حملات الدعم وحدها لا تكفي ولا بد من إجراءات مستدامة! لتبقى “عملتي قوتي” تحتاج الليرة إلى ما هو أكثر من عمليات الإيداع

حملات الدعم وحدها لا تكفي ولا بد من إجراءات مستدامة! لتبقى “عملتي قوتي” تحتاج الليرة إلى ما هو أكثر من عمليات الإيداع

مال واعمال

الثلاثاء، ٨ أكتوبر ٢٠١٩

لم تنل قضية اقتصادية -خلال الأشهر الأخيرة- اهتماماً رسمياً وشعبياً، كما نالت الليرة السورية لجهة سعر صرفها أمام العملات الأجنبية، وطغيان أثر هذا السعر على الأسواق والخدمات، لقد باتت الليرة مادة رأي عام، تترك انعكاسات وتداعيات خطرة على كل سوري.. في أعماله ومشاريعه..في دخله.. في قوت يومه، حملات دعم كثيرة شدت من أزر العملة الوطنية، ومثلها حملات إعلامية وتوعوية، ولكن هل هذا كافٍ لضمان قوة وصمود الليرة أمام الورقة الخضراء (الدولار)؟!، وماذا عن الإجراءات الأخرى التي لا بد أن نلمس نتائجها ميدانياً، حتى نقول إن شيئاً ما قد اختلف..؟!
 
حملات.. حملات
إزاء الانخفاضات الحادة في سعر صرف الليرة، سارعت جهات وهيئات رسمية وخاصة وشعبية لتشجيعها ودعمها عبر حملات متفاوتة الشدة والتأثير، أبرز هذه الحملات كانت تلك التي أطلقتها غرفة تجارة دمشق، واستهدفت تخفيض سعر الصرف إلى مستوى قريب من نظيره بداية العام الجاري، وإنشاء صندوق تدخلي خاص بالغرفة للتأثير على السعر، عبر مؤازرة رجال الأعمال لدعم هذا الصندوق، وتشجيع أصحاب الفعاليات المتوسطة والصغيرة لإيداع مبالغ في المصارف المحلية بالدولار، والإعلان اليومي عن هذا السعر في السوق الموازية ليعكس الطلب والعرض الحقيقيين؛ ما يفوت الفرصة على مروجي الأسعار الوهمية، كذلك الالتزام بتسعير المواد الأساسية المستوردة والممولة بسعر الصرف الرسمي، مع التنفيذ الفوري لمبادرة (عملتي قوتي)، ودعوة الحكومة لتشجيع التصدير بالنظر لكونه المصدر الرئيس للقطع الأجنبي. ومثل هذه الحملة حملات أخرى دعمها اتحاد غرف الصناعة ومصرف سورية المركزي وعديد الجهات الأخرى، فضلاً عن نشاطات متفرقة على مواقع التواصل الاجتماعي..
 
ولكن ماذا بعد..؟!
المزاج العام في الشارع بات أكثر ميلاً لعدم جدوى حملات الدعم وحدها، رغم أهميتها الكبيرة، إن لم ترافقها إجراءات عملية على الأرض مطلوب أن تبادر الحكومة إليها، وهو ما بدا واضحاً في مطالبة اتحاد غرف الصناعة بإجراءات حكومية حازمة وجريئة، منها إزالة العراقيل التي تعوق حركة الإنتاج والتصدير؛ ما يؤسس لاقتصاد إنتاجي مستقر وآمن، والإسراع في تنفيذ التوصيات المالية والمصرفية للمؤتمر الصناعي الثالث الذي عقد في حلب العام الفائت، وبقيت معظم توصياته حبيسة الإدراج..!
فيما يرى رئيس الاتحاد ورئيس غرفة صناعة حلب المهندس فارس الشهابي أن الإجراءات العقابية والظرفية غير كافية لحل مشكلة سعر الصرف، بل لا بد من إجراءات دائمة، كتسهيل الحوالات الخارجية، وتشجيع إيداع الدولار في المصارف بفوائد منافسة، وتعزيز الاستثمار الداخلي؛ لأنه كفيل أن يأتي بالخارجي، والاستفادة من الفوائض النقدية المحلية لإنعاش الأسواق، عبر زيادة الرواتب، ودعم التصدير بدلاً من أن تفقد هذه الأموال قيمتها بمرور الوقت..
 
وهي موجودة فعلاً
إذا كانت الأموال المتوافرة محلياً كافية لإحداث انتعاش اقتصادي، وهي موجودة فعلاً، فما الذي يمنع من الاستفادة منها في هذا الاتجاه، ويكفي للتدليل على ذلك ما قاله وزير المالية الدكتور مأمون حمدان مؤخراً في افتتاح فعاليات (مؤتمر التمويل المصرفي صمام أمان الانتعاش الاقتصادي)، حيث ذكر أن نحو 2400 مليار ليرة متوافرة كودائع لدى المصارف العامة، فضلاً عما هو متوافر لدى نظيرتها الخاصة، وأن جزءاً كبيراً من هذه الودائع جاهز للإقراض.
على خط موازٍ، لفت نائب حاكم مصرف سورية المركزي محمد حمرة إلى أن حجم الموجودات لدى المصارف المحلية وصلت إلى 7511 ملياراً، محققة نمواً قياسا مع العام الفائت بنسبة 13%، فيما زادت الودائع بالليرة إلى 2973 ملياراً بنسبة ثمانية بالمئة، وللعملات كافة إلى 4000 مليار بنسبة 10%، مشيراً إلى أن لدى هذه المصارف فائضاً لا نقصاً في السيولة تجاوز 1700 مليار؛ ما جعل الفرصة مؤاتية للإقراض، وهو ما يشجع عليه المركزي، شريطة ألا تنخفض السيولة عن 30%، وكفاية رأس المال عن ثمانية بالمئة، مع التأكيد على عدم رغبة المصرف بالعودة إلى التدخل في الأسواق، ولو بدولار واحد؛ لأن إمكاناته ستخصص لتمويل الحكومة والسلع الأساسية.
 
للنهوض الاقتصادي أيضاً
يرى مراقبون للشأن الاقتصادي المحلي أن النهوض الاقتصادي في البلاد يتطلب ما هو أبعد من دعم الليرة؛ فهو يستدعي دعم التصدير والإنتاج، وتطوير القطاع العام الصناعي عبر تحويل شركاته إلى رابحة ومنافسة وتصديرية، وهذا يقتضي التشاركية مع القطاع الخاص، أو منح الإدارة والعمال نسبة صغيرة من الأرباح، مع التركيز أيضاً على دعم الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني؛ فهو عماد الأمن الغذائي ومحفز التصدير.
ويشير عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق منار الجلاد إلى أهمية إنعاش حركة الأسواق عبر معالجة الخلل القائم بين مستوى الدخل المنخفض وتكاليف المعيشة المرتفعة، ودعم الصادرات بحيث تتمكن من النفاذ إلى الأسواق الخارجية، وقبل ذلك كله دعم الإنتاج على المستويات كافة، فالمنشآت المتوسطة والصغيرة وبعض الصناعات الحرفية، يمكن أن تؤدي دوراً مهماً في هذا الإنتاج، فضلاً عن أنها تسهم في بقاء القطع الأجنبي ودعم الليرة.
 
العمل على الأرض
يبدي الخبير المصرفي الدكتور علي كنعان رأيه حول عدد من هذه الإجراءات والحلول من قبيل: تشجيع الأفراد على إيداع أموالهم بالقطع الأجنبي مع سعر فائدة 6-7%، طرح المركزي لسندات خزينة بالدولار بفائدة 5-6%، تكون قابلة للتداول في سوق الأوراق المالية، كذلك طرح المركزي لسندات خزينة بالليرة لتمويل عجز الموازنة، وتخفيض حجم الإصدار النقدي، والاعتماد على المركزي في تمويل الخزينة العامة للدولة، مقابل سعر فائدة مغرٍ للمتعاملين يراوح بين 7-8%، على أن تكون هذه السندات أيضاً قابلة للتداول في البورصة.
كما يقترح كنعان تشجيع إقامة مصانع خاصة، وتقديم قروض للمستثمرين بالعملة المحلية أو بالقطع الأجنبي، مقابل فائدة تشجع على الاستثمار، ورفع الفائدة الحالية؛ لأن معدلات التضخم ترتفع حالياً تحت تأثير انخفاض سعر الصرف، بالتوازي مع تقديم إعفاءات ومزايا للمستثمرين في الزراعة بهدف زيادة الإنتاج، كتقديم حوامل الطاقة بأسعار مخفضة، أو إعانات لكل منتج زراعي يقدمه الفلاح للدولة، وبذلك يربط الإنتاج المباشر بالإعانة.
ومن هذه الإجراءات أيضاً تقديم إعانات للمنتجين الصناعيين، وذلك من خلال دعم حوامل الطاقة، أو إعانات مباشرة للصناعات الغذائية أو التصديرية، على غرار ما قدمت اللجنة الاقتصادية في اجتماعها في معرض دمشق، حيث سيمنح المصدرون 15% بالمئة من قيمة صادراتهم، وهنا كزيادة حجم القروض الإنتاجية والاستهلاكية لتشجيع تأسيس المنشآت؛ ما يرفع معدلات التشغيل، ويزيد حجم الدخول في الاقتصاد الوطني، ويخفض مستويات العطالة.
أحمد العمار-البعث