سوق السيارات.. أضغاث أحلام للفقراء وكوابيس احتيال للأغنياء

سوق السيارات.. أضغاث أحلام للفقراء وكوابيس احتيال للأغنياء

مال واعمال

الأحد، ٢٤ مارس ٢٠١٩

اقتناء السيارة ولو مستعملة قضية تشكل حلماً لأغلب السوريين اليوم، رغم أنها من أساسيات الحياة، إذ إن واقع السوق ومحدداته ومن يتحكم به وظروف الحرب وضعف القدرة الشرائية للمواطنين كلها عوامل اجتمعت معاً لتجعل حلم شراء سيارة أبعد ما يكون عن مخيلة المواطن، باستثناء شرائح محددة اغتنت بفعل الحرب أو بفعل «الورثة» أو غيرها من أسباب.
المفارقة في الموضوع أنه بحسبة أسعار السيارات بالدولار الأميركي بين اليوم والعام 2010 نجدها متقاربة جداً، ما يعطي انطباعاً أولاً بأن الأسعار مستقرة أو منخفضة أحياناً، وهنا يغيب عن الذهن عمر السيارة، فالسيارة التي كانت تباع بـ10 آلاف دولار عام 2010 كان عمرها 4-5 سنوات، وهي نفسها تباع اليوم بنفس المبلغ أو أقل بنسبة بسيطة جداً، أو أعلى أحياناً، لكن عمرها أصبح 13-14 عاماً، ما يجعل سعرها في السوق قياساً إلى عمرها مرتفعاً جداً.
 
وفي تصريح لـ«الوطن» بيّن الخبير الاقتصادي عابد فضلية أن ثمن السيارة الحديثة نسبياً يصل في المتوسط إلى 12مليون ليرة، على حين إن قدرة الشريحة الأكبر من المواطنين القادرة على شراء سيارة تتراوح بين 4 إلى 5 ملايين ليرة، مما يزيد الطلب على السيارات الرخيصة، وبالتالي ترتفع أسعارها، كما أن مسألة منع استيراد السيارات تشكل معضلة في هذا المجال.
 
احتكار القلة
رأى فضلية أن ظاهرة احتكار القلة في سوق السيارات موجودة منذ عقود، وهي ليست وليدة اللحظة أو خلال الأزمة، منوهاً بأن الاحتكار سواء كان معلناً أم غير معلن فهو حالة موجودة، ولا يمكن مكافحة الاحتكار بقانون أو بقرار، وإنما يمكن تقليص هذه الظاهرة من خلال فتح باب المنافسة الحرة وليس بانفلات السوق، ومن خلال إتاحة الفرصة لجميع من يرغب أن يعمل بالمجال، وهذا الكلام نظرياً موجود، أما عملياً فهو غير ملموس، وللأسف كان بعض كبار الموظفين الحكوميين في الفترات الماضية قبيل الحرب على سورية، يعتقدون بأن عليهم دعم أو تشجيع كبار المستوردين والمصنعين لأنهم الأجدر في الوجود بالسوق وإتمام العملية الإنتاجية، طبعاً هذا الشيء صحيح ولكن ليس فقط للكبار، ويجب أن تتاح الفرصة لجميع من يرغب، لأن السوق يجب أن تكون كبيرة وتستوعب أكبر عدد ممكن من العارضين، وبذلك يتاح ما يسمى بسوق المنافسة، بمعنى أن تقترب المزاحمة الاحتكارية باتجاه المزاحمة التامة، وكلما اتجهنا أكثر بمساحة المزاحمة على حساب الاحتكار كلما كان ذلك أفضل، بمعنى أن يكون هناك تكافؤ فرص للجميع في النشاط الاقتصادي.
يؤكد فضلية ضرورة دعم الصناعة المحلية الوطنية بمختلف المستويات، ويرى أن صناعة السيارات اليوم أو تجميعها غير مرضٍ، ولكنها خطوة أولى باتجاه زيادة القيمة المضافة المتضمنة لقيمة السيارة، بمعنى أن تقوم الوزارات المعنية بتشجيع ذلك، ليتمكن مجمِّع السيارات من تصنيع المزيد من القطع المحلية بدل استيرادها، لذلك فإن الصناعة أو التجميع يمضي بالاتجاه الصحيح، ولكن يجب ألا يستغرق هذا عشرات السنين، بل يجب أن يكون ذلك ضمن خطة لدى وزارة الصناعة وبالتنسيق أيضاً مع الجهات الحكومية وأصحاب المعامل ومع الشركات الخارجية التي تستورد قطع التبديل بالنسبة للتصنيع.
 
استيراد المستعمل
فيما يتعلق باستيراد السيارات المستعملة، رأى فضلية أنه ربما يكون ذلك لمصلحة منتجي السيارات، ولمصلحة الصناعة السورية أيضاً، ولذلك لا أرى أحداً متضرراً من المالكين أو المستفيدين من قيمة السيارة من عدم السماح باستيراد السيارات المستعملة، لينحصر الضرر بأصحاب الدخل المحدود الذين لا يستطيعون اقتناء سيارة حتى ولو كانت مستعملة، بمعنى هناك عائلة متوسطة أو جيدة الدخل وعدد أفرادها خمسة ومنهم موظفون ولديهم رواتب عالية نسبياً لا يستطيعون شراء سيارة، إلا بدعم أو مساعدة عن طريق القروض، ورأى فضلية أن هناك حلولاً وهي إيجاد آلية لمنح السيارات سواء مستعملة أم جديدة من خلال تقسيطها ليس فقط على مدى 40 شهراً، بل على مئة شهر مثلاً وأكثر أحياناً، فهذا يحل جزءاً من المشكلة ليستطيع أصحاب الدخل المتوسط والعادي اقتناء سيارة، وأما السماح باستيراد السيارات المستعملة فهذا غير محبذ لا مالياً ولا نقدياً.
ويؤكد فضلية أن معظم أصحاب مكاتب السيارات المستعملة لا يعملون لحسابه، بمعنى أنهم يشترون السيارات ثم يبيعونها بالأمانة، وبالمحصلة فإن التاجر الأساسي هو الذي يضع سعر السيارة والمكتب يضيف جزءاً من الربح، والاحتكار قد يكون من قبل بعض تجار السيارات الحقيقيين الذين يشترون السيارات برؤوس أموالهم ومن ثم يبيعونها، وهؤلاء محصورون ضمن موديلات وأنواع محددة من السيارات، مثل المرسيدس والأودي والبي إم، أما بشكل عام فهو ليس سوقاً احتكارياً ولايمكن أن يكون كذلك، وهو عبارة عن سوق نتج عنه تضخم في الأسعار، خاصةً المستعملة القديمة لأن هناك طلباً عليها.
 
فتح الباب
صرّح المدير التنفيذي لشركة (أرمادا موتورز) عماد درويش لـ«الوطن» بأن فتح باب استيراد السيارات يعني تعدد الشركات وفتح المجالات أكثر أمام دخول السيارات الجديدة، لاسيما من الدول الصديقة إيران وروسيا والصين، وهذه الخطوات تتيح أمام الزبائن تعدد الخيارات، وتلغي ظاهرة الاحتكار والسمسرة التي ترفع ثمن السيارة لرقم لا تستحقه في بعض مكاتب السيارات.
ووصف الرسوم الجمركية التي تفرض على السيارات المصنعة محلياً بغير المنطقية، فرسوم سيارات سابا صغيرة الحجم تصل إلى 500 ألف ليرة، وطبعاً هذه السيارات لها وضع خاص بشركة سيفيكو وبعض الشركات الأخرى، وأثناء وجود هذا النوع من السيارات في المرفأ لمدة تجاوزت ثلاث سنوات سمحت الدولة بدخولها بسبب وقوفهم بالمرفأ.
وبحسب المدير درويش فإن سنوات الأزمة والحرب على سورية، وما رافقها من حصار اقتصادي جائر، كلها عوامل ألقت بارتداداتها السلبية على مناحي الحياة، كما هو حال سوق السيارات اليوم الذي تضرر نتيجة تلك العوامل، فاليوم أحدث سيارة تصل سورية هي موديل 2011، ونتيجة الضرر الذي حصل بقطاع السيارات ارتفعت أسعار السيارات المستعملة بما لا يتناسب وقدرة أو دخل الزبون، يضاف إلى ذلك قرار منع الاستيراد، وهذه الظاهرة وغيرها كلها عوامل تؤدي إلى ارتفاع أسعار السيارات، وإذا ما قورنت أسعار السيارات المستعملة بالدولار فهي محافظة على أسعارها.
التقسيط
صرّح المدير التنفيذي لمجموعة شموط التجارية نبيل الملقي لـ«الوطن» بأن المصرف المركزي في منتصف الأزمة ألغى موضوع تقسيط السيارات، وذلك بحسب القرار رقم 234/16/ ص تاريخ 9/8/2018 م، والتعميم 1685/م/1/تاريخ 21 /1/2016 المتضمن التريث بمنح قروض أو التمويلات لأغراض شراء السيارات سواء للأشخاص الطبيعيين أم الاعتباريين، وعمّم هذا القرار على جميع المصارف العامة والخاصة، وبحجة أنها تسببت في تذبذب سعر الصرف، وأضاف: «بدورنا نطالب مصرف سورية المركزي بإعادة السماح بتقسيط السيارات المصنعة محلياً، وذلك ضمن خطة الحكومة لدعم الصناعة المحلية».
وبحسب الملقي، فإن تلك الأسباب جعلت موضوع التقسيط غير متاح في البنوك، واليوم يستهدف التقسيط شريحة قليلة جداً، وفي هذا السياق طرحت شركة شموط عروضاً محددة متاحة للتجار القادرين على السداد أو في حال توافر سجل تجاري أو سجل صناعي، وتكون الدفعة الأولى 50% وباقي الدفعات تتم على مراحل وهذا الأمر لاقى إقبالاً بنسبة 90% من التجار.
 
النصب والاحتيال على الزبون
قال تاجر سيارات في منطقة المزرعة بدمشق التقته «الوطن»: «الصادق لامكان له في السوق، وهناك أشخاص دخلوا إلى هذا السوق لا يملكون سوى مليون ليرة سورية واليوم يملكون ثروة تقدر بعشرات الملايين، وهناك أسباب كثيرة أولها الغش وذلك من خلال أسلوب الاحتيال الذي يمارس على الزبائن، وجهل الزبون بطريقة الشراء، مما يُمكن التاجر أو البائع من غبنه، بمعنى يتم بيعه سيارة على أساس أنها سيارة نظيفة وهي في الواقع مدهونة، ومن خلال عرضها على الميكانيكي يكون جواب الميكانيكي بأنها سيارة نظيفة، وطبعاً هذه الحيلة تكون بالاتفاق بين البائع أو التاجر والحداد على حساب الزبون، فيكون الحداد حصل على حصته».
ويعزو التاجر ارتفاع سوق المستعمل إلى السيارات التي تم طرحها في معرض دمشق الدولي، وبالنسبة للسيارات من الموديلات القديمة فقد بقيت محافظة على أسعارها، لأنها وبحسب وصف الزبائن خبز السوق.