق التوازن في ميزانياتها.
تراجع حاد
ومن المتوقع أيضاً أن تشهد البلدان المنتجة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا انخفاضاً في معدلات النمو الاقتصادي عام 2020، بسبب انخفاض أسعار النفط، وفقاً لمعهد التمويل الدولي.
وتشير التقديرات إلى أن معدل النمو الاقتصادي للسعودية سيبلغ 0.7٪ هذا العام، بانخفاض عن التوقعات السابقة البالغة 2٪.
كذلك انخفضت توقعات النمو الاقتصادي في الكويت من 2.8٪ إلى 0.8٪، بينما تنتظر الإمارات نمواً بنسبة 0.6٪، بعد أن كانت 1.9٪.
ومن المتوقع أن ينكمش الاقتصاد العراقي بنسبة 0.3٪، بدلاً من أن ينمو بنسبة 3.2٪؛ ويتوقع أيضاً أن يتقلص الاقتصاد الإيراني بنسبة 8.4٪ هذا العام، بدلاً من 5.1٪.
وإذا بلغ متوسط أسعار النفط 40 دولاراً للبرميل هذا العام، فقد تشهد 9 بلدان مصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا انخفاضاً في أرباحها من المنتجات الهيدروكربونية ما مجموعه 192 مليار دولار، بحسب تقديرات معهد التمويل الدولي.
السعودية – التداعيات الأكبر
وبهذا الخصوص، يقول مارك روسانو، محلل الطاقة بشركة “بريميري فيجن” للتحري التسويقي، ومقرها الولايات المتحدة: “الفائض في المعروض يتزايد بشكل كبير مع بقاء المصافي في حالة ركود، لدينا انخفاض في الطلب بنحو 38 مليون برميل في اليوم”.
ويذكر روسانو، في حديثه للأناضول، أن الصين ألغت بالفعل 10 شحنات من السعودية في أبريل/نيسان ومايو/أيار 2020، ويبدو أن هناك إلغاءات أخرى لشحنات من نيجيريا وأنغولا وروسيا والعراق.
شركة النفط السعودية أرامكو/رويترز
ويضيف أنه مع انخفاض الطلب على النفط، ووفرة المعروض منه في سوق النفط العالمية، فإن أسعار النفط قد تبقى دون 30 دولاراً للبرميل.
ووفقاً لروسانو، فإن انخفاض أسعار النفط تلحق الضرر أكثر بالعراق وإيران ونيجيريا وأنغولا والسعودية.
ويوضح أن “الإمارات وقطر محميتان أكثر قليلاً من قبل صندوق الثروة السيادي، ويلعب الغاز الطبيعي المسال دوراً كبيراً لقطر والذي كان له فائدة كبيرة للبلاد في السنوات القليلة الماضية”.
ويقول روسانو: “لن تتضرر قطر بقدر بقية الدول (الخليج)، رغم أن 2020 سيكون عاماً خاسراً بالنسبة للغاز الطبيعي المسال؛ ومع ذلك، فإن المسار ما يزال في صالحهم على المدى الطويل”.
ويشير إلى أن الكويت والإمارات “محميتان إلى حد ما” في الوقت الراهن، لكن السعودية لديها أكبر تداعيات بين دول مجلس التعاون الخليجي.
عام ونصف من الألم
ويتوقع المحلل الاقتصادي أن تكون الأشهر الـ18 القادمة “مؤلمة” وخاصة بالنسبة لمن يعتمدون بشكل كبير على عائدات البترول.
ويضيف: “بدأ الركود في الربع الأخير من عام 2019، وبدأ الطلب على المنتجات المكررة يتراجع في مايو/أيار من العام الماضي. وقد ازداد الوضع سوءاً مع تقدم العام”.
من جهته، يقول علي الصفار، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وكالة الطاقة الدولية، إن بعض الدول ستكون مجهزة بشكل أفضل للتعامل مع فترة انخفاض أسعار النفط من غيرها.
عملاق النفط السعودي أرامكو
ويضيف: “بالنسبة للمنتجين الكبار نسبياً ولديهم أحجام سكانية متواضعة، مثل الكويت والإمارات وقطر، ستوفر المدخرات المالية الكبيرة بعض الحماية من الضغوط المالية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط”.
ويرى الخبير أن الدول ستحتاج إلى تجاوز أصعب أزمة قصيرة الأجل على أي حال، من خلال استغلال الاحتياطيات وإدارة العجز الناجم عن تراكم الديون.
ويستدرك: “لكن على المدى الطويل، هناك حاجة إلى إعادة النظر في الهيكل الاقتصادي، بما في ذلك من خلال تحفيز دور أكبر لمشاركة القطاع الخاص في مجموعة متنوعة من القطاعات للحد من الاعتماد الكلي على عائدات النفط والغاز”.